حتى قبل نحو أربعة أشهر، كان الأمير «محمد بن سلمان»، البالغ من العمر 29 عاما، مجرد أمير سعودي آخر انخرط في مجال الأسهم والعقارات.
نشأ وترعرع الأمير الشاب بين ثلاثة من الأخوة غير الأشقاء يكبرونه سنا، وتفوقوا عليه نظرًا لنبوغهم في مجالات بعينها، منهم من وصف بأول رائد فضاء عربي، وثانيهم محلل سياسي في جامعة أوكسفورد كان زميل أبحاث في جامعة جورجتاون، وأسس شركة استثمارية كبرى، وثالثهم نائب وزير النفط حاليا.
لكن ذلك كان قبل جلوس والدهم، الملك «سلمان بن عبد العزيز»، 79 عاما، على العرش، والآن الأمير «محمد»، الابن البكر من زوجته الثالثة، بات هو النجم الصاعد، وحظى سريعا بالنفوذ والوصول إلى مناصب أكثر من أي أمير آخر في السعودية، حيث أصبح وزيرا للدفاع في سن صغير، ثم عينه والده وليا لولى العهد. وقد استغل نفوذه للقيام بدور قيادي في موقف السعودية الحازم في المنطقة، بما في ذلك التدخل العسكري في اليمن.
وخلال أربعة أشهر من توليه العرش خلفا لشقيقه الأكبر الملك الراحل «عبدالله بن عبد العزيز»، فإن الملك «سلمان» أعطى لنجله محمد مسؤولية النفط وشركة الاستثمارات العامة والسياسة الاقتصادية ووزارة الدفاع، فضلا عن تعيينه نائبا لولى العهد الأمير «محمد بن نايف».
ويعد الأمير «محمد بن سلمان» هو القائد الأكثر ظهورا في الحملة العسكرية التي تشنها السعودية على الحوثيين باليمن، والمستمرة منذ نهاية مارس/أذار الماضي، وهناك تحديات هائلة في المنطقة حيث دفع الملك ابنه لمسؤوليات كبيرة في الوقت الذى يتصاعد فيه الصراع في المنطقة، وتركيز الرياض على تحجيم النفوذ الإيراني. وعين الملك الجديد «سلمان» ابنه «محمد» وليا لولي العهد، متجاوزا بذلك عشرات الأمراء، ومنهم ثلاثة من أبنائه من زوجته الأولى، وهم من أكثر أفراد العائلة تعليما.
وبصورة ملفتة للنظر أزال الملك «سلمان» أخاه الأصغر غير الشقيق، الأمير «مقرن بن عبد العزيز»، 69 عاما، من ولاية العهد، وعين بدلا منه الأمير «محمد بن نايف»، 55 عاما، والذي كان ولا يزال في موقع وزير الداخلية، الأمير «محمد بن نايف»، ابن شقيق الملك «سلمان»، ليس له ورثة من الذكور من صلبه، والأمير« محمد بن سلمان» هو الآن التالي في خط الخلافة.
وتدعم المملكة السعودية النظام الملكي السنى بدولة البحرين في مواجهة الأغلبية الشيعية المتمردة، فيما تعمل على تسليح المتمردين في سوريا ضد الرئيس «بشار الأسد». وتشارك في الحملة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة في العراق، فضلا عن الحملة في اليمن، هذا جنبا إلى جنب مع دعمها ماليا لمصر والأردن. وتكثف الرياض إنفاقها العسكري على الرغم من تراجع أسعار النفط وتزايد النفقات المحلية التي تسببت في خفض الاحتياطات المالية بمقدار 50 مليار دولار على مدى الأشهر الـ6 الماضية.
صعود مفاجئ
ويقول «فورد فراكر»، رئيس مجلس سياسة الشرق الأوسط والسفير الأمريكي السابق في الرياض، «إن الملك دفع ابنه لمنحني تعليم حاد بشكل لا يصدق». وأضاف إنه «من الواضح أن الملك سلمان على قناعة بأن نجله على قدر التحدي».
ومع ذلك فإن بعض الدبلوماسيين الغربيين، الذين تحدثوا لـ«نيويورك تايمز» شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفا من إغضاب الأمير والملك، أعربوا عن قلقهم بشأن النفوذ المتصاعد للأمير الصغير. وخلال مقابلات أجرتها الصحيفة مع اثنين على الأقل من الأمراء في الخط الرئيسي للعائلة المالكة كشفوا أن بعض كبار السن من أفراد العائلة لديهم شكوك بشأن قدرة الأمير «محمد» على إدارة الأمور. وأعرب الأميران عن قلقهما بشأن التكلفة والفوائد المترتبة على الحملة العسكرية في اليمن التي يقودها.
ويمتلك الملك «سلمان»، بطبيعة الحال، سلطة مطلقة في نهاية المطاف، وتحدث بعض الدبلوماسيين الذين التقوا مع كل من الأمير «محمد بن سلمان» وولي العهد الأمير «محمد بن نايف» في الأشهر الأخيرة عن مدى التقارب بين الأميرين أبناء العمومة، وبدا أن ولى العهد يحاول العمل على إرشاد وتدريب ابن عمه الصغير. وأضافوا أن «بن نايف» كان مدافعا قويا عن الحملة في اليمن، والتي يقودها «بن سلمان».
وبعد لقائه مع كلا الأميرين في اجتماع قمة دول الخليج في كامب ديفيد الشهر الماضي، قال الرئيس «أوباما» خلال مقابلة مع شبكة قناة العربية المملوكة للسعودية إن «محمد» الأصغر فيهما «أذهلنا بمعرفته الحادة وذكائه الفائق. أعتقد أن حكمته تفوق سنوات عمره».
توازن مختل
ولكن العلماء يقولون إن تراكم الكثير من المسؤولية في أيدي فرع واحد من الأسرة، ناهيك عن كونه أميرا شابا، يتصادم مع نظام تقاسم السلطة داخل الأسرة والذي وضعه الملك «عبد العزيز آل سعود» عند تأسيس الدولة السعودية الحديثة منذ ثمانية عقود، لقد أنهى عقودا من الصراع الداخلي العنيف أحيانا، وساعد على الحفاظ على وحدة الأسرة منذ ذلك الحين.
وقد ترأس أولياء العهد منذ فترة طويلة الديوان الملكي والموظفين التنفيذيين. وتم توزيع المواقع الوزارية الأخرى، والأهم من ذلك؛ أولئك الذين يسيطرون على الجيش والحرس الوطني والأمن الداخلي على الأمراء الآخرين. بينما الوزارات المهمة مثل النفط والمالية بقيت محايدة في أيدي تكنوقراط خارج العائلة.
لكن الملك «سلمان» قلب ذلك. وجعل من ابنه رئيسا للديوان الملكي، كما وضع شركة النفط الحكومية تحت سلطته بعد أن كانت تحت سلطة الدولة، وتسلم الأمير الصغير أيضا مجلس السياسات الاقتصادية الذي تم إنشاؤه، فضلا عن رئاسته لوزارة الدفاع خلفا لوالده.
ومن المتوقع أن يسيطر الأمير «محمد بن سلمان» نائب ولي العهد ووزير الدفاع السعودي على الحرس الوطني الذي يقوده ابن عمه الأمير «متعب بن عبد الله»، وذلك وفقا لما ذكره أحد مساعدي «متعب» ودبلوماسيين غربيين آخرين. ومن شأن التغيير أن يضع الجيش والحرس الوطني تحت سيطرة وزارة الدفاع، لكنه سيغير تماما توازن السلطة داخل الأسرة الحاكمة.
أخوة أكفاء
الأخوة غير الأشقاء الثلاثة الأكبر سنا للأمير «محمد»، أبناء الزوجة الأولى «سلطانة بنت تركي السديري»، التي توفيت في عام 2011 يحظون جميعا بسيرة ذاتية متميزة، ويعدون منافسون على الأدوار الحكومية العليا.
ويرأس الأمير «سلطان بن سلمان آل سعود»،58 عاما، عقيد سابق في سلاح الجو السعودي، ورائد الفضاء السابق الذي طار على المكوك ديسكفري إلى الفضاء في عام 1985 ، لجنة السياحة والآثار في الوقت الراهن. الأمير «عبد العزيز بن سلمان»، يعتقد أنه يبلغ 55 عاما، يعمل نائب وزير النفط الذي ترأس الجهود لتحديث الصناعة. والأمير «فيصل بن سلمان»، 44 عاما، حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة اكسفورد، وكان زميل أبحاث في جامعة جورجتاون، وقام بتأسيس واحدة من أكبر الشركات الاستثمارية في المملكة العربية السعودية، ويشغل منصب أمير المدينة المنورة.
وفي المقابل؛ فإن الأمير«محمد بن سلمان» حاصل على درجة البكالوريوس في القانون من جامعة الملك سعود في الرياض، ولم يدرس أبدا خارج المملكة العربية السعودية.
و«محمد» هو الابن الأكبر لزوجة الملك سلمان الثالثة؛ وهي «فهدة بنت فلاح» من قبيلة عجمان، وكان يسعى دائما ليكون خليفة لوالده؛ بحسب ما أشار إليه دبلوماسيون غربيون مقربون من العائلة المالكة.
وبحسب مقربين من العائلة المالكة؛ فإنه يبدو أن الأمير «محمد بن سلمان» تم التخطيط له منذ صغره ليصبح له مستقبل في الحكومة. واختلف عن كثير من الأمراء في جيله، فهو لم يدخن مطلقا ولم يشرب الكحوليات، كما أنه لم يبق خارج المنزل متأخرا. ويقول مقرب «كان من الجلي تماما أمام عيني أن بن سلمان خطط لمستقبله واهتم جدا بصورته».
بات الأمير الشاب الملازم الأول لوالده، على حد وصف عدد من الأصدقاء والأقارب والمقربين. وفي نهاية المطاف؛ حصل الأمير على لقب مستشار رسمي لوالده، عندما كان الأب حاكما للرياض ووزيرا للدفاع.
وقالت الدكتورة «سلوى الهزاع» التي عملت كطبيبة للعائلة وعضوة في مجلس الشورى بتعيين من الملك «أن تكون مع الأمير سلمان كل دقيقة، هل تستطيع أن تتخيل ما الذي تعلمته؟ هل تحتاج شخصا تعلم في الولايات المتحدة؟ أم شخصًا كان ظل أبيه؟».
وقال الدبلوماسيون الحاليون والسابقون أصحاب الخبرة الطويلة بالمملكة إنهم بالكاد يعرفون الأمير الصغير، إذ إنه نادرا – إن لم يكن إطلاقا – ما شارك في مقابلة، حتى لوسائل الإعلام المؤيدة لبلاده.
وتقول السيرة الذاتية الرسمية والضبابية إنه «موظف ذاتي، حصل على الخبرة التجارية بإيجاد بعض الأعمال والاستثمارات»، في حين يقول بعض رجال الأعمال إنه كان معروفا بتجارته النشطة بالبورصة والعقارات.
كما نقلت الصحيفة عن مقربين له أنه يحب الرياضات المائية خاصة على البحر الأحمر، ومحب لأجهزة آي فون ومنتجات آبل الأخرى، ويعتبر أن اليابان هي الدولة المفضلة بالنسبة له. وعندما تزوج زوجته الأولى قبل عدة سنوات، قضى معها شهر العسل لمدة شهرين في اليابان وجزر المالديف وتزوج حديثا للمرة الثانية.
دوره الأبرز كان إدارة مؤسسة الأمير «محمد بن سلمان»، الموجهة لتطوير الشباب السعودي بشكل كبير، من خلال عقدها مؤتمرات حول استخدام «تويتر» و«يوتيوب»، كما طورت منتجات باستخدام رسوم المانجا اليابانية لإظهار الثقافة العربية.
وبأحد التعليقات في إعلام الأخبار الرسمي، العديد من السعوديين الذين قابلوهم في شوارع الرياض في الأيام الأخيرة احتفوا بالأمير الشاب كممثل لما يقارب 70% من سكان السعودية تحت عمر الثلاثين.
ولكن على الرغم من أن السعوديين عادة ما يترددون في التعبير عن المعارضة، فقد أعرب العديد منهم عن قلقه من صعود الأمير الصغير. العائلة المالكة كبيرة وكثير منهم يتنافسون على الحكم، وتمكين شاب صغير من إدارة الحكومة سيخلق الكثير من المشكلات، نحن قلقون جدا على مستقبلنا، على حد قول شخص يكني نفسه بـ«أبو صالح».
وقال «أبو فهد»، وهو رجل أعمال لـ«نيويورك تايمز»، إن «محمد بن سلمان أصبح السيد الذي يعرف كل شيء، مع أنه يبلغ 29 عاما .. ما الذي يعرفه حقا؟».