في ذكراه العشرين: الحاضر الغائب #علي_الوردي وتشظي الشخصية العراقية “فيديو”

أزاميل/ المحرر الثقافي:
قليلة جدا هي الأسماء التي ستبقى مؤثرة على مستقبل العرب والمنطقة وإلى مدى طويل، وواحد من اهم هذه الاسماء الدكتور علي الوردي، فهو في الأفكار التي طرحها ومنهجه في التحليل والتفكير كان سابقا وعصره بمراحل،
فكتبه التي صدرت قبل اكثر من نصف قرن مازال يشعر كل من يقرأها وكانه يقرأ ما هو معاصر تماما لزمننا، بل متقدم عليه حتى انه يبدو أكثر حداثة وعمقا من اغلب الكتاب الأحياء المعاصرين!
ما يحز في النفس ان هذا العملاق بمعنى الكلمة مازال غير مقروء بشكل جيد، ولا معتنى بتراثه البالغ الثراء والتنوع، ولا نقصد بانه غير مقروء بمعنى القراءة بل بمعنى الغجابة على الأسئلة التي طرحها وتحويلها إلى واقع ثقافي معاش وملموس.
غير أن الوقت لم يفت بعد على إعادة قراءة هذا العالم الكبير، وهي قراءة شئنا ام ابينا، لا مفر امامنا من التمعن فيها مستقبلا والاستعانة بروحها الحية والتي ستظل متوقدة ونضرة ولعشرات السنين.  

 

في صمتٍ لافتٍ مرّت اليوم ذكرى عشرين سنة على رحيل المؤرخ وعالم الاجتماع العراقي علي الوردي (1913 – 13 تموز 1995). صمتٌ في تباين حاد مع ذلك الصخب المتواصل الذي عاش على وقعه الوردي مع مجمل النخبة العراقية طوال سنوات حياته. ولعل أهم مشاريع المفكر العراقي، هي سبب هذا التباين، بين حضوره الطاغي وخفوت الحديث عنه اليوم.

Advertisements
Advertisements

مثلاً انبرى الوردي لتحليل الشخصية العراقية، وهو موضوع مثّل عنصر جدل في عراق الستينيات والسبعينيات، حيث إن الدولة كانت تسعى لتشكيل شخصية عراقية نموذجية كجزء من مشروعها، وبناء على مواقف المثقفين منها كانت المواقف من أطروحات الوردي.

أما اليوم، فإن الشخصية العراقية قد تشظت وتحوّلت إلى شخصيات، وهذا الفرد العراقي قد انكفأ على نفسه وبات يحاول تأمين حياته فلا وقت يخصّصه لتحليل شخصيته.

في مثال آخر، كان مشروعه الأضخم لكتابة تاريخ العراق الحديث، متفاوت الجودة، حيث أن ما حاز إجماع القراء هو حديثه عن الحقبة العثمانية، ليخفت هذا الإجماع كلما اقترب من الأزمنة الحديثة ويفهم على أنه إحجام على ممارسة دور المؤرخ بحيادية. لقد كانت نظرته إلى الأمور محكومة بنظريات تآكلت بمرور العقود حتى قيل عنه بأنه “مؤرخ كبير وعالم اجتماع سيء”.

غياب الوردي يمكن تعليله أيضاً بأنه كتب بكثرة دون أن يتبع منهجية واضحة يمكن ان تنتقل بين الأجيال، كما ظل منفصلاً عن الواقع اليومي مؤثراً ذلك التداخل بين العلوم الذي كان يعجب قراء عصره.

بالتالي فقد كتب للزمن الذي عاش فيه. كتب ليمسّ معظم قضايا عصره وسقط غالباً في استسهال الوصول إلى نتيجة، وهو في ذلك جزء من جيل كان الكاتب المصري محمود عباس العقّاد يمثل نموذجه الأعلى.

Advertisements

إن الأفكار التي سحر بها مجايليه، ما عاد بإمكانها أن تهز اللاحقين رغم طرافتها، لأنها ببساطة لم تتأصل. أفكار لا تخلو من جدة وطرافة كقوله “عقل الإنسان ليس جهازاً فطريّاً، والسفسطة خير من خزعبلات أرسطو” أو سخريته الذكية من قصة “حي بن يقظان” واعتباره الشعر العربي القديم “بيداغوجيا التسلّط السياسي”.

كان المفكر العراقي، بلا شك، ناجحاً في بث أفكار جيدة وبناء سلاسل محكمة منها. وينبغي علينا ألا نلومه وحده في عدم استمرارها الزمني، فالحال أن ما حوله لم يكن قابلاً لالتقاط فكره ومعاملته بشكل سليم، ومنها حديثه عن إشكاليات العلوم الانسانية وحدودها.

هكذا صنع الوردي تناقضه الذي يعيش فيه اليوم؛ البعض يسميه بـ”العلامة”، وآخرون يعتبرون أن مدة صلوحية أفكاره قد انتهت، ومنهم من يرى بأنه صناعة مضخّمة من صناعات زمن البعث.

Advertisements

غير أن كل هذه التصوّرات حوله يمكننا إعادتها إلى بذور في مشروعه، كما أنها تعود إلى الطريقة التي تطوّر بها المجتمع العربي والتي لم تخطر ببال الوردي، ولم تكن لتخطر على بال أي دارس.

المصدر: صحيفة العربي الجديد

Advertisements

وكتب الناقد ياسين النصير تحت عنوان الوردي يكشف اللاشعور
يعدُّ الدكتور على الوردي واحدًا من الروّاد القلائل الذين أسسوا منهجية لعلم الاجتماع على أرضية عراقية قلقة تتجاذبها الانتماءات والجغرافيات والاثنيات، ولأنَّه عالم مفرد كانت بعض طروحاته بين صواب واحتمال الخطأ وهو ما يؤكد اهمية باحث متفرِّد في قضايا مجتمع كلّ شيء فيه بكر، والمشكل الأساس أن الوردي حلل طبيعة المجتمع العراقي قبل أن يشخِّص السياق الذي يوضع فيه هذا المجتمع، مما يعني ان بحوث الوردي كما لو أنَّها الرأس بينما الأطراف بقيت مجهولة وغير مبحوثة. فالسياق الذي يدرس في ضوئه المجتمع العراقي غير مشخَّص نقديًا ولا اجتماعيًا، وبالضرورة عندما نتحدَّث عن السياق فإنَّنا نتحدَّث عن مجموعة واسعة من متواليات الأحداث التي تشكل حالة اجتماعية معينة، فالسياق ليس لفظًا مجردًا، إنَّما هو عبارة عن اتجاه مجرى الأحداث، وكلُّ حدث له ثلاثية تكوينية بداية ووسط ونهاية،  هذا يعني أن السياق يمنهج لنا الرؤية الاجتماعية لتشكيلات المجتمع عبر تطور مراحله ومراحل هذه التشكيلات نفسها. الدكتور الوردي وهو يشخِّص بوضوح جزءًا من طبيعة العلاقة بين البداوة والمدينة، يصيب في الكثير من المواقف لكنَّه لا يطرح نظريَّة متكاملة عن العلاقات التي تبني هذه التطورات، لأننا عندما نعرف الآن الأشكال التي تطور إليها المجتمع العراقي وهي أشكال مخيفة من حيث أن اضطراب منظومة القيم الاجتماعية والأخلاقية التي ضربت في أكثر من موقع خاصة في الخمسين سنة الأخيرة، علينا أن نعرف تشكيلاتها الابتدائية، كيف كانت، وكيف تطورت وما هي القوى التي اسندتها وغذَّتها، وعلينا أن نتعرَّف على حلقاتها الوسطية كيف تشكَّلت. لذا لا يمكن رؤية المجتمع العراقي نقديًا ومن وجهة نظر اجتماعية متطورة من دون أن نتعرَّف على التأسيسات المعرفية والاقتصادية والمجتمعية والأسرية واللغوية، لأنَّ هذه التشكيلات واحدة من البنى التحتية التي تقوم عليها دراسة أي مجتمع.
أسس الدكتور الوردي هذه الرؤية المنهجية للأرضية الاجتماعية بنماذج وأشكال وحالات مختصرة، وهذا الجهد كبير وغير هين في الدراسات الاجتماعية، ولكن النظرية التي تنظم سياق هذه الرؤية واضحة بحدود أنَّها تعكس تجربة مضطربة.كل خطاب اجتماعي أو لساني أو نفسي يشكِّل نظامًا، وهذا النظام لا شعوري، وكل خطاب يتركَّب من عدد من الوحدات كما يقول عالم الاجتماع عبد السلام حيمر، وأن هذه الوحدات لا تكتسب دلالتها من ذاتها، بل من علاقاتها المتبادلة داخل نظام ذلك الخطاب. وحتى لا يشطُّ بنا المزار، ولا نبتعد عن فحوى الذكرى لعالم جليل وكبير فتح في الثقافة والدرس الاجتماعي نافذة يمكننا ان نرى عبر شساعتها جوانب كثيرة من بنى مجتمعنا العراقي، تؤسس دراسات الدكتور الوردي خطوة في الاتجاه العلمي المنفتح، وعلى مؤسسة الجامعة أن تديم حقول البحث فيها.
 ثيمة الدكتور علي الوردي انه ما يزال يُحرِّك الدرس الاجتماعي، فقد وضع بدايات الصواب لطرائق البحث، وعلى المعنيين أن يديموا هذا الحضور حتى وإن اختلفوا نظريًا وعمليًا مع طروحاته، أعتقد ان هذه المناسبة تثير فينا جدلية السؤال الدائم عن جدوى دراسة المجتمع العراقي  من جديد وبطرائق نقدية حديثة. 

شاهد أيضاً

شاهد أغرب فتاوى رجال دين: حرّموا الطباعة والقهوة..الدرّاجة حمار الكفار والطماطم مؤخرة الشيطان!

تأخرت المطبعة زهاء قرنين ونصف القرن عن دخول العالم الإسلامي بسبب فتوى حرّمتها وحرمت معها …