عن نوال السعداوي

الرئيسية

شاهد: 9 دروس من نوال السعداوي..المرأة التي تحدت ثالوث المحرمات الدين و السلطة و الجنس

By nasser

March 26, 2021

في فيديو منشور على يوتيوب نشر الكاتب والشاعر منصور الناصر محاضرة تحت عنوان أبرز 9 دروس من نوال السعداوي..وقال فيه انها أثبتت أن الدين مجرد أداة بيد رجال الدين. بدليل أنهم حرموا ختان الإناث بعد قرون من إقراره.

وأدناه المادة الكاملة التي أعدها الكاتب ونشر بعضا منها في الفيديو..

“قالوا ،” أنت امرأة متوحشة وخطيرة.قالت أنا أتحدث عن الحقيقة. والحقيقة وحشية وخطيرة “. – نوال السعداوي

كتب منصور الناصر

رحلت نوال السعداوي جسدا لكنها لم ترحل ولن ترحل أبداهي واحدة من أكبر أيقونات الفكر الحر ..واستطاعت وحدها كشف عورة النظام الأبوي البطريركي، الذي هيمن على مصير نصف المجتمع وعطل طاقات النص الآخر، واستنزفها وما زال في خرافات لا أول لها ولا آخر.. ولا نفع ولا دفع..وكلها ضرر في ضرر.برحيلها فقت نساء العرب والعالم صوتا كبيرا لم يعرف يوما التراجع ولا التخاذل، ولا التهاون.

كانت محاربة جريئة وسط غابة من الرجال المغرورين برجولتهم وسلطتهم وعدوانيتهم ودينهم الذي ينتصر لهم، وقدوه على قدهم، وبما يرضي مزاجهم وشهواتهم.

خرجت من الريف وأصبحت طبيبة، لكنها لم تكتف بذلك، راحت تجهر بالحقيقة المكروهة، وسطهم جميعا، وبلغة واضحة ودقيقة، ومحرجة.. كان يكفي حضورها في أي مكان لأن يسبب لهم صداعا قلقا ورجة في عقولهم المتكلسة.

لماذا تكرهها الأغلبية المغيبة؟ وهل هناك ثوابت حقا؟

وهذا يفسر لماذا تكره الأغلبية المغيبة التي غسل عقولها الكهنة، نوال السعداوي؟.. الجواب لأننا تحرجهم .. تجعلهم يفكرون ونحن لا نريد أن نفكر.. هناك من يفكر محلنا.. بل أننا لا نملك حق التفكير!هكذا يقال لديها آراء صادمة .. لماذا صادمة؟

 ما الذي يصدمنا كشعوب فعلا؟ التعرض للثوابت مثلا؟ ولماذا نخشى على الثوابت؟ هل قدمت لنا شيئا مفيدا، هل ساعدتنا هذه الثوابت في إصلاح حالنا وتطويره؟

ثم من أين عرفنا أن هناك ثوابت؟ وأنها لا تتغير؟ وهل هناك ثابت في هذا الكون كله؟ وحتى لو افترضنا وجوده فلن نمسك به، لأننا نحن بأنفسنا متغيرون.

الثابت وهم خدع به رجال الدين الناس، وكان في الأصل، محاولة إنسانية للانطلاق من موقف موحد في معالجة المشاكل، لكن هذا لا يعني أن هذا الموقف الموحد يجب أن يبقى إلى الأبد كما هو. حتى صاحب الرسالة نفسه قال: أنتم أعرف بدنياكم.فلمصلحة من إذن نواصل الالتزام بهذه الثوابت وهل جلبت لنا الخير يوما.. أم الشر كله؟

ملاحظة أخيرة في هذا الباب: إذا كانت هناك ثوابت نهائية ولا تناقش، ألا يعني هذا أننا بحاجة ماسة لفهم هذه الثوابت بطرق مختلفة والعثور فيها، على إمكانات عظيمة لم تستثمر بعد؟

لماذا جعلنا من الثوابت أصناما، يجب التعبد لها، وعدم تدنيسها في جميع الظروف؟

كل هذه الأسئلة سنجد إجابتها في الدروس التي تركتها لنا الكاتبة الكبيرة في كتاباتها وتأثيرهانبدأ بالدرس الأول

  1. درس الثقة والتحدي: لا تتوقف استمر
  2. درس الوضوح والدقة والعلمية: أي كن صريحا وواضحا ودقيقا
  3. درس الإنجاز ومواصلة العطاء.. أو درس استبدلت الممكن بالمستحيل
  4. درس المواجهة والكشف عن عورة الواقع والقوى المهيمنة عليه: أو درس واجه ولا تتراجع
  5. درس الرأي الحر مقابل الرأي القر : درس كن حرا ولا تتبرع بحقوقك ولا تتخلى عنها لآخرين
  6. درس الحذر من المستقبل وليس الماضي أو درس احسب حساب ما سيقال عنك غدا
  7. درس التنوير حتى ما بعد الموت! أو درس تعلم فن البقاء حيا حتى بعد الموت!
  8. درس رفع هالة القداسة عن الدين ورجال الدين.. أو درس التحرر من المقدسات
  9. درس الشامتين: لا تتشمت بالراحلين بل تذكر حقهم عليك

1- درس الثقة بالنفس وتحدي المجتمع الذكوري:

في هذا الدرس منحت النساء ثقة مضاعفة بالنفس، وفي حياتها دعت النساء جميعا للدفاع عن أنفسهن، وقدمت بنفسها نموذجا لا يمكن التغافل عنه، أو عدم الإشارة له ولو بعد قرون من الزمن. وهذا يعود إلى روحها الكبيرة والمتفردة..فقد اتسمت منذ طفولتها بالثقة بالنفس ورفض العبودية والانتصار للروح الفردية رغم أنها تعاني من علامات  ضعف ثقافية مركبة جندرية.نوال السعداوي أثبتت أمرا خطيرا جدا، غير مسبوق إلا قليلا.. وأعني إمكانية وجود فرد حقيقي، يرفض التخلي عن إنسانيته، ويتصدى لمن يحاول تجريده منها. بل لا يكتفي بذلك.. يقول لمن يواجهه أفق .. اصحى دافع عن إنسانيتك لا تكن بوقا، كن أنت الإنسان الفرد الحر، الكريم المعو بنفسه وخصوصيته واستقلاليته ووعيه..السعداوي ناضلت لعشرات السنين ضد سلطات دينية وسياسية كانت تقول للجميع عليكم واجب الطاعة وأن ترددوا خلفنا: أنا عبد إذا أنا موجود.. وليس أنا إنسان إذن انا موجودوتطالبهم بمحاربة كل من يقول أنا إنسان حر إذا أنا وجود. كما فعلت نوال.

هذا يجعلنا نستوعب أزمة بعض المتدينين، في القول بأنها تابت عن كل ما كتبته، ليس للقول بأنها تابت فعلا، بل لكي يرضي هؤلاء أنفسهم ويقتنعون بصحة موقفهم لا أكثر.

نوال السعداوي وأمثالها شخصيات لا تموت.. إنها موجودة داخل كل امرأة عربية وكل إنسان حر ويحتج على العبودية التي يروجها لنا مستبدون، مستبدون يقولون لنا أن العبودية عادة مقدسة

تخيلوا : متى أصبحت العبودية مقدسة؟ متى أصبحت الطاعة معيارا لعظمة الإنسان وقيمته كإنسان؟

نوال أضاءت حياة المرأة العربية.. فتحت عيونها وجعلتها تعرف قيمتها وحقها في الحياة.

الأهم أنها كشفت كل عيوب المجتمعات العربية والاسلامية بشكل علمي وانساني.. عجز الظلاميون عن مواجهته رغم جبروتهم وهيمنتهم على كل شيء.

2- درس الإبداع والتحضر والموضوعية والعلمية:

عجز جميع المتصدين لها عن مقارعتها الحجة بالحجة على الإطلاق.  وهذا ما يفسر سر الحنق الكبير عليها. فقد أحرجتهم مرتين، الأولى بكونها امرأة، والثانية، بكونها إنسانة حرة.

كانت كتاباتها ثورة بمعنى الكلمة..  انتصرت بطريقة علمية ودقيقة لقضايا المرأة، لم يستطع أحد إنكارها، وأقصى ما فعلوه هو تجاهلها. فلم تكن لديهم أي قدرة على الرد، إلا الردود العمومية، التي تتحاشى الخوض في جوهر المشكلة، وتفضل توجيه الاتهامات بالكفر والإلحاد وما إلى ذلك.

عبر كتبها التي بيعت بالملايين، تعلم الجميع قواعد التحضر في الحياة ومعنى وقيمة المرأة،عرفت السجن والظلم وأغلب من ينتقدها لم يقرءوا لها كتابا ولا يعرفون تاريخها .

فازت بالكثير من الجوائز العالمية وترجمت كتبها الى العديد من اللغاتكتبت حوالي اربعين كتابا ما بين كتب فكرية عن قضايا المراة والمجتمع والسجون والزنازين والمذكراتوما تركته وراءها من علم وأدب لن يضيع مهما حاول الدجالون .

3- درس الإنجاز والعطاء الذي لا ينقطع..

بفضل السعدواي، تغيرت وجهات نظر ملايين السيدات بل وحتى الرجال العرب ليس في ما يتعلق بالعلاقة الجنسية إنما في جميع مجالات الفكر والدين والحياة.أثبتت أن الدين لم يعد ملكا حصريا ببضعة رجال دين، وتحدتهم رغم شعبيتهم الجارفة وقدرتهم على إباحة دمها بكلمة منهم. 

كانت من أوائل وكبار المطالبين بتجريم ختان الإناث، وهي مواجهة كان يخشى الجميع التورط فيها. فاصطدمت تقريبا مع الجميع المجتمع نفسه، وكذلك رجال الدين بل والسلطة نفسها!

ولم تتراجع حتى حين خسرت عملها في وزارة الصحة في السبعينات بسبب كتابها الجريء “المرأة والجنس”،وسجنها لاحقاً عام 1981 ضمن حملة اعتقالات شملت معارضي الرئيس الراحل أنور السادات.

وبعد عقود من السجال، تم تجريم ختان الإناث في مصر عام 2008 وببيان واضح من الأزهر ودار الإفتاء.

في كتابها “الوجه العاري للمرأة العربية” روت تجربتها الخاصة حين تعرضت للختان وعمرها ستة أعوام، ووصفت حجم الألم الجسدي والنفسي الذي تعرضت له بسبب تلك العملية.حورب هذا الكتاب لكنه كان صرخة لم يستطع أحد التغافل عنها وغيرت الكثير من القيم السائدة.

 تحقيق ما لم يتحقق لعشرات القرون وهو فوزها بقرار “منع الختان” والانتصار للمرأة الخ  قلبت مصر كما يقال حين توفت طفلة عمرها عشر سنوات بسبب تعرضها للختان

ولم تكتف بكل ما فعلته ، فواصلت نضالها وشاركت في ثورة مصر على حسني مبارك.. وبقيت وسط الشباب هناك، محرضة على الثورة والنضال من أجل مستقبل أفضل.كذلك الحال في لقاءاتها. 

عظمة نوال السعداوي تكشفها موقف الإسلاميين المتعصبين منها

فهم لعنوها وشهروا بها وبحجة الدين حين قالت بجرأة إن ختان البنت جريمة

المتدين لا يبالي بتناقضاته إنما بخلافاته

الخزي والعار ((الذي لم يسجل بحقهم مع هذا!!)) أنهم أصدروا بعد ذاك فتوى بتحريمه وأنه ليس من الدين.

لكنهم بدلا من شكرها استمروا هم أتباعهم الببغائيين بتكفيرها!

هذا الموقف المتناقض يكشف آلية عمل الدماغ الديني المتعصب بطبعه. وهي واحدة من أهم خصائص الأديان عموما. وجميع الشخصيات “المحافظة”، والمعادية للتغيير.

فصاحب هذا الموقف لا يفكر في صحة او خطأ موقف الآخر حول قضية معينة، المهم لديه هو مدى توافق أو تعارض الآخر مع موقفه.

هذا السلوك العدواني، وهو سلوك له جذوره الحيوانية-الغريزية.

على استعداد لاستخدام جميع الوسائل للإطاحة بالآخر، حتى لو تطلب الأمر تصفيته جسديا.

.من هنا نفهم كيف يجدون انفسهم غارقين في تناقضات لا أول لها ولا آخر..لكنهم لا يبالون بذلك.لأنهم ينظرون إلى النتيجة وهي (وصولية براغماتية صرف).

ولخصتها مواقف جميع “المتعصبين” من وفاة السعداوي.

وبعضهم قال إنها حاربت الإسلام الذي هو باق رغم كل ضجيجها وجعجعتها.

أباحوا الختان بسببها ولم يقروا بذنبهم بل واصلوا محاربتها. ولكن هذا دأبهم لا يخجلون ولا يستحون سادرون بغيهم وكل كلمة يتهمون بها غيرهم..تنطبق عليهم تماما! وأتحدى كل من يثبت العكس!صدقهم كذب وحقهم باطل.. وتوثيقهم زيف، وشرفهم عيب، وأخلاقهم فساد في فساد!

يقولون ويفعلون كل شيء بلا حياء .. فهل قالوا كنا مخطئين حين كفّرنا وجلدنا وقتلنا وحرمنا الطباعة والقهوة وسياقة السيارات والدراجات وتعليم البنات في المدارس؟ كلا ,,تناسوا كل شيء بل ادعوا على العكس أن لهم الفضل في هذا!يعني صاعد واكل نازل واكل!

وقفت ضد الحجاب لأنه رمز لاضطهاد المرأة

كانت جريئة جدا ومن أوائل المطالبات بمساواة المرأة مع الرجل في الميراث، وقفت ضد حجاب المرأة، وقالت إنه رمز لاضطهاد المرأة,. ضد الأخلاق، فأنا أريد أن أدخل الجنة بأخلاقى وسلوكي، وليس بقماش على رأسي.قالت ردا على سؤال هل أنت مسلمة؟ : أي إسلام تقصدون بتاع السعودية ولا مصر؟”، لأن كل نظام سياسي يفسر الإسلام على هواه. وأنكرت الإيمان بالفطرة. وقالت “إحنا ورثنا الأديان عن أهالينا، وأنا بقيت مسلمة بالصدفة لأن أبويا كان مسلم”، وأن الخوف من الآخرة والعذاب والنار أمور زرعت في نفوس أطفال المنطقة العربية.طالبت بتحرير المرأة العربية من عبوديتها للرجل من خلال استقلالها مادياً ونفسياً واجتماعياً وأن تمتلك حرية القرار.

4- درس القدرة على الكشف عن عورة الواقع

بفضل السعدواي، تغيرت وجهات نظر ملايين السيدات بل وحتى الرجال العرب ليس في ما يتعلق بالعلاقة الجنسية إنما في جميع تفاصيل وأطر الحياة.

كشفت عورة السلطة والمجتمع والتراث وجعلت القوى المهيمنة عليه تكشف عن استبدادها واستهانتها بالإنسان.والأهم عجزهم عن حل أي مشكلة اجتماعية وسياسية،

أوضحت باختصار أن النظام الديني فاشل، لأنه انفصالي يرفض الزمن فكيف ينجح في استثماره وإدارته والتحكم به؟وهذا ما أثبتته مليون واقعة.

 أكرر النظام الديني فاشل بامتياز، لأنه ببساطة، لا يقيم علاقة مع الواقع، إنما يوظف الواقع لصالح علاقة افتراضية مع الغيب،أما النظام العقائدي السلطوي، فيقوم بالدور نفسه ولكن لصالح الفكرة العقائدية.وهذان النوعان من النظام يولدان بالضرورة مجتمعا مغيبا في الغيب.. وظيفته خدمة “غيابه” والدفاع عنه!وهذا بالضبط ما تصدت له السعداوي. وبجرأة ووضوح قل نظيره.

وقالت إن الدين ليس مقدسا، إنما تابعا للسلطات التي تفسره كما تشاء.

5- درس الرأي الحر مقابل الرأي القر:

أثبتت عدوانية الخطاب الديني، ورفضه لأي رأي آخر. وهذا يتضح تماما في موقف الإسلاميين وأنصارهم، من السعداوي. وخاصة بعد وفاتها. والكلمة الأثيرة لديهم هو أنها كانت تحارب الإسلام !هكذا أصبح أي رأي في أي قضية لا تعجب الإسلاميين بمثابة إعلان حرب!هل سمعتم أكثر من هذه اللغة عدوانية واهانة للآخرين على اختلافهم؟لماذا أصبح الرأي والفكر والاختلاف إعلان حرب ضد الدين؟ ما الحاجة لهذه المبالغة والتهويل؟ثم ما يضير الإسلام لو انتقد أحدهم؟ أهو ضعيف إلى هذا الحد وحساس ورقيق جدا لا يحتمل نسمة نقد عابرة؟الجواب كلا ليس الأمر كذلك، إنه الغرور والتكبر والشعور بامتلاك الحقيقة. وهذا الشعور داعشي بامتياز. ولا فخر !

ما هي النتيجة؟ يصبح الدين شعارا بلا معنى واضح، شعارا مزدحما بكل شيء ولا شيء في الوقت نفسه،ولا أحد يعرف مضمونه الحقيقي، ليس لأنه بلا مضمون،بل لأنه بمضمون خارج الواقع وخارج التاريخ وخارج العقل.يصبح الهدف وحدة قطيع المؤمنين خلف نص واحد وزعيم واحد واله واحد ورأي واحد.روبوتات بشرية يحركها رجل دين، يجلس على أطراف الغيم، ويسبح بمسبحته ذات الـ99 خرزة !

النمطية في التفكير علة التخلف

النمطية في التفكير، وهو سلوك يتورط فيه معظم البشر، لأن الإنسان يميل غريزيا للسلوك النمطي المعتاد، فهذا يجعله في غنى عن التفكير فيما يفعله، والتورط بالدخول في متاهات فكرية مجهولة. ومرهقة.  حسب هذه الرؤية نفهم لماذا تتخلف هذه المجتمعات وتنشطر باستمرار، فهي ترى أن الحقيقة ليست في الراهن، ولا في حرية التعامل معه، إنما في العبودية للمفارق المنفصل.وهذا ما يجعل الكل يعيش في حضيرة منافقين، سواء بعلم منهم أو دون علم،فهم يخوضون رغما عنهم  صراعا مزدوجا، الأول مع الغيب “المرغوب”، من جهة، والثاني مع الواقع “المعطوب” من جهة اخرى.الفرد “الغيبي” في وسط هذا المجتمع، فرد لا يعيش في فضاء تواصل، إنما فضاء تفاصل،معياره في إدامة أي “علاقة” تواصلية، هو معيار تفاصلي، أي هناك حيث يوجد فضاء الغيب.

هل يعترف النص المقدس بالإنسان؟

والسؤال المهم ما الذي يستحق وصفه بأنه صادم؟ تخلفنا المتواصل، وتوالي هزائمنا؟ أم ثبات حقيقتنا التي نؤمن بها وركبت منذ الولادة في رؤوسنا؟

التغيير مرفوض سلفا.. والتخلف والانحطاط سببه الانحراف عن الأصل، وكل ما علينا هو العودة إليه. أي أن الخلل ليس في الأصل.. إنما في الإنسان! وهنا اسأل مرتين في الأولى أي إنسان؟ وهل يعترف النص بالإنسان أم بالعبد-الإنسان؟والثاني: ماذا فعلنا لمعالجة أمر هذا الإنسان؟هل حصل أي تغيير ملموس لحاله ..على مستوى الحرية والصحة والتعليم بالمقارنة مع حال الإنسان في العالم حاليا؟

الأخطر من السؤالين هو لماذا نفترض أن علاقة الإنسان بالأصل الموروث هي علاقة تبعية؟ وأنه لا يملك حرية نفسه، المطلوب منه فقط ان يهتدي ويتبع و”يسلم” نفسه. (بالمناسبة وهذا حاصل فعلا-بشهادة عدد المؤمنين ورواج الخطاب الديني)كيف إذن نلقي اللوم على هذا الإنسان، وهو مجرد من حقه في الحرية والاختيار؟ حين يكون مصدر الخلل والعطب فاقدا لإرادته، ولا يملك حقا في محاورة الأصل بأي شكل؟

نحن لا نعالج مشاكلنا بل نهرب منها

كيف نعالج مشاكلنا؟ الجواب نحن لا نعالج مشاكلنا بل نهرب منها.. نحن لا نؤمن بدين ولا إله ولا أي شيء.نحن نؤمن بدين الاجتناب تجنب أي شيء يخرج عن السائد والمشاع..الاجتناب والاقتناع هما السرطان الذي يشل تفكيرنا ويجعلنا لا نفكر في حل مشاكلنا.. كمجتمعات متخلفة. نكتفي فقط بطرح حلول تبسيطية تستهين بالمشاكل التي تغرق فيها مجتمعاتنا رغم تعقيدها الشديد، تستهين أيضا بكل الحقائق والوقائع وظروف الحياة المعاصرة. وتختار حلا واحدا هو ليس بحل، إنما مشكلة هائلة وأعني العودة إلى النص. وتطرقنا له في موضع آخر.

السؤال الذي أثاره رحيل السعداوي: هو هل أنت يا رفيقي في قطار الحياة قادر على أن تعترف بي ولو عارض رأيي رأيك؟ والأهم هل أنا قادر على أن أعترف برأيك وأحترمه؟فإن فشلنا في هذا .. فهذا يدل ليس على استحالة الحوار بيننا فقط..

بل على أن كلا منا لا يقدر حتى الرأي الذي يطرحه.. فكيف يصبح للرأي قيمة إن لم يكن صادرا تلقائيا من ذات صاحبه وبإرادته وبحريته؟هذا معناه أن معارضتي للآخر ورأيه معارضة لنفسي.. فأنا أخسر نفسي التي كانت حرة في رأيها وفي الوقت ذاته نفس الآخر الذي كان حرا في رأيه ايضا.

لا حوار بين فضاء التفاصل وفضاء التواصل

هذا يفسر لماذا يعجز هذا الفرد “القديم”، عندما يلتقي أي فرد “حديث” عن الانتقال معه من فضاء التفاصل إلى فضاء التواصل.إنها مهمة صعبة جدا عليه.

أشبه بحوار بين موجتي بث مختلفتين.

وتكون النتيجة في أفضل الأحوال بينهما، القطيعة واللاحوارية.. أو ما أسميها الانقطاعية، وهو مفهوم اساسي كما أرى، يمكن العثور عليه في أي منظومة دينية عقائدية.هناك عالم خاص يجب الحفاظ عليه، إنه بيت المؤمن الإنقطاعي-الانفصالي، المريح.

أما محاولة حثه على المبيت في “بيت” غير معتاد عليه، فهي مهمة شبه مستحيلة، وتتطلب جهودا مضنية ولأمد طويل.

مرجعية هذا البيت تعود إلى إرادة التثبيت، التي يضطر إليها الكائن الحي، وهي تختلف عن إرادة القوة أو إرادة العالم الشوبنهاوري، ويمكن اعتبارها مصدر هاتين الإرادتين.فكيف يمكن لإرادة مندفعة بقوة أن تنطلق دون منطلق يجعلها تنطلق؟كيف يوجد عالم، إن لم تكن هناك قدرة على التثبيت التي تسمح بعدها بالمقارنة والتنسيب والقياس والتقييم والتعديل والتفضيل الخ؟

6- درس الحذر من معاقبة المستقبل لمن يقف في طريقه

أيها المتعصبون: احذروا من التاريخ..فسيلعنكم!

.نوال السعداوي فضحتنا في حياتها ومماتها!

فماذا كشف رحيلها عنا؟ هل قررنا أن نعيد التفكير في مواقفنا، أم مواصلة الحرب والجدال والخلاف؟

لماذا نحن منفعلون غاضبون، متحيزون، لا نطيق رأيا مختلفا ولا قولا يناهض قولنا؟

متى تتحسن صحة روحنا وصحة عقولنا والأهم صحة حياتنا وعالمنا الذي نعيش فيه جميعا؟

.بغض النظر عن رأينا سلبا أو إيجابا، فإن هذه المرأة الخالدة، والمؤثرة، شئنا أم أبينا..

كشفت عورتنا .. وها قد بانت..بشكل كامل ليلة رحيلها..وبامتياز !

.

آخرون قالوا ماتت وعادت إلى الطبيعة التي تؤمن بها، ولن تنال الرحمة بعد موتها ..

وهو قول يكشف آلية التفكير التي تحدثت عنها..

فهو لا يشعر بأن هذه الطبيعة التي يسخر منها، لا يستطيع الاستغناء لثوان عن هوائها.

فكل ما يشغل باله تطبيق قوانين الصراع التي فطرته عليها الطبيعة نفسها دون أن يدرك.

وهذا هو حال هؤلاء المتعصبين وحال الدين دائما.. استبدادي ويصنع استبداديين.. لا محررين.

قال أحدهم: يرحل أعداء الإسلام، ويبقى الإسلام شامخا، فكيد الأعداء لن يزيد الإسلام والمسلمين إلا تشبثا وترسيخا

ونسأله شامخا بماذا؟ بجبروت ووحشية أتباعه أم بإنسانيتهم وأخلاقهم الرفيعة؟

من حقك ان تفتخر بقوة إسلام كهذا.. لكنك لا تشعر أن هذا منطق قديم لم يعد مقبولا ولا مهضوما..

منطق العالم المعاصر مهما سمعت من دعايات، قائم على الحوار والتفهم والتفاعل والتلاقح والتعاون والتنوعوهذه كلها لا تجيدها كمسلم معاصر.. بل لا وجود لها في قاموسك اصلا..والنتيجة ما تراه من حالنا كشعوب معزولة، متخلفة تعتاش على العالم فقط ولا دور لها لا بأي شيء يحدث فيه.

كل ما تفتخر به، فشخرة مزيفة، مضى زمنها، وفقدت بوصلتك كإنسان القدرة على اكتشاف الحقيقة المرة.

7- درس ما بعد الموت !

عموما

أنصح كل من يسوف الكلام أو يتخذ موقفا ضد قيم الحضارة والتقدم والعلم أن يراجع موقفه، والأهم “عقله”

لأن التاريخ، ومهما طالت ألسنة الجهلة، سينتصر حتما لامرأة عظيمة مثل نوال.. وسيلعن كل المتخلفين والمتعصبين الذين وقفوا بوجهها.

ستكبر هي كل يوم من ايام المستقبل

وسيصغرون هم في كل يوم من أيامه، حتى يلقون في جحيم التاريخ المعد لأمثالهم.

بالضبط كما فعل مع غاليلو وبرونو وفولتير وكثير من العظماء ورواد الحرية والفكر.

نوال السعداوي بذرة أنبتت شجرة كبيرة داخل كل عربي وعربية

وأخطر ما في نوال السعداوي وأهمه ان ما كانت تقوله سيبقى مهما، مهما تغيرت العصور والأزمان

إنها روح خالدة، قالت قولها وطرحت أفكارها ولن يستطيع أيا منا أن لا يقف عندها كي يستنير

السعداوي صوت حر، سيخسر حتما كل من يقف بوجهه ويعاديه.

نوال السعداوي هي رمز تحرير المرأة والرجل وكل شيء في العالم العربي .

امرأة ظلت حتى آخر نفس لها تصارع قلاع الظلام، ومجتمعا مختطفا أرغم على ان يقف ضدها

لكن الاهم أنه سمع رسالتها وفهمها

وسيرد لها الجميل قريبا .. قريبا جدا

قالت نوال السعداوي: جريمتي الكبرى .. أنني امرأة حرّة في زمن لا يريدون فيه إلا الجواري والعبيد، ولدت بعقل يفكر في زمن يحاولون فيه إلغاء العقل.

وأقول لها الأمر لا يتعلق بالجواري فقط، إنما بالرجال الأتباع الذين جرى حجب عقلهم بلا حجاب.. والذين سمعوا وأطاعوا لا كما تطيع الجواري فقط.. إنما كما تطيع المواشي والعبيد.

8- درس رفع هالة القداسة عن الدين ورجال الدين

قالوا عنها ملحدة وطعنت في ديننا وإسلامنا،وسؤالي واين المشكلة في هذا؟من حق كل إنسان أن يطعن في الدين والإسلام الموجود ورجاله كبيرهم وصغيرهم. قديمهم وحديثهمأهذه حجة دامغة على أن من ينتقد هو ملحد وضد الدين بالضرورة؟هذا الدرس كشفت عنه منال وكثير من المفكرين، حتى أتضح أن مواقف رجال الدين ليست مقدسة، وأن دينهم ليس مقدسا أثبتت في هذا الدرس أن رجل الدين ليس مقدسا لا هو والدين الذي يتحدث باسمه.. الأمر كله صناعة فقهاء وبالتحالف مع السلطات والقوى المهيمنة والمستغلة لحال الناس وأموالهم.

الدين يهيمن على الحياة ويدخل في جميع تفاصيلها، فلماذا نرفض انتقاد أحكامه ونتهجم على من ينتقده؟أما من يحتج فعليه أن يقول لنا هل يعجبك هذا الدين الموجود؟ماذا قدم لك الدين الشائع؟ وماذا أخذ منك؟هل لديك الشجاعة لتجيب على هذه الأسئلة؟أمامك ثلاثة خيارات وهذا هو الدرس الكبير الذي أحرجت فيه نوال الجميع: فإما أن تقول أن هذا الدين جيد ولا شائبة فيه.. وهذا نفاق صريح.أو أن تتملص وتلف وتدور وتتحجج بقصص تجار الدين وعدم تطبيق الدين الصحيح ومحاربة الكفار للإسلام إلخ..  وهذه رددت عليها في الفيديو وأثبت أن من يدعيها هو ملحد ومشرك بالله.

وما من كاتب إلا ويفنى **ويبقى الدهر ما كتبت يداه

يرحل أعداء الإسلام، ويبقى الإسلام شامخا، فكيد الأعداء لن يزيد الإسلام والمسلمين إلا تشبثا وترسيخا

أما الحل الثالث.. فهو أن تتخذ موقف الناقد والمعترض والمدافع عن حقوق المستعبدين والمظلومين كما فعلت نوال ..

9- درس الرقي والترفع عن الشماتة والشامتين:

هناك شامتون بوفاة من اختلفوا معه وكأن وفاته عقاب له على اختلافه !البعض قال نحن الباقون وهم الراحلون آخرون قالوا الإسلام باق رغم حقد الحاقدين والمشككين الخ ..وهذا تفكير يصم صاحبه بما اسميه الشلل العقلي، قبل أن يصم الطرف المخالف له. لأنه يصور الأمر وكأنه صراع في حلبة. ينتهي بموت أحد الطرفين وانتصار ما يعتبره الحق.. وهذا وهم مضحك يكشف ضحالة هذا التفكير

وتلذذه بالشماتة بامرأة توفت في التسعين من عمرها، قبل وفاة أعدائها فهل هذا دليل على أن وجهة نظرهم صحيحة.. أم العكس تماما!؟

قالت نوال السعداوي: جريمتي الكبرى .. أنني امرأة حرّة في زمن لا يريدون فيه إلا الجواري والعبيد، ولدت بعقل يفكر في زمن يحاولون فيه إلغاء العقل.

وأقول لها الأمر لا يتعلق بالجواري فقط، إنما بالرجال الأتباع الذين جرى حجب عقلهم بلا حجاب.. والذين سمعوا وأطاعوا لا كما تطيع الجواري فقط.. إنما كما تطيع المواشي والعبيد.