تنوع جغرافيا العراق

دين

أحمد السعداوي:عن فكرة “الخليط” ومحاولة التأكيد على”فبركة” الهويات او زيفها، سنية او شيعية او صوفية

By nasser

December 17, 2016

عن فكرة “الخليط”:

ـ كل نظرة أصولية تحاول جهدها التأكيد على نقاء الهوية، فالنقاء يعطيها فرصة لتمييز نفسها عن “الملوثين” بالشوائب، إن كانت شوائب عرقية دموية، او عقائدية وفكرية. وسيطرة فكرة نقاء الهوية يقود دائماً الى مآسي على الأرض. فكل هوية، تحت أضواء البحث عن النقاء، يمكن ان تنشطر وتنقسم الى ملايين الاجزاء ولن تصل الى الجوهر النقي أبداً.

ـ عراقياً، وفي مسألة العرق، لا توجد أدلة مادية على نقاء اعراقنا وقبائلنا وعشائرنا، بل أن الخط الفاصل بين القوميات كان مخترقاً على الدوام، وما زال هناك من الكرد “السُمر” من يؤكد أن اصولهم من عوائل عربية استكردت، وكذلك الأمر مع تركمان استكردوا، والأمر يشمل ظهور القبائل العربية بشكلها الحديث، فمن المعروف أن التنظيمات القبلية كانت احلافاً عسكرية وشبه سياسية اكثر مما هي انتماء دموي لأب مرجعي قديم. وما زلنا الى اليوم، نرى على المستوى الفردي، انتقالات للافراد من هذه القبيلة او العشيرة الى تلك، لاسباب اجتماعية وشخصية. ـ في مسألة العقيدة، لم تحتفظ أي عقيدة في العراق بنقائها الأصولي أبداً، وكانت تمتص، بقصد او دون قصد، التأثيرات القادمة من عقائد أخرى انشط واكثر قوة في مرحلة تاريخية ما، وتستجيب للمتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية، تستدخل وتستبعد مفردات وتفاصيل. تضخّم بالتأويل من قضايا معينة، وتطمر أخرى، تبعاً لتغيّر السياق. وهناك دراسات تشير [مثلاً] الى امتصاص التشيع والتسنّن العراقي للتراث المعتزلي بعد اندحارهم السياسي، كذلك استدخال المنطق الارسطي، والتراسل المضمر بين المذاهب الاسلامية الذي ظل مستمراً حتى العصر الحديث في مختلف الطروحات العقائدية والسياسية، بل أن التطور السياسي الشيعي كان مرتبطاً، في جانب من جوانبه، باقتباسات من الأدبيات السنيّة. كما ان الصراع الطائفي الذي تعاظم خلال الثلاثين سنة الاخيرة رحّل الكثير من أدوات الصراع ما بين الطرفين. أما تراث الحركات التي وصمت بالهرطقة والغلو و “الخروج من الملّة”خلال العصور الاسلامية الوسطى فقد تسلل لاحقاً في الادبيات الصوفية، وهذه الادبيات ظلت منطقة رخوة، إلتقت فيها المتناقضات، ثم امتصها لاحقاً التسنن والتشيع على حد سواء.

ـ لا يهمني هنا محاولة التأكيد على “فبركة” الهويات او زيفها، ففي يومنا هذا تبدو الاسيجة التي تحصن الهويات عالية ومنيعة. وتستطيع حماية نفسها من الاختراق والتشكيك بشتى الوسائل، ولكن إذا ادركنا ولو بنسبة ضئيلة أننا نقف على تراث هوياتي مختلط العناصر، وليس قائماً ومستقلاً كجزيرة في محيط، فهذا سيعطينا فرصة لتخفيف الغلو في انفسنا وفي نظرتنا تجاه الآخر المختلف. وهو يتساوق مع محاولة التأمل لفحص الهوية الشخصية، وكشف ما فيها من تركيب وتلصيق، وتنوع كبير، بسبب تنوع الخبرات الحياتية وتنوع مصادر التأثير، ولا بأس بعد ذلك، في احترام الهوية الاجتماعية التي ننتمي إليها، ولكن مع دفاعات شخصية تمنعنا من الانجرار مع قادة الهوية الاجتماعية العامة حيثما يريدون، وبقرار عاطفي جماعي، خلافاً لما تنتجه الارادة الحرة الواعية.