العرب

بيان “أزاهرة يستنيرون”: ليس في القرآن والسنة ‏حَدٌ في قتل ساب الرسول

By nasser

October 26, 2020

وسط حملات واسعة لمقاطعة المنتجات الفرنسية، صدرت اصوات اكثر هدوءا مثل بيان لتجمع “أزاهرة يستنيرون”: اكد فيه أن ليس في القرآن والسنة ‏حَدٌ في قتل ساب الرسول، مشيرا إلى أن كتاب ابن تيمية يتضمن احاديث لا يوجد بينها حديث واحد مجمع عليه.

وهو بيان لافت وسط غضب جامح، يكاد يفقد كثيرون فيه توازنهم، ومن التعليقات عليه اخترنا هذا التعليق لأحمد ابو نصر وقال فيه..

الرسول تعرض للضرب ورفض الدعاء عليهم

أوافق على هذا البيان ..وأقول متسائلا.. هل فعل السبّ أقوى أم الإيذاء الجسدي مقرونا بالسب ؟ لقد آذى أهل الطائف رسول الله جسديا ورموه بالحجارة حتى أدموه وسبُّوه وسخروا منه .. ورغم كل هذا يرفض الدعاء عليهم بل يدعوا لهم بالهداية ويأمل أن يأتي منهم خيرا ..ثم واصل دعوته .

أما الذين يقولون أن النبي أهدر دم فلان – إن صح – فذلك لأنه نبي يوحى إليه ولعله مأمور بذلك في حالات معينة لأسباب معينة لايعلمها الا الله ورسوله – ولايصح ان نعتبرها سنة لأن هناك نصوصا قرآنية ونبوية تدل على غير ذلك حتى فيمن يسبون الذات الإلهية ..ولكنها تصير خصيصة للنبي ..مع يقيني الشخصي ان النبي صلى الله عليه وسلم لاينتقم لنفسه وأنه رؤوف رحيم . وأنه رحمة للعالمين .

و إليكم بيان “ازاهرى يستنيرون” حول جريمة قتل مدرس التاريخ في فرنسا مجهود جيد ، هدف نبيل ، ولكن مدى انتشاره وقبوله من اهل هذا الدين هو ما يصنع الفارق. ‏

.بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله، والصلاة والسلام على أفضل خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وعلى ‏كل من سعى صادقا متجردا في طريقه طالبا النجاة في دنياه وأُخراه، وبعد؛‏ بأشد العبارات يدين أعضاء مبادرة “أزاهرة يستنيرون” الجريمة النكراء التي وقعت يوم ‏الجمعة الماضي الموافق 16 أكتوبر 2020 بإحدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس وراح ‏ضحيتها مدرس التاريخ “صمويل باتي” على يد مراهق،

وتؤكد المبادرة أن الإسلام – كما ‏يفهمه أزاهرة يستنيرون – بريء من تلك الممارسات التي لا يمكن أن يقبلها أو يبررها أي ‏دين يدعو إلى التسامح ويحث أتباعه على الإحسان في القول والعمل وعلى الدفع بالتي هي ‏أحسن.‏ولأننا مقتنعون أن الإدانة وحدها لا تكفي نرى من واجبنا – وكذلك من واجب كل مؤسسة ‏دينية إسلامية واعية – أن نشفَع الإدانة والشجب بشيء من التأصيل الشرعي المُفنِّد لفتاوى ‏وآراء منسوبة إلى الدين شَرعَنَت وما زالت تُشرعِن لهذا النوع من الجرائم، إذ بدون هذا ‏التأصيل والتفنيد يبقى الباب مُشرَعا لتكرار المأساة بدعوى الانتصار لرسول الله صلى الله ‏عليه وسلم والثأر له، وعليه فنبين الآتي:

‏‏1- من حيث المبدأ يؤكد “أزاهرة يستنيرون” أنه ليس في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية ‏حَدٌ في قتل من سب الرسول صلى الله عليه وسلم، مسلما كان أو غير مسلم، بل ورد في ‏القرآن ما يُرشد إلى الإعراض عن مَن وقع في فخ الإساءة إلى المقدسات الإسلامية بشكل ‏عام، قال تعالى: ” وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي ‏حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين (الأنعام 68)”، ‏وقال تعالى أيضا: “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهلين (الأعراف 199).

‏‏2- أما السنة النبوية فلم يرد في مروياتها الصحيحة الموثوقة – التي نشترط لها دائما وأبدا ‏الاتفاق مع الهدي القرآني معنىً ومقصدا – ما يُثبِت صراحةً وجود أي حد أو عقوبة شرعية ‏مترتبة على الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالسب، على العكس من ذلك قد ورد من ‏السنة ما يفيد عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن مَن أساؤوا إليه بالقول أو بالفعل، ومن ذلك ‏ما أورده البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‎:‎‏ “أنَّ رَجُلًا تَقَاضَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ‏وَسَلَّمَ فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا، وَاشْتَرُوا لَهُ بَعِيرًا ‏فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ! وَقَالُوا: لَا نَجِدُ إِلَّا أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ، قَالَ: اشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ ‏قَضَاءً”، وفي البخاري أيضا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ‏وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً حَتَّى نَظَرْتُ ‏إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي ‏مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ! فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ ‏بِعَطَاءٍ‎”‎، وكما نرى في هذين المثالين قد جاءت ردود أفعال النبي صلى الله عليه وسلم متوافقة ‏مع إرشاد القرآن ومعبرة عما وصف الله به نبيه فيه قائلا: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ”‏‎ ‎‏ ‏‏(الأنبياء 107).‏‏

قتل ساب الرسول حسب ابن تيمية لا إجماع فيها

3- يُقِرّ “أزاهرة يستنيرون” أننا قد ورثنا في تراثنا الفقهي والتشريعي الإسلامي مقولاتٍ قديمة ‏لبعض أئمة الفقه الإسلامي تشرعن – بصريح القول والعبارة – عقوبة القتل في حق من سب ‏النبي صلى الله عليه وسلم مسلما كان أو غير مسلم، ومع إجلالنا هؤلاء الأئمة لا نتردد أبدا في ‏الوقوف موقف النقد والمراجعة والتفنيد العلمي لما قرروه في هذا الباب. ‏‏

‏4- وأهم ما كُتب في عقوبة سب الرسول كتابُ ابن تيمية – رحمه الله – “الصارم المسلول ‏على شاتم الرسول” وقد حَكى فيه إجماعَ العلماء على قتل من سب الرسول، وأورد نقولات ‏كثيرة على ذلك، ونحن نرى أن دعوى الإجماع هذه لا تصح ولا تثبت، لأن الأحناف لا ‏يقولون بقتل غير المسلم إذا سب النبي، وهو ما أورده ابن عابدين رحمه الله في كتابه “تنبيه ‏الولاة والحكام على أحكام شاتم خير الأنام” قائلا: “وحكي عن أبي حنيفة – رحمه الله – قال: ‏لا يُقتَل الذمي بشتم النبي”، كما نقل ابن عابدين في الكتاب نفسه أيضا قول القاضي عِياض ‏‏”وهو ‏‎]‎يعني القتل‎[‎‏ قول عامة العلماء إلا أبا حنيفة والثوري وأتباعهما من أهل الكوفة”، وهذا ‏كلام صريح يقتضي أنه لا إجماع هنا.‏‏ ‏

5- في تناوله للمسألة حاول ابن تيمية – رحمه الله – الاستدلالَ على وجوب القتل بكل طريق ‏استطاعه، فحشد آيات من القرآن استشهد بها في غير مواضعها، وبما لا تقتضيه منطوقاتها ‏ولا مدلولاتها الأصلية والسياقية، ونذكر هنا مثالا واحدا مما استشهد به – رحمه الله – وهو ‏قول الله تعالى: “وإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَا ‏أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ” (التوبة 12)، ولا يخفى على قارئ القرآن المنتبه أن سياق الآية ‏الأصلي هو حالة النزاع والحرب التي كانت دائرة بين جماعة المؤمنين وبين المشركين وما ‏كان متعلقا بذلك من عهود ومهادنات هي بالأساس شأن الحكومات والدول فيما بينها، لكن ابن ‏تيمية حاول جاهدا بالتأويل والتضمين أن يستخرج من هذه الآية قسرا الحكم بقتل من سب ‏النبي، مع اعترافه هو نفسه بأن المراد عند نقض العهد هو القتال وليس القتل، والقتال معناه ‏الحرب بين جماعتين، يعني بين دولتين بمفهومنا المعاصر، وهذا أمر منوط بالمسئولين في ‏الدولة، ولا علاقة للأفراد به.

استشهادات ابن تيمية لا نجد فيها رواية ‏خالية من المطاعن

‏‏6- وبالنظر إلى استشهادات ابن تيمية من المرويات الحديثية لا نجد رواية واحدة صحيحة ‏خالية من المطاعن متنا وسندا، مثل رواية الأعمى الذي قتل المرأة اليهودية، وهي رواية ‏مرسلة باعتراف ابن تيمية نفسه، وأما الروايات التي ذكرها عن أناس من المشركين ‏والمرتدين أهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دماءهم، فيرى “أزاهرة يستنيرون” أن هؤلاء ‏المهدرة دماؤهم كانوا حَربِيين متحالفين ضد جماعة المؤمنين في سياق الحرب أو النزاع ‏المسلح قبل الفتح، ومنهم من غَدَر وقَتل، يعني لم يقتصر جُرمهم على مجرد الإساءة إلى النبي ‏وسبه، هذا إن صحت المرويات في هذا الصدد بإطلاق.‏‏ ‏

7- وبجملة القول قد ورد في بعض التراث ترتيب عقوبة القتل على مجرد السب من منطلقات ‏عدة: منها القول بالقتل باعتباره حد الردة على المسلم الذي سب الرسول، ومنها القول بالقتل ‏تعزيرا، ومنها أيضا القول بالقتل سياسةً، يعني كوسيلة للردع والتخويف، ويرى “أزاهرة ‏يستنيرون” أنه لا حدٌ ثابت للردة في الإسلام تبعا لما انتهى إليه جماعة من الباحثين والفقهاء ‏المعاصرين، كما يرون أن القتل على التعزير وما يسمى القتل سياسةً منزلقان تشريعيان ‏خطيران فتحا الباب في الماضي لجناية بعض ولاة الأمور وأرباب السلطة على كثير من ‏الناس وأعطتهم غطاءً تشريعيا ومبررا لاهوتيا للتجاوز في ملاحقات المخالفين والمعارضين ‏وفي إيقاع العقوبات القصوى التي تُزهَق بها الأرواح وتراق بها الدماء بغير وجه حق، الأمر ‏الذي لم يعد اليوم مقبولا بأي حال طبقا لمفاهيم الدستور والقانون والدولة النظامية الحديثة.‏‏

النقد من حق الجميع

‏8 – يرى “أزاهرة يستنيرون” أنه من حق كل أحد أن ينتقد بلسانه أو بقلمه أو بحراكه الثقافي ‏والقانوني شيئا من مظاهر الحرية المطلقة التي يبيح بها البعض لأنفسهم السخرية المسيئة من ‏معتقدات الآخرين ومن مقدساتهم دون تَحَضُّرٍ يحمل على مراعاة مشاعر المؤمنين بتلك ‏المقدسات، لكن الأهم والأكثر إلحاحا في رأينا هو العمل على نقد وتجريم وتفنيد ثقافة العنف ‏والطعن والنحر وحز الرؤوس وهدر الدم مشاعا بفتاوى غير مسئولة، وهي الثقافة التي تستمد ‏حَردها وأسبابَ بقائها من بعض ما تقرر في الموروث الفقهي، والتي تُشَجِّعُ بعضَ أبناء ‏المسلمين – للأسف الشديد – على الإعجاب والمفاخرة والمباهاة بجرائم مخزية وجنايات ‏عظيمة لا يمكن تبريرها بحال في ذهنية الإنسان العاقل الرشيد وفي ضميره.‏‎

‏9- يؤكد “أزاهرة يستنيرون” على أن فتاوى وجرائم القتل والاعتداء المقترفة على خلفية ‏الإساءة إلى المقدسات لا يجني منها الناس إلا تشويه الإسلام والإضرار بأمن المسلمين ‏وبمقدراتهم ومصالحهم في كل مكان، خاصة في بلاد المهجر حيث المسلمون أقلية، والعاقل ‏يعلم أن لكل فعل ردَّ فعل، وفي كل قوم سفهاءَ وموتورين لا يصح أن نعطي لهم الفرصة ‏لتهديد أرواح وأعراض ومصالح أي فئة من فئات المجتمع، كما أن الواقع يقول أن قتل ‏مستهزئ واحد أو مجرد الاعتداء عليه يُخرِج لنا ألف مستهزئ غيره يكونون أَجرأ وأفحش في ‏الإساءة والسخرية.‏‏

10- أخيرا نناشد كل غيور على دينه ومعتقداته ومقدساته تدفعه غيرته للدفاع عنها أن يرد ‏على الإساءة بما يليق في حدود القانون والأخلاق والقيم دون تجاوز، فالفكر يُرد عليه بالفكر، ‏والسخرية أَولَى أن تُقابل بتصحيح الصورة السلبية في أذهان الآخرين، أو على الأكثر أن ‏تُقابَل بسخرية مثلها، لا بأية صورة من صور العنف، ناهيك عن القتل.‏‏ قال تعالى: ” ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ ‏رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين” (النحل 125)‏‏ والله ولي التوفيق

ومبادرة “أزاهرة يستنيرون”مجموعة باحثين درسوا و/أو درّسوا في الأزهر وكذلك في جامعات أوروبية فجمعوا بين معارف التراث الإسلامي ومناهج البحث العلمي الحديث، وتربطنا اهتمامات وأهداف معرفية مشتركة. ويقولون – منطلقنا إنساني حضاري ديني.

– نتناول المفاهيم التي تشغل العقل العربي والإسلامي من منظور استناري متعدد التخصصات والمداخل يجمع بين التراثي والمعاصر.- نجتهد في اتخاذ مواقف عقلانية من قضايا الفكر الديني مع الانفتاح على كل طرح عقلاني آخر.

– مرجعيتنا العقل المرتكز على المنهجية العلمية في فهم النص والواقع وما ينبثق عنهما.- هدفنا المساهمة في طرح تصور حضاري للدين يعلي من القيم الإنسانية ويراعي مصالح الإنسان الدنيوية في ضوء مقاصد الشرع العامة.