الرئيسية

تعرف على خارطة انتشار الحركات التكفيرية في العالم: من المحلّية إلى السلفية الجهادية المعولمة

By nasser

August 12, 2015

ولئن اختلفت ظروف نشأة هذه الحركات وتوقيتها وأهدافها الا ان الاكيد انها تنهل من مرجعيات فكرية واحدة يمكن ان توضع جميعا تحت لواء ما يسمى بـ«الفكر السلفي الجهادي» .

وقد نشأت بعض هذه الجماعات في الاطار المحلي لأهداف محلية او اقليمية على غرار طالبان التي ظهرت في سياق محاربة الغزو السوفياتي. وبعضها ظهر منذ البداية ليتمدد ويؤسس لخلافته المزعومة على غرار داعش التي تضع القضاء على الجيوش النظامية في المنطقة في سلم اولوياتها ، فساهمت اكثر في بلورة خريطة تقسيم جديدة للمنطقة على اسس مذهبية واثنية .فمع دخول تنظيم داعش الى قلب المشهد الجهادي باتت خريطة الحركات الجهادية تتباين بين مدين بالولاء لهذا التنظيم المتطرف الصاعد وبين من بقي وفيا لتنظيم القاعدة وثوابته واهدافه.. والملاحظ ان هذه الحركات ولئن تمكنت من السيطرة على مساحات شاسعة في خارطة العالم الاسلامي الا انها تعرضت للانكفاء في بعض الاحيان في سياق بعض التدخلات الاجنبية دون ان ينال ذلك من وجودها. فحركة طالبان نجحت مثلا في الاحتفاظ بمناطق نفوذ شاسعة في افغانستان في حين يظل وجود داعش في المنطقة بعد ضربات الائتلاف الدولي على مواقعها في سوريا والعراق غير واضح..

«ماركة مسجلة» وحتى وقت قريب كانت القاعدة هي « الماركة المسجلة» التي تصنف تحتها جميع هذه الجماعات الارهابية بعد ان تمكنت من بعث حركات «محلية» تدين لها بالولاء والطاعة. فكان انتشار القاعدة يشمل عدة دول في الشرق الاوسط وافريقيا واسيا وشبه القارة الهندية ، اتخذ فيها هذا التنظيم موطئ قدم لخلاياه النائمة ومعسكرات مقاتليه سواء عبر الجماعات الموالية له او

التنظيمات التابعة للتنظيم بشكل مباشر ، ولعلّ اهمّ هذه الجماعات هي تنظيم القاعدة في اليمن والعراق الذي برز مباشرة بعد الغزو الامريكي سنة 2003 ، مرورا بتنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي الذي بدأ نشاطه تحت مسمى الجماعة السلفية للدعوة والقتال . اما في القرن الافريقي فقد نشطت القاعدة منذ تسعينات القرن الماضي مؤسسة حركة الشباب المجاهدين التي انشقت عن المحاكم الإسلامية وأعلنت مطلع 2010 ولاءها للقاعدة .وفي غرب آسيا فان هناك حركات محلية لكنها متحالفة مع القاعدة ولها خصوصياتها الاثنية وهذا ما جعلها تتمتع في البداية بحاضنة شعبية على غرار حركة طالبان . وقد وصل امتداد القاعدة في اوج نفوذها ومجدها حتى جنوب شرق آسيا مع تأسيس جماعة ابو سياف في عام 1991. .

من القاعدة الى داعش في افريل من عام 2013 ظهر تنظيم داعش ليشكل علامة فارقة في تاريخ الحركات التكفيرية ، فقدم نفسه في البدء على انه اندماج بين «دولة العراق الاسلامية» التابعة لتنظيم القاعدة والمجموعة التكفيرية المسلحة في سوريا المعروفة بـ»جبهة النصرة»، إلا أنه سرعان ما حصلت القطيعة مع رفض جبهة النصرة ( التي تتبع القاعدة )هذا الاندماج الذي أعلن عنه زعيم «دولة العراق الإسلامية» أبو بكر البغدادي. وقد مثل قرار ايمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة الغاء الاندماج الحدث الابرز الذي شكل بدايات القطيعة بين التنظيمين الارهابيين . فبات

واضحا ان هناك مرحلة جديدة من التنافس والصراع قد انطلقت داخل البيت التكفيري بين القاعدة وداعش ، شمل الصراع على النفوذ وتجنيد المقاتلين والتنافس على مسرح العمليات . لقد اصبح داعش واحدا من اكبر الجماعات الارهابية واخطرها مع انتهاجه لاساليب شديدة الوحشية في القتل والتدمير . ولئن اتخذ هذا التنظيم من العراق وسوريا مسرحا لعملياته وجرائمه الا انه ايضا تمكن من استقطاب عديد الجهاديين حول العالم . علاوة على ذلك فان عديد الحركات التكفيرية اعلنت مبايعتها له في ليبيا و الجزائر ومصر ولبنان. كما تتحدث عديد المصادر عن اعلان بعض قادة طالبان انشقاقهم عن الحركة وانضمامهم الى داعش في 14 أكتوبر2014.

خلافات استراتيجية يؤكد اغلب المراقبين ان هناك خلافات استراتيجية عميقة بين القاعدة وداعش محورها الاساسي التنافس على التأثير والهيمنة على الحركات الجهادية حول العالم وعلى مصادر التمويل والتجنيد. وفي هذه المعركة فان داعش يحرص على توسيع اماكن عملياته فلم تعد محصورة بالمناطق التي سيطر عليها في سوريا والعراق بل امتدت مخالبه الى الشمال الافريقي معلنا تبنيه عدة عمليات في تونس والجزائر ومصر. كما استغل الانفلات الامني الحاصل في ليبيا ليقيم فيها اول امارة له في درنة .

وفي هذا السياق اعتبر نصيف جاسم حسين الباحث العراقي في شؤون الجماعات الارهابية ورئيس تحرير صحيفة «صوت عراقي حر» العراقية ان اغلب الحركات الاسلامية هي عابرة للحدود ولكن تنظيم القاعدة أخذ صفة عالمية اكثر من سواه بعد احداث 11 سبتمبر ويأتي تنظيم داعش بالدرجة الثانية من حيث سعة انتشاره وبوكو حرام في بعض الدول الإفريقية. ويوضح ان التنظيمات المحلية هي عادة احزاب محلية إسلامية امتلكت سلطة في بلدها وانتزعت منها مثل تنظيم الاخوان الذي تحول من المحلي (مصر) الى الاقليمي( اغلب الدول العربية)، وباتت أهدافها إقليمية وعالمية لأنها تؤمن بان ساحتها كل الدول الاسلامية ولا حدود تحدها . ولفت الباحث الى ان ظروف نشاة هذه التنظيمات متشابهة في اغلب البلدان فهي تنشط حيث يكون هناك

فقر مدقع وحيث يكون التعليم في ادنى مستوى. لذلك يشدد محدثنا على ان القضاء على خطر هذه التنظيمات يتم عبر سياسات محلية واقليمية ودولية ويحتاج اولا الى رفع مستوى التعليم وجعله الزامي بمراحله الاولى وتقليل مستوى الفقر بالاضافة طبعا الى تبني الديمقراطية وفسح مجال للحريات الفكرية للتعبير عن ذاتها. اما عن المرجعيات الفكرية لهذه الحركات التكفيرية فيوضح محدثنا انها في اغلب الأحيان تكون مرجعياتها واحدة فتنهل من فكر ابن تيمية وغيره من المنظرين الذين يوجبون القتل على من يخالف الدين الاسلامي فيبيحون قتل المسيحيين مثلا او سبي نسائهم كما فعلت داعش في حين ان الرسول يقول في حديث له « اللهم احفظ النصارى وأبناء النصارى ». ويوضح محدثنا ان داعش تنشط في العراق وسوريا وتوجد كذلك تنظيمات ارهابية اخرى في العراق مثل جيش أنصار السنة وجيش الراشدين وفي سوريا هناك الجهاد الاسلامي والنصرة. في حين تنشط بوكو حرام في النيجر ومالي.

أهم الجماعات الإرهابية وأوجه الشبه بينها في التاريخ الإسلامي

وكان مرصد فتاوى التكفير التابع لدار الإفتاء المصرية، أصدر تقريرًا في عام 2014 حول أهم الجماعات الإرهابية وأوجه الشبه بينها، وتناولت الدراسة تاريخ هذه الجماعات الإرهابية في التاريخ الإسلامي والطرق التي يستخدمونها لجذب وتجنيد مقاتليهم ومدى تأثير هذه الجماعات على الإسلام والمسلمين عبر التاريخ وكيفية الاستفادة من دروس التاريخ لمواجهة الجماعات الإرهابية في العصر الحديث.

وأكد التقرير أن جميع هذه الجماعات الإرهابية تنهل من معين واحد وهو فكر الخوارج التكفيري الذي يعتبر النواة الأولى لجميع الفرق والجماعات الإرهابية التي اتخذت العنف سبيلًا للتغيير، وجاء التقرير لإظهار التشابه التاريخي بين فكر هذا المذهب الضال وأفكار الجماعات الإرهابية والتكفيرية المعاصرة التي انتهجت هذا الفكر الشاذ.

وتناول التقرير عددًا من أبرز حركات العنف التي ظهرت في العالم الإسلامي قديمًا وحديثًا، ومن هذه الحركات حركة ”الخوارج” وهم الذين خرجوا على سيدنا عثمان بن عفان – رضي الله عنه – ونتج عن خروجهم قتله رضي الله عنه، ثم في خلافة علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – زاد شرهم وانشقوا عليه وكفروه، وكفروا الصحابة، لأنهم لم يوافقوهم على مذهبهم، وهم يحكمون على من خالفهم في مذهبهم أنه كافر، فكفروا صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأنهم لم يوافقوهم على ضلالهم.

ومن المعروف أن الخوارج هم أول من استخدم الإرهاب الفكري في وجه مخالفيهم ثم قتالهم ثانية، وقد شابهتهم كثير من الجماعات الدينية المعاصرة. وسلط التقرير الضوء على حركة ”الحشاشين” حيث اعتبرها المنظَّر الفعلي لمفهوم الإرهاب بمفهومه الحديث، حيث أسست مفهوم ”الانتحاري الموجه”، وكانت هذه الجماعة هي أول من أسس شكل الخلايا الإرهابية التي عادت للظهور على السطح في أماكن وأزمنة مختلفة، كذلك تعتبر تعاليم الحشاشين وطرقهم المرجع الأساسي للجمعيات السرية التي نشأت في أوروبا والمنطقة العربية كالجماعات الجهادية والتكفيرية الحالية وجماعة فرسان الهيكل، وجمعية يسوع وجماعة الدومنيكان وغيرها حول العالم . تناول التقرير عددًا من التنظيمات والحركات الإرهابية المعاصرة ومنها جماعة “التكفير والهجرة” التي تولى شكري مصطفى قيادتها وصياغة أفكارها ومبادئها، وفي السجن تولدت أفكاره ونمت، واعتبر نفسه مصلحًا عظيمًا والمهدي المنتظر، وبايعه أتباعه أميرًا للمؤمنين وقائدًا لجماعة المسلمين، وانتهى الأمر به إلى أن أُعدم هو وزملاؤه من قادة الجماعة في عام 1978م.

وقالت الدراسة إن أفكار ومنهج جماعة التكفير والهجرة متشابهة لدرجة كبيرة مع فكر الخوارج قديمًا. كما تناول تقرير مرصد الإفتاء بالنقد والتحليل تأسيس تنظيم داعش ”منشقي القاعدة” وتطوره التدريجي وكيفية تحريفه لآيات القرآن وأحاديث الرسول ليتمكن من خلال ذلك تجنيد مزيد من العناصر وتحقيق أهدافه في ظل التستر بلباس الدين والإسلام.

وقال التقرير إن هناك الكثير من أوجه التشابه والسمات المشتركة بين هذه الفرق قديمًا وحديثًا، ومن هذه الأمور أن هذه الجماعات تعتمد المتشابه من القرآن وهو ما يحصل من أصحاب القلوب المريضة، ومن الأمثلة على ذلك، استشهاد الخوارج على أبطال التحكيم بقول الله سبحانه: (إن الحكم إلا لله) فالمعنى المأخوذ من الآية صحيح في الجملة، وأما على التفصيل فيحتاج إلى بيان، ولذلك رد عليهم على بن أبي طالب بنفسه – رضي الله عنه- حين قال لهم كلمته الشهيرة: ”كلمة حق أريد بها باطل”.

وبين التقرير خلل هذه الجماعات الإرهابية في فهم القرآن الكريم، والاستدلال المغلوط بآياته، كما روى البخاري أثر ابن عمر رضي الله عنه أن من سمات منهج الخوارج هو التخبط في فهم القرآن، والاندفاع بتلك الأفهام المنحرفة إلى ترويع الناس وإراقة الدماء، فقد ورد في صحيح البخاري أن ابن عمر رضي الله عنه كان يقول: (انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين)، وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ ما أَتَخَوف عليكم رجل قَرأ القرآن حتى إذا رُئِيَت بَهجته عليه وكان ردءاً للإسلام غَيَّرَه إلى ما شاء الله فانسلخ منه ونبذه وراء ظهره وسَعَى على جَارِه بالسيف ورماه بالشرك.

قال قلت يا نَبِيَّ الله أيُّهُما أَولَى بالشرك المرمي أم الرامي؟ قال: بل الرامي) رواه ابن حبان في صحيحه، وقال ابن كثير عن إسناده: هذا إسناد جيد ، وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد. وأوضح التقرير الخطأ الذي وقعوا في فهم الحديث، مشيرًا إلى أن الجماعات الإرهابية ترتكب جرائم منكرة في حق الحديث النبوي كذلك، إذ ينطلقون إلى كلمات من الهدي النبوي الشريف، فينتزعون الكلام النبوي من سياقه، ويحملونه على أسوأ المعاني والمحامل، ويخلعون عليه ما وقر في نفوسهم من غلظة وعنف وشراسة وانفعال، مع جهل كبير بأدوات الفهم، وآداب الاستنباط، ومقاصد الشرع الشريف وقواعده، فإذا بالكلمة المنيرة من كلام النبوة، والتي تملأ النفوس سكينة ورحمة وإجلالا لهذا الدين، وشهودا لكماله، قد تحولت على أيديهم إلى معنى دموي قبيح، مُشوَّهٍ، يملأ النفوس نفورًا ورعبًا.

كما بين التقرير أن هذه الجماعات الإرهابية تتفق فيما بينها على اجتماع الجهل بدين الله، والجرأة على تكفير المسلمين واستباحة دمائهم، وظلم عباد الله، في حين أنها لا ترفع سيفًا ولا تطلق رصاصة في وجه أعداء الأمة الحقيقيين، مما يدعو إلى القول بأن تلك الجماعات ما هي إلا أداة في يد أعداء الأمة يستخدمونها في توجيه سهامهم إلى قلب الأمة. وسلط تقرير مرصد الإفتاء المصرية الضوء على الأدوات والأساليب التي تستخدمها تلك الجماعات في جذب وتجنيد عناصرها وقدم مقارنة بين تلك الأساليب قديمًا وحديثًا وبين مدى أوجه التشابه في الأسلوب وإن اختلفت الأدوات، حيث تستغل هذه الجماعات حافز الجنة الموعودة وتجذب أتباعها من خلال تصدير خطاب ديني واحد يعتمد على السردية الجهادية التي تستقطب عددًا كبيرًا من ممن يفتقرون إلى الإحساس بالهوية أو الانتماء من الشباب صغير السن والذي يرغب في المغامرة في إطار إسلامي دون وعي ولا بصيرة.

أما الحافز الثاني الذي تستخدمه تلك الجماعات فهو ”النساء” والذي يعد عنصرًا هامًا في جذب العناصر لمثل هذه التنظيمات مما يسهم في زيادة الأعداد المنضوية تحت لوائها، فقديمًا استخدم الحشاشون الجواري ليمثلن دور الحور العين في الجنة، وحديثًا استخدم تنظيم منشقي القاعدة ”داعش منشقي القاعدة” ما يطلق عليه إعلاميًا ”جهاد النكاح”.

فيما يتمثل العامل الثالث – بحسب التقرير – في تغييب العقل، ففي حالة جماعة الحشاشين نجد أنهم استخدموا الأفيون والحشيش أداة لتغييب عقول أتباعهم مما انعكس على أفعالهم وطاعتهم العمياء لأوامر أميرهم ”حسن الصباح” وإيمانهم بقدرته الكاملة على النفع والضرر لهم، أما حديثًا فقد استخدم “داعش” مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل التكنولوجيا الحديثة ليؤثر على أتباعه حيث تلعب هذه المواقع دورًا فعالاً للغاية في نشر الفكر المتطرف العنيف.[FirstQuote] من جانبه أكد الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي الجمهورية والمشرف على مرصد الفتاوي التكفيرية، أن تفكيك البنية الأيدولوجية للجماعات الإرهابية وفضحها علي الملأ باللغات الحية أصبح واجب، مشيرًا إلى أن دار الإفتاء خطت خطوات حثيثة في سبيل ذلك.

وحول كيفية تصحيح صورة الإسلام التي شوهتها تلك الجماعات، أكد مستشار المفتي إن هناك عدة طرق يجب اتخاذها لنشر الصورة الصحيحة الوسطية للإسلام في العالم، ومن أهم هذه الطرق: تصحيح المفاهيم الإسلامية التي شوهتها التنظيمات الإرهابية وحرفتها، وتفكيك فكر هذه التنظيمات، وبيان حقيقة ومعنى الجهاد في الإسلام وأركانه وشروطه . وشدد “نجم” على أن الانتصار في الحرب الفكرية ضد التشدد والإرهاب هو انتصار للقيم الإنسانية بشكل عام وتحقيق للاستقرار العالمي، وأن كل من يؤيد هذا الفكر التكفيري المتطرف بالقول أو الفعل أو يحاول تبريره هو عدو للإسلام وعدوٌ للوطن وكل القيم الإنسانية النبيلة.