الخليج

فريدمان يلتقي بن سلمان في قصر أسرته في العوجة ويقول له: استيلائي على السلطة أمر مضحك

By nasser

November 27, 2017

«لا استيلاء على السلطة وخامنئي هتلر جديد».. ترجمة كاملة لمقابلة ابن سلمان وفريدمان

مترجم عنSaudi Arabia’s Arab Spring, at Lastللكاتب THOMAS L. FRIEDMAN

التقى الكاتب الأمريكي توماس فريدمان، عن صحيفة نيويورك تايمز“، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الرياض. يقول فريدمان اثر هذا اللقاء إنه لم يخطر بباله أنه سيعيش بما فيه الكفاية ليشهد اليوم الذي يتسنى له فيه كتابة الجملة التالية: “تشهد السعودية اليوم عملية الإصلاح الأكثر أهمية مقارنة بأي بُقعة من بقاع الشرق الأوسط. نعم، فأنتم تقرؤون ما كتبتهُ بشكلٍ صحيح”..

ويقول الصحفي إنه “بخلاف أي ربيعٍ عربي في مختلف البلدان الأخرى ،التي ظهرت جميعُها من الطبقة الأدنى إلى الأعلى وفشلت بشكل فادح، ما عدا ذلك الذي حدث في تونس، يقود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حركة الربيع العربي هذه من الأعلى إلى الأدنى، وفي حال آتت ثمارها، فإنها لن تقلب موازين السعودية فحسب، بل إنها ستغير أيضا معنى ومفهوم الإسلام في جميع أرجاء العالم.

أما عن أجواء لقاء توماس فريدمان مع محمد بن سلمان في الرياض، فيقول

“لقد التقينا مساء في قصر عائلته ذي جُدران الطوب في حي العوجا شمال الرياض. وقد كان يتحدث باللغة الإنجليزية، في حين تشارك أخوه الأمير خالد، سفير السعودية الجديد لدى الولايات المتحدة، وعدد من كبار الوزراء أطباقا مُختلفة من لحم الضأن وأضافوا للحديث رونقا خاصا. وبعد أن قضينا أربع ساعات سوية، استسلمتُ عند الساعة 1:15 صباحًا لعنفوان شباب الأمير محمد بن سلمان. ويجدر الذكر بأن عمري ضعف عمره. ومع ذلك، فقد مر وقت طويل جدا منذ أن تكلم معي أي زعيم عربي بسيل عارم من الأفكار الكبيرة التي ترمي إلى إحداث نقلة في بلاده.” 

توجه الصحفي إلى ولي العهد بالسؤال عما يحدث في فندق الريتز كارلتون؟ وهل كانت هذه لعبة السلطة الخاصة به والتي يهدف من خلالها إلى إزالة مُنافسيه؟

 

فأجاب “إنهُ أمر مُضحك، أن تقول بأن حملة مكافحة الفساد هذه كانت وسيلة لانتزاع السُلطة. وأشار إلى أن الأعضاء البارزين من الأشخاص المُحتجزين في الريتز قد أعلنوا مُسبقا بيعتهم له ودعمهم لإصلاحاته، وأن الغالبية العظمى من أفراد العائلة الحاكمة تقف في صفه”. 

وأضاف: “هذا ما حدث، لطالما عانت دولتنا من الفساد منذ الثمانينات حتى يومنا هذا. وتقول تقديرات خُبرائنا بأن ما يُقارب 10% من الإنفاق الحكومي كان قد تعرض للاختلاس أو الهدر منذ بداية الثمانينات بواسطة الفساد، من قبل كلتا الطبقتين: العُليا والكادحة. وعلى مر السنين، كانت الحكومة قد شنت أكثر من حرب على الفساد ولكنها فشلت جميعًا. لماذا؟ لأن جميع تلك الحملات بدأت عند الطبقة الكادحة صعودا إلى غيرها من الطبقات المرموقة.”

وهنا يقول فريدمان “وجهتُ سؤالا قلت فيه: “كم من المال سيُعيدون إليكم؟” فأجاب “إن النائب العام يقول بأنهُ من الممكن في نهاية المطاف “أن يكون المبلغ حوالي 100 مليار دولار أمريكي من مردود التسويات”.

من هو هتلر الشرق الأوسط؟ عن السياسة الخارجية فضّل بن سلمان عدم مناقشة “الغرائب الحاصلة مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ، أو أن استقالته جاءت بضغوطات سعودية”. إذ أصر ببساطة على أن خلاصة القضية تتمحور “حول أن الحريري، وهو مسلمٌ سني، لن يستمر في توفير غطاء سياسي للحكومة اللبنانية التي تخضع بشكل رئيس لسيطرة مليشيا حزب الله الشيعية اللبنانية، والتي بدورها تخضع بشكل رئيس لسيطرة طهران”.

 

إن أكبر عملية إصلاح تجري اليوم في أي مكان في الشرق الأوسط هي في السعودية»، بتلك العبارة التي تلخص ما خلص إليه من زيارته إلى الرياض ولقائه مع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، استهل توماس فريدمان مقالهبصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، والذي نشر يوم الخميس الماضي. ورغم أنه وصل إلى العاصمة السعودية في بداية الشتاء، يقول فريدمان، إلا أنه وجد أن البلاد تمر بربيعها العربي على الطراز السعودي.

تحدث ولي العهد بالإنجليزية، بينما تشارك شقيقه الأمير خالد، السفير السعودي الجديد لدى الولايات المتحدة والعديد من كبار الوزراء في أطباق المندي وأثاروا المناقشة. على خلاف بقية الدول التي مر بها الربيع العربي – حيث بدأ فيها جميعًا من أسفل وفشل فشلًا ذريعًا، باستثناء تونس – يقاد الربيع السعودي من أعلى من قِبل ولي عهد البلاد البالغ من العمر 32 عامًا، محمد بن سلمان، وإذا نجح، يتابع فريدمان، فإنه لن يغير فقط شخصية السعودية وإنما أيضًا نكهة وفحوى الإسلام في جميع أنحاء العالم. فقط الأحمق هو من سيتوقع نجاحه، ولكن فقط الأحمق هو من لن يتمنى ذلك.

يقول فريدمان إنه سافر إلى الرياض لمقابلة ولي العهد للحصول على فهمٍ أفضل لما يجري، حيث تحدث ابن سلمان عن الأحداث الخارجة عن المألوف التي وقعت في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما ألقت حكومته القبض على العشرات من الأمراء ورجال الأعمال السعوديين بتهم الفساد وألقتهم في قفصٍ ذهبي مؤقت – فندق الريتز كارلتون بالرياض – حتى وافقوا على التنازل عن مكاسبهم غير المشروعة. لا يحدث ذلك كل يوم.

ويمضي فريدمان قائلًا إنه التقى ابن سلمان ليلًا في قصر أسرته بالعوجة شمال الرياض. تحدث ولي العهد بالإنجليزية، بينما تشارك شقيقه الأمير خالد، السفير السعودي الجديد لدى الولايات المتحدة والعديد من كبار الوزراء في أطباق المندي وأثاروا المناقشة. بعد حوالي أربع ساعات معًا، يقول فريدمان إنه استسلم لشباب ابن سلمان، مشيرًا إلى أن عمره يبلغ ضعف عمر ولي العهد تمامًا. ويضيف أنه قد مضى وقتٌ طويل منذ أن أنهكه زعيمٌ عربي بفيضانٍ من الأفكار الجديدة عن إحداث نقلة في بلاده.

«استيلائي على السلطة أمر مضحك» بدأت المقابلة بذلك السؤال البسيط: ما الذي يحدث في الريتز؟ وهل هذه لعبة يقوم بها للقضاء على خصومه في العائلة والقطاع الخاص قبل أن يسلمه والده المريض مفاتيح المملكة؟

قال ابن سلمان: «من المضحك، أن يتم اعتبار تلك الحملة ضد الفساد استيلاءً على السلطة». وأشار  إلى أن العديد من المقيمين البارزين بالريتز كارلتون قد أعلنوا الولاء له ولإصلاحاته بالفعل، وأن «أغلب العائلة المالكة» يقفون وراءه. هذا هو ما حدث، قال ابن سلمان: «عانت بلادنا الكثير من الفساد منذ الثمانينيات حتى اليوم. قدر خبراؤنا أن حوالي 10% من إجمالي الإنفاق الحكومي كان يبتلعه الفساد كل عام، من أعلى المستويات إلى أسفلها. على مدار السنوات أطلقت الحكومة أكثر من (حرب على الفساد)، وجميعها فشلت. لماذا؟ لأن جميعها بدأت من أسفل إلى أعلى».

ولي العهد محمد بن سلمان (على اليسار) يجلس بجانب ولي العهد السابق محمد بن نايف. الرياض-ديسمبر (كانون الأول) 2015

لذا فعندما اعتلى والده، الذي لم تلوثه اتهامات الفساد طوال خمسة عقود باعتباره حاكمًا للرياض، العرش عام 2015 (في وقت شهد انخفاضًا لأسعار النفط) – يقول فريدمان – فقد تعهد بوضع حدٍ لذلك، قال ابن سلمان: «رأى والدي أنه ليس هناك وسيلة للبقاء ضمن مجموعة العشرين والنمو مع وجود ذلك المستوى من الفساد. في أوائل 2015، كانت أحد أول أوامره لفريقه هو جمع كافة المعلومات عن الفساد من الأعلى. عمل ذلك الفريق لمدة عامين حتى استطاع جمع أدق المعلومات، ثم أتى بما يقرب من 200 اسم».

عندما أصبحت كافة البيانات جاهزة، تحرك النائب العام، سعود المجيب، قال ابن سلمان، شارحًا أن كل ملياردير أو أمير مشتبهٍ به تم القبض عليه ومنحه خيارين: «إما أن نريهم جميع الملفات التي بحوزتنا وبمجرد أن يروها يوافق 95% منهم على القيام بتسوية»، والتي تعني التخلي عن أموال أو حصص في أعمالهم التجارية إلى الدولة السعودية. وإما أن يحاولوا إثبات براءتهم.

أضاف ابن سلمان أن حوالي 1% «استطاعوا إثبات براءتهم وبالتالي أُغلقت قضيتهم. وحوالي 4% يقولون إنهم ليسوا فاسدين وسوف يذهبون إلى القضاء. حسب القانون السعودي فإن النائب العام مستقل. لا يمكننا التدخل في وظيفته – يمكن للملك إقالته، لكنه يقود العملية، لدينا خبراء يتأكدون من عدم إفلاس أي أعمال تجارية خلال تلك العملية» – لتجنب التسبب في البطالة.

«ما حجم الأموال التي استعادوها؟»، سأل فريدمان. ونقل ولي العهد عن النائب العام قوله إنها قد تصل في النهاية إلى «حوالي 100 مليار دولار من التسويات».

ليس هناك وسيلة، أضاف ابن سلمان، لاستئصال الفساد تمامًا من الأعلى إلى الأسفل، «لذا فإنه ينبغي عليك إرسال إشارة، والإشارة المرسلة من الآن فصاعدًا هي (لن تهرب). وبالفعل نحن نرى التأثير»، لا يُلاحق رجال الأعمال السعوديين الذين دفعوا رشاوى لدفع الموظفين إلى إنجاز أعمالهم، أوضح ابن سلمان. «وإنما يتم ملاحقة هؤلاء الذين استولوا على أموال الحكومة»، عبر المطالبة بأثمانٍ أكبر وتلقي رشاوى.

علِّقوا رجال الأعمال من أرجلهم الرهانات كبيرة لولي العهد في حملته ضد الفساد، يمضي فريدمان. إذا شعر الشعب بأنه يحارب بالفعل الفساد الذي يضعف النظام، ويقوم بذلك بطريقةٍ شفافة ويبين للمستثمرين السعوديين والأجانب المستقبليين أن حكم القانون سوف يسود، فإن ذلك سوف يزرع ثقةً كبيرة في النظام.

لقد طفح الكيل بالأغلبية الصامتة السعودية عندما يتعلق الأمر بمظالم الأمراء والمليارديرات شديدي الكثرة الذين ينهبون بلادهم. لكن إذا انتهى الأمر بسيادة شعور بأن العملية انتقائية ومتنمرة وتعوزها الشفافية، وتهدف إلى حيازة المزيد من السلطة من أجل السلطة وغير مقيدة بحكم القانون، فإنها سوف تزرع الخوف الذي سوف يقلق المستثمرين السعوديين والأجانب بطرقٍ لا يمكن للبلاد تحملها.

لكن هناك شيئًا واحدًا أعلمه على وجه التأكيد، يقول فريدمان: لم يعبر سعودي واحد تحدثت إليه طوال ثلاثة أيام عن شيء سوى الدعم المطلق لتلك الحملة ضد الفساد. لقد طفح الكيل بالأغلبية الصامتة السعودية عندما يتعلق الأمر بمظالم الأمراء والمليارديرات شديدي الكثرة الذين ينهبون بلادهم. بينما كان يستفسر الأجانب مثل فريدمان عن الإطار القانوني لتلك العملية، كان المزاج العام لدى السعوديين الذين تحدث إليهم هو: «فقط علقوهم من أرجلهم وهزوهم حتى تسقط الأموال من جيوبهم ولا تتوقفوا عن الهز حتى تسقط كافة الأموال!».

https://www.youtube.com/watch?v=hq3UeC_Z_GE

لكن فريدمان يلفت إلى أن تلك الحملة ضد الفساد ليست إلا ثاني أكثر مبادرات ابن سلمان أهمية واستثنائية. الأولى هي إعادة الإسلام السعودي إلى توجهه الأكثر انفتاحًا وعصرية، حيثما تم تحويل مساره عام 1979. العودة إلى ما وصفه ابن سلمان في مؤتمرٍ عالمي للاستثمار عقد مؤخرًا بأنه «إسلامٌ وسطي متوازن منفتح على العالم وجميع الديانات والتقاليد والشعوب».

ابن سلمان يحاول استعادة الإسلام إلى أصوله أعرف ذلك العام جيدًا، يقول فريدمان. لقد بدأت مشواري المهني مراسلًا في الشرق الأوسط في بيروت عام 1979، وأغلب المنطقة التي غطيتها منذ ذلك الحين شكلتها ثلاثة أحداث كبيرة وقعت ذلك العام: الاستيلاء على المسجد الكبير في مكة من قِبل متطرفين سعوديين بيوريتانيين، والذين خرجوا عن الأسرة المالكة باعتبارها فاسدة ومنصاعة للقيم الغربية؛ والثورة الإسلامية الإيرانية؛ والتدخل السوفييتي في أفغانستان.

أفزعت تلك الأحداث الثلاثة معًا الأسرة المالكة السعودية في ذلك الوقت، ودفعتها إلى محاولة تعزيز شرعيتها عبر السماح لرجال دينها الوهابيين بفرض نسخة أكثر تزمتًا بكثير من الإسلام على المجتمع وعبر إطلاق منافسةً عالمية مع آيات الله في إيران على من يستطيع تصدير إسلام أكثر أصولية. لم تجعل محاولة الولايات المتحدة استغلال ذلك التوجه عبر استخدام المقاتلين الإسلاميين ضد روسيا في أفغانستان الأمر أقل سوءًا. باختصار، لقد دفعت الإسلام عالميًا إلى اليمين بشدة وساهمت في تغذية أحداث 11 سبتمبر (أيلول).

ابن سلمان الذي تخرج باعتباره محاميًا ونشأ في مؤسسة الرعاية الاجتماعية لأسرته، في مهمة لإعادة الإسلام مجددًا إلى الوسط. لم يقم ابن سلمان فقط بالحد من سلطة الشرطة الدينية التي كانت مهابة في تعنيف امرأة لعدم تغطيتها لكل سنتيمتر من بشرتها، وإنما سمح أيضًا للنساء بالقيادة. وعلى خلاف أي زعيم سعودي من قبله، واجه ابن سلمان المتشددين أيديولوجيًا. يقول فريدمان إن امرأةً سعودية متعلمة في الولايات المتحدة قالت له: «ابن سلمان يستخدم لغة مختلفةً. هو يقول (سوف ندمر التطرف)، هو لا يجمّل الأمر. يطمئنني ذلك على أن التغيير حقيقي».

بالفعل، وجهني ابن سلمان قائلًا: «لا تكتب أننا (نعيد تفسير) الإسلام؛ إننا (نستعيد) الإسلام إلى أصوله، وأكبر أدواتنا هي ممارسات الرسول والحياة اليومية في السعودية قبل عام 1979». في عصر الرسول، جادل ابن سلمان، كان هناك مسارح موسيقية، كان هناك اختلاط بين الرجال والنساء، كان هناك احترام للمسيحيين واليهود في شبه الجزيرة. «كان أول قاض تجاري في المدينة امرأة!». لذا فإذا كان الرسول تبنى كل ذلك، سأل ابن سلمان، «هل تعني أن الرسول لم يكن مسلمًا؟».

ثم أخرج أحد وزرائه، يمضي فريدمان، هاتفه المحمول وشاركني صورًا ومقاطع فيديو على موقع يوتيوب للسعودية في الخمسينيات – نساء بدون غطاء للرأس، يرتدون تنانير ويمشون مع الرجال في الأماكن العامة، جنبًا إلى جنب مع حفلات موسيقية ودور سينما. كانت السعودية لاتزال مكانًا تقليديًا ومحتشمًا، لكن لم يكن اللهو مجرمًا قانونًا، وهو ما حدث عقب عام 1979.

 

إذا كان فيروس الإسلام الذكوري المعادي للتعددية الذي خرج من السعودية في 1979 يمكن عكسه من قِبل السعودية – يقول فريدمان – فإن ذلك سوف يدفع الاعتدال في كافة أنحاء العالم الإسلامي وبالطبع سوف يكون مرحبًا به هنا حيث 65% من السكان يبلغ من العمر أقل من 30 عامًا.

حفلات موسيقية في الرياض يقول فريدمان إن أحد المصارفة السعوديين في منتصف العمر قال له: «إن جيلي قد أخد رهينة من قبل عام 1979. أعلم الآن أن أطفالي لن يكونوا رهائن». أضافت رائدة أعمال سعودية تبلغ من العمر 28 عامًا: «منذ عشرة أعوام عندما كنا نتحدث عن الموسيقى في السعودية كان ذلك يعني شراء اسطوانة مدمجة، اليوم نتحدث عن حفلة موسيقية الشهر المقبل وما هي بطاقة الدخول التي سوف تشتريها ومن ستصطحب من أصدقائك».

سوف يكون على السعودية قطع طريق شديد الطول قبل أن تصل إلى أي شيء يقترب من المعايير الغربية لحرية التعبير وحقوق المرأة. لكن كشخصٍ كان يأتي هنا طوال حوالي 30 عامًا، يقول فريدمان، فقد أفقدني صوابي أن أعلم أنه يمكنك سماع موسيقى كلاسيكية غربية في الرياض اليوم، وأن مغني موسيقى الكانتري توبي كيث قد أقام حفلًا للرجال فقط هنا في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأنه غنى مع سعودي، وأن النجمة اللبنانية هبة طوجي سوف تكون من أوائل المغنيات اللاتييقمن حفلات موسيقية للنساء فقط هنا في 6 ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وقد أخبرني ابن سلمان، يتابع فريدمان، أنه قد تقرر للتو أن النساء سوف يكون بإمكانهن الذهاب إلى الاستادات وحضور مباريات كرة القدم. لقد رضخ رجال الدين السعوديين تمامًا.

قاطع وزير التعليم السعودي الحديث قائلًا إنه من بين مجموعة واسعة من إصلاحات التعليم فإنه يقوم بإعادة وضع جميع الكتب التعليمية وتحويلها إلى صيغة الديجيتال، وأنه يرسل 1700 معلم سعودي سنويًا إلى مدارس ذات مستوى عالمي في بلاد مثل فنلندا لترقية مهاراتهم، معلنًا أنه للمرة الأولى أن الفتيات السعوديات سوف يحصلن على حصص تربية رياضية في المدارس العامة، وسوف يضيف هذا العام ساعة لليوم المدرسي السعودي لمنح الفرصة للأطفال لاستكشاف شغفهم بالعلم والقضايا الاجتماعية، تحت رقابة المعلم، حيث سيعملون على مشروعاتهم الخاصة.

الكثير من تلك الإصلاحات تأخرت بشدة. لكن أن تأتي متأخرًا خير من أن لا تأتي أبدًا، يرى فريدمان.

التوحد ضد «هتلر الشرق الأوسط» هو هدف ابن سلمان فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، لم يناقش ابن سلمان الأحداث الغريبة التي تجري مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الذي جاء إلى السعودية وأعلن استقالته، فيما بدا أنه تحت ضغط سعودي، واليوم يعود إلى بيروت ويلغي استقالته. أصر ابن سلمان ببساطة على أن ملخص الأمر كله هو أن الحريري، وهو مسلم سني، لن يستمر في توفير الغطاء السياسي لحكومةٍ لبنانية تسيطر عليها ميليشيا حزب الله اللبنانية الشيعية، والتي تتحكم بها طهران.

أكد ابن سلمان أن الحرب المدعومة سعوديًا في اليمن، والتي تشكل كابوسًا إنسانيًا، تميل إلى صالح الحكومة الشرعية المدعومة سعوديًا هناك، والتي يقول إنها تسيطر الآن على 85%من البلاد، لكن بالنظر إلى حقيقة أن المتمردين الحوثيين المدعومين إيرانيًا، الذين يسيطرون على بقية البلاد، أطلقوا صاروخًا على مطار الرياض، فإن السيطرة على ما هو أقل من 100% سوف يكون مصدرًا للمشكلات.

بدا أن رؤية ابن سلمان العامة هي أنه مع دعم إدارة ترامب – وقد أشاد بترامب بوصفه «الرجل المناسب في الوقت المناسب» – فإن السعوديين وحلفاءهم العرب يبنون ببطء تحالفًا للوقوف في وجه إيران. يتشكك فريدمان في ذلك، قائلًا إن التفكك والعداوات داخل العالم العربي السني قد منعت تشكيل جبهة موحدة حتى الآن، وهو ما اعتبره سبب سيطرة إيران على نحوٍ غير مباشر على أربع عواصم عربية اليوم، وهي دمشق وصنعاء وبغداد وبيروت. ذلك التمدد الإيراني هو ما جعل ابن سلمان يتحدث بلهجةٍ لاذعة عن المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي.

«القائد الأعلى لإيران هو هتلر الشرق الأوسط الجديد»، قال محمد ابن سلمان، «لكننا تعلمنا من أوروبا أن الاسترضاء لن يجدي. نحن لا نرغب في هتلرٍ جديد في إيران يعيد ما حدث في أوروبا في الشرق الأوسط». لكن أكثر ما يهم هو ما تفعله السعودية بالداخل لبناء قوتها واقتصادها.

لكن هل يستطيع ابن سلمان وفريقه رؤية ذلك؟ مجددًا، يقول فريدمان إنه لا يقوم بأية افتراضات. إن لديه عيوبه التي سوف يكون عليه السيطرة عليها، حسب ما يخبره مطلعون على الأمور في الرياض. تتضمن تلك العيوب الاعتماد على دائرة شديدة الضيق من المستشارين الذين لا يتحدونه دائمًا بالنحو الكافي، وميل إلى بدء الكثير من الأشياء التي لا يتم الانتهاء منها. هناك قائمةٌ طويلة. لكن الكمال ليس مطروحًا هنا. على شخصٍ ما القيام بهذا الأمر، أي سحب السعودية إلى القرن الـ21، وقد تطوع ابن سلمان للقيام بالأمر. يقول فريدمان إنه يتمنى أن ينجح ابن سلمان في جهوده الإصلاحية.

السعودية تشهد لحظة تاريخية وكذلك الكثير من الشباب السعودي. كان هناك شيءٌ أخبرته إياه رائدة أعمال سعودية في الثلاثين من عمرها يقول إنه علق بذهنه: «إننا محظوظون لكوننا الجيل الذي رأى قبل وبعد». لم يكن يمكن أبدًا للجيل السابق من النساء السعوديات – توضح السيدة – تخيل يوم يمكن فيه للنساء القيادة، ولن يمكن للجيل القادم أبدًا تخيل يوم لم تكن تستطيع فيه المرأة القيام بذلك.

«لكنني سوف أتذكر دومًا أنني لم أكن قادرة على القيادة»، قالت المرأة السعودية للصحافي الأمريكي. وحقيقة أنه بدءًا من يونيو (حزيران) المقبل لن يتكرر ذلك أبدًا «تعطيني الكثير من الأمل. إنها تثبت لي أن كل شيء ممكن، وأن هذا وقت الفرص. لقد شهدنا أشياء تتغير ونحن شباب بما يكفي للقيام بالنقلة».

تلك الجهود الإصلاحية تمنح الشباب هناك – يقول فريدمان – فخرًا جديدًا ببلادهم، وهويةً تكاد تكون جديدة، يستمتع بها أغلبهم بوضوح. أن تكون طالبًا سعوديًا في أمريكا ما بعد أحداث 11 سبتمبر، اعترف شاب سعودي، يعني أن تشهر دومًا بأنه يتم النظر إليك كإرهابي محتمل أو كشخص يأتي من بلدٍ محبوس في العصر الحجري.

الآن لديهم زعيم شاب يقود الإصلاح الاقتصادي والديني، ويتحدث بلغة التكنولوجيا، وأكبر خطاياه ربما هي أنه يرغب في الإسراع الشديد. أغلب الوزراء الآن في أربعينياتهم، وليس ستينياتهم. ومع رفع يد الإسلام البيوروتاني الخانقة، فإن ذلك يمنحهم الفرصة للتفكير بحرية بشأن بلادهم وهويتهم كسعوديين، يرى فريدمان.

«علينا استعادة ثقافتنا إلى ما كانت عليه قبل سيطرة الثقافة (الإسلامية الأصولية)»، قالت صديقة سعودية تعمل مع إحدى منظمات المجتمع المدني لفريدمان. وأضافت: «لدينا 13 محافظة في البلاد، وكلٍ منها لديها مطبخ مختلف. لكن لا أحد يعرف ذلك. هل كنت تعرف ذلك؟ لكنني لم أر طبقًا سعوديًا واحدًا يصل إلى العالمية. حان الوقت كي نتبنى من نحن ومن كنا».

لسوء الحظ، يقول فريدمان، فإن السعودية بها نسبةً كبيرة من المواطنين الأكبر سنًا والأكثر ريفية وتقليدية، وسحبهم إلى القرن الـ21 سوف يكون تحديًا. لكن ذلك جزئيًا هو ما يجعل كل مسؤول سعودي يعمل لساعاتٍ إضافية الآن. إنهم يعلمون أنه يمكن لولي العهد الاتصال بهم على الهاتف في أي وقت لاكتشاف ما إذا كان قد تم إنجاز شيء طلب إنجازه. يقول فريدمان إنه قال لابن سلمان إن عاداته في العمل تذكره بجملة في مسرحية «هاملتون»، عندما تتساءل الجوقة: لماذا يعمل دومًا وكأن «وقته قارب على النفاد».

أجاب ابن سلمان: «لأنني أخشى من أن أموت في يوم لم أنجز فيه ما يدور في عقلي. إن الحياة قصيرة للغاية ويمكن أن تحدث الكثير من الأشياء، وأنا شديد الحماسة لرؤيتها بأم عيني. هذا هو ما يجعلني متعجلًا».

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه خاصة بالمصدر