الإسلام والعقلانية وهل يمكن أن يكون هناك إسلام عقلاني؟

تلك أيامنا تقولُ وأعمالنا تقولْ:

Advertisements
Advertisements

الحقيقةُ فينا

ما تشاءُ الخرافةُ

لا ما تشاءُ العقولْ

الإسلام والعقلانية -1-.

ككاتب لطالما دافع عن الحريات وسيادة العلم و العقلانية في الخطاب الديني، دائما ما كان يوجه لي سؤال “هل بكتابتك هذه أنت تتخيل انه يمكن أن يكون هناك إسلام عقلاني، وأنه يمكن أن يتجاور الإيماني الديني مع العقلانية ؟”

Advertisements

و هذا السؤال وللغرابة كان يطرح علي من ناحيتين متناقضتين، الأولى من مسلمين أصوليين يقولون انه لا يمكن أن يكون المسلم عقلانيا لأن من اعتمد على عقله ضل، و أن الأصل إتباع النصوص؛


والثانية من غير مسلمين يقولون أن العقلانية تتنافى بالضرورة مع الإيمان الإسلامي والديني عموما لكون الدين يفرض الإيمان بأشياء لا يمكن إثباتها علميا، وهو ما يجعله بالضرورة اعتقادا لاعقلانيا.. و الحقيقة أنه وبالنسبة لهذا السؤال من الجانبين، فأعتقد أن يمكن الجواب عليه بجواب مبدئي هو ” نعم”

Advertisements

.. نعم المسلم يمكن أن يكون عقلانيا فلا يوجد فرض صريح وكما نعلم من الإسلام يدعو لنبذ العقل، لكن طبعا وجب قبل هذا التنويه أن هذا الجواب الذي نقدمه يحتاج إلى تفصيل ليكون مفهوما، فالإسلام وكما نرى ليس كيانا واحدا موحدا لكي يعتبر عقلانيا كله، أو لا يعتبر، لكن الإسلام هو شقان (نظري وعملي )

وعليه ومن أجل جواب كلي على سؤال “هل يمكن أن يوجد هناك إيمان إسلامي عقلاني؟” فسوف نفصل بين أمرين ، الأول حول المسلم العقلاني من ناحية مجتمعه ، و الثاني حول المسلم العقلاني اتجاه معتقده ، وهذا لكون هناك فارقا وكما سنوضح بين المسلم و تصوره الإيماني الذاتي الخاص ، وبين المسلم وتصوره الموضوعي العام .

Advertisements

2

حول المسلم العقلاني اتجاه مجتمعه ؟ .

شخصيا أرى أن الجواب على هذا السؤال هو نعم بالمطلق ، فنعم يمكن للمسلم أن يكون عقلانيا اتجاه مجتمعه ، و اعتقد أن هذا الأمر أسهل بكثير من العقلانية اتجاه المعتقد (وسنفصل في هذا لاحقا) ، فما يحتاجه المسلم ليكون عقلانيا اتجاه مجتمعه هو أمر بسيط ، حيث يكفي أن ينظر المسلم للتعاليم الإسلامية الخاصة بعلاقة المسلم بالمجتمع “بعقلانية” ليؤسس لعلاقة متوازنة تربطه بالمجتمع ، والمسلم إذا قرئ تعاليم الدين الإسلامي بعقلية عقلانية فبنظرنا هذا سيؤدي لا محالة إلى أن يتحول إلى مسلم عقلاني ، وحل هذا الأمر فيمكن حصر كل مشاكل علاقة المسلم بمجتمعه في أية “لا إكراه في الدين” وطريقة فهمها ، فنحن وإذا لاحظنا طبيعة ما يخلق الالتزام الديني اللاعقلاني في الإسلام ، فهو بالذات الفهم المعاكس لهذا الآية ، حيث مثلا ما يؤدي للإرهاب اليوم ، أو إلى القمع الديني بإسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و الشمولية الدينية باسم تطبيق الشريعة إلخ ، فكلها نابعة من التناقض مع هذه الآية ، فالشمولية الدينية الإسلامية مثلا لم تنشئ إلا لأنها ألغت تفعيل هذه الآية ،

فمن جهة الدين يقول وبصراحة انه لا أكراه في الدين، وان الدين شأن شخصي، وهو كل ما يحتاجه المجتمع من الفرد ( اي أن يفهم حدود حريته الدينية، فأنت حر في اعتقادك مادام خاص بك) لكن الأصولية الدينية تلغي هذه الأية وتصر على تحويل المسلم إلى عدو لمجتمعه بسعيه لفرض تصوره الشخصي عليه، وعليه فالمشكلة مع اللاعقلانية الدينية في الإسلام يمكن حصرها كلها في طبيعة فهم هذه الآية، فإذا ألتزم بها المسلم صار عقلانيا، وإذا عارضها أصبح العكس، وكما نرى فلا شيء في الحقيقة يمنع المسلم من هذا، فالدين يضع إطارا مقبولا لهذا الأمر ، لكن الإشكال هو في تصور محدد ينفي هذا الأمر ، وهو التصور الأصولي تحديدا ، فمثلا هنا تعترض الأصولية (و أيضا الطرف الأخر ) وتقول “وكيف يمكن أن يتحقق الإيمان الديني الصحيح، إذا كان باسم هذه الآية نعطل كل الآيات الأخرى، على غرار أية السيف التي تقول (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ) أو أية الحاكمية التي تقول (وما الحكم إلا الله ) افليس هذا نقضا للدين باسم التأويل حين نقدم أي على أخرى ؟ .

و بالنسبة لهذا الطرح فأعتقد أن الجواب بسيط جدا وهو: ومن قال أن تلك الآيات تحكم على أية لا أكراه في الدين بالنفي ، فلِما مثلا لا تكون آية لا أكراه في الدين، (وهي الأكثر وضوحا ) هي من يجب أن تنطبق، (وهنا طبعا وجب علينا الانتباه لأمر مهم، وهو انه وفي القراءة العقلانية للتاريخ الإسلامي، أننا نجد أن مفهوم الحرية الدينية من قبيل “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ” هو الأصل، فالدعوة المحمدية وعلى مدار بناءها كانت تنظر للحرية الدينية، لكن الاختلاف حدث فقط في الفترة المدنية مع دخول النبي في الصراعات السياسية حيث من تلك الفترة تحول الخطاب الديني نحو الإقصاء، وعليه وعلى المستوى الديني فالأصل أن الحرية الدينية هي الأصل ، إما الإجبار فهو حالة استثنائية ألمت بالنبي بسبب تغير ظروف الدعوة) وعليه فإذا كان هناك من أية للسيف مثلا ، فهي أية مفهومة في إطار حالات الطوارئ، فإذا مثلا حصلت حرب بين وطن المسلم ودولة أخرى، فبلا شك هو سواء بالقران، او بميثاق الأمم المتحدة مباح له الدفاع عن نفسه، لكن بالنسبة للوضع الطبيعي، فالأمر ليس بالفرض، ومنه طبعا فالآية بالفهم الثاني، في العموم هي الأصح.

لكن عموما ، وعلى فرض رد احد انه ولم لا تكون الآية اللاحقة هي الناسخة، فالآية اللاحقة اشمل من الأولى لأنها خلفتها، وهذا كلام صحيح، لكن يبقى أنها مجرد وجهة نظر، وعليه فالمسلم هنا بين أن يختار إحدى الخيارين، أن يؤمن بأنه لا إكراه في الدين، وان المسلم ملتزم بذاته فقط، أو يؤمن بأن الدين للفرض، وعموما كل مسلم هو حر ، فما يهمنا ليس ما يجب على المسلم أن يؤمن ، بل ما يهمنا هو انه هناك مجال للمسلم أن يكون عقلانيا اتجاه مجتمعه، فما دام المسلم يمكنه وبأية لا إكراه في الدين أن يندمج في المجتمع بعقلانية فهذا كاف، أما الآخرون فهم أحرار في ما يؤمنون به، لان الإيمان في النهاية له عواقب، فمن يكون فردا مفيدا في مجتمعه يرتقى ، و من يكون غير مخربا يقاسي .

3

بلا شك وبعد هذا الجواب الذي قدمناه يبقى هناك سؤال أخير (وهذا من الجهة الغير مسلمة ) وهو : هل يمكن للطقوس الإسلامية و التعاليم الدينية الشخصية أن تندمج في المجتمع في إطار عقلاني ، فعلى سبيل المثال هل يمكن للطقس كعيد الأضحى أن يندمج في مجتمع يراعي حقوق الحيوان ، أو في عرف كالتعدد أن يندمج مع مجتمع عقلاني يؤمن بالمساواة ؟.. و بالنسبة لردنا على هذا السؤال فأعتقد أن الجواب موجود في الشرح السابق ، وهو أننا مادمنا وصلنا بالمسلم للإيمان العقلاني اتجاه مجتمعه ، فبلا شك نحن حصلنا على تفسير عقلاني لمسالة الطقوس الإسلامية ، والتي يجب التنبيه أن الإشكالي منها قد تلاشى ، و(هو مسالة تطبيق الحدود وخلافه ) أما الهامشي منها فهو الباقي (مثل التعدد و الختان الخ ) وشخصيا أعتقد و بالنسبة لهذه الأمور أنه يمكن ببساطة التعامل معها ، فالإسلام وكما نعلم وحين يحلل شيء فهو لا يعني فرضه بالضرورة ، وعليه فقضية كقضية الزوجات هي مسألة اختيارية ، ومنه فإلغاءها أو إبقاءها لا يعني شيء للمسلم ، أما بخصوص الذبح ، وخلافه فيمكنه أن يكون بالطريقة الإنسانية بالصعق ، ويبقى هذا المسلم على التزامه الديني ؛ بل و لنذهب لشيء اكبر ، وهو : هل سيبقى النبي قدوة للمسلم العقلاني وهو الأمر الذي نعلم أنه غالبا ما يؤدي إلى الحرج للمسلم على غرار مسالة زواج النبي من طفلة (نقصد السيدة عائشة ) ؟ و الجواب على هذا هو “لا “، فليس المسلم ملزما بالاقتداء بالنبي في كل شؤونه ، فالرسول يقول على نفسه”و ما كنت إلا بشر رسول “، وهو ما يعني انه من الناحية الموضوعية فالنبي ليس هو الجوهر في الإسلام بل الله هو الجوهر ، ومن الإقتداء به ليس فرضا دينيا ؛، الأمر الثاني أننا وحال اعتبارنا أن الفترة المدنية فترة خاصة في حياة النبي كما شرحنا آنفا ، فالمسلم سيؤمن بالضرورة بتاريخية التعاليم الدينية ، فوفق هذا المنظور ستصبح كل التعاليم و الأوامر الإلهية التي تجاوزها الزمن هي تعاليم ساقطة بداهة ، لأنها وحال فرضت فرضت لواقع غير هذه الواقع ، وعليه فالمسلم وحال عدم الالتزام بها لا يأثم ، ومن هنا فنحن نحصل على مسلم عقلاني بكل ما تعني الكلمة من معنى اتجاه مجتمع ، مع حفاظ الإنسان على دينه ، فالمسلم له أن يصلي وان يزكي ، و أن يحج ، وان يتعايش مع الناس وكل هذا بحرية و انسجام ، فهو كمواطن عقلاني فهو لا يذهب للصراع مع الآخرين لفرض معتقداته ، بل هو يكتفي بها لنفسه في إطار القانون ، وهذا ما على المجتمع من واجب على المسلم ، وهنا وجب التنويه أيضا أنه من الناحية الموضوعية فحتى لو امن المسلم بخرافات المحضة ، لكنه حافظة عليها كاعتقاد ذاتي فهو سيبقى على عقلانيته ، فالحرية الدينية وكما نعلم تكفل له حرية العقيدة في أطار احترام القانون ، و طبعا و مادام المسلم لا يخالف القانون ولا يؤذي الأخير، فليس لأحد أن يتهجم عليه أو يدينه بسبب معتقده ، وعليه فهنا لا تهم خرافة المعتقدات أو عبثيتها بالنسبة لقضية العقلانية بالنسبة للمجتمع ، فمادام الإنسان محافظا على ذاتية الاعتقاد فقد حصن نفسه من أي نقد يطاله ، وهذا نرى أن أي مسلم يسير على هذا المنهج ، هو مسلم عقلاني ليس لأحد أي يعترض عليه.

4

المسلم العقلاني اتجاه معتقده .

طبعا بعد الانتهاء من الشق الأول و توضيحنا كيف أن المسلم يمكن أن يكون عقلانيا اتجاه مجتمعه بدون أي عراقيل ، ننتقل لسؤالنا التالي الخاص بالمعتقد وهو ( هل يمكن للمسلم أن يكون عقلانيا اتجاه معتقده ؟ ) والذي نراه في الحقيقة السؤال الأكثر تعقيدا ، لأنه وعلى المستوى السياسي كما في الشق الأول فيكفي للمسلم ذاتية الإيمان لمنع الآخرين من محاسبته على معتقداته ، فهو حر بموجب حرية العقيدة التي تضمنها القيم الديمقراطية بحرية الاعتقاد ، لكن على المستوى الفكري فهذا غير وارد للمسلم لأنه هنا يفقد تلك الحصانة ، ومنه فالمسلم معرض للكثير من النقد و السؤال على كل جزئية يقولها وهو ما يجعله في حرج ؛ الأمر الثاني أن الإشكالية هنا ( وهذا حول الإسلام نفسه في هذه المرة وليس المسلم ) أن الإسلام يحمل الكثير من النظريات و الفرضيات ، وطبعا كم مثل هذا مع ما فيه من أطروحات لابد أن يكون فيه بعض مواطن الضعف ( فكما يقال من كثر كلامه كثر خطأه ) ومنه فمسالة عقلنه كل تلك الادعاءات بلا شك ستكون صعبة ، بل نحن نقول أنها مستحيلة وهو ما يعني أن الجواب على سؤالنا هو “لا” ، فلا يمكن حقيقة للمسلم أن يكون عقلانيا اتجاه معتقده لعدة اعتبارات منها على الأقل مثلا أن الإسلام دين ميتافيزيقي (يعني يخلط المادي الفيزيقي ، بالغيبي ميثولوجي ) و بالنسبة للأديان من هذا النوع فجميعها لا يمكن أن تكون عقلانية وعليه فلا يمكن القول أن الإيمان الديني يمكن أن يكون عقلانيا ، بل دعنا نقول أن المسلمين أنفسهم اعترفوا بهذا لما قالوا ( من تمنطق تزندق) فالحقيقة هي أن هذه العبارة هي إقرار من المسلمين بأن الإسلام دين غير عقلاني من حيث الاعتقاد ، و أنه لا يمكن تخيل إثباته ، لكن عموما يمكن القول أن هذا الرأي لا يقبله جميع المسلمين فهناك بعض المسلمين من يرفضون ،و هؤلاء ويصرون خلافا للآخرين ( أي جماعة من تمنطق تزندق ) أن الإسلام دين عقلاني ، وانه يمكن البرهنة عليه ، وحسبهم في هذا أنهم وان كانوا لا يملكون دلائل محسوسة على الغيب الذي يدّعون ، لكنهم يملكون إشارات تدل على صدق تلك الإخبار الغيبية ( أي بمعنى أنهم يملكون شواهد دالة على مزاعمهم ) ويمكن تلخيص شواهد هؤلاء عموم في القران ، حيث ترى هذه الفئة أن القران بالإعجاز الذي فيه هو دليل على أن النبي محمد لم يدعي ما ادعاه من فراغ بل أن تلك الأمور هي أمور حقيقة لأنها من الله الذي لا يأتيه الباطل من أمامه من خلفه .

Advertisements

منقول.. من صفحة الشمس المشرقة ولم نستطع معرفة اسم الكاتب

شاهد أيضاً

كتاب جديد عن رؤية أدونيس للعنف الإسلامي بأنه أساس الدولة والمجتمع الإسلامي الأول

“صندوقُ باندورا”: قراءة نقدية في رؤية أدونيس للعنف والإسلام Advertisements Advertisements حميد عبد القادر يقدم …