كتب منصور الناصر نظرة تاريخية على مفهومي الوطن و الدولة مع إشارة إلى تعريف جديد للدولة الحديثة وغاياتها الكبرى.
تعريفي الخاص للدولة
تحديث 7-10-2022: تعريف الدولة السائد هي الجهة التي تمارس العنف الشرعي _المشروع
والدولة المستقبلية.. هي الدولة التي تحارب وتقلل مصادر العنف: أي أنها جهاز لا يسمح لأي جهة أن تحتكر العنف بما في ذلك الدولة نفسها. وهذه هي غايتها الاسمى
كيف؟ بتجفيف مصادر العنف قدر المستطاع.
ولكن هذا يستدعي وضع تعريف جديد للعنف مختلف جذريا عن كل تعريف سابق..
مفهوم الدولة
https://youtu.be/UX75_y61B0c
مصطلح الدولة يدل على الاستيلاء والغلبة والشيء المتداول ولم يظهر إلا في العصور الحديثة، اما في منطقتنا فيرجح أن اول من ابتكرها هم الفرس حسب الماوردي
وعن مفهوم الدولة لا توجد إجابة نهائية منها انها رمز الحق والعدالة من جهة ورمز العنف من جهة أخرى،
وعلى السريع سنتحدث عن وجهة نظر الفلاسفة: بالنسبة لأفلاطون الدولة حاجة طبيعية تنبع من حاجة الإنسان للعيش في جماعة منظمة، تخضع لنظام قائم على الفضيلة والحكمة وعلى الجميع وخاصة العوام باعتبارهم لاعقلانييين الخضوع له ولقادته الحكماء الفلاسفة،
بعده جاء أرسطو وقال إن الإنسان حيوان سياسي، يميل بطبيعته للاتحاد بغيره ولا يستطيع الاكتفاء بذاته، لحاجته لعائلة وجماعة تخضع لدولة تحقق الخير لأتباعها.
بعدهم جاء هوبز، فقلب الطاولة تماما! وقال إن الإنسان حيوان شرير بطبعه وينفر من السياسة بالفطرة!
قبل هوبز كان السؤال كيف يجب أن تكون حياة الإنسان.. أصبح بعده كيف يعيش الإنسان في الواقع؟
القانون الطبيعي القديم كان يعتبر أن الرقي الأخلاقي هو الغاية، لكن هوبز رأى ان الإنسان محكوم بالهوى وليس العقل، وأن الخوف يحكم سلوكه، وعليه فإن واجب الدولة المحافظة على حق الفرد في الحياة، وهو حق طبيعي
وهنا نتوقع طبعا أن يكون على رأس الدولة شخص حكيم على طريقة أفلاطون، لكن هوبز قلب التوقعات مرة اخرى، وقال كلا: لا وجود لمصطلح الخير الأعظم، بل لا يمكن وجوده نظرا لاختلاف الرغبات البشرية.
المسألة تتعلق بالنفوذ وليس الحكمة، ولكن ما مصدر النفوذ يا هوبز؟ يقول إنه قائم على رضا الرعية ذاتها.. لكن هذا الرضا سيفترض خضوع المحكوم للحاكم، ليس بسبب حكمته، إنما بسبب نفوذه، وسلطته.. وهذا ما سماه هوبز بالعقد الاجتماعي وهو عقد خضوع، وواجب الدولة ان تحمل الناس بالقوة على احترام العقد، ويصفها بأنها غول لفياثان يجب على أن لا يتجرأ أحد على عصيانه.
اعترض سبينوزا على هوبز وقال إن الدولة يجب أن تكون امتدادا للحياة في هياتها الطبيعية الأولى، وان لا أمن بدون حرية، الحرية هي الغاية من وجود الدولة.. قال إن الإنسان رغبة وقدرة، وما جعل الإنسان بحاجة إلى الدولة، هو ان قدراته معرضة للخطر في أي لحظة، وهي التي ستحقق رغباته وقدراته في ظل حياة آمنة، يتحرر فيها من الخوف
.. ويختصر سبينوزا تعريفه للدولة قائلا: إن أفضل دولة هي تلك التي تحرض على ضمان الأمن وتسهر على تدعيم الحرية.
رأيي: أن إشكالية الدولة هي إشكالية الإنسان نفسها، كلاهما في حاجة لاتخاذ قرار “دارويني” يعبر عن إرادة كل منهما، وقرار كهذا ليس اختياريا، يجب اتخاذه، فإن لم يفعل الإنسان “ممثلا لنفسه، او الدولة” ذلك، فعلته غريزته، أو الطبيعة
الخلط بين مفهومي الدولة و السلطة:
أما مفهوم الحرية .. فسيد هذا المفهوم هو الفيلسوف جون لوك، والذي كتب رسالتان في الحكومة المدنية وترجمت بعنوان “في الحكم المدني”، وهناك اعتراضات جدية على هذه الترجمة.
هناك خلط ايضا بين السلطة والدولة ..الدولة لديها دليل عمل يسمى دستور مثلا، تتمخض عنه مؤسسات مختلقة تمارس سلطتها وفقا لما ينص عليه الدستور، وهنا يحدث الخلل،
الدولة الحديثة
السلطة في المجتمع العربي لا مكان للحرية فيها، الحرية تتطلب وجود فكرة وطن وفكرة أفراد يعيشون فيه يحملون صفة مواطنين فيه، وهذا الفرد المستقل، سيد فكره وعمله ومصيره، ما زال مفقودا ونبحث عنه دون جدوى!
.. وليدلني عليه الأصدقاء إن وجد!
ما هو موجود هو «الجماعة –الملة- الأمة» أما الفرد فهو الفرد الصمد، هي الخيمة الكبيرة والكل خيوط فيها، وظيفتها أن تشد أواصر الخيمة، وأن تتشابه مع الخيوط الأخرى من جانب آخر،
وهناك فرق طبعا بين الحكومة الدينية وبين الدول العربية الحديثة التي تقمع الجميع وهي في الحقيقة لا حديثة ولا دينية. لكنها تتصرف بطريقة الدولة الدينية.
لا وجود للفرد في الدولة الدينية، أي لا وجود لمواطن كما في الدول المعاصرة، أي الإنسان الحر الذي يحق له الاقتراع لانتخاب الحاكم.
المشكلة أن الإنسان العربي حاليا، لا يكاد يدرك حقوقه في دولته التي تحكمه، والسبب هو حملات التوجيه الديني اليومية التي يبثها رجال الدين في معابدهم. انهم يرددون خطابا مختلفا تماما، يكرس عبودية من يسمى مواطنا وفقا للدولة وأحد أفراد الرعية وفقا للكهنة،
والغاية إعادة إنتاج العلاقة السلطوية الدينية نفسها. العلاقة التي تطرد كل من يحاول أن يكون مواطنا حقيقيا لا شكليا، واعتباره مرضاً، أو كفراً، الأنا أو الذاتية والشخصية المستقلة حرام، ويخالف رأي الجماعة – الأمة.
أي أسلم تسلم ليس على غير المسلمين، إنما على المسلمين أنفسهم،
كشف الحقيقة ممنوع ولهذا لا يسمح للمجتمع أن تظهر فيه شخصيات بمستوى فكري وعلمي مرموق مقل فوكو أو دريدا، أو آينشتاين كل منهم يفكر ويبحث ويقول ما يراه بكل حرية.
لا يسمح بأي “هتك” لحقيقة الجماعة – الأمة فهي وحدها التي تتكفل بحمايته، طالما اتبع تعاليمها ولم يتكلم باسمه إنما وفقا لدينه كما تم تلقينه بالضبط، أي أن عليه ان ينكر نفسه وذاته، لصالح دينه.. وإلا فسيلاقي الأمرين. التخلي عنه
معنى هذا ان على ما يسمى بيننا مواطن كذبا، أن يبحث بلا جدوى، عن حياته ونفسه طوال العمر، ليس هذا فقط، بل عليه أن ينكرها.. هذا إن وجدها أصلا!.
المفهوم الديني للدولة
هناك نظريتان عن هذا المفهوم تقود كل منهما سلفيتان إحداهما أكثر تعصبا من الأخرى، هما الحاكمية ولاية الفقيه
وكلاهما لم تأت بجديد على القديم الذي عادا إليه، مجرد نقل نموذج الخلافة القروسطي القديم، وتركيبه كيفما اتفق على الشكل الحديث لدولة القرنين 20 و21.
وهذا النموذج بالمناسبة لم يكن إسلاميا، إنما ساسانيا، اختلطت فيه قيم القبيلة مع نظام الدولة الساسانية القديمة، والقانون الروماني، فأنتج دول قريش..
فضيحة هذين التوجهين وضحالة مشروعهما الفكرية أثبتته العقود الأخيرة، فلم يقدما أي مقاربة اجتماعية واقتصادية، تتلاءم مع واقع العالم المعاصر، والعلة هي في التراث الديني المتزمت الذي خلفه فقهاء وكهنة العهود الغابرة، لأن الإسلام ليس كالمسيحية، ولد دولة مباشرة، فبقي نموذج الدولة مطابقا لنموذج الدين، وأصبحا لعنة قاتلة لبعضهما البعض في كل زمان ومكان،
تحولا إلى قوقعة متحجرة، قذفتها امواج التاريخ المدماة على ضفاف عالم مختلف تماما،
هذه القوقعة تعيش مأزقا قاتلا، نابعا من جوهرها، فلا هي تستطيع لمس أي شيء فيه، لتغييره ولو قليلا، ولا هي قادرة على النجاح في تغيير أشكالها وألوانها من الخارج، وبما يتلاءم مع العصر، فشلت فشلا ذريعا في هذا.
المسيحية وحدها، استطاعت حتى الآن تقديم صورة معقولة، لأنها لم تظهر كدولة، ولم تضع شريعة خاصة بها، هكذا استطاعت ان تشكل أحزابا علمانية مسيحية، وحتى مادية.
مشكلة الإسلام بإسلامييه الكبرى مع العالم العلماني الذي أصبح الجميع شاؤوا أم أبوا جزءا منه، إنه دين شبه علماني، ولكن على نمط القرون الوسطى كما اشرنا لذلك في الحلقة السابقة، الأمر إذا ليس في قبوله العلمانية أو رفضها، فهذه قضية انتهى نقاشها، إنما في رفضه الاعتراف بضرورة ابتكار خطاب إسلامي متصالح مع العصر العلماني الذي نعيشه وبمنجزاته كافة، هذا الرفض المستمر، يجعل الفرد المسلم، يعيش اغترابا مزدوجا، فلا هو مقيم في العصر الذهبي المنقرض للإسلام، ولا هو مقيم في العصر العلماني الذي لم يعد ممكنا إنكاره، كما يقول الفيلسوف الكندي المعاصر تشارلز تايلور. ا
ما أريد قوله إن توجيه الاتهامات للعلمانية بأنها ملحدة وضد الدين، لم تعد لائقة لأي شخص يحترم نفسه وغيره، العلمانية ليست تهمة إنها واقع نعيشه يوميا ولا نستطيع الحياة بدونه، الله في هذا العصر لم يعد كائنا نجد آثاره اينما ذهبنا، بل على العكس، بات يجري إفراغ العالم منه لحظيا، وليس يوميا، كل ضغطة زر على موبايل سمارت فون هي عملية إبعاد مقصودة لهذا الإله عن عالمنا، وهي عملية لا يمارسها الملحدون طبعا، إنما المؤمنين أيضا ..ولكن لا يشعرون!
وهذا يؤكد قول ابن تيمية ويوافقه أغلب الكهنة تقريبا “من قال في القرآن برأيه، فقد تكلف ما لا علم له به،..فهو في النار، وإن وافق حكمه الصواب”، أي أن كل شيء يأتي من خارج هذه الخيمة مرفوض سلفا، فلا حق لأحد أن يقرأ الكتاب الذي نزل للناس جميعا، بطريقته، إنما بالطريقة التي حددها الفقهاء فقط، عليه لذا أن لا يفكر أيضا في فهم ما يقرأ لأنه سيخطئ على كل حال حتى لو أصاب!
أي لا حاجة للبحث عن الحقيقة، عبر الفكر لاكتشاف الواقع، هي موجودة مسبقاً في النص الديني وفي تأويله الذي يحوز الإجماع. فلا وجود لأفراد إذن إنما قطيع يسير خلف راعيها وكلابه الحارسة.
وهناك خلط بين الحرية والديمقراطية والعلمانية والليبرالية والاخيرة فلسفة كاملة تتبنى الحرية الإنسانية والاقتصادية
الموضوعية والذاتية .. والواقعية والعقلانية والوضعية “وهي نفعية”
خلط أيضا بين الوطنية والقومية
هناك خلط بين الدين والطائفية، الدين انتهى قبل الرأسمالية، أما الطائفية فهي ظاهرة رأسمالية في المجتمعات المتخلفة وبينهم علمانيون !
الطائفة تستخدم لحشد الدهماء وهي براغماتية جدا، وتعقد صفقات مريبة جدا، وغير إسلامية بالمرة
أما مفهوم الثورة فأصبح يوضع أينما كان ..كالطماطة.. ولا يعرف احد ما الفرق بين التمرد والاحتجاج والعصيان والانتفاضة الخ
ومن شروط الثورة، وجود نظرية ثورية، وجود احزاب وتحالفات وبرامج وادوات، وقيادات، وتستلزم ثورة مضادة، البعض يزعل لما نقول لا وجود لثورة سورية، أو مصرية او عراقية الخ
حتى كلمة سياسة لا وجود لها فعلا بيننا كعرب.. انه علم، ما زلنا بأغلبيتنا لا نفهمه حتى الآن
أيضا الصراع والنزاع ، النزاع بين جهتين زوج وزوج وعشيرة مع اخرى.. ولكن الخلط مقصود، فهل هناك صراع فلسطيني اسرائيلي أم نزاع؟
وماذا عن المجتمع ..فهل لدينا مجتمع فعلا؟ أم أننا ما زلنا ملل وجماعات؟ كلا لا وجود لمجتمع حقيقي لدينا، فلو كان موجودا، لشكل دولة وجيشا.. ولكن ما حدث بيننا عكس هذا تماما، أي تشكلت دول وجيوش، باتفاق بين الفرنسيين والانكليز، وقامت هذا الدول بتشكيل ما يسمى مجتمعات ودول مفرغة من المعنى
إسلاميا هناك خلط بين مفهومي الدين والدولة
وهذا ما فعلته نوعا ما معظم الحركات الإسلامية الأصولية منذ ظهور فكرة الحاكمية للمودودي وتبنيها من قبل الأخوان المسلمين وانتهاء بداعش وغيرها، فضلا عن فكرة ولاية الفقيه الخمينية، ولدى جميع هذه الحركات بقيت الأمة الدينية هي وحدة التحليل الأساسية.
تاريخيا كان التنظير السياسي الإسلامي فقير جدا وخاصة في موضوع مفهوم أو “نظرية الدولة”. وكانت كلها تدور حول مفاهيم الشورى والخلافة وهي مفاهيم غامضة وتحتمل كل احتمال، وطالما استثمرتها الحركات الإسلامية.
وهذا الخلط مفتعل، لأن مفهوم دولة الخلافة لم يتأسس بوحي من القرآن والسنة، لكنه نشأ وتأثر بالتقاليد الثقافية السائدة في الأقاليم التي فتحها المسلمون، التي حددت علاقة الدولة بالمجتمع، واستمرت مع الإسلام، واتبعت في النهاية نموذج الدولة الساسانية الفارسية، التي يقودها حاكم مطلق.
فضلا عن التأكيد الدائم على أولوية الوحدة السياسية، وهي اولوية تقوم على ما اسميه ثقافة الاجتناب التي ما زلنا نطبقها حتى الآن، وأعني تجنب إثارة المواضيع الخلافية واعتبار جميع الصحابة على الحق، بسبب أحداث الفتنة الكبرى، رغم انهم قتلوا بعضهم بعضا وبلا هوادة بعد وفاة الرسول
وما يتحدث عنه الإسلاميون الآن عن أن الإسلام دين ودولة، هو خرافة اصطنعها الفقهاء أيام خلافة العباسيين، حين بدأ التدوين الذي شمل الفقه، وقد تحوّلت آراء الفقهاء السياسية والفقهية آنذاك وبرعاية الخلفاء إلى ما يشبه “الشريعة المُقدسة”، الصالحة لكل العصور، وبمعزل عن الشرط الاجتماعي-السياسي المتغير عبر القرون.
تحديث 7-10-2022: مهم جدا/// أي أن الدين جرى ابتكاره لاحقا لكي يكون أساس الدولة التي لم تكن موجودة زمن محمد، وهذا تطلب وجود حديث وخرافات.. الفكرة أن الاسلام لم يكن موجودا زمن الرسول ككلمة بل كمحتوى ومضمون أيضا. فكل ما جرى هو عملية توليد وإنتاج الدين الجديد.. السؤال الأخطر هو لماذا ظهرت الحاجة لاختراع دين جديد؟ ما الي كانت تاني منه الأديان القديمة؟
1- انها تشوهت وجرى تحريفها .. فعلا/ فقد مالت المسيحية و”اليهودية” للتراث اليوناني والروماني فانحرفت، فيما مالت المسيحية الشرقية في مناطق فارس، إلى تكفير العرب ودياناتهم القديمة. واعتبارها وثنية ومتخلفة. المسيحية الغربية سقطت حتى لغويا تحت تأثير اللغات الغربية، فيما تبنت المسيحية الشرقية السريانية كلغة خاصة بها. واعترفت بها فارس.
من حارب الاثنين وكان محسوبا على المسيحية الشرقية ..هو الذي وجد نفسه عاجزا عن تقبل النموذجين الموجودين. لهذا كان ظهور دين جديد مسألة مصيرية. فكان الإسلام.. ومثل أي وليد منافس جديد كان إنكار أصله مسألة حياة أو موت..فلتخترع اغرب القصص والحكايات.. المهم أن لا تتبقى آثار للجرية
كان هناك اختلاف حول مفهوم “الأمة” وعلاقته بالعصبية، أو الإثنية، أو اللغة، لكن الفقهاء؛ منحوه قيمة أيديولوجية بربطه بالعقيدة، مع توظيفه لنشر الدعوة الإلهية، حيث أصبحت سلطة الخلافة السياسية أداة لنشر دعوة الامة، وتطبيقها عنوة على المجتمع،
أما غاية الدولة ومسؤوليتها فكانت تحقيق “العدالة”، التي يسهر عليها الخليفة، وهي مسؤولية شكلية لا يحاسب على الإخفاق فيها الخليفة بأي شكل.
هكذا احتكرت الدولة الدين كما تحتكر بقية الموارد الاقتصادية للمسلمين آنذاك، ولصالح طبقة من علماء الدين الذين احتكروا بدورهم تفسير النصوص الدينية، وفيما يصب في الدفاع عن سلطة الدولة على الاقتصاد والمجتمع.
وهنا يختلف الإسلام عن المسيحية، فبينما تدخلت الكنيسة في شؤون الدولة، كطرفين مختلفين ادى في النهاية إلى فصلهما تماما، كان الدين في مناطقنا ملكية خاصة للدولة، وتفعل به ما تشاء رغم أنف المجتمع”.[3]
وأنوه إلى أننا سنقدم حلقة عن مفهومي الدولة والسلطة
مفهوم الوطن
الدين لا يحمي الوطن ولا المواطنين.. إنما يحمي نفسه فقط: هكذا يقول التاريخ
الوطن مفهوم حديث، لا يعرف الناس معناه الذي نعرفه الآن، كانوا يعرفون الأرض، أي المساحة الجغرافية التابعة لنفوذ هذا الحاكم أو ذاك، وبما أن الاديان من مخلفات الماضي وترفض التطور والتغير فأنها لا تعترف بالوطن والأوطان.. ليس لأنها أديان، بل لأنها نتاج بارادايم مختلف فات زمانه، هو وأهله، ولم يعد مناسبا لعصرنا، كان السياق الفكري العام لجميع الناس لا يتخيل عالما لا إله فيه، وما يعنيه ذلك من محاولة الناس تنفيذ مشيئة ربهم قدر استطاعتهم، أي أنهم كانوا يتشبهون بنموذج مثالي، ويطمحون للوصول إليه، كيف؟ بمقاومة غرائزهم وتحقير أنفسهم وتجيير كل طاقاتهم لخدمة الآلهة وكهنتها.. كان الهدف الانضواء والانسحاق الكامل امام الآلهة..
لأن الوطن على صلة بالأرض وهي مكروهة دينيا، إنها محطة عابرة باتجاه السماء.. لهذا لا وجود لمواطن أو خائن في الدين، إنما مؤمن وكافر، لا معنى لشهادة
ولكن السؤال لا يتعلق بالدين الصحيح، او تطبيقه، إنما هل هذا ممكن، أي هل من الممكن ان تتحقق احلام المؤمنين باستعادة حكم الدين، صحيحا كان أو غير صحيح؟؟
الجواب يتطلب قراءة للواقع، وهذا ما لا يفعله الحالمون بالدين.. إنهم يرون حجم تأثيرهم على المجتمعات والدول ويعتقدون ان هذا كاف .. وهو الأمر
من سأل هذا السؤال؟
التوحيد أو الواحدية أي الطغيان في كل شيء هو قانون الحياة العربية، منذ يوم السقيفة أي منذ أول يوم لنشوئها سياسياً، وإلى الآن وهذا أدى لما نراه دائما في واقعنا:
1- بأن تكون البلاد وشعبها تابعة لمالكها ومختطف أمرها أيا كان لقبه أمير أو رئيس أو إمام وليس العكس
2- فكرة الوطن لم يعد لها وجود فعلي، هناك نظام يقوده إمام، وعلى الجميع اتباع دينه، وفق مبدأ اسلم تسلم.. وإلا !
2- لا حاجة بعد الآن لسجون.. اقتل فورا
الوطن مفهوم تعددي، أي أنه يقبل بوجود الآخر. ولو كان مختلفا عنا. وغاية السياسة والسلطة السياسية، جعل هذا التقبل قبولا.
فكرة التسامح تتعارض مع جوهر هذا القبول وليس التقبل، ددية، لذا نطالب بوطن فهذا معناه قبولنا بوجود آخر مختلف عنا، ولا يحق لنا عندئذ اتهامه بالاختلاف، كما يحدث حاليا، كان تقول لشخص ما انت شيعي أو سني أو علماني الخ ..فهذه ليست تهمة، إلا في المجتمعات الواحدية المغلقة، وهي مجتمعات متخلفة غالبا.
المنفى هو غياب الوطن، وهذا لا يعني إن هذا الغياب مشروط بحدود المكان، فقد يكون الغياب داخل جغرافيا الوطن نفسه، والمفارقة تكمن هنا، وهي أن العقائد التي تهيمن على واقعنا وتاريخنا، لا تجد وطنا في قاموسها، هناك دين قومية او اشتراكية او ما شابه، أي أنها تناضل لتحقيق وبناء فكرة، وليس وطن، الوطن مفهوم حديث، لكنه ليس فكرة فقط، إنه بحاجة لجغرافيا لكي يتحقق فيها، ولو القينا على خطاب معظم حركاتنا الفكرية والسياسية لوجدنا انها عابرة للجغرافيا، بل ربما عابرة للواقع باتجاه السماء السابعة..!!
الطغيان الديني والسياسي في حياتنا العربية دمر معايير المواطنية والحرية والعلاقة مع الآخر، والتي كانت اصلا هشة وفي طور النمو، والغريب أن هذا التدمير متوازيا مع تغير مضمون فكرة الوطن نفسها عالميا، فلم يعد الوطن حيث الولادة والعائلة، بل حيث الحرية والعمل. أصبح المنفى مكاناً يبعث الطمأنينة ويتيح فرصا لا نهائية لممارسة ما نشاء بحرية وإبداعية.
الدين الشمولي، لا يرفض فكرة الوطن فقط، بل إنه يزرع داخل نفوس المؤمنين به، جذور المنفى الدائم، هو لا يحترم الاماكن ولا الجغرافيا، يعرف جغرافيا الجنة والجحيم أكثر بكثير مما يعرف عن جغرافيا الواقع الذي يعيش فيه، يعرف مكانا مقدسا ليس بصفته جزءا من هذا العالم، إنما بصفته، مكان يرتاح فيه من غربته، محطة انطلاق وهمية إلى عالم آخر، كامن في الغيب..
هكذا يخترع الدين المنفى ويحارب أي فكرة لصناعة وطن، الوطن يخرج المؤمن من غربته، ويجعله يعيش الواقع كما هو، وبما فيه من “مخلوقات” مختلفة عنه،
تريد إغاضة مؤمن متعصب؟ دعه يعيش في بلد علماني أي في وطن وبين مواطنين، سيعاني كثيرا وسيعيش منفاه مضاعفا
الوطن مفهوم علماني بالضرورة، وهو أخطر على الدين واي عقيدة من الإلحاد والعلمانية نفسها.
فهو ينطوي بالضرورة على بعد أيديولوجي
والمفارقة لا تنتهي هنا، كل مؤمن يعيش المنفى مضاعفا المنفى إذاً، موجود ليس داخل بالنسبة إليّ ليس في الخارج، وإنما هو في الداخل. ولم يؤثّر في منفاي تغيير الأمكنة. وبما أنّ المنفى، بالنسبة إليّ، ليس مسألة جغرافية، وإنما هو مسألة ثقافية، فإنّ العلاج، إذاً، لا يجيء من خارج، بل من الداخل. والسؤال هو نفسه: ماذا أفعل داخل ثقافةٍ أشعر بأنني منفيّ فيها ومنها؟
النظر الواحدية التوحيدية السائدة للحياة والإنسان، تقود المجتمع العربي، وهي التي تؤسس لوجوده. وهي تمنع الإنسان من التطلع حوله حيث يعيش ويمارس نشاطه، لا حاجة لذلك، لأن وظيفة المؤمن، أن يكون عبدا صالحا وليس إنسانا صالحا، وليس من واجبات العبد الكشف عن حقائق جديدة، إنما شرح الحقائق التي أُوحِيت الى خاتم الأنبياء، وبُلّغت في رسالة سماوية هي خاتمة النبوّات. الادعاء بوجود حقائق أخرى، كفر بواح وباطل شرعا وحكماً.
أي أننا لا نحتاج التأمل في المستقبل حتى لو اكتشف الإنسان علوما ومعارف جديدة، نحتاج فقط مراجعة الماضي الذي قال كل شيء على لسان الوحي.
لا توجد ثقافة ولا علوم عدا علوم الدين، أما العقل فيكتفي بالنقل وإبراز الكامن في النصوص، والمبالغة في إطرائها وتحسين طرق نشرها وترسيخها في النفوس والعقول، العقل قاصر ومحدود وعليه أن يكتفي بدور الخادم.
المستقبل طريق لن يؤدي بنا إلى الكمال، يجب التوجه نحو الماضي حيث لحظة الوحي ففيه مستقبلنا.