نحن ومقدسنا “المحجوب” 

 

Advertisements

                                                           بريق مقدسنا المحجوب

صار بحكم المعروف والمحسوم شعبيا أهمية دور المقدس “الأرضي” وليس السماوي فقط في سير الأحداث العربية والإسلامية، وقدرته على ضمان استمرار عملياتنا السياسية و”وحدتنا” الإسلامية المزعومة.

وتندرج ضمن هذا الإطار ما لا يحصى من عبارات المديح لهذا المقدس ودوره الكبير. 

ولمناقشة هذا الموضوع “الحساس” ولا اعرف لماذا، لابد اولا من الاعتراف بان لهذا المقدس دور اساسي، وهو دور إيجابي سياسيا واجتماعيا “ضمن الإطار الديني المفروض علينا”، غير إن هذا الدور وصل لدرجة القداسة حتى لا يكاد احد ينطق بكلمة عتب امام حضوره “الغائب-المغيب” لكي يسارع كل من هب ودب لإسكاته..

بناء على ما سبق وهو معروف، يشاع دائما أن هذا المقدس يمتلك قوة لا ترد ولا تصد ولا يستطيع احد ايا كان مجابهة كلمة او فتوى تصدر عنه او منه  “عراقيا على الاقل”.

وهنا أتساءل مثل طفل رأى “ثياب الامبراطور”، وطلب من يرشد عينيه البريئتين إليها: هل استخدم هذا المقدس قوته هذه بالكامل؟ .. وإن قيل إن هذا ليس من اختصاصه لأنه يكتفي بالتوجيه والإرشاد، فمن حقي أن أطالب إذا بنتائج هذا التوجيه والإرشاد وهل تم الإنصات له؟..وإن كان الجواب كلا ..علينا التساؤل لم لا نجد إذا مؤسسة تتابع توجيهاته وتحرص على تنفيذها، مثل اي مؤسسة أخرى؟.

Advertisements

فهل عاقب هذا المقدس احدا ولو معنويا علنا؟، ولم ردات فعله غامضة دائما وتحتمل التأويل والأخذ والرد بين “المدنسين” دون ان يصدر عنه تعليقا حاسما وواضحا وصريحا منه، عليها؟.. ولم، ايضا، يجري الحديث عنه بصوت منخفض دائما..ويقتصر على الدهاليز السرية للمنتفعين والوصوليين و”المقربين” له فقط؟

هل تكفي هالة القداسة وحدها لمنع الجميع من توجيه عتب ولو بسيط إليه؟

ومن اين أتى شعاع هذه القداسة، أهو من داخلنا الهلامي أم منه تحديدا ؟

Advertisements

ثم لم هو صامت غالبا، ولا ينطق حين ينطق إلا بلسان آخر، يدور في فلكه ويفتقد قداسته غالبا؟

أهي لذة التواري خلف “حجاب” التي لا تدع أحدا يجرأ على اختراقه و”التسرنم” بشيء من نعيمه؟

Advertisements

  • مناسبة هذا الحديث فيديو شاهدته البارحة لأحد الناشطين العراقيين..كان يتوسل فيه “المقدس” بحرقة وتذلل ويدعوه بأدب جم للتدخل لإنقاذ العراق، كان واضحا انه يستعير ثقافة الدعاء الدينية في كلماته وتعبيرات وجهه، لكي يقنعه بالرد.

كان واضحا انه وصل إلى حافة اليأس ولم يبق امامه من خيار سوى ان يختار هذا الطريق، أو أن يسقط في الهاوية، تعاطف معه كثيرون طبعا..لكنهم جميعا كانوا واثقين وربما هو ايضا، بانهم لن يحصلوا على جواب ولو توسلوا وتضرعوا له ألف عام!

اعتقد ان السبب بسيط..وقل من يعرفه او يدرك سره “الأعظم” أحد.. وهو أن حجاب المقدس هذا لو رفع ولو قليلا للإجابة بلسانه على أخطر سؤال، فسيفقد فورا كل سحره، يهبط بنفسه ويصبح مبتذلا معروفا ..و”عاديا”..

قل من يدرك أن سرّ المقدس كله يكمن في هذا الحجاب وهو فنّ لا تجيده ولا تدركه النسبة العظمى من مدعي القداسة الدينية والعائلية عربيا وإسلاميا، لهذا تراهم يبتذلون انفسهم بسهولة وسذاجة.. ويسعدهم ظهورهم المتكرر في وسائل الإعلام والإدلاء بحديث أو خطبة هنا او هناك، ولا يعلمون بانهم يحرقون اوراقهم بهذه الطريقة، ويبيعون بريقهم المقدس بسعر التراب.

الحاجز والستار والحجاب ضروري جدا لمن يجلس في قمة هرم المجتمعات الدينية، ومن يتمكن من وضع حجاب عليه، وأمثاله “نادرون”، يستعير في الوقت نفسه صفة من اهم صفات الآلهة، وداخل هذه الصفة فقط يكمن سر قوته وبريقه، وهو موقع مشابه شكليا لزقورات العراق القديمة التي يجلس فيها رجال الدين في اعلى نقطة فيها ولفترات طويلة.

من قمة هذا “الهرم” ينطلق هذا البريق تحديدا.. وهذا هو تحديدا الذي يسحر “الأتباع” وحتى “الغرباء”..

هذا هو الذي يدعونا دائما لأن نتخيل أن لا طريق امامنا في نهاية المطاف سوى هذا الطريق، انه تعويض نفسي، وهم لذيذ، بوجود حبل إنقاذ يربطنا دائما بشيء ما ولو كنا ننحدر نحو الهاوية. وإن كان التفكير “العقلاني”، يؤكد العكس تماما، وهو تفكير و”للمفارقة” يشجع عليه المقدس نفسه احيانا ولا يخشاه!

وعليه يمكن اعتبار بخل المقدس هذا وصمته المتواصل رغم ماحل ومازال يحل بنا وما نسميه “نحن” بالكوارث، لا يمكن ابدا ان يسفر عن شيئ أبدا، ولو بقينا ننتظر ان ينزل يوما من عليائه أبد الدهر، وقلنا ان السبب بسيط، وهو انه لا يستطيع ابتذال نفسه، او بعبارة إعلامية لا يريد ان يطلق النار على نفسه بنفسه،

وواضح ان مقدسا كهذا، لا يريد منا سوى المحافظة على بقائه مقدسا، أبديا ومفارقا، على الرغم من اننا نطالبه ونزعجه كثيرا بقضايا “وقتية”، فما هو مهم بالنسبة إليه لا ندرك اهميته مطلقا ولا حتى يخطر ببالنا، جراء مقاييسنا المدنسة الوضيعة الأرضية، بينما هو يستعمل “مدنسنا” فقط لإدامة عجلة قداسته، ولا يريد بالتالي ان يعالجه كما نظن دائما، لأنه غذاءه المفضل بل ربما لا غذاء له غيره اصلا!

مع هذا هو وفي حالات نادرة جدا، يتدخل، والشرط الوحيد لهذا التدخل، ليس لسواد عيون هذا او ذاك من الأتباع او الاعداء، او لحدوث كوارث أو ما شابه، فهذه احداث “زمنية” لا أكثر، إنما لسبب واحد وحيد وهو حين يصبح المقدس نفسه هدفا، اي ان وجوده باكمله بات مهددا ..وفي هذا الأمر لنا بحث آخر..

 

بقلم: عبد الحميد الكاتب