فلسفة الدين

هل كانت هناك أديان حقا قبل المسيحية والإسلام؟

بقلم: منصور الناصر

Advertisements
Advertisements

دون مقدمات، سأبدأ بهذا التساؤل:  هل كانت هناك أديان حقا قبل المسيحية والإسلام؟
شخصيا لا أعتقد..بل وأزعم أكثر: ولا بعدهما أيضا
هذه تسميات اصطلاحية حديثة، فكل ماكان موجودا هو آلهة مدن، يحميها ويخرج معها لمحاربة مدن أخرى، طبعا هذا لا يعني عدم وجود شعائر وطقوس وعقائد دينية، لكن هذا شيء، ووجود مصطلح دين، بالمعنى الحديث، شيء آخر.


وإليكم توضيح أولي سأحدثه وأدقق فيه أيضا لاحقا:

يظن كثيرون أن قبل الإسلام والمسيحية كانت هنالك أديان
وهو خطأ كبير جدا، أثر وما زال يؤثر على “نظام” ونسق تفكيرنا بالكامل وعند تناولنا لأي امر بالبحث والتحليل والتفكير

والحقيقة لا قبلهما كانت هنالك أديان ولا بعدهما
هذه تسميات اصطلاحية-مؤسساتية حديثة، تستخدم لأغراض البحث، كما يستخدم علماء الطبيعة المختبرات للتعامل مع مادتهم البحثية.
ما كان موجودا كان ليس أكثر من آلهة مدن وجماعات متحاربة أو متنافسة فيما بينها،
فلم نسمع يوما أن حربا اشتعلت بين أتباع دين وآخر، بل بين جماعات وممالك ومدن.
كل ما كان يحدث هو أن مدينة ما أو مملكة تخرج لمحاربة أخرى وتاخذ معها إلهها مثلما تأخذ أسلحتها وأعلامها وحاجاتها الأخرى أيضا..ولم تكن هناك مؤسسة دينية منفصلة عن بقية المؤسسات الأخرى، فأنت تجد قصر الحاكم مجاورا لمعبد الكاهن..كلاهما مرتبطان مع بعضهما، وقد يكونان معا في مكان واحد..كانت العملية مختلطة، كما نصفها اليوم، لكنها كانت “طبيعية” وقتها، ولا حاجة لتمييز وتخصيص تفاصيلها، كما هو الحال الآن.
.
ومعروف أن الدين كالعلم مصطلحان حديثان لا علاقة لهما بمعناهما القديم بأي شكل، ((ولا يجوز، بل وليس من الاخلاق، أن يستغفل “علماء” الدين المعاصرون الجمهور، ويخلطون عليهم الأمور))

الآلهة كانت حاجات شخصية، أشبه بتعويذة أو علم خاص بجماعة محددة

Advertisements

ولا يجوز بالتالي أن “توسع عملها” لتقبل دخول أي غريب في حمايتها.

..هكذا كان الحال في إله بابل وآشور ولكش وأوغاريت وتدمر وأثينا وروما وبرسيبولس وطيبة وكل المدن القديمة..
وهكذا الحال في جماعات أو شعوب ما زالت موجودة كاليهود والمندائيين والإيزيديين والدروز والنصيرية ..الخ ((وهي التي نسميها، توخيا للدقة العلمية؟، وليس تحيزا لفكرة الدين؟، بالأديان غير التبشيرية!!))


قلنا إن الأديان قبل أديان التوحيد، كانت اديانا شخصية أو قومية، ولديها آلهة “متخصصة” وليست وثنية بالمعنى الشائع، فهي إما إله خاص بجماعة بشرية أو قبيلة أو إله خاص بمدينة، أو مملكة ويعد حاميا ومباركا لها، وليس لمدينة أخرى.
أي أشبه برمز أو تعويذة أو علم، ولهذا فليس من المعقول ولا المقبول، في عرف الشعوب القديمة، أن يرفعه شخص لا علاقة له به.
.
هكذا كانت الحروب طوال تاريخ التمدن البشري تقريبا، حروب مدن، ولكل منها قلعة وإله وكهنة وقادة وحكام، وموضوع الحرب الوحيد هو الاستيلاء على الأراضي والسلب والنهب والحصول على الغنائم، (وهو ما يجري حتى الآن في أغلب بلداننا الإسلامية)
.
غير إن الأمر تغير بظهور الإسلام وقبله المسيحية الذين حاربا كل الاديان التي سبقتهما، ولكن باسم إله دين هذه المرة وليس باسم إله مدينة أو جماعة، وهو فرق هائل غير مجرى التاريخ حتى اليوم،
وأدى هذا التطور الجديد، إلى أن تصبح الحروب ليس بين المدن والممالك وبرعاية إله كل منها، بل بين الآلهة فقط، ومن ينتصر له حق أن يضم ليس أراضي الآخرين فقط “لأملاكه” كما كان يحصل سابقا، بل أرواحهم أيضا !!
أي ان التعطش للاستحواذ على ما هو أبعد من البشر والأشياء، وصل حده الأقصى في هذين الدينين، ليطال روح الإنسان نفسه، وتغييرها بالكامل، وبأي طريقة، وفق مخطط موضوع سلفا ذكرته النصوص المقدسة وشروحاتها..وما على “المستولى عليهم” إلا الإذعان او الموت.
.
وهو أمر يفسر الكثير من الظواهر التي رافقت انتشار الدينين أينما فرضا وجودهما عبر التاريخ.
ومن هذه الظواهر، وأغلبها سلبية، انتشار التخلف والفقر والجهل والظلم والحروب فيها..فضلا عن نشوء ظاهرة جديدة كليا لم تكن موجودة قبلهما بهذه الصورة، وهي انتشار فرق ومذاهب فرعية متقاتلة فيما بينها، من داخل الدين نفسه، وكل منها تدعي أن “إله الدين” وليس البشر! يجب أن تكون صفاته كذا وليس كذا.
أي أن الحروب أصبحت ليس بين مدينة وأخرى، بل بين دين او مذهب وآخر، حتى تطور الموضوع وأصبح النزاع داخل المدن نفسها أيضا، كما حصل في بغداد العباسيين واسكندرية المسيحيين قبل فتح مصر!
وبسبب الرغبة البشرية بالتطرف والتوغل أكثر في “التجريد” وتجريد التجريد..أدت هذه النزاعات إلى أن تتطور الفكرة، كما أرى، من مسعى القضاء على إله المدينة أو الجماعة لصالح إله دين ما، إلى القضاء على فكرة وجود إله للبشر كلهم أيضا وبغض النظر عن لونهم وجنسهم و”مدنهم”، وهو ما يتضح في الإسلام تحديدا، (فقد أصبح الدين كله لله).

Advertisements

وهو تطور ما زلنا ندفع ثمنه الباهض جدا حتى الآن
(وهذه ليست عبارة قدح في “الدين” بل أنها مذكورة فيه كمطلب “شرعي”)


وفقا للنص الإسلامي المقدس، هل يمكن اعتبار إله “الدين” إلها واحدا أم إلها وحيدا؟
بمعنى هل ان الدين الإسلامي دين توحيد أم تفريد؟
وأقصد التفريد بمعنى الكلمة الحرفي وليس بالمعنى الأصولي الإسلامي، أي أن إله الدين هو إله لا يوجد إله اعلى منه، وأن على جميع الآخرين من بشر وآلهة طاعته.
بصراحة، هناك إشارات كثيرة جدا تؤكد ذلك ولكن الأمر يبقى مفتوحا للبحث بشكل أعمق للحصول على جواب مقنع.

Advertisements

وأخيرا
والشيء بالشيء يذكر..لابد أن نلاحظ أن الجذر اللغوي لكلمة “مدينة”، و”دين” متقارب..سواء على صعيد المعنى والمبنى، وهو امر يستحق بحثا آخر لاحقا.

شاهد أيضاً

بالفيديو: هل أن الدين ظاهرة اجتماعية أم أن المجتمع ظاهرة دينية؟

في فيديو على اليوتيوب قال الكاتب منصور الناصر أن القطيع هو الأصل.. وهو الكلمة المرادفة …