اقتصاد

الولايات المتحدة الاشتراكية!

By nasser

March 07, 2021

على صفحته في الفيس وتحت عنوان الولايات المتحدة الاشتراكية! كتب الإعلامي والمحلل سليم سوزه

اليوم وبعد أن صوّت مجلس الشيوخ يوم أمس فقط على الحزمة الاقتصادية الثالثة والضخمة بميزانيتها (١.٩ تريليون دولاراً) لتحفيز الاقتصاد في زمن كساد كورونا، تدخل الولايات المتحدة الامريكية فضاءً جديداً للادارة والسياسة والاقتصاد عبر الانتقال الناعم (أو الرجوع الهادئ) الى سياسات ما قبل النيوليبرالية.

هذه الحزمة، وان كانت تحظى بشعبية هائلة في امريكا نظراً لأنها تدعم قطاعا واسعا من المجتمع وترسل مبالغ نقدية للعوائل، ناهيك عن راتب شهري للاطفال وزيادة في البطاقة الغذائية لاصحاب الدخل المحدود وتمديد المعونات المالية للعاطلين عن العمل وسماحات ضريبية كبيرة وقروض متسامحة الفوائد لاصحاب البيزنيس.

إلّا انها أصبحت قشة جديدة على ظهر بعير الاختلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين لكونها، حسب الجمهوريين، تثقل كاهل الدولة بمصاريف جديدة وتنزع عنها رأسماليتها لتتحول الى دولة اشتراكية ناشئة ترعى مواطنين “كسالى” وتدفع عنهم اجور خدماتهم اليومية.

لم يصوّت جمهوري واحد لهذه الحزمة يوم أمس، فيما صوّت الديمقراطيون بعددهم الخمسين في مجلس الشيوخ ليمضي المشروع بالأغلبية البسيطة ويأخذ طريقه الى مجلس النواب للمصادقة عليه هذين اليومين قبل ان يذهب الى مكتب الرئيس بايدن للتوقيع عليه والبدء بتطبيقه.

ثمة استقطاب سياسي حاد في أمريكا منذ نشأة الحزبين الكبيرين فيها. هذا ليس جديداً وهو جزء من الحالة الامريكية. لكن ما نشهده هذه الايام، لا يتعلق بمثل هذا الاستقطاب السياسي فحسب، وانما يتعلق بمخاض جديد وعسير، تحاول فيه النخب الامريكية تحديد بصمتها الاقتصادية واعادة انتاج هويتها الثقافية والسياسية من خلال التنصل شيئاً فشيئاً من القديم والتواصل بالتدريج مع الجديد الذي لم يولد كاملاً بعد.

لقد ساهمت المعرفة الاكاديمية (جامعات، مراكز فكر، دور نشر، …) مع هوليوود ونخب الميتروبوليتان وصنّاع التكنولوجيا الرقمية، ناهيك عن جيل الشباب الجديد الذي باضت الرأسمالية على اكتافه أثقل الديون وأشدها استعباداً، بخلق جو يساري مشحون ببعض الافكار الاشتراكية الجريئة، والتي صار يُعبّر عنها بشكل صريح وواضح في بلد كان يضيّق على كل مَن كان يلمّح بها في السابق.

هذا واقع سوسيو-ثقافي جديد فرض ارادته على السياسة والمال في امريكا، ولهذا الواقع مجموعة عوامل، منها ما ذكرناها اعلاه، ولكن ما ساهم في استدعاء هذا الواقع والتعجيل به هو وصول رئيس مختل للسلطة كترمپ وجائحة مميتة كفايروس كورونا المستجد.

ناهيك عن صعود اليسار التقدمي الى الواجهة وضغطه المستمر نحو سياسات من هذا النوع. هذا اليسار التقدمي الذي يمثله الفريق اليساري “المتشدد” الذي يدعى squad (وهم النواب الستة المعروفون: الهان عمر ورشيدة طليب وأيانا بريسلي والكسندريا اوكاسيو كورتيز وجمال باومان وكوري بوش) ومن ورائهم زعيمهم، شيخ اليسار بيرني ساندرز، يدفع تجاه حزم اقتصادية اخرى اكثر جرأة في تخطي الخطوط الاقتصادية الحمراء التي وضعها بناة أمريكا السابقون منذ نشأة الدولة.

من بين تلك الحزم اعفاء ديون الطلبة، على الاقل ٥٠ الف دولارا من ديونهم الدراسية، ورفع اجور العاملين والموظفين من ٧ دولارات فاصلة ٢٥ سنتاً للساعة (وهو الحد الادنى الآن في بعض الولايات وليس كلها) الى ١٥ دولارا للساعة.

اضافة الى تأميم قطاعي التعليم والصحة، وجعل الكليات والجامعات مجانية في مرحلة البكالوريوس، على الاقل للعوائل ذات الدخل المحدود، دون الحاجة الى اغراق الطالب بالقروض الدراسية التي عليه ارجاعها بعد التخرج على شكل دفعات شهرية.

هذه السياسات الجديدة محط انظار النخب ومادة خصبة في سجالاتهم اليومية، اذ يتساءل الجميع الآن، الى أين تتجه الولايات المتحدة الامريكية، خصوصاً بايدن وحكومته الحالية، حكومة الاقليات والملونين؟

الى سياسات اكثر يسارية؟ أم انها فورة وانتقام ورد فعل وقتي على فترة حكم ترمپية ساهمت في صعود اليمين القوماني، ولن تكون مستدامة وراسخة الى الأبد؟ انتخابات عام ٢٠٢٤ ستكشف لنا مزاج الناخب الامريكي فيما ان كان مؤيداً للبحبوحة “الاشتراكية” الحالية التي يدفع اليها الديمقراطيون ام سيتخذ موقفا صارما ضدها ويصوت للجمهوريين؟