هل أطاحت انتفاضة شباب العراق ولبنان بالطائفية السياسية؟

شهدت الموجة الثانية من الحراكات العربية تمردا واضحا على قيود الطائفية والمناطقية، لصالح مطلبها الأهم المتمثل في مكافحة الفساد، والتحرر من حكم الفاسدين، حتى يسترد أبناء الوطن مقدرات أوطانهم بعيدا عن الطائفية السياسية.

Advertisements
Advertisements


ووفقا لمراقبين، فإن ذلك بدا واضحا في الحراكات الشعبية الجارية حاليا في لبنان والعراق، حيث تجاوز المتظاهرون حدود الطائفية التي فُرضت على البلاد ضمن صفقات ومعادلات سياسية لصالح أحزاب وقوى سياسية متنفذة، تمردت عليها أجيال الشباب الجديدة بعد تحطيمها لحواجز الخوف التي جُبلت عليها الأجبال السابقة.


ويشير الكاتب الصحفي العراقي، صالح الحمداني، إلى أن “الطائفية ليست متجذرة في المجتمع العراقي، وإنما حملتها الأحزاب الدينية معها، لمصالحها الذاتية في الوصول إلى الحكم، أو تنفيذا لأجندات من يدفع لها”، مضيفا: “لذا فإنها بدأت بالسقوط بسهولة تحت ضغط الجوع، واختفاء الخدمات، والتطلع إلى مستقبل أفضل”.


وتابع حديثه لـ”عربي21″ بالقول “إن الجيل الجديد -جيل لعبة البوبجي الشهيرة كما يسمى في العراق- لم يتلوث بالخوف الذي جُبلت عليه الأجيال السابقة، كما أنه من الصعوبة بمكان أن تنطلي عليه حيل الإسلاميين، لذلك بمجرد ما سنحت له الفرصة انفجر ضد الفساد والطائفية، وغياب العدالة الاجتماعية”. 


من جهته، قال الأمين العام المساعد لتيار أهل السنة في لبنان، ربيع حداد، “إن أهم ما يميز الحراك الشعبي في لبنان والعراق عبوره وتخطيه، بل تعاليه على الطائفية المقيتة، التي حاول المستعمر ترسيخها بين شعوب المنطقة عقب اتفاقية سايكس – بيكو، لا سيما في المناطق متعددة الطوائف والمذاهب، وخلّف حراسا أمناء على ذلك من بني جلدتنا”.


وواصل حديثه لـ”عربي21″ بالإشارة إلى أن “العالم فوجئ بالالتحام الحاصل بين أبناء الشعب الواحد من كافة الطوائف والمذاهب، في لبنان والعراق، بعد كفرهم بالطبقة السياسية الفاسدة التي مصت دم الشعب، وقضت على مستقبل أبنائه، ونهبت خيرات البلاد، وأفقرت العباد”.

Advertisements


وأردف: “وفي لبنان تحديدا، حيث التركيبة السياسية، والوظائف الحكومية مبنية على أسس المحاصصة الطائفية بموجب ما يعرف بالميثاق الوطني الذي توافقت عليه مجموعة من السياسيين اللبنانيين إبان الاستقلال عام 1943م، التي استغلها السياسيون الحاليون (بعضهم أبناء وأحفاد الموقعين على الميثاق)، زعماء الأحزاب وأمراء الحرب لتسمين أرصدتهم في البنوك خلال 29 سنة من بعد ميثاق الطائف”.


ولفت حداد إلى أن “صحيفة الواشنطن بوست، ومجلة الإيكونوميست، قدرتا المبالغ التي تمت سرقتها بحوالي 800 مليار دولار، وهو ما أدّى إلى تفشي حالة الفقر والجوع وانعدام الخدمات الأولية في البلد، في الوقت الذي يقيم فيه بعض رموز السلطة الحالية الحفلات الباذخة وأعراس ألف ليلة وليلة في لبنان وخارجه، والتي قُدرت قيمة إحداها مؤخرا بخمسة ملايين دولار، وهو حفل زفاف ابن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة”.


وطبقا لحداد، “فقد أدّى ذلك إلى حالة غليان شديدة في أوساط الشعب الذي يئن تحت وطأة غلاء المعيشة، وارتفاع كلف التعليم والطبابة، فما أن أعلن عن ضرائب جديدة حتى انفجر الوضع، وتدفق الناس بشكل عفوي إلى الشوارع، فوجد المسيحي نفسه إلى جانب المسلم، والسني إلى جانب الشيعي، والدرزي إلى جانب العلوي، كلهم يصرخون بصوت واحد، ووجع واحد: الشعب يريد إسقاط النظام”.

Advertisements


وعن السقوف العالية التي تصدح بها حناجر المتظاهرين في ساحات الاعتصامات، شدد حداد على أن “ما أنجزته الثورة الشعبية في قدرتها على تهشيم معظم الأصنام السياسية، وتخطيهم في هتافاتهم للعديد من الخطوط الحمراء التي ما كنا نظن أن أحدا يجرؤ يوما على تجاوزها”.


وتابع: “خرج حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، بخطاب استعلائي، هدد فيه الناس بنزول عصاباته إلى الشارع، وأعلن أن إسقاط العهد ممنوع، واستقالة الحكومة ممنوعة، فجاءه رد الشارع (كلن يعني كلن، ونصر الله واحد منن”، وكذلك في رد الشارع على الورقة الإصلاحية لرئيس الحكومة سعد الحريري، والموقف ذاته كان في الرد على خطاب رئيس الجمهورية”.

Advertisements


وذكر حداد أن “حاجز الخوف انكسر عند الناس، وتهاوت الأصنام والقامات المزيفة التي استبدت واستعبدت الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، فلا نكوص ولا رجوع ولا استسلام، فلبنان بعد 17 تشرين الأول/ أكتوبر ليس لبنان قبل ذلك”.


وشدد على وجود “قواسم مشتركة عديدة بين الحراكين اللبناني والعراقي، قد يكون من أهمها تدخل إيران السافر في الشؤون الداخلية لكلا البلدين عبر رجالاتها وأدواتها؛ تحقيقا لأجنداتها السياسية على حساب المساكين والفقراء في البلدين”.


وفي السياق ذاته، أكدّ الناشط الحراكي العراقي من النجف، حسين آل حازم، على أن “أبناء الشعب العراقي خرجوا يحملون الورود والأعلام بأيديهم للقضاء على الزمرة الفاسدة، التي حكمت البلاد، وتسلطت على خيرات الشعب العراقي، ونهبوا كل خيرات البلد، دون النظر لأبناء الشعب”.

وأضاف من ساحات المظاهرات في النجف: “تلك الزمرة تحمل النفس الطائفي، لكن بعزم أبناء البلد الواحد من الشمال إلى الجنوب ستنتهي هذه الزمرة الفاسدة، وستحاسب على أيدي الشرفاء من أبناء العراق الأغر”.


وذكر في ختام حديثه أن “حناجر العراقيين الأحرار تصدح اليوم بـ”كلا كلا للفاسدين التبعيين، كلا كلا للطائفيين المتغذين على دماء الشهداء الشرفاء، نصبنا خيامنا، ولن نعود إلى بيوتنا إلا والنصر معنا، نعم نعم للعراق، نعم نعم لوحدة العراق”.

اتهمت محافل عراقية، جهات دولية وعربية، بالوقوف وراء المظاهرات في العراق، ودعمها بالمال، بهدف إحداث انقلاب سياسي في البلاد.


وقالت صحيفة الأخبار اللبنانية إنه “من وجهة نظر المعنيين في العراق، فإن ثمة مخططاً، ترعاه كلّ من واشنطن، وأبو ظبي، والرياض، يستهدف العراق ولبنان على السواء، بوصف الأول محكوماً من سلطة موالية لإيران، والثاني خاضعاً لحزب الله وحلفائه”.


ولفتت الصحيفة إلى أن الإمارات كانت مركز وضع الأفكار والآليات لما يجري في العراق، وأن مستشار الأمن الوطني طحنون بن زايد آل نهيان، ومستشاره القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان، ومدير مكتب الأخير جعفر دحلان، أداروا المخطط.


وأضاف: “أما التكلفة المالية، والتي بلغت حوالي 150 مليون دولار أميركي، فقد تحمّلتها السعودية، في حين أُسنِد التنفيذ إلى منظمات المجتمع المدني المموَّلة من السفارة الأميركية، والتي يبلغ تعدادها في العراق اليوم أكثر من 50 ألف منظمة ناشطة، مُوّلت عام 2019 فقط بـ701 مليون دولار.


وتابعت: “وحتى يضمن الأميركيون نتيجة التحرك، أوكلوا مهمّة المتابعة الميدانية إلى غرفتَي عمليات، الأولى من داخل السفارة الأميركية حيث كانت عميلة وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) المعروفة بـ”agent N” برتبة سفير معنية بالإشراف المباشر، والثانية في إقليم كردستان، وتحديداً في السليمانية”.

وشددت الصحيفة على أن ما يعزز تلك الرواية أن وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي، السفير السعودي السابق في العراق ثامر السبهان، حرص طوال الصيف الماضي، على التلميح أمام ضيوفه العراقيين إلى أن شهر تشرين الأول/ أكتوبر لن يكون كما قبله، وأن هناك حدثاً عظيماً سيضرب العملية السياسية في العراق، بالتوازي مع حديث لعدد من المنظمات الشبابية طوال الفترة عينها عن أن زلزالاً سيضرب نظام الحكم في البلاد، وأن العمل جارٍ على ذلك” بحسب الصحيفة.

Advertisements


وعن أسباب مشاركة الولايات المتحدة في هذا المخطط قالت الصحيفة: “كثيرة هي الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى اتخاذ قرار معاقبة حكومة عبد المهدي، على رأسها موقف الأخيرة من العقوبات الأميركية على إيران، حيث أبدت على عكس حكومة العبادي تعاطفاً كاملاً مع طهران، وعملت على رفع مستوى التنسيق معها. يضاف إلى ذلك تمدّد قوى الحشد الشعبي داخل مؤسسات الدولة العراقية”.

وتشهد العاصمة العراقية بغداد ومحافظات أخرى في وسط وجنوب البلاد، منذ مطلع تشرين الأول/أكتوبر الحالي، موجة احتجاجات وتظاهرات شعبية واسعة للمطالبة بمحاربة الفساد وتوفير الخدمات وفرص العمل.
وتعرضت التظاهرات للقمع باستخدام الرصاص الحي، وقنابل الغاز المسيل للدموع، ما أسفر عن وقوع عشرات الضحايا، وسط غضب شعبي متصاعد.

شاهد أيضاً

الدين هو المؤامرة والشيطان هو المصمم الذكي ج1

أعلن المفكر منصور الناصر في عنوان رئيس لمقال له عن اكتشاف حقيقة الدين..كما نشر فيديو …