الرئيسية

أدونيس يقدم مشروعا للإصلاح ويؤكد: شعوبنا العربية منشطرة الشخصية

By nasser

February 10, 2015

أدونيس يقدم في القاهرة مشروعا للإصلاح على أسس القطيعة والعلمانية والحرية وإعادة قراءة النص الديني

أزاميل/ متابعة: السفير/ محمد شعير -تاريخ المقال: 09-02-2015 02:16 AM

أدونيس في القاهرة، زيارة رسمية بعد انقطاع طويل، كما أنه لم يشارك في ندوات معرض القاهرة منذ المرة الأخيرة في نهاية التسعينيات.. رفض صاحب «الثابت والمتحول» أن يلقي شعرا، وفضل أن يتحدث تحت عنوان «نحو خطاب ديني جديد». وهي القضية الرئيسة التى دارت حولها نقاشات المعرض في دورته الأخيرة.

قدم اللقاء أحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب الذي أشار إلى أن أدونيس: «اعتاد أن يُطل علينا من شُرفتين، الأولى هي شرفة الشعر، أما الشُرفة الثانية التي يُطل علينا من خلالها، فهي شُرفة التجديد الفكري، الذي يتأمل منها شؤون الثقافة العربية كلها»…

وأضاف: «قد اختار أدونيس أن يُطل علينا اليوم من هذه الشرفة، شرفة المُفكر». قال أدونيس: سأقول لكم بعض الأفكار والرؤى التى ربما تعرفون منها شيئًا من خلال كتاباتي وأعمالي السابقة، ولكني أحب أن أكرر بعضها في مثل هذه اللقاءات وفي مثل هذه المراحل التاريخية الفاصلة».. كرر إذاً أدونيس أفكاره القديمة متعمدا كما يقول، ربما لتأكيدها: «سريعا ورغم كل الإنجازات التي حققها الكتّاب والمبدعون العرب في كل الميادين، شخصيًا أقول إن الحداثة العربية ليست حاضرة معنا وليست أمامنا، وإنما الحداثة هي خلف ظهورنا.

فالأطروحات والأفكار التي حدثت في القرن الثاني الهجري الثامن الميلادي، وخاصة في بغداد، أكثر جرأة وأكثر عمقًا وأكثر جذرية من أطروحتنا المعاصرة اليوم، فلا نجد شاعرًا خلق لغة كاملة للمدينة كما فعل أبو نواس، لا نجد شاعرًا أعاد النظر في شعرية اللغة وفي علاقتها بالأشياء وبالعالم كما نجد عند أبو تمام، لا نجد شاعرًا أعاد النظر في الموروث الديني والموروث الاجتماعي العربي كما نجد عند أبي العلاء المعري، هذه أمثلة فقط وثمة أشياء أخرى من الممكن أن تعطينا أمثلة كثيرة».

ولفت أدونيس إلى أننا لا نجد تجربة فذة مثل تجربة المتصوفين، ولا نجد تأريخًا عظيمًا كما نجد عند ابن خلدون، في مقدمته الشهيرة في كل ما يتعلق بعلم الاجتماع، هذا كله يجعلني أقول وأكرر ان حداثتنا العربية هي وراء ظهورنا وليست معنا اليوم وليست أمامنا، إلا إذا غيّرنا مسار تفكيرنا وعملنا.

يسأل أدونيس: «كيف حدثت هذه المنجزات الكبرى في الماضي ولم تحدث في الحاضر؟ والجواب بسيط هو أنه لا يمكن التجديد والانتقال من مرحلة لمرحلة إلا بإحداث قطائع معرفية وقطائع جمالية. ومثل هذه القطائع حدثت في العصر العباسي على وجه خاص لكنها لم تحدث عندنا حتى اليوم بالشكل الذي تفترضه الحداثة العربية داخل الانقلابات المعرفية الكبرى، وذلك على الرغم من حدوث هزات معرفية وفكرية عنيفة في القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين!».

وأوضح أن هناك إمكانية للتجديد والتأويل في الدين، وأنتم تعرفون قصة التأويل في التراث العربي، ولعلكم تعرفون القراءات والتأويلات التي حدثت في الثقافة العربية وخاصة في إطار الأفق الديني.. والآن يختصر ويختزل هذا التأويل القرآن الكريم إلى مئة وخمسين آية فقط، وهي التي تتعلق بأمور النكاح والفرائض والطقوس الدينية، غافلين عن جميع الآيات الأخرى المتعلقة بالتدبر في الكون وخلق السموات والأرض وخلق مناهج جديدة، وكان النص القرآني غير موجود في هذه المجالات إطلاقًا؟!

تجديد

وأضاف: «لا استغراب أو دهشة إذاً إذا لم نجد مفكرًا أو شاعرًا أو نجد فيلسوفًا! لكننا على الطرف الآخر نجد لنا مئات بل آلاف الفقهاء، الذين ليس لديهم أي تجديد ولا ابتكار».

وأضاف: «لا تجديد إلا بالمقاطعة، فأبو نواس جدد حينما قاطع لغة البادية، وكذلك حدث مع أبو تمام والمعري فكل منهما استطاع أن يصنع عالمًا جديدًا قائماً على الإبداع والابتكار لا على التقليد، فإذا كنا صادقين في نياتنا للتجديد فعلينا أن نقوم بمثل هذه القطائع في جميع الميادين، فنحن لا نزال ثقافيًا نعيش في ثقافة الإمبراطورية العربية الإسلامية، والتي قامت على ثقافة الغزو والفتوحات».

وتساءل: «ما هو المشروع العربي اليوم للوقوف في وجه التطرف الديني، وماذا قدمت الأنظمة التي تتناقض في ما بينها ولا يجمعها سوى أنها تقف على شاطئ واحد لمقاومة التطرف؟! والمتطرفون كداعش وجماعة النصرة الإسلامية وغيرها لم ينزلوا في قفة من السماء فجأة بل هم استمرار لتاريخ طويل من العنف.

وذلك لأن تاريخنا دائمًا هو تاريخ السلطة، والسلطة العربية لم تفكر يومًا ما في المجتمع بل فكرت في الحفاظ على السلطة العربية فقط على مدار كل السلطات العربية بلا استثناء، من منكم قرأ ذات يوم تاريخاً للشعب، أين تاريخ الشعوب؟!».

وأوضح: «هل تتصورون مثلاً أن التراث الأعظم والأكثر تعبيرًا عن الشخصية العربية وهو الشعر لا يوجد كتاب واحد يدرس جمالياته على مدار 14 قرنًا من الزمان، وما كتبه الجرجاني في هذا الشأن وأخذه عنه الباحثون بعد ذلك لم يكن عن الشعر بل عن جماليات الأسلوب القرآني، هذا هو حال تراثنا الأكبر، ليس هناك عقل نقدي».

ورأى أن «الشعوب العربية منشطرة الشخصية ولذلك فلا نجد لدينا من ضمن أنواع الأدب العربي ما يُعرف باسم أدب الاعترافات، لأن العربي توجد في مخيلته ثقافة راسخة تؤكد أنه يولد ويكبر ويموت معصومًا عن الخطأ، وأن المخطئ دائمًا هو الآخر. إن الثقافة العربية اليوم أميل إلى أن أسميها ظاهرة تقليدية أكثر من كونها ظاهرة بحثية تدعو لفتح مجال جديد للعلم والثقافة والمعرفة.

فالثورة الحقيقة أن نثور أولًا على أنفسنا وبعدها نبدأ في الثورة على الآخرين، وإذا لم نفعل ذلك فسنظل ندور في حلقة مفرغة يأكل بعضنا فيها بعضًا».

مشروع أدونيس الإصلاحي

وأكد أدونيس أن الثقافة العربية السائدة هي ثقافة لا تعلم إلا الكذب والنفاق والرياء، فإذا كانت الرقابة في المجتمع العربي جزءاً عضوياً من الثقافة العربية وليست فقط رقابة أهل السلطة، فرقابة أهل السلطة جزء من الرقابة الاجتماعية والسياسية، فأنا لا أستطيع أن أقول كل ما أفكر فيه، وإذا قلته في قاعة كهذه لا أستطيع أن أقوله كله، وهذا يؤكد أن الثقافة العربية لا معنى لها فهي ثقافة وظيفية لا ثقافة بحث واكتشاف، كلنا موظفون في ثقافة سائدة.

وفى الختام أكد أدونيس أنه صاغ مشروعاً للإصلاح من نقاط أربع:

النقطة الأولى، هي أننا في حاجة إلى قطيعة كاملة مع هذا النوع من القراءات السائدة للدين والتي تحوّل النص الديني الذي هو نص رحمة ومحبة وسعادة للبشرية إلى نص عنف، إلى جلاد، ومع احترامي الكامل للمتدينين فنحن في حاجة إلى قراءة جديدة للنصوص الدينية.

النقطة الثانية، إذا كنا بالفعل نرغب في تغيير السلطة والمجتمع معًا فيجب أن ننشئ جبهة علمانية على مستوى الوطن العربي، تعمل على إعادة قراءة الموروث وتؤسس لمجتمع جديد قائم على المعرفة والفكر المتجدد.

النقطة الثالثة: علينا أن نحرر ثقافتنا من القيود المفروضة عليها، فقد وضعنا كل شيء من أجل الثقافة وتناسينا أن الثقافة هي من أجل الحرية وفتح الآفاق.

النقطة الرابعة والأخيرة، هي الديموقراطية التي لا مفر منها، فبدون الديموقراطية لا حرية ولا حقوق ولا مساواة، فالمواطنة القائمة على علمنة المؤسسات هي ما تستحق أن نناضل من أجله.