الشام

الحضارة الآرامية هل هي رحم الديانات التوحيدية؟

By nasser

June 12, 2016

استمرت فعالية محاضرات “وحدة حضارات العراق” التي يرعاها اتحاد الجمعيات الديمقراطية العراقية في هولندا بالتعاون مع النادي الثقافي المندائي ورابطة المرأة العراقية في لاهاي، مساء الـ 3 من حزيران الجاري، والتي يقدمها الدكتور خزعل الماجدي (رئيس جامعة فان هولند للتعليم المفتوح).

وكانت المحاضرة السابعة بعنوان “الحضارة الآرامية : حاضنة الأديان التوحيدية”، وتناول المحاضر عبر اكثر من 130 سلايد شرح تاريخ وحضارة الآراميين وقسمه الى خمسة مراحل هي (العتيق ،القديم ، الوسيط ، الحديث ، المتأخر)

وقد رأى أن المستوطنات الآرامية الأولى ظهرت في حدود 4000 ق. م وكانت تنمو مع الزمن حتى اذا ماظهرت الحضارة السومرية في مرحلتها القديمة ظهرت القبائل الآرامية، ثم يبدأ التاريخ القديم من الفترة الأكدية حيث أول ذكر للآراميين وأول مدينة آرامية وهي (آرامي) التي يرجح وجودها بين الزاب الأسفل ونهر ديالى، وفي العصرالسومري الحديث ودويلات المدن الآمورية تظهر القبائل الارامية الكبرى ومنها بعض القبائل الراحلة المجهولة التاريخ وهي (الأخلامو والخابيرو والعبيرو)، ثم جاء العصر الآرامي الوسيط الذي شهد ظهور ال(بيت) الآرامي على نطاق واسع وهي بداية استقرار القبائل ونشوء المدن الصغيرة فضلا عن ظهور الثالوث القبلي (آرام أحلام سوت) في العراق وسوريا وهو مايؤشر بداية الهجرات الآرامية الواسعة من وادي الرافدين الى سوريا، وفي العصر الارامي الحديث الممتد من (1000-539) ق.م حيث ظهرت دويلات المدن الآرامية على نطاق واسع ومتميز في العراق والشام في مناطق الشمال والوسط والجنوب في كليهما.

وظهرت في شمال وادي الرافدين دويلات مدن مثل (بيت زماني، بيت بحياني وهي آرام النهرين، آرام فدان، بيت عديني وامارات بيت لاقي وغيرها) وفي وسطه ظهرت إمارات مثل (جمبول، يادبارد، بوقود، الليت، خيندار) وفي الجنوب ظهرت ممالك آرامية كثيرة منها (بيت داحور، بيت ياقين، بيت مندع، بيت لاراك وغيرها) وقد أحصى المحاضر مايقرب من 24 مملكة (بيت) آرامية في العراق القديم وهو عدد يفوق ما هو موجود في كل بلاد الشام وهو مادفعه للتساؤل:

لماذا يهمل مؤرخونا البحث في الوجود الآرامي في العراق.. بينما يسعى الآخرون للتأكيد على الوجود الشامي بل والأصل الشامي للآراميين !

وهو الأمر الذي عده المحاضر نوعاً من القصور في البحث التاريخي والأركيولوجي عند العاملين في هذا المجال . العصر المتأخر للأراميين

أما العصر المتأخر للآراميين والذي يبدأ من سقوط بابل إلى مجيئ الإسلام الى العراق ( 539 ق.م– 634 م) وهي فترة زمنية تمتد لأكثر من الف سنة فقد عدها المحاضر من أهم عصور الحضارة والتاريخ الآراميين لأنها عصر طغيان اللغة والكتابة ثم الحضارة الآرامية على منطقة الشرق الأوسط (القديم) وهي المرحلة التي ظهرت فيها الأديان الموحدة الكبرى التي عطفت تاريخ البشرية بأكمله وكان للحاضنة الحضارية الآرامية الدور الأكبر في صياغة هذه الأديان كتابة ولغة ومضموناً.

وفي وادي الرافدين شهد المدى الآرامي أبهى أشكاله عندما تحولت الكتابة واللغة الارامية الى مادة التخاطب بين دول وممالك المنطقة بأكملها أي أنها اصبحت لغة عالمية على مدى الف عام تقريبا. واحتضن وادي الرافدين اولى الديانات التوحيدية الارامية اللغة و أو الكتابة مثل الزرادشتية والمندائية واليهودية والمانوية وظهر التراث السرياني المسيحي ساطعا فيه وظهرت دول وامارات ارامية مهمة مثل (الحضر، حدياب ، الأنباط ، ميشان).

ثم تناول الماجدي القسم الثاني المهم من المحاضرة وهو جوانب الحضارة الآرامية فقد بحث في الجانب السياسي نظام الحكم وتطوره من القبيلة الى ال(بيت) وظهور مناصب الملك والأمير وولي العهد ورئيس الكهنة وموظفي البلاط والمقربين من الملك (رابين) وناقش نظام الولايات الإداري التي كانت تسمى (ناجي)، ثم الجيش الآرامي المكون من حملة الأقواس وحملة الرماح والمشاة واستعمالهم للخيول والأسلحة الحديدية وركز على ماعاناه الآراميون من سياسة الترحيل القسري الذي عاملهم به الآشوريون بشكل خاص. وفي المظاهر الدينية ناقش المحاضر المعتقدات الدينية الآرامية ورأى أنها متميزة وتنحو نحو التوحيد مع مرور الزمن فقد كان أول إله قومي عبدوه هو الإله (ور- مر) اله الطقس الذي طابقوه بعدئذ مع الإله أدد (حد د) الذي هو الإله القومي للآراميين وزوجته عتر (عشتار) والذي ربما جعلوه الإله الواحد الأحد لأن حدد تشير الى الواحد (ديانة تفريدية) لعدم وجود صنم خاص به.

المعتقدات الارامية…

المعتقدات الآرامية صهرت الغنوص الشرقي (الزرادشتي، البابلي، المندائي) مع الغنوص الغربي (المصري ،الهيلنستي) وبلورت فكرة التوحيد التي ظهرت في اليهودية والمسيحية والمانوية والاسلام.

وحفلت بظهور فكرة الجن والملائكة و العفاريت وأجنحتهم و بداية ظهور فكرة الجنة والنار والحساب والعقاب والثواب بتأثير من الزرادشتية أولا والمصرية ثانيا وخصوصا في الفترة الهلنستية.وتميزت بظهور الديانة الحرانية الكوكبية الغنوصية في مقابل الديانة المندائية المائية الغنوصية كوجهين متضادين للغنوص الآرامي.

وقد تميزت الأساطير الآرامية بميزات جديدة قياساً الى الأساطير الرافدينية السابقة عليها ومن أهم هذه الميزات هي:

1.أسطورة الخليقة الآرامية: حيث إلهتها الأولى (إم) بطلها هو (حدد ) وآلهة الكون (رحبا) وليس مردوخ أو آشور.

2.آلهة العالم الأعلى (النور): إيل والكواكب والنور والنار

3.آلهة العالم الأسفل(الظلام): مثل جبل ونرجل ورشف وليل

4.أساطير عشتار (عتر) دون تموز بل معظمها مع حدد.

5.أسطورة الموت او النهاية تكون بالريح وليس الطوفان وقد نقشت في (دير علاّ) في الأردن لاحقاً

6.في المرحلة الهيلنستية: ظهر حدد مع أترغاتس، والثالوث (سميوس ،سيمون ، سميرنا).

وتحدث المحاضر مطولاً عن شجرة الآلهة الآرامية التي ضمت آلهة نزحت لها من الشعوب المجاورة وعن خصائص ووظائف هذه الآلهة وصورها وأشكالها ورموزها .وفي الطقوس رأى المحاضر أن الكهنة كانوا على أنواع وهم:. الجامر: كاهن عادي وكمر: كاهن عادي والحازي وهو كاهن الرؤى والتنبؤات والكاهن المنشد الذي يحمل حبل الصاعقة ، أما المعابد الآرامية فقد نشأ ت عن تجانس معماري بين الهيكل الكنعاني والبيت العالي الآرامي نموذجها بيت عين دارا.

وفي المظهر الاجتماعي للحضارة الآرامية تحدث المحاضر عن مكونات المجتمع الآرامي الذي يتكون من طبقتي ال(مسكبم) وهم الميسورون اقتصاديا وطبقة ال(برّم) الذين لايحتاجون الى حماية وهناك أيضا الملاكون والفلاحون والعمال. ثم العادات والتقاليد الجتماعية والمهن والحرف.

في الجانب الثقافي ناقش اللغة الآرامية وكتابتها الأبجدية التي جاءت من أبجدية صور وتطورت عبر الكتابة الفينيقية لكنها أخذت شكلها الجديد والبسيط في الآرامية وأصبحت لغة وكتابة الشرق الأدنى كله تقريبا كما ناقش المحاضر اللغات السامية وموقع اللغة الارامية بينها وتفرعاتها في اللهجات الآرامية (المندائية ، النبطية ، السريانية)، ثم ناقش المحاضر الأدب الديني والأدب الدنيوي عند الآراميين .

 

ناقش المحاضر مطولاً كيف أن الثقافة الآرامية كانت حاضنة لستة أديان متتابعة كان لها أعظم التأثير في تاريخ البشرية وهي (الزرادشتية ، المندائية ، اليهودية ، المسيحية ، المانوية ، الإسلام) ورأى أن الكتب المقدسة لهذه الأديان كتبت بالآرامية تقريبا . فقد كتب كتاب الأفستا الزرادشتي بالآرامية في العهدين الأخميني والفرثي وتحول خطه الى الخط الفهلوي ثم سمي بالخط الأفستائي وكانت قراءته سهلة وتداوله يسيراً من خلال هذه الكتابة الارامية. كما أن الكتاب المندائي المقدس (كنزا ربّا) ومعه كل التراث المندائي كتب بالكتابة الآرامية، وكذلك كتبت الأسفار الأولى للتوراة في أرض بابل على يد عزرا الكاتب ومن تبعه من أنبياء السبي ومن كهنة اليهود في بابل ثم التلمود البابلي والفلسطيني وكتابتهما بالارامية بشكل خاص. أما السيد المسيح فقد تكلم بإنجيله باللغة الآرامية التي كان يتكلم بها لكن الأناجيل كتبها تلاميذه بالأغريقية ثم ترجمت الى الآرامية فنشأت اللغة السريانية التي كان لها فضل ظهور أغلب التراث المسيحي الشرقي. وفي وادي الرافدين ظهر نبي بابل (ماني) في القرن الثالث للميلاد وكان الفرس يحكمون البلاد ودعى الى دين جديد غنوصي ينبع من المندائية والمسيحية وكتب كل كتبه بالآرامية من ضمنها كتابه المقدس (إنجيل الحي)، وعندما ظهر الإسلام لم تكن اللغة العربية قد تكونت بعد فقد كانت هناك لهجات عربية هي خليط من الآرامية والأكدية والأمورية والكنعانية بشكلها الصحراوي الذي بلورته جزيرة العرب ثم ظهرت لغة القرآن بلهجة قريش وتشكلت اللغة العربية من خلال القرآن الذي صقلها وكونها وقد كانت قبل ذلك على صلة بالجو اللغوي والثقافي الآرامي الذي ساد شمال الجزيرة العربية والعراق والشام.

ثم تناول المحاضر حكمة احيقار الآرامي وشرح أهمية هذا الحكيم الارامي الذي عاش في البلاط الاشوري وذكر نبذة من حكمته. واستكمالاً للمشهد الثقافي عرض مجموعة من نماذج النحت الجسم والنافر والبارز للآراميين وخصوصا من جوزان التي كانت عاصمة للملكة ارام نهرين ثم الأختام الآرامية والأطباق الفخارية المكتوبة والمرسومة .

اختتمت الأمسية بمناقشة الجمهور للمحاضر والتي تضمنت الأسئلة والإيضاحات والتي تعزز دور التفاعل بين المحاضر وجمهوره في هذه المحاضرات المهمة التي تعيد كتابة وعرض تاريخ وحضارة العراق بطريقة مميزة وجديدة، فقد تعرضوا للغة والكتابة الآرامية وللأديان التي ظهرت في مناخها وأغنوا جو المحاضرة بمناقشاتهم، ثم أعلن عن موعد المحاضرة القادمة في أيلول2011 والتي ستكون عن الشعوب الرافدينية المتاخمة التي أهملها الذين أرخوا لتاريخ العراق وهم العيلاميون والكاشيون والحوريون .