العرب

هل يستطيع العربي التفكير؟ وكتاب جديد يجيب: نعم شرط أن نفكر بلغة جديدة!

By nasser

November 26, 2017

حميد دباشي…رؤية ما هو أبعد من التأطير الأوروبي”هل يستطيع غير الأوروبي التفكير؟” يتحدّث حميد دباشي الأكاديمي الإيراني-الأميركي عن عمله الأخير المترجم الى العربية “هل يستطيع غير الأوروبي التفكير؟”، وإسقاطاته على السياق العربي، مؤكداً على حاجة العرب للتركيز على ذواتهم ومشاكلهم، أكثر من صورهم في مرايا الآخر. كما عرّج المفكر ما بعد الاستعماري على مآلات الربيع العربي، ودور الأكاديميا العربية في التعامل معه ومع ما بعده، وعلى أزمة السياسة والسرديات الكبرى في العالم المعاصر.

■ فلتكن البداية من كتابك المترجم مؤخرا إلى العربية، “هل يستطيع غير الأوروبي التفكير؟” ولنحاول إسقاط السؤال بشكل أكثر تحديداً على السياق العربي، هل يستطيع العربي التفكير؟ هل بمقدوره أن يتكلم؟

– الجواب البديهي لهكذا سؤال هو نعم. العربي يستطيع التفكير، كما يمكن لأي إنسان التفكير، وبمقدوره أن يتكلم بما يفكر فيه. هذا إذا ما أخذنا قشرة السؤال. لكن صيغة السؤال كما طرحتُها في مقالي أو كما جاءت بها غياتري سبيفاك أيضاً، هي بالأساس تهكمية.

السؤال الذي يجب طرحه هنا، هو كيف يمكن للعربي التفكير؟ فسؤالي عنوان الكتاب، كان يحاول التعامل مع لحظة تاريخية محددة، في الفترة اللاحقة لثورات الربيع العربي. بدأت حينها، أدرك أن الابستمولوجيات القائمة في العلوم الإنسانية والاجتماعية خصوصاً في العلوم السياسية والتاريخ، لم تعد كافية لفهم حدث بهذه الضخامة والمغناطيسية، بل فهمته بشكل عكسي، وأسقطته على ما كانت تعرفه مسبقاً. لقد جعلت التفكير صعباً وفي أحايين كثيرة مستحيلاً من خلال هذه التخصّصات المعرفية السابقة.

■ كيف يمكن الخروج من هذا المأزق في نظرك؟ هل القطيعة ممكنة في هذه الحالة؟

– لقد فكّرَتْ، هذه الابستمولوجيات القديمة من العلوم السياسية وحتى السوسيولوجيا وغيرها، عبر أسئلة مألوفة في أحداث غير اعتيادية. المخرج هنا، يكون في طرح أسئلة غير اعتيادية، وهي أسئلة ولدت مما وقع في العالم العربي، وهي تحتاج إلى نوع محدّد من اللغة للتساؤل حولها؟

وأنا هنا لا أتحدث عن العربية أو الإنكليزية أو غيرها، بل على الابستمولوجيا والأنطولوجيا والتحليل النقدي الكامن خلف السؤال، وهي لغة لا يمتلكها التفكير الأكاديمي المركزي الأوروبي المهيمن، الذي يعتبر طوراً متجاوزاً في ما يخصّ الإنتاج المعرفي.

وعودة إلى السؤال الأول، نعم يستطيع العربي التفكير، لكن عليه أن يتحدث بلغة جديدة تعبّر عن واقعه، وتنطلق من سياقه، بدون أن يكون في ذهنه رجل أوروبي أبيض متخيّل يراقبه وهو يطرح الأسئلة حول ما يحدث في بلاده. عليه أن يغيّر المخاطَب كما كنت قد أسلفت الذكر في كتابي “ما بعد الاستشراق”.

■في هذه الحالة، أقصد عندما يتكلم العربي ويفكّر بلغة جديدة، كيف يمكنه أن يكون مفهوماً في السياق الإنساني العالمي؟ هل سيتم سماعه؟

– لا يجب أن يكون الهدف جعل الآخرين يفهمونك، الهدف الأساس يجب أن تفهم أنت. فليس بالضرورة أن يفهمني الغربي الفرنسي أو الأميركي، كي أسمع صوتي وتُحلّ مشاكلي. فعندما تكون تحت حرارة حريق، أو مغموراً بمياه فيضان، أو في حالة هيجان ثوري يجب أن تفهم أنت والمحيطون بك ما يحدث لتنقذوا أنفسكم، الآخرون لا يصبحون مهمّين في هذه الحالة كثيراً.

الواقع العربي يحتاج أسئلة غير اعتيادية

الهدف الأساس هو جعل الحقائق القائمة على الأرض، تولّد ابستمولجيتها الخاصة، لا الرضوخ للضغط الخارجي، ولعب دور الوسيط بين ما يحدث وبين العالم الخارجي. يجب أن يكون هدفنا الأساس، متمثلاً في المثال المجازي في أعمال ناجي العلي: حنظلة، الذي يعطي ظهره للعالم، ويركز على الحدث ويواجهه، ولا يهتم كثيراً ما الذي يفهمه الناس، إنه يلعب دور الشاهد، ويرفض زحزحة عينيه وتركيزه عن الحدث المؤلم، ويداه خلف ظهره في حالة تفكير مستمر.

■ في هذه الحالة يمكننا الاحتفاظ بسؤال التفكير، ويصبح سؤال سبيفاك عن التكلم غير ذي جدوى، ما دمنا لا نلقي بالاً للآخر؟

– قد يكون الأمر ذلك، لأنه عندما سألت سبيفاك سؤالها: هل يستطيع التابع أن يتكلم؟ كان هدفها البرهنة على أن الجواب هو لا، فهذا الرجل الأبيض المتمركز حول أوروبيته لا يريد السماع أصلاً، هنا لا تعود الحاجة هي إسماعه ولا استخدام لغته، بل نحن في حاجة إلى تفكير نقدي جديد، بعيداً عنه وعن لغة علومه التقليدية، وانطلاقاً من الأحداث نفسها، من فلسطين إلى مصر إلى سورية وباقي البلدان العربية. فهذه العلوم لم تنزل من السماء، بل كانت نتاجاً لحقبة ما معينة، ولأحداث محددة أنتجتها خارج سياقنا وخارج زماننا. العالم العربي الآن أيضاً، مر ويمر بفترة تاريخية جديدة كلياً، تصبح فيها هذه العلوم القائمة غير كافية، بل ومضادة للفهم الصحيح.

■ تركيزاً على الانتفاضات والثورات العربية، وعلى الثورات المضادة من بعدها، ما الذي نحتاج فهمه بالضبط بعيداً عن التقليد العلمي القديم -حسب قولك- للعلوم الإنسانية والاجتماعية؟

– إذا استخدمنا مثال النظارات الطبية، عندما لا تعود تسعفني في الرؤية، فإما أن الواقع تغيّر، أو أن نظري قلّ وعلي تغييرها في الحالتين. فعندما أقول إن العلوم الاجتماعية والإنسانية بصيغتها التقليدية لم تعد كافية، فهذا لا يعني إيقاف التفكير النقدي كما حصل مع كثير من الأكاديميين العرب، بل الحاجة إلى تفكير نقدي أكثر.

فنحن إذ نتخلى عنها، فذلك يكون بغرض القيام بانزياح معرفي نحو الحدث في حد ذاته، وإقامة نوع من الجدلية بين الجذور المعرفية السابقة لهذه العلوم، وبين الواقع الجديد الذي ولده الحدث نفسه. باختصار، يجب علينا ترك الحدث يولّد مفاهيمه الخاصة، ففي كتابي عن الربيع العربي، قلت إن شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، ليس المقصود منه فقط النظام السياسي كما يمكن أن تفهم “العلوم السياسية”، بل أيضاً إسقاط النظام المعرفي الشامل وراءه. هذا ما يجب علينا فهمه، والبحث عنه في المرحلة التي نعيشها.

■ قلت في كتابك عن “الربيع العربي” إنه كان نهاية للشرط ما بعد الاستعماري، هل ما تزال مؤمناً بذلك بعد تحوّل بعضه لثورات مضادة وانقلابات وحروب؟

– أكيد، فحجتي كانت أنه في الصراع العربي مع الاستعمار، ظهرت ثلاثة تيارات أيديولوجية هي الإسلاموية، والقومية الوطنية، واليسار الاشتراكي العالم ثالثي.

هذه الأيديولوجيات/نظم إنتاج المعرفة، استنزفت اليوم واستنفدت نفسها، وهذا لا يعني أنها اختفت، لكنها كانت تشكلات تاريخية في سياق استعماري/ما بعد استعماري، وفي حوار وتضاد بين بعضها البعض.

لقد كانت هذه التيارات تمثل الشرط ما بعد الاستعماري، بحيث إنها كانت تريد تقديم البديل عنه، وكانت كل واحدة فيها على حدة تقدّم أجوبة كبرى في سرديات متكاملة، اليوم بعد أن ظهر فشلها جميعاً ما قبل وما بعد الربيع العربي، انتفى كذلك معها الشرط ما بعد الاستعماري.

■ لكن هل يمكن للثورات النجاح اليوم من دون سرديات واضحة، أقصد هل السياسة ممكنة خارج تنافس أيديولوجي؟

هذه السرديات الصغيرة، بدأت تغيّر من الواقع العربي، لكنها في الآن ذاته لن تمكنك من تشكيل حزب سياسي على أساسها، وتعبئة الجماهير حولها، من أجل طور ثوري جديد، فلا وعد هوميري متاح اليوم، كوعد عبد الناصر للأمة بالخلاص. في هذه الحالة، يصبح التوجّه نحو الارتباك أو الفوضى سهلاً، وقد يفضي إلى سيناريوهات مخيفة، لذلك فإني أُسمّي الثورات اليوم بأنها مفتوحة على الاحتمالات، مستخدماً فكرة روايات باختين: “أنت لا تدري ماذا سيحصل في الصفحة القادمة، لكن شيئاً ما سيحدث لا محالة”.

حقوق النشر: العربي الجديد 2017

حوار مع المفكر والباحث الأمريكي-الإيراني حميد دباشي:”ثورات الحرية العربية تعيد صياغة مفهوم الديمقراطية” يطرح المفكر والباحث الأمريكي-الإيراني المعروف حميد دباشي أفكاره بخصوص الانتفاضات الديمقراطية في بلدان شمالي أفريقيا والشرق الأوسط، وبخصوص تبعاتها الجيوسياسية في المنطقة وعلى وسائل الإعلام العالمية، والمخاطر التي قد تواجهها في الأشهر المقبلة. مريم شابافروز التقته وأجرت معه هذه المقابلة في لندن.

ما هي المخاطر التي يمكن أنْ تواجهها الانتفاضات الديمقراطية في البلدان العربية؟

حميد دباشي: التهديد الأكبر يكمُن تحديدًا في القوى التي ستفقد نفوذها بسبب الانتفاضات الديمقراطية. هذه القوى هي الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، وفي المقدمة حلف شمال الأطلسي وإسرائيل والحكام العرب القروسطيون مثل المملكة العربية السعودية. إلا أنَّ دائرة الخاسرين تشمل جمهورية إيران الإسلامية أيضًا التي تبدو للوهلة الأولى خصمًا للولايات المتحدة الأمريكية ولحلفائها الإقليميين والأوروبيين. وهي في دائرة الخاسرين لأنها في نهاية المطاف جزءٌ من المفردات السياسية ذاتها، والإقليمية السياسية نفسها، فقوة الجمهورية الإسلامية في المنطقة ازدادت باطراد من خلال المغامرات الامبريالية للولايات المتحدة ولحلفائها. إذاً لن تخسر الولايات المتحدة وحلفاؤها فقط وبالتالي سيسعون لتشكيل خطرٍ على الحركات الديمقراطية، بل أيضًا الجمهورية الإسلامية وحلفاؤها المحليين: حركة حماس، وحزب الله، وجيش المهدي. وبرأيي ليس من قبيل الصدفة أنْ تقترب حركة حماس من حركة فتح تحت تأثير الحركات الديمقراطية، وأنْ تتخذ حركة فتح أبعادًا أكثر واقعيةً وأكثر شمولاً وقدرًا أكبر من الديمقراطية الشعبيَّة.

هل ترى ما يربط الحركة الخضراء الإيرانية بهبَّات البلدان العربية؟

حميد دباشي: لا يهمني من منهما قد أثـَّر بالآخر، وقد قلتُ في مقابلة مع قناة الجزيرة في حزيران/يوليو 2009 بُعيد الانتخابات الرئاسية في إيران: لو كنتُ في السلطة في بلدٍ من البلدان الواقعة بين المغرب وسورية، لتابعت الأحداث في إيران بيقظة كبيرة. ما قصدته هو أنَّ الطفرة الديموغرافية في إيران متطابقة مع الطفرة الديموغرافية في كل العالم العربي. نحن نتحدث عن جيلٍ شابٍ. وهو شابٌ بسبب انخفاض معدل وفيات الأطفال دون أن يرافق ذلك زيادة في متوسط العمر المتوقَع.

جمهورٌ يافعٌ لا مستقبل له في بلاده، ضاق ذرعًا بالإذلال وباستبعاده عن المشاركة بالمجتمع العالمي. لا يريد الشباب والشابات الهجرة ومواجهة المزيد من العداء والعنصرية في أوروبا وأمريكا الشمالية، بل يريدون استرداد مجتمعاتهم وثقافتهم وسياستهم. وبهذا المعنى يكون ما رأيناه في إيران في عام 2009 وما نراه حاليًا في العالم العربي تعبيراتٍ متشابهةً عن بيئاتٍ اجتماعيةٍ واقتصاديةٍ وسياسيةٍ متشابهةٍ، أكثر من دلالته على تأثـُّر حدثٍ بآخر. وبناءً على ما سبق، ليس هناك من شكٍ في أنَّ أحداث 2009/2010 في إيران كانت قد صُنِعَت لجمهورٍ عالميٍ. وشاهدها الجيل العربي الشاب، مثل غيره من الشباب في جميع أنحاء العالم أيضًا. وليس هناك من شكٍ في أنَّ هذا كان مصدر إلهامٍ للشباب والشابات في البلدان العربية، لكي يفعلوا في بلدانهم ما فعله الإيرانيون. ومع ذلك، لا أرى في ذلك تأثيرًا مباشرًا بل على الأرجح مصدر إلهامٍ.

ما الذي كان جديدًا وملهمًا في الحركة الخضراء عدا وسائل التعبير والتواصل؟

 

“في حال فقدان الحليف السوري بفعل الانتفاضات الديمقراطية، سوف ينقطع الوصل بين الجمهورية الإسلامية وحزب الله” ​​دباشي: عندما أُجريت الانتخابات الرئاسية في إيران في عام 2009 اعتقدتُ أنَّ النتائج ستكون مُتباينة، وذلك لأنَّ العامل الجيوسياسي في المنطقة في غاية الأهمية. إلا أن الواقع هو أنَّ الحركة الخضراء قد أعادت السياسة الداخلية إلى دائرة الاهتمام، وشكـَّلت بذلك حجر عثرةٍ أمام السياسية الإقليمية، راجع الرابط: (2010) “إيران، الحركة الخضراء والولايات المتحدة الأمريكية – الفـُرقة والمفارقة”.

قمعت الجمهوريةُ الإسلامية مظاهرات الحركة الخضراء في الشوارع إلى حدٍّ ما، ولكنها لم تقمع الحركة الخضراء ككل، لأنها عميقة الجذور وتتمتع بديمقراطية شعبية، وسوف تُعلن عن نفسها باستمرار بشكل أو بآخر. المهم بالنسبة لي، هو ترسيخها من خلال النقابات العمالية ومنظمات حقوق المرأة والمنظمات الطلابية.

ما هي الآثار الأخرى للانتفاضات العربية على إيران – أيضًا بالنظر إلى السياسية الإقليمية في المنطقة؟

دباشي: أعتقد أن لهذه الانتفاضات الديمقراطية في المنطقة تأثيرًا تحفيزيًا على الأحداث في إيران. ليس فقط من خلال المظاهرات التي قامت في الرابع عشر من شباط/فبراير للتضامن مع ما يجري في تونس ومصر، بل بسبب إضعاف الجمهورية الإسلامية لجهة السياسة الإقليمية. والجمهورية الإسلامية تفقد أعداءً مثل مصر وتونس والأردن، ولكنها تخسر أيضًا حلفاءً مثل سوريا. وفي حال فقدان الحليف السوري بفعل الانتفاضات الديمقراطية، سوف ينقطع الوصل بين الجمهورية الإسلامية وحزب الله. أما الارتباط بحركة حماس فقد بدأ بالاهتزاز بالفعل بسبب الاتفاق على الوحدة بين حركتي حماس وفتح. ولذلك لا تستفيد الجمهورية الإسلامية كثيرًا من الصعوبات التي تواجه أعداءها في إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية. إنَّ ما يضرُّ كافة الأنظمة الاستبدادية المحلية، بغض النظر عما إذا كانت صديقة للولايات المتحدة الأمريكية أم معادية لها، هو الظاهرة التي يمكننا ملاحظتها، والمتمثلة في التغيّر الجاري لجوهر السياسية الإقليمية.

كيف يمكن للانتفاضات الثورية بلوغ الحقوق المدنية المنشودة وتحقيق الديمقراطية؟

 

“لم نعد تحت رحمة سخاء نيويورك تايمز أو بي بي سي. نحن في عصر الويكيليكس”. ​​دباشي: إنَّ ما يضمن استمرارية هذه الحركات ونجاحها هو العناية واليقظة ومأسسة الانتفاضات الديمقراطية. إلا أنَّ مآل هذه الانتفاضات الثورية ما زال برأيي مفتوحًا على كل الاحتمالات، وهذا أمرٌ جيدٌ بحدِّ ذاته. فهي لا تنتهي بسقوط تمثالٍ ورفع رايةٍ أخرى، بل تسعى من خلال طبيعتها المفتوحة هذه إلى إنتاج مؤسساتٍ ديمقراطيةٍ شعبيةٍ، تتحدد بالنسبة لي كما أؤكد باستمرار من خلال الحركات الديمقراطية الشعبية الثلاث التالية: الحركات العمالية التي تحمي أفراد العمال من حيث حقوقهم في المعاشات التقاعدية والخدمات الاجتماعية والتعليم والصحة وما إلى ذلك، من خلال تأمين أرضية للتضامن بين العمال. الأمر نفسه ينطبق على حقوق النساء والطلاب. لا ينبغي ترك حقوق العمال والمرأة معلقة بمسألة توطـُّد أيديولوجيةٍ إسلاميةٍ أو أخرى معاديةٍ للإسلام تسمح للعمال أو للنساء أو للطلاب كيفما تشاء بتأسيس اتحادات حرّة. لا بد لهذه الاتحادات الحرة من أن تشكـِّل وتحمي نفسها بنفسها.

ما هي تبعات أشكال العرض الجديدة التي توفرها وسائل الإعلام على الديمقراطية؟

دباشي: لم نعد تحت رحمة سخاء نيويورك تايمز أو بي بي سي. نحن في عصر الويكيليكس. يُفترض في المجتمعات الديمقراطية مبدئيًا أنْ يكون أداء أجهزة الدولة فيها شفافًا، وأنْ تكون حياة المواطن أمرًا شخصيًا. لكن الواقع هو عكس ذلك: حياة المواطن أصبحت هدفًا لجميع أشكال المراقبة الممكنة أكانت بحسب ما تحدث عنه الباحث ميشيل فوكو أو غيرها بينما أداء الدولة بقي سريًا. قوة ويكيليكس تكمن في عَكْسِ هذه الصيغة. يمكننا الآن فعلاً أن نسترق السمع مثلاً إلى حديثٍ خاصٍ لوزيرة الخارجية الأمريكية مع آخرين حول كيفية تمكنهم من غزو بلدانٍ أخرى. هذا تطورٌ بالنسبة لي جيدٌ لأنه لصالح سلطة الناس البسطاء. هذا يُبيِّن أنَّ الديمقراطية قد تدهورت وأصبحت مجرد تعبيرٍ كلاميٍ فارغٍ حتى في المجتمعات الديمقراطية كما هي الحال هنا.

كيف غيَرت هذه التطورات صورة “العربي” أو”المسلم” أو صورة “الإيراني”؟

دباشي: أرى أنَّ الانتفاضات الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي قد أظهرت بسبب طبيعتها الديمقراطية الفعلية أنَّ تسميات “العالم العربي” و “العالم الإسلامي” قد عفا عليها الزمن. نحن نستخدم هذه المصطلحات بشكلٍ غير صحيح. كما نعايش الآن معنىً جديدًا للديمقراطية، ونعرِّف فكرتها من جديد ونعرض هذا للعالم. أما الأوربيون والأمريكيون الذين يتدخلون ويحاولون تفسير ما يحدث أو تحميله مضامين مغلوطةٍ أو التلاعب به فعليهم التوقف عن ذلك وعليهم أنْ يدركوا أنَّ شعبًا آخر الآن يُعرِّف فكرة الديمقراطية من جديدٍ ويبدأ من جديد.

 

 

أجرت الحوار: مريم شابافروز ترجمة: يوسف حجازي مراجعة: هشام العدم

بروفسور حميد دباشي (مواليد 1951) أستاذ الدراسات الإيرانية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا في نيويورك.