مختلف عليه، الحرة

الرئيسية

إياد جمال الدين مصلح إسلامي أم ظاهرة بصرية؟ “شاهد”

By nasser

November 20, 2020

تحت عنوان العمامة تمر بأزمة: إياد جمال الدين مصلح إسلامي أم ظاهرة بصرية؟ كتب منصور الناصر

بعد مشاهدتي للقاء الكاتب والإعلامي إبراهيم عيسى مع السيد إياد جمال الدين في برنامج مختلف عليه، شعرت بان مشكلتنا كمجتمعات فاشلة، لا تتعلق بخضوعها لهيمنة رجال الدين والسياسة فقط، إنما بعدم وجود شخصيات تنظر للعالم والأشياء بمنظور مختلف.

لدي معرفة جيدة بالسيد، وأراه قد ضيع نفسه وأضاع على الآخرين فرصة التعرف على وجه آخر للإسلام وشيوخ الإسلام.

فقد أصبح في السنوات الأخيرة، نرجسيا وسليط اللسان، ومتوترا يستفزه اي قول، وأعتقد أنه يعاني من عواقب خسارته في الانتخابات، وتهميشه سياسيا وحتى دينيا.

إياد جمال الدين: ذلك العالق بين عالمين

وهذا ما جعله عالقا بين عالمين فلا هو سياسي محترف من جهة ولا هو بالمفكر الغزير الانتاج والمجدد.ولكي لا نضيع الوقت سأطرح وجهة نظري في بضع نقاط.

أولا: هنا نوع من الشخصنة في التحليل والنظر، وأعتقد أن فكرة مهاجمة شخص وطعنه في دينه، ليست غير لائقة فقط، بل تنبئ عن عدوانية وتعصب، وهو لا يكتفي بهذا إنما يتوغل أكثر ويتهم ماكرون بأنه صليبي.

وهذه شتيمة غير لائقة اولا وغير صحيحة ثانيا ولا علاقة لها بالموضوع ثالثا.

الرجل لم يفعل شيئا “إمرا” فهو مسؤول عن بلاده، لأننا لم نره يخرج منها لكي يقف على ابواب اورشليم بجيوشه الجرارة.أظن أن هذه المبالغة مقصودة، طالما استعملها “الإسلاميون” للتحقير وقطع الحوار مع الآخر، وهي علامة انغلاق سأتطرق لها لاحقا.

ولا يكتفي بهذا، بل يزيد عليها بقوله هذا المسيحي الصليبي الأغلف، لا حق له بالحديث عن الإسلام. وكأنه حاخام يهودي من القرن الثاني قبل الميلاد، يعير الناس بأنهم غير مختونين!أليست هذه إساءة “شخصية” لمئات الملايين من الناس؟

2-    حق التعبير أم حق التحريم؟

القول بأن ماكرون له الحق فيما يتعلق بمسلمي فرنسا و حدودها، وأن لا حق له بالكلام عن عموم المسلمين والإسلام، بحاجة للنقاش وطرح اسئلة كثيرة.فلو قبلنا بهذا المنطق، لنا أن نتساءل من له الحق بالكلام عن الإسلام؟ العلماء؟ العامة؟، وهل أن المسألة خاضعة لضوابط، ومن يحددها؟كيف نفرق بين من ينتقد الإسلام ومن يسيء إليه؟السيد نفسه يرتدي العمامة ويتحدث عن الدين والإسلام، مع هذا قال كثيرون إنه غير جدير بالحديث عنه، بل إنه يسيء إلى الإسلام!

هذا القياس المنطقي الذي اتبعه إياد فاسد، فهو يخصص حرية التعبير على فئة يحددها السيد ووفقا لمزاجه ورغباته، وهذا إفراغ للمفهوم من معناه.إنه إقرار علني بمشروعية الاستبداد الديني، والذي يقوم على ما أسميه حق التحريم وليس حق التعبير.

تصريح ماكرون تهديد ضمني

أمر آخر: من حق ماكرون أو أي إنسان، الحديث عن الإسلام ككل.لماذا؟ لأن السلفية والوهابية لم تظهر في فرنسا في عهد مونتاني وفولتير وجان جاك روسو.بل دخلت عن طريق التبشير الذي قامت به دول الخليج وتركيا، قبل نصف قرن، وكان لسياسيي فرنسا نفسها دور قذر في السماح لهم بذلك.

هل حارب المسلمون الإرهاب و”مصدره” بينهم؟

أي أن ادعاء المسلمين محاربتهم للإرهاب الإسلامي، لم تر شعوب العالم مصداقية له حتى الآن.وشخصيا أشعر أن ماكرون أطلق تحذيرا ضمنيا، ورسالة تهديد غير معلنة للجميع، بأن عدم حل أزمة الإسلام، معناه أن وجود المسلمين في فرنسا، لن يعود مقبولا.وأظن أن هذا هو ما سيحدث.. مستقبلا في جميع انحاء اوروبا، وانا شخصيا لا أتوقع وجود أي فرصة لبقاء المسلمين أو أي مظاهر إسلامية في أوروبا بعد عشر أو عشرين سنة.الأفكار تنتقل كما تنتقل الفايروسات، وكلنا شهدنا ماذا فعل فايروس كورونا بنا..فهل يعقل أن تمنعني من الحديث عن فايروس كورونا في بلادك، بحجة انه شأنه داخلي خاص بالمسلمين فقط؟فمثلما يأتي الفايروس معهم، سيأتي الحجاب وباقي الفرائض معهم، وسيفرضون واقعا جديدا على حياة أوروبا.

ماكرون أطلق رسالة تهديد غير معلنة للجميع، بأن عدم حل أزمة الإسلام، معناه أن وجود المسلمين في فرنسا، لن يعود مقبولا

كلنا نعرف أن ماكرون لا علاقة له بالإسلام كدين إنما كمشروع سياسي عابر للقارات والثقافات، وانه بهذه الصفة غير مرحب به في بلاده، داعيا القائمين عليه بحل المشكلة وفصل الديني عن السياسي فيه. لأن دستور بلاده لا يجيز ذلك. 

الواضح ان هناك دعوة للانغلاق، إلى غلق أبواب الدين بدلا من فتحهافهل نحن بحاجة لفقه جديد للتحليل وليس التحريم؟ ، أهذه هي رسالة إياد جمال الدين، المزيد من الممنوعات والمحرمات؟أبعد كل إخفاقاتنا كمسلمين لا نريد أن نسمح لحد بالحوار معنابل أن نعتبر أنفسنا أبناء حضارة شرقية مغلقة حضارة فات عليها القطار منذ قرون.. وأصبحت عانسا شمطاء، يعاني من نزواتها وثورات غضبها الجميع؟ماذا قدم لنا السيد من حلول؟ .. أو حتى مقاربات لحل الأزمة؟الكلام عن علمانية الدولة وأن الإسلام دين وليس دولة. هذا كلام عام، أصبح مألوفا ولا حضور واقعي له، حاله حال الكلام عن ان الإسلام دين ودولة.. وأن الإسلام هو الحل والصالح لكل زمان ومكان.

كلنا نعرف ان هناك نحو خمسين مليون مسلم في اوروبا، واي إنسان يشعر بالمسؤولية عليه ان يفكر بأن الدعوة للتصادم مع الغرب، لن تصب في صالحنا أبدا.

وصف بأنه مفكر: فأين فكره؟

السيد تم تقديمه لنا كمفكر إسلامي، وهنا أسال بماذا فكر لنا السيد؟لم نر منه ردا عقلانيا إنما عاطفيا، ولو سمح لنفسه بالتفكر قليلا أبعد، لوجد أن ماكرون اهون على المسلمين من الضباع التي تترقب بلهفة لطرد هذه الملايين من بلادهم.لقد فعل بالضبط ما يفعله المتطرفون، بتجييش المسلمين، وتحفيزهم لتنفيذ حفلات جديدة لقطع الرؤوس، بدلا من البحث عن حل للأزمة..تلك التي لم يعترف رغم كل البلاوي بوجودها أصلا!

مغالطات وادعاءات

ارتكب جمال الدين العديد من المغالطات والادعاءات. فهو يقول إن الانبياء جاءوا لبناء الإنسان وليس لبناء الدول. وعليه أسأل: متى بنى الأنبياء الإنسان؟ إنهم لم يعرفوا اصلا شيئا اسمه إنسان، لا هم ولا مجتمعاتهم.الأنبياء ظهروا لتأسيس الأديان، وابتكار عقيدة تحكم باسمها الدول.

الأنبياء ظهروا لبناء الأديان وليس الإنسان

المفارقة ان السيد يناقض قوله في نهاية الحلقة ويقول أن لا وجود لحقوق الإنسان في جميع الاديان، وأنه مفهوم جديد كليا.هناك مغالطة اخرى ، قال إن ماكرون يريد تسويق العلمانية لنا بشتم النبي واستفزاز المسلمين.

وهذه مغالطة واضحة، الكل يعرف أن ماكرون لم يطالب بشتم النبي.. فلماذا هذه المبالغة؟ وماذا نجني منها كمسلمين إلا المزيد من التوتر والاستفزاز المتبادل؟

الاستنتاجات

القسم الثاني من حديثي يتعلق بالاستنتاجات، واستنتاجي الأول هو أن السيد يعاني من أزمة العمامة.وكما يبدو فأن العمامة تبقى عمامة ولن تفهم العلمانية.حيث إن السيد فضح نفسه بنفسه، فلم يعد ممكنا القول بأنه مفكر، مفكر في ماذا؟ ما هي نظريته المعرفية او مفاهيمه الجديدة؟العلمانية في جوهرها رفع هالة القداسة عن العالم، بأشيائه وأفكاره، رفع القلنسوة أو العمامة السحرية عن رأس البشرية، التي يرفض “سماحة” السيد رفعها والاحتفاظ بها!

العلمانية في جوهرها رفع هالة القداسة عن العالم، بأشيائه وأفكاره، رفع القلنسوة أو العمامة السحرية عن رأس البشرية ،!التي يرفض “سماحة” السيد رفعها

العلمانية اعتبار الإنسان مقياسا لكل شيء.. كما قال المرحوم بروتاغوراس. فإذا كان السيد يرفض نقد الأفكار والإسلام والدين وكلها حفنة أفكار فكيف لنا ان نتحدث فيما بيننا ككائنات بشرية على الأقل؟

الله نفسه فكرة. فماذا تحصد لو منعت الحديث عن كل هذه الأفكار؟لن تحصد سوى مجتمع فاشل يعيش أفراده فيما يشبه المتحف الحي الذي لا علاقة له بالحاضر ولا المستقبل.

الله فكرة

ولو صح منع التعرض بالنقد بل وحتى السخرية من الافكار فماذا سيتبقى من العلمانية؟هذه هي فضيلة العلمانية ان صحت كلمة فضيلة. انها نزعت السحر عن العالم، حتى أصبح بإمكان الإنسان التعامل الحر مع كل شيء، لم تعد هناك تابوات مقدسة، ولا مسحورة، بطل سحر الماضي وهلاوس أصحابه المجانين الملاعين،وما عاد يجب استعادتها، بل الخلاص من أسرها كليا، وبشجاعة.

عزل السيد للإسلام الهدف منه جعله ملكية أو إقطاعية خاصة، لا يحق لأحد المرور في أجوائها، كما تمر الطائرات!، وهنا هو يتطابق تماما مع فكرة الفقهاء قديما وحديثا بان الإسلام دين خاص، وأن علمه في قلوب العلماء إلخ.وهذا هو بالضبط ما فعله الخميني والبغدادي والوهابي الذين يهاجمهم السيد ليل نهار!تناقضات السيد كثيرة، ومنها أن مطالبته التعامل مع الإسلام بقدسية ومن قبل أهله فقط. هو بالضبط ما رفضه لاحقا حين قال إن الإسلام ليس علما وأن الدين لا يحتاج علوما.

هنا هو يصدر حكما فقهيا بعدم الفصل بين الفكرة وصاحبها، وهذه هي الشخصنة والتعميم أو المماهاة بين الشيء والفكرة الذي تطرقت له في البداية.

ماذا يتبقى من السيد إياد إن رفع العمامة؟

ماذا يتبقى من السيد إذا رفع العمامة؟ هل يبقى مشروعه الفكري أو مؤلفاته التي تنطق عنه؟ إياد جمال الدين ظاهرة بصرية لا أكثر. إنه ليس القرضاوي أو أركون او الخميني، الذين لا يتغيرون ولو ارتدوا ملابس يابانية!

إياد جمال الدين ظاهرة بصرية لا أكثر

لأنهم ليس بظواهر بصرية، فنتاجهم معروف، أما إشارته إلى عدم كتابة الأئمة لكتب، فهذه لا تشفع له ولا تبرر عدم وجود مؤلفات خاصة به.

برامج التك توك وتسطيح العالم

الظاهرة البصرية تروق لبرامج التك توك، التي تسطّح العالم، ولا تريد تغييره انما استثماره فقط، ولا يتحقق هذا طبعا، إلا بتغييبه.

هكذا نجد الجميع متدينين وعلمانيين، يعيشون على سطح الاحداث، يقضون معظم وقتهم في مهاجمة الآخرين، هذا قال كذا وذاك قال كيت..والهدف استثمار الأقوال ولا أفعال!

ما جدوى هذا اللقاء؟ الجواب لا شيء! .. تقديم الأفكار الرائجة نفسها ولكن بشكل جديد ووجوه جديدة، فلم يستطع الضيف لا المحاور تقديم مقاربة جديدة للأزمة، وأغلب اللقاء تحول إلى استعراض معلومات تشوبها أفكار وإلتقاطات لامعة هنا وهناك.

الجديد الممتاز هو قوله إن لا وجود لعلوم الدين، وإنها ظهرت لحاجة الدولة والإمبراطورية، ولتثبيت أوتاد الامبراطورية وهوية المسلم. وأنها قتلت الإيمان، وهي فكرة مطروقة بكثرة.

ولم يتشربها السيد جيدا في داخله، فهو مازال يستخدم مفردات ابتكرها فقهاء السلاطين، مثل دين أمة إسلام أصول حديث الخ.

أعتقد أن السيد ينطوي على قدرات ممتازة، لكنه لا يستثمرها فيما هو مفيد ودائم، وليس مجرد تغريدات وتصريحات هنا وهناك تملأ فراغ مواقع متعطشة للإثارة، وتسطيح الوعي.

أهذا دفاع عن ماكرون وهجوم على مهاجميه؟

أخيرا وهذا مهم جدا، قد يقول أحد لماذا تدافع عن ماكرون؟ أقول له ماكرون لا يحتاجني كي أدافع عنه، أنا أتحدث عن ازمة في علاقتنا بالآخر.

ماكرون نموذج جيد لمعرفة هذا الآخر، ومحاولة اكتشافه.. وفهمه والحوار معه.ماكرون مناسبة لموضوع وليس الموضوع نفسه، لا هو ولا السيد إياد

،ماكرون مناسبة لموضوع وليس الموضوع نفسهلا هو ولا السيد إياد

نحن نعاني من مشاكل خطيرة في فهم العالم حولنا، وتحليل خطابه بموضوعية، ودون تحسس.

إحساسنا بالإساءة الشخصية لنا، حين يجري الحديث عن معتقداتنا هو دليل على أننا نعاني من أزمة هوية منشطرة بينة ماض لا يعود ومستقبل لا نستطيع التعايش معه والانسجام معه.

كلنا ندرك ان المسافة كبيرة بيننا وبين هذا العالم، ولأنها كبيرة، وتزداد ضخامة مع الوقت، نشعر بالعجز، ونفضل الانغلاق.

اختيار طريق التحريم لا طريق التحليل، وهو طريق يحصر الدين والمتدين نفسه في عالم ضيق خانق منفصل عن الواقع المعاصر، وخائف منه.

أختم وأقول لابد أن ندرك أن كل عالم ضيق اليوم هو عالم هامشي، لا شان له ولا دور، وكل من لا شأن له، لا حاجة له، وكل من لا حاجة له، سيكون مصيره حتما الفناء والانقراض.

كل عالم ضيق اليوم هو عالم زائد، لا شأن له ولا دوروكل من لا شأن له، لا حاجة لهومن لا حاجة له، مصيره حتما، الفناء والانقراض