محمد شحرور يعدد مشاكل الفكر العربي والإسلامي المعاصر وسبب انتشار التعصب

لقد دخل العقد الثاني من القرن الخامس عشر الهجري والعقد الأخير من القرن العشرين الميلادي، والأدبيات الإسلامية منذ مطلع القرن العشرين تطرح الإسلام عقيدة وسلوكاً دون أن تدخل في العمق الفلسفي للعقيدة الإسلامية. ولقد انطلقت من أطروحات، عدتها من مسلمات العقيدة الإسلامية وهي لا تدري أن هذه المسلمات بحاجة إلى إعادة نظر، فدارت هذه الأدبيات نفي حلقة مفرغة، ولم تصل إلى حل المعضلات الأساسية للفكر الإسلامي (التقليدي)، مثل أطروحة القضاء والقدر والحرية، ومشكلة المعرفة، ونظرية الدولة، والمجتمع والاقتصاد والديمقراطية، وتفسير التاريخ، بحيث ينتج عن ذلك فكر إسلامي معاصر يحمل كل مقومات المعاصرة شكلاً ومضموناً دون الخروج عن المقومات الأساسية للعقيدة الإسلامية في أبسط أشكالها وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
إن الفكر العربي المعاصر ومن ضمنه الفكر الإسلامي يعاني من المشاكل الأساسية التالية:
1 – عدم التقيد بمنهج البحث العلمي الموضوعي في كثير من الأحيان، وعدم تطبيق الكتاب المسلمين لهذا المنهج على النص القدسي الديني المتمثل بآيات الكتاب الموحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم. حيث إن أول شرط من شروط البحث العلمي الموضوعي هو دراسة النص بلا عواطف جياشة، من شأنها أن توقع الدارس في الوهم، وخصوصاً إذا كان موضوع الدراسة نصاً دينياً أو نحو ذلك.
2 – إصدار حكم مسبق على مشكلة ما قبل البحث في هذه المشكلة،
وخير مثال على ذلك “المرأة في الإسلام” إذ نرى الباحث الإسلامي مقتنعاً مسبقاً وقبل البحث أن وضع المرأة في الإسلام وضع سليم وأن الإسلام أنصفها،

فيكتب كتاباً في ذلك ويقول إنه بحث علمي. وكل ما فعله أنه أوجد التبريرات لوجهة نظره المسبقة،
ونرى الباحث المعادي للإسلام مقتنعاً مسبقاً أن الإسلام ظلم المرأة، ويقدم بحثاً عن ذلك ويقول إنه بحث علمي. وكلاهما وقع في الخطأ نفسه، إذ إن أي مشكلة تتطلب بحثاً علمياً موضوعياً، تعني أن الباحث نفسه غير متأكد من النتائج، أو لا يعرف النتائج أصلاً وبالتالي أجرى بحثاً علمياً ليتأكد أو ليعرف النتائج، وهذا ما قمنا به فعلاً في الكتاب، ومن ضمنه بحث الإسلام والمرأة، فعندما بدأنا بهذا البحث قلنا إننا لا نعرف شيئاً إطلاقاً عن موقف الإسلام من المرأة. فجمعنا آيات الكتاب المتعلقة بالمرأة، ودرسناها لنعرف ما هو وضع المرأة في الإسلام، وخلصنا إلى نتائج لم نجدها في كتب التفسير، ولا في كتب الفقه، وتبين لنا أن المرأة لها وضعان: وضع في الكتاب، أي في النص المقدس، ووضع في الفقه الإسلامي الذي يحمل صفة التطور التاريخي (النسبية الزمانية والمكانية).
3 – عدم الاستفادة من الفلسفات الإنسانية، وعدم التفاعل الأصيل المبدع معها، حيث لا يمكن أن نضع كل ما أنتجه الفكر الإنساني، منذ اليونان إلى يومنا هذا، في هامش الخطأ أو الباطل، فإذا قلنا: إن كل ما طرحه الفكر الإنساني شيء والإسلام شيء آخر، أي كل ما خطر في بالك فالإسلام غير ذلك، ينتج لدينا سؤال لا يمكن الإجابة عليه وهو (ما هو الإسلام)؟ فضمن هذا المنطق لم يتم تعريف الإسلام إلى اليوم. أما إذا قلنا: إن ما طرحه الفكر الإنساني فيه غث وفيه ثمين، وفيه حق وفيه باطل، وفيه خطأ وفيه صواب، فهذا يعني أننا نحن المسلمين قادرون على أن نتفاعل إيجابياً مع الفكر الإنساني كله، دون خوف، أو وجل، ولكن حتى يتم هذا التفاعل الإيجابي يجب علينا نحن العرب والمسلمين أن نمتلك ميزاناً مرناً، نستطيع أن نتفاعل به مع الآخرين، دون خوف، وهذا الميزان غير موجود عندنا في الوقت الحاضر، وهذا يقودنا إلى النقطة الرابعة.
4 – عدم وجود نظرية إسلامية في المعرفة الإنسانية، مصاغة صياغة حديثة معاصرة، ومستنبطة حصراً، من القرآن الكريم، لتعطينا ما يسمى (إسلامية المعرفة) بحيث تعطي هذه النظرية منهجاً في التفكير العلمي لكل مسلم، وتمنحه ثقة بالنفس وجرأة على التعامل والتفاعل مع أي نتاج فكري أنتجه الإنسان، بغض النظر عن عقيدته. إن غياب هذه النظرية، المصاغة صياغة معاصرة، أدى بالمسلمين إلى التفكك الفكري، والتعصب المذهبي، واللجوء إلى مواقف فكرية أو سياسية تراثية، مضى عليها مئات السنين، تقوم على كيل الاتهامات بالكفر والإلحاد والزندقة والهرطقة والمعتزلية والجبرية والقدرية لهؤلاء وهؤلاء، كل هذا بهدف الخروج من مأزق فكري، يقع فيه المسلم في مواجهة الفكر المعاصر، علماً بأنه ليس كل فكر أنتجه الإنسان هو عدو للإسلام بالضرورة.
ولكن غياب المنهج المعرفية، الذي يمكن أن يواجه كل غث، ويحتوي على كل ثمين، هو الذي يؤدي بالضرورة إلى مواقف التشنج والسذاجة وضيق الأفق. لذا فإننا في كتابنا هذا أفردنا بحثاً خاصاً لمشكلة المعرفة الإنسانية “جدل الإنسان”، لأن مشكلة الفلسفة الكبرى هي تحديد العلاقة بين الوجود في الأعيان، وصور الموجودات في الأذهان. ولدى الخوض في هذه المشكلة وجب علينا بالضرورة أن نقف على الأرضية العلمية للقرن العشرين، لذا فإنه ليس من العبث تسمية الفلسفة بأم العلوم قاطبة.
5 – إن المسلمين في العصر الحاضر يعيشون أزمة فقهية حادة، وثمة صيحات صادقة تقول: إننا بحاجة إلى فقه جديد معاصر، وبحاجة إلى فهم معاصر للسنة النبوية، وقد تم تشخيص هذه المشكلة، ولكن دون وضع حل لها. فإذا أردنا أ، نخترق الفقه الإسلامي الموروث “الفقهاء الخمسة” وجب علينا إعطاء البديل، وهذا ما فعلناه في هذا الكتاب حيث طرحنا منهجاً جديداً في الفقه الإسلامي، وطبقناه على أحكام المرأة فنتجت لدينا أحكام لم تكن عند الفقهاء كلهم.
محمد شحرور

Advertisements
Advertisements

وعن الفقه قال شحرور January 12, 2015 ·
تشير الدلائل أن كل أمهات كتب الفقه الإسلامي وأصول الفقه وضعت في ظل الدولة العباسية التي كانت أقوى دولة في العالم، وكان الفقه بمثابة المنظومة القانونية لتلك الدولة، بما فيه مفاهيم الجزية وتنظيم الرق والسبي ودار الإسلام ودار الكفر، وقواعد الإقامة في دار الكفر ومعاملة الكفار وكرههم، حتى أنه أنشئ ديوان الزندقة لمعاقبة (اعدام) من يقول بغير ما يقول الفقهاء، واليوم كل المفكرين المجددين هم زنادقة بالنسبة لكتب الفقه.
واﻵن تصوروا لو أن أوباما هو أمير المؤمنين وهو رئيس أقوى دولة في العالم ونحن بالنسبة له كفار، وأراد أن يطبق كتب الفقه علينا، فما سيكون هو:
– علينا أن ندفع الجزية صاغرين .
– سيقيم قواعد عسكرية في بلادنا على أساس أنه يقوم بحمايتنا ﻷننا أهل كتاب.
– سيأخذ النفط وﻻ يعطينا ثمنه.
– سيسبي نساءنا .
– سيعين وﻻة علينا من حاشيته.
تصوروا هذا لتعلموا أننا بحاجة إلى فقه معاصر.
يجب رمي كتب الفقه الموروث ووضع أسس جديدة للفقه مبنية على حرية الإنسان وحرية الكلمة والرأي، ومفهوم معاصر للدولة ولولي اﻷمر، وفصل اﻻزدواجية بين القانون والشريعة، وﻻ يمكن هذا إﻻ بصياغة أصول جديدة ومقاربة لفهم التنزيل الحكيم وفق الأرضية المعرفية لعصرنا، آخذين بعين اﻻعتبار عالمية الرسالة ورحمتها وخاتميتها، ﻷن الفقه الإسلامي الموروث ﻻ يحوي أيٍ من هذه الصفات.
علينا أن نبرهن صلاحية هذه الرسالة بعد وفاة الرسول ب 1400 سنة، أي اليوم، ﻷن ما نراه ﻻ يصلح لوقتنا هذا.

ومن بين التعليقات على المقال اخترنا
Hendy Alheety
كلام نظري لا يمكن تحقيقه على الواقع لان موضوعة الدين غير موضوعة العلم الاول قائم على الايمان المسبق والثاني قائم على الشك ، اتمنى ان يركز الشيخ شحرور على اسباب عدم امكانيه نشر افكاره الحداثوية هذه بين عامة المسلمين علما ان هناك من سبقوه في عملية تحديث الخطاب الديني امثال محمد عبده وعلي عبدالرازق وحامد ابو زيد وغيرهم كثير الذين لم يستطيعوا تغير الواقع وانتهوا اما الى التكفير او بقت ابحاثهم تتداول داخل الدرس الاكاديمي

https://www.youtube.com/watch?v=zUVTFkp_km4

شاهد أيضاً

الرئيس الفرنسي ماكرون

مقال: كان علينا أن نشكر ماكرون بدلا من أن نلعنه

قال الرئيس الفرنسي ما يمكن أن يقوله أي إنسان عاقل مهتم بما يحدث من حوله. …