كثيرا ما نتساءل ما هي الفلسفة ؟ ولا نلقى جوابا مقناع وواضحا ..ادناه محاولة متواضعة لحل الإشكال مرفق بشرح موجز للفلسفة وموجه لغير الفلاسفة مع تقديم لمحة موجزة عن تاريخها وفلاسفتها وأبرز تياراتها القديمة والحديثة. بقلم/ خالد تركي آل تركي / أراجيك، فضلا عن مصادر اخرى.
*تمهيد:
هذه المقالة كما يتضح من العنوان مختصرة ومباشرة، أي لن يتم التطرق للموضوع بصورة فلسفية عميقة ومتخصصة، على سبيل المثال في فقرة تعريف الفلسفة سيتمّ بشكلٍ مباشر ذكر أهم التعاريف دون الخوض في موضوع صعوبات تعريف الفلسفة والقضايا المرتبطة به، كذلك سير الفلاسفة وأعمالهم، فهذه المقالة ليست سوى (لمحة موجزة).
وستكون العناصر كالتالي: – تعريف الفلسفة. – أهمية الفلسفة. – موضوعات الفلسفة. – الفرق بين الفلسفة والعلم. – الفرق بين الفلسفة والأيديولوجيا. – العصور الفلسفية.
مقدمة
الفلسفة توصف بأنَّها أم العلوم، أي الأساس الذي انبثقت منه كافة العلوم بشتى أنواعها، وقد يذهب البعض إلى أنَّ الفلسفة لم يعد لها أيّ فائدة أو أهمية في العصر الحديث طالما أنَّ كلّ علم قد استقل بذاته وبنى له نظريات خاصة يفسِّر من خلالها الظواهر المتعددة، ولكن ما يجب أن يُعلم أنَّ هذا الاعتقاد خاطئ وقاصر تمامًا، خاطئ نتيجة الجهل بماهية الفلسفة، وقاصر بسبب عدم فهم الفلسفة على حقيقتها.
من خلال الفلسفة تتوسَّع مدارك عقولنا، وتنمو لدينا مهارة البحث والتأمل وإثارة التساؤل، وبها نعرف الحقائق ونُميَّز ونقارن وننقد ونخطئ ونصيب، ونحمي عقولنا ونُمسك بزمامها، فلا يتمكَّن أيّ أحد أن يضع فيها ما يريد ويوجهنا وفق هواه، ونسبح من خلالها في بحرٍ متلاطم من التأملات والآراء والاتجاهات بمختلف مشاربها.
ويمكن القول أنَّ عدم إدراك قيمة الفلسفة في مجتمعنا يقف خلفه عدم إدراك لأهمية علم النفس تحديدًا والعلوم الإنسانية، ونتيجةً لهذا الضعف لدينا في تطوير العلوم الإنسانية والارتقاء بها نتج عنه بالضرورة إقصاء كلي للفلسفة…
تبرز أهمية الفلسفة من خلال الموضوعات التي تبحث فيها وتهتم بها، فهي تبحث في الوجود والإنسان والحياة والمعرفة والحقيقة وغيرها من الموضوعات والمسائل، بالإضافة إلى كونها تجعل الفرد في طريق لا نهاية له من البحث عن حقائق الأمور، وتلك الميزة تكفي لإبراز الدور الكبير للفلسفة في حياة الإنسان.
تعريف الفلسفة
- تعريف كريستيان وولف: الفلسفة هي العلم بالممكن من حيث ما يمكن تحققه بالفعل.
- تعريف كانت: الفلسفة هي المعرفة النظرية المستمدة من التصورات.
- تعريف فيخته: الفلسفة هي علم المعرفة.
وهذا التعريف يوافق عليه الكثير من فلاسفة العصر الحديث، حيثُ يرون أنَّ مبحثي المعرفة والمنطق يجب أن تقتصر عليهما الفلسفة. (كوليه. 2017)
أهمية الفلسفة:
من خلال الفلسفة تتحدد المعايير الأخلاقية كما يرى لوك. 2. في أيّ مجتمع تُحارب فيه الفلسفة، يصبح بيئةً خصبةً لنمو الأيديولوجيا، وإن كانت الفلسفة تهدف إلى إعادة الإنسان إلى إنسانيته كما يرى ريكور، فإنَّ من يحاربها فهو يحارب الإنسانية.
- الفلسفة تحرِّر العقل، وعندما يتحرَّر العقل تجد هذا الإنسان يخرج من القطيع، حيثُ أنَّ غياب الفلسفة يؤدي إلى كثرة القطعان التي تنقاد إلى قائدها الذي يرعاها وينظِّم سيرها ويوجِّهها كيفما يشاء، مستخدمًا عصا الأيديولوجيا ليهش بها على قطيعه.
موضوعات الفلسفة:
من الموضوعات الرئيسية التي تهتم بها الفلسفة:
الوجود. الحقيقة. المعرفة. القيم. السياسة.
الفرق بين الفلسفة والعلم:
العلم وصفي (وصف الظواهر وكيفية حدوثها)، بينما الفلسفة تفسيرية (تفسير ما وصل إليه العلم). العلم موضوعي يقوم على التجربة والملاحظة، بينما الفلسفة يغلب عليها الذاتية. العلم يهتم فقط بالواقع وبما هو محسوس (المادة)، بينما الفلسفة تهتم بالواقع وما وراء الواقع (الميتافيزيقا)، بمعنى آخر العلم يهتم بما هو كائن وملاحظ، بينما الفلسفة تهتم بما يجب أن يكون عليه الشيء. (حوار الفلسفة والعلم، 2012م).
الفرق بين الفلسفة والأيديولوجيا:
الفلسفة فكر نقدي حر، والأيديولوجيا مذهب دوغمائي يقوم على اليقين التام. الفلسفة عبارة عن سؤال مفتوح، بينما الأيديولوجيا جواب نهائي مغلق. الفلسفة تقوم على الحوار والجدل، بينما الأيديولوجيا تستند على التبشير والتحريض (الوقيان. 2011م).
الفلسفة اليونانية:
أشهر فلاسفة اليونان: 1. بروتاغوراس: من آرائِه الفلسفية:
الإنسان هو مقياس كلّ شيء. العقاب يجب أن يكون للردع وليس للانتقام. 2.سقراط : من آرائِه الفلسفية:
الأخلاق تُعدُّ من حيز العقل لا الدين. الفضائل قابلة للتعليم. المعرفة هي أساس الفضيلة. 3. أفلاطون: من آرائِه الفلسفية:
كلّ إنسان يسعى لتحقيق السعادة التي من أسباب تحقيقها الخلود أو الشعور به. سعى أفلاطون من خلال فلسفته إلى رؤية العالم كما يجب أن يكون، لا كما هو في الواقع.
4. أرسطو:
من آرائِه الفلسفية:
يُعدُّ أرسطو هو واضع علم المنطق والمؤسس له. يرى أنَّ هناك عالمًا حقيقيًا واحدًا، وهو العالم الذي نعيش فيه، والموجود الحقيقي هو الشيء نفسه كما في هذا العالم. إيمان الناس بوجود إله يرجع إلى الإبداع الذي يشاهدونه في هذا العالم، وجماله وقوانينه المحكمة. (فروخ، 2015)
الفلسفة الإسلامية:
انتقل التراث اليوناني وما فيه من علوم وإسهامات إلى الحضارة الإسلامية من خلال المسيحيين في الشام (السريان)؛ وذلك لأنَّ العربَ لم يكونوا على علم باللغة اليونانية، حيثُ قامت حركة الترجمة هذه في العصر العباسي، على الرغم من أنَّه كان هناك حركة ترجمة في العصر الأموي، ولكنها كانت محدودةً.
- الكندي: هو أول فيلسوف عربي ويلقب بفيلسوف العرب. كان اهتمامه منصبًا نحو الفلسفة اليونانية وبالأخص أعمال أرسطو.
من آرائِه الفلسفية: يرى الكندي أنَّه لكي يتجنب الإنسان الحزن يجب ألَّا تكون مطالبه الأمور المادية، بل يتعداها إلى الأمور العقلية. طهارة النفس وتجردها عن البدن يجعل الإنسان يحقق السعادة الأبدية.
2. الفارابي: يلقب بالمعلم الثاني؛ نظرًا لأنَّه يلي الفيلسوف اليوناني أرسطو في إبداعه في المنطق والفلسفة.
من آرائِه الفلسفية: النفس الإنسانية ما هي إلَّا جوهر روحاني قائم بذاته، وهي جوهر الإنسان وليست عرضًا من أعراض الجسم. السعادة يمكن تحقيقها من خلال ممارسة الأعمال الحسنة، وذلك عن إرادة وفهم.
- ابن رشد: وهو فيلسوف الأندلس الكبير. ومن آرائِه الفلسفية: الإنسان لا يختلف عن أيِّ إنسان آخر بسبب الجسم، وإنما بسبب النفس فالعملية النفسية المعرفية والإدراكية هي أساس هوية الإنسان وليس الجسم. الإنسان يحتاج إلى الآخرين في اكتساب الفضيلة، وهذا الاحتياج ليس من قبيل الترف وإنما هو ضرورةٌ أساسيةٌ. (شحاتة، ٢٠٠٤م).
الفلسفة الغربية
عندما بدأت شمس الحضارة العلمية العربية تميل إلى الغروب، بدأ عصر الحضارة الأوروبية، فلقد شعر الأوروبيون بتخلفهم عن العرب، فقاموا بترجمة الكتب العربية إلى اللغة اللاتينية، وكان ذلك في القرن الثالث عشر، ومع بداية القرن السابع عشر بدأ عصر النهضة العلمية الحقيقية في أوروبا، وبدأ التفكير العلمي الاستقرائي المجرد (منتصر، ١٩٧٣م).
1. رينيه ديكارت: فيلسوف فرنسي يُعتبر أبو الفلسفة الحديثة، وكان مبدعًا في علم الرياضيات.
وقد بنى ديكارت فلسفته على منهج الشك، ووضع أربع قواعد:
- لا تقبل إلَّا الأفكار الواضحة والمميَّزة.
4.تحقَّق دائمًا بصورة دقيقة لكيلا تُغفل شيئًا.
2. باروخ سبينوزا:
فيلسوف هولندي يهودي يُعدُّ من الفلاسفة الذين لا يكتفون فقط بما يقولون، وإنما يعمل بأفكاره ومبادئه. لذا، تعرَّض للهجوم من بني قومه ومجتمعه نظرًا لصراحته الشديدة، حتَّى أنَّ كتابه (الأخلاق) لم يُنشر أثناء حياته، ورفض كرسي الفلسفة في هايدلبرغ؛ لأنَّ هذا المنصب الرسمي سوف يقيده.
يؤمن سبينوزا بأنَّ الله والطبيعة واحد، بمعنى أنَّ الله الخالق قد أوجد الطبيعة التي هي انعكاس لما هو موجود فيه (الله). يعتقد سبينوزا أنَّه من خلال اتباع طريقة الهندسة يمكننا إنتاج معرفة دقيقة للعالم الحقيقي. لذا، كان كتابه (الأخلاق) ذو نزعة هندسية.
- جون لوك: فيلسوف إنجليزي، بعد قراءته لديكارت أصبح مهتمًا بالفلسفة، ويرى لوك بأنَّ عقل الطفل حديث الولادة كالورقة البيضاء، وأنَّ التجارب وحدها هي المصدر الرئيسي للأفكار، ويقسم مصادر التجارب إلى:
أ. أفكار حسية خارجية: مصدرها الحواس كالرؤية والسماع.
ب. أفكار ذاتية داخلية: مصدرها العقل مثل التفكير والإيمان.
(Osborne,1992)
4. فولتير :
فيلسوف وكاتب فرنسي يعد من الممهدين لقيام الثورة الفرنسية، من آرائِه:
أ. الشك وضع غير مريح، ولكن اليقين حماقة. ب. يدحض فولتير فكرة اليقين بطريقتين: 1. كلّ الحقائق والنظريات في التاريخ قد تمّ مراجعتها في وقتٍ ما، إذًا ما يبدو على أنَّه حقيقةٌ هو في الواقع أعلى من الفرضية بدرجة بسيطة.
- يتفق فولتير مع لوك على أنَّه لا يوجد شيء اسمه أفكار فطرية. لذا، فإنَّ الأفكارَ التي يبدو أنّنا نعرفها كحقيقة منذ الولادة قد تكون فقط ثقافية؛ لأنَّها تختلف من بلدٍ لآخر.
5. إيمانويل كانت:
فيلسوف ألماني، أراد “كانت” أن يبرهن على وجود عالم خارجي مادي، وأنَّ وجوده لا يمكن الشك فيه. تبدأ حجته على النحو التالي:
من أجل وجود شيء ما يجب أن يكون من الممكن تحديده في الوقت المناسب، أيّ أنَّه يجب أن نكون قادرين على القول عندما يكون موجودًا وكم طوله، ولكن كيف يمكن هذا فيما يتعلق بوعينا الخاص؟
على الرغم من أنَّ الوعي يتغير باستمرار، إلَّا أنَّه يمكننا استخدام كلمة (الآن) للإشارة إلى ما يحدث في وعينا، لكن كلمة (الآن) لا تعني وقتًا محددًا، وإنما في كلّ مرة أقول: (الآن) فإنَّ الوعي يكون مختلفًا.
إنَّ القول بأنّني موجود يتطلب نقطةً محددةً في الوقت المناسب، وهذا يتطلب بدوره وجود عالم خارجي موجود بالفعل في أيِّ وقت، وعلى هذا فإنَّ مستوى اليقين بشأن وجود العالم الخارجي هو بالضبط نفس مستوى تقديري لوجود الوعي، وهو ما اعتقد ديكارت أنَّه مؤكَّدٌ تمامًا وغير قابل للشك.
الإحساس: هو القدرة على استشعار الأشياء. الإدراك: هو القدرة على التفكير في الأشياء. يظهر الشيء في المكان والزمان فقط بقدر ما تشعر به عقولنا. لذا، فإنَّ المكان والزمان هما الطريق للإدراك الحسي.
6. فريدريك نيتشه:
تُعتبر فكرة (موت الإله) الأكثر شهرةً بين جميع أفكار نيتشه، وهي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بفكرة أنَّ الإنسان شيء يجب تجاوزه. لذا، سعى نيتشه إلى ما أسماه (الإنسان الأعلى”السوبرمان”) من خلال فلسفته (إرادة القوة).
ولم يقصد نيتشه بهذه الفكرة (موت الإله) مجرد الهجوم على الدين، وإنما قصد القيام بشيء أكثر جرأة، ولم يكن يعني بـ (الله) فقط الإله الذي يتحدث عنه الفلاسفة، وإنما يعني جميع القيم التي نتمسك بها.
حيثُ أنَّ أحد الأهداف الأساسية لفلسفة نيتشه هو ما أسماه (إعادة التقييم لكلِّ القيم)، والتشكيك في جميع الطرق التي اعتدناها من خلال التفكير في القواعد الأخلاقية ومعاني الحياة وأهدافها، ومن خلال هذا المنهج أعاد نيتشه للفلسفة وظيفتها الأساسية المتمثلة في إعادة النظر في كلِّ شيء.
(The Philosophy, 2017)
*المراجع: فروخ عمر، العرب واليونان وأوروبا (قراءة في الفلسفة). ط١، بيروت: المركز العربي للأبحاث، ودراسة السياسات. 2015م. كوليه أزفلد. (المدخل إلى الفلسفة)، ترجمة أبو العلا عفيفي. القاهرة: أقلام عربية.2017م. ربيع محمد شحاتة، التراث النفسي عند علماء المسلمين. ط٤، القاهرة: دار غريب. 2004م. منتصر عبد الحليم. تاريخ العلم ودور العلماء العرب في تقدمه. ط٥، القاهرة: دار المعارف. 1973م. بو علي نابي وآخرون. حوار الفلسفة والعلم (سؤال الثبات والتحول). الرباط: دار الأمان. 2012م. الوقيان شايع. (متى تصبح الفلسفة أيديولوجيا). صحيفة عكاظ ٢٣/٤/٢٠١١م. Osborne, Richard .(1992), Philosophy for beginners, A for beginners: Danbury USA. Buckingham ,Will And Others .(2017), The Philosophy Book (Big Ideas Simply Explained) .DK: New York ,USA.
ما هي الفلسفة ؟؟
مقدمة
تعتبر الفلسفة علم من العلوم البارزة منذ العصور القديمة، حيث إنّها قائمة على التفكير والحكمة بأسلوب فلسفي راقي، يوصلنا لحقيقة الأمور بفلسفة واقعية، ويرجع الأصل اللغوي للفلسفة، لكلمة يونانية مركبة من جزأين وهما فيلو ويقصد بها حب، وكلمة سوفيا ويقصد فيها حكمة، وتصبح الكلمة وهي مجمعّة (فيلوسفيا)، وبما أنّ معاني الأجزاء حب وحكمة، فهي كمعنى مكتمل تعني حب الحكمة؛ ولهذا أصبح الفيلسوف محب للحكمة، ويقصد بالحكمة: الإدراك المتكامل للحقيقة والمعرفة العقلية الراقية، والتأمل التفكيري لتصدي كل المشاكل التي قد تواجهك في الحياة، ويتم حلها وتفسيرها على أحسن حال.
الفلسفة لم يجتمع فلاسفة العصور على وضع تعريف أو مفهوم واحد وثابت للفلسفة، حيث إنّهم اختلفوا عليه، وبهذا تعددت المعاني للفلسفة وكثرت التعريفات على حسب علماء الفلسفة، فكل فيلسوف أعطى مفهوماً من ذاته، واختلف من عصر لآخر، وذلك بناءً على اختلاف ظروف الحياة الواقعة لكل فيلسوف في كل عصر، فمن عادة الفيلسوف أن يدرس كافة الحقائق المختلفة والمتفرقة ثم يجمعها، وبعد ذلك يجردها من الصيغة المادية ليربطها بتسلسل منطقي ذات ترتيب خاص فيه، ليشرح الظواهر بتفكير عقلاني متناسق ومتجانس،وأصبح كل فيلسوف يدلي برأيه الخاص في تفسير أي ظاهرة، على حسب عقليته مع وجود الأدلة والبراهين.
ولذلك لم نحصل لهذا اليوم على تعريف ومفهوم محدد للفلسفة سوى أنها حب الحكمة، وقائمة على تفسير الظواهر من فيلسوف لآخر حسب العصر الذي فيه، والأدلة والبراهين الموجودة لديه. أسلوب التفكير ومكانة الأسلوب الفلسفي بالطبع نحن نعلم أنّ الله عزّ وجلّ قد ميّز الإنسان دوناً عن سائر خلقه بالعقل، والعقل يترجم الأفكار والأساليب التي تتبعها الأفكار، فالإنسان الوحيد القادر على التفكير بسلوك ذو وعي منظم مع أسلوب يتبع السلوب بتنوع، والتفكير يعتبر مجموعة من العمليات الفكرية الراقية التي تنتج لدى عقل الإنسان اتجاه مسألة أو قضية أو مشكلة ما، بينما الأسلوب فهو الطريقة المختلفة في التعبير عن ما في داخل الإنسان من فكر وتفكير، ويختلف التفكير من شخص لآخر، والأسلوب المتبع للتفكير أيضاً مختلف من شخص لغيره،
الأسلوب الفكري للإنسان ينقسم لأربعة أنواع رئيسية:
ويختلف الأسلوب المتبع في التفكير من بيئة لأخرى، ومن عصر لآخر، ويتعدد الأسلوب الفكري للإنسان لأربعة أنواع رئيسية، وهي: الموقف الخرافي أو البدائي وأسلوبه: كان الأسلوب البدائي في تفسير أي ظاهرة تحدث في ذلك العهد سيّئ للغاية، حيث إنّه كان ينظر للظاهرة بأسلوب ساذج ولا ينم على وعي، فكانت تختلف التفسيرات نظراً لعقليته وعدم نضجها، فكان التفسير لديه محدود جداً، وليس من السهل تعليل حدوث الظاهرة ومعرفة السبب الحقيقي وراء حدوثها،
فمثلاً، كان قديماً يربطون الظواهر الطبيعية بوجود أكثر من إله لافتعال تلك الظواهر، ولحل هذه المشكلة كانوا يقدمون القرابين لها، باعتقادهم أنها ستحل المشكلة. الموقف الديني وأسلوبه: كان الإنسان في ذلك الوقت ينظر للظاهرة من ناحية دينية، باعتبارها ظاهرة تفوق قدرات الإنسان، فكان يتم ربط حدوث الظواهر بقدرة الإله، وأن هناك إله قدراته تفوق قدرات البشر.
ويقوم بفعل تلك الظواهر، فمثلاً، بالنسبة لظاهرة الرعد والبرق، كان يربطونها بالقدرات الإلهية غير المحدودة، باختلاف الأديان السماوية، وكانوا يسعون وراء تفسير الظاهرة وحقيقة حدوثها تبعاً لقناعة وجود القدرات الإلهية الأقوى من أي شيء.
الموقف الفلسفي وأسلوبه: لو أمعنا النظر أيضاً في نفس الظاهرة السابقة، ظاهرة الرعد والبرق، لوجدنا أن الفلاسفة تميزوا عن غيرهم في تفسير الظاهرة، من خلال التأمل العقلي والفكري لديهم، والذي ينم عن مهارة في تفسير الظاهرة بتفكير فلسفي منطقي، وتحليله بأسلوب متناسق، وربط حدوث هذه الظاهرة في الظواهر الأخرى الموجودة في الكون.
حيث إنّهم ربطوا الظواهر الجزئية ببعضها البعض، ولم يقفوا عن حد ظاهرة معينة، فكان يمتد لتفسير ظواهر الوجود ككل، فكان الفلاسفة ينظرون للمسألة نظرة شمولية، تدفعهم لمعرفة العلل التي وراء الظواهر المختلفة، لذلك عرف هذا الأسلوب بالمذهب الفلسفي، حيث اختلف تفسير الظاهرة من فيلسوف لآخر؛ بسبب اختلاف العقلية والعصر.
الموقف العلمي وأسلوبه:
لنفترض نفس الظاهرة التي ذكرناها البرق والرعب، فإن التفسير العلمي لهذه الظاهرة مختلف كلياً عن المواقف السابقة، فهنا يقوم العالم ببحث الأسباب المباشرة لحدوث الظاهرة، ولا ينظر لما وراء الظاهرة، حيث إنّه يستخدم التأمل العقلي المجرد، ويستخدم في كشف الظاهرة الحواس والأجهزة المختلفة، فهنا تقوم التجارب الكثيرة على تفسير الظاهرة، وللتوصل لقانون محدد خلف حدوثها.
فيفسر العالم حدوث الظاهرة، بتفريغ شحنات كهربائية لا تتجانس مع بعضها البعض، فيما بين الجزء الأسفل والأعلى في السحب، وينتج عنه ضوء وهو البرق، وينتج عنه صوت وهو الرعد، وبالتالي فإن النتائج العلمية التي ترتبت على هذا الاكتشاف يساهم في سيطرة الإنسان على الظاهرة من خلال تحاشي الصواعق الكهربائية.
ونستخلص من كل هذه المواقف أن الأسلوب الخرافي قائم على البدائية غير المنطقية، والأسلوب الديني قائم على ربط الظواهر بقدرة الله عز وجل، أما الأسلوب الفلسفي فهو تأمل عقلي يشمل كافة الظواهر في الكون، بينما الأسلوب العلمي فهو قائم على العلم التجريبي الحسّي المختص فالظاهرة فقط دون الرجوع ما وراء الحدث.
موجز للعصور التاريخية للفلسفة
العصور التاريخية التي مرت فيها الفلسفة وتطورها، هي نفس العصور التاريخية العامة، وتنقسم لخمس عصور، وهي: العصر الشرقي القديم: بداية العصر القديم من قبل الميلاد للمسيح أي قبل آلاف السنين من عصرنا هذا، واستمرت الحقبة الزمنية له لمنتصف القرن السابع ما قبل الميلاد، ويتمثل هذا العصر في بداية الضمير الإنساني، كما وظهور فكره الأخلاقي وحكمته الدينية في الحضارات القديمة المتواجدة في بابل وأشور ومصر، كما في الصين والهند وفارس،
ومن أبرز علماء هذا العصر: “بوذا، أخناتون، كونفوشيوس، وزرادشت، وغيرهم كثير”. العصر اليوناني القديم: بداية هذا العصر من المنتصف الثاني للقرن السابع ما قبل الميلاد، وامتد لأوائل القرن الخامس ما قبل الميلاد، وشهدت هنا الفلسفة النضوج على أيدي كل من أفلاطون وسقراط وأرسطو، ثم عادت للتدهور في نهاية العصر، وانطفأت شعلة الحضارة اليونانية.
العصر الوسيط (المسيحي والإسلامي):
ظهرت فلسفة المسيحية في القرن الخامس الميلادي، واستمرت ما يقارب منتصف القرن الخامس عشر، وكان جوهر هذه الفلسفة امتدادها للفيلسوف أفلاطون وأرسطو للحضارة اليونانية، لكنها أخذت الثوب المسيحي فقط، أما الفلسفة الإسلامية، ظهرت هذه الفلسفة بشكل تدريجي منذ ظهوره وحتى الهجرة التي بدأت في عام 622م، فبدأ المسلمون في بناء الحضارة الخاصة فيهم، واستمرت حتى القرن الثاني عشر الميلادي، وأخذت الفلسفة طابع ديني إسلامي.
العصر الحديث: أخذت الفلسفة في الظهور لدي أوروبا والعالم الغربي، وهذا بدأ منذ منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، أي مع بداية النهضة الأوروبية، واتسمت الفلسفة بالتطور على شكل جديد، ومن أهم فلاسفة هذا العصر: “الفرنسي ريكات، والإنجليزي بيكون”، وامتدت الفلسفة هنا لغاية نهاية القرن التاسع عشر.
العصر الحاضر، أو ما يسمي بالقرن العشرون: وهذا العصر بدأ مع بداية القرن العشرين في أوائله، واستمر لحاضرنا ومازال، وهنا تطورت المذاهب الفلسفية وكثرت، وتعددت بشكل ٍواضح وملحوظ من العصور التي سبقها، وتسمّى المذاهب الفلسفية الحالية باسم الفلسفة المعاصرة، أو فلسفة القرن العشرين.
المصدر موضوع.كوم