واشنطن بوست: لماذا لا يوجد تحالف لمواجهة إيران؟
مترجم عن?Why isn’t there an anti-Iran allianceللكاتب F. Gregory Gause III
8 يونيو,2015
تقاتل السعودية في اليمن، وتدعم «المتمردين» في سوريا، في محاولة منها لمواجهة النفوذ الإيراني. إن الجهود السعودية الحثيثة يمكن تمييزها عن أحد أهم العناصر المفقودة في الشرق الأوسط، ألا وهو الافتقار إلى حليف إقليمي قوي في مواجهة إيران؛ ويمكن تفسير عدم وجود مثل هذا التحالف بما يصفه أستاذ العلوم السياسية راندال شويلر بأنه «اختلال في التوازن»، ويعني عجز الدول وافتقارها إلى الإرادة على تشكيل نوع من التحالف المضاد الذي يُحدث توازنًا في القوى بين الطرفين.
ما من شك أن إيران هي الفائز الوحيد في الاضطرابات التي تضرب المنطقة، فهي اللاعب الأكثر تأثيرًا في السياسة العراقية، إذ أنها تحتفظ بعلاقات وثيقة مع حكومة العبادي، وترعى، إن لم تكن تتحكم في عدد من المليشيات الشيعية، وتحافظ على علاقة تعاونية مع حكومة إقليم كردستان. كما كان دعم إيران جوهريًا في الحفاظ على نظام الأسد في دمشق، ويظل عميلها حزب الله القوة المهيمنة على الساحة السياسية اللبنانية. ورغم أن علاقة طهران بالحوثيين ليست بمتانة علاقتها بحزب الله أو المليشيات العراقية، فإن نجاح الحوثيين في اليمن يعزى إلى الشعور الإقليمي بأن لإيران يدًا في الأمر.
وقد فشلت كافة الجهود الإقليمية لمواجهة إيران حتى اليوم، سواءً كانت تلك الجهود هي الدعم السعودي والتركي للمعارضة السورية، أو تمويل السعودية تحالف الرابع عشر من آذار اللبناني وتقديم المساعدات العسكرية للحكومة اللبنانية، أو الحملة الجوية السعودية الحالية ضد الحوثيين.
استنادًا إلى منطق توازن القوة وبديله “توازن التهديد”، كان يجب أن تشهد المنطقة تحالفًا سعوديًا تركيًّا إسرائيليًّا في مواجهة إيران. فتجميع المصادر يبدو منطقيًّا بما أنه لا يمكن لدولة بمفردها مجابهة القوة الإيرانية. يبدو أن كلا من إسرائيل والسعودية تُعرِّفان إيران على أنها الخطر الأكبر الذي يتهددهما، وعلى الرغم من أن تركيا لا تنظر من نفس المنظور تجاه إيران، إلا أنها لا تزال قلقة حيال تمدد النفوذ الإيراني الإقليمي. ويبدو التفاهم السعودي التركي منطقيا للغاية من الناحية الطائفية مما جعل الكثيرين يعتقدون أنه يحرك السياسة في المنطقة، حيث إن كلتا الدولتين سُنيتان.
إن أكبر عائق أمام تحالف موسع كهذا ليس الولايات المتحدة، إذ أن واشنطن تود أن ترى النفوذ الإيراني وقد جرى احتواؤه، حتى رغم مفاوضاتها مع طهران على برنامجها النووي، وهي بالكاد تقف في طريق تشكيل تحالف إقليمي في مواجهة إيران. وحتى إذا كانت هناك معارضة أميركية لمثل هذا الحلف، فإن كلا من تركيا والسعودية وإسرائيل لا يتلقون العظات من إدارة أوباما هذه الأيام.
إن السبب الرئيسي في اختلال التوازن في مواجهة إيران يمكن العثور عليه في عالم الأفكار، ببساطة، لا تمثل إيران تحديًا للقوة لجيرانها العرب فحسب، بل هي تمثل أيضًا تحديًا لشرعية أنظمتهم السياسية الداخلية عبر رفضها لفكرة الملكية ودعمها الكبير للرعايا الشيعة في تلك الدول، كما أنها ترفض قبول قيادة أميركا للنظام الإقليمي الذي يسود منذ نهاية الحرب الباردة، وهكذا، فهي تتحدى بشكل مباشر السياسة الخارجية للعديد من جيرانها.
فضلا عن أن الأعضاء المحتملين في حلف لمواجهة إيران لا يتشاركون في الأفكار حول الكيفية التي يجب بها تنظيم السياسة في المنطقة، ويشعرون بالقلق من التعاون مع بعضهم البعض. تمثل السعودية وتركيا نموذجين مختلفين للغاية للأنظمة السياسية داخليًّا. فالسعودية تدعم الملكيات وتقمع الإصلاحات الديمقراطية داخليًّا وخارجيًّا.
أما تركيا وفي ظل حكم حزب العدالة والتنمية، فقد دعمت إصلاحات ديمقراطية إسلامية في العالم العربي، وذلك عبر دعمها لجماعة الإخوان المسلمين تحديدًا.
وفي المقابل، تسير إسرائيل على استحياء وفق مشروع استعماري في الضفة الغربية مما يجعلها ملعونة في نظر الرأي العام في العالم الإسلامي.
لا يعتبر الشرق الأوسط منطقة متعددة الأقطاب من ناحية القوى فقط، بل هو أيضًا متعدد الأقطاب أيديولوجيًا.
يقدم أستاذ العلوم السياسية مارك هاس إطارًا لفهم يعتبر المناطق التي تشهد تنافسًا بين أيديولوجيات سياسية مختلفة عرضة لاختلال في التوازن، يقول هاس إنه في النظم التي تتميز باستقطاب أيديولوجي، يميل الحلفاء إلى اتباع الاتجاه الذي يمثلهم أيديولوجيا (الناتو في مواجهة حلف وارسو)، والبحث عن الاستقرار الشديد، إلا أنه عندما تكون هناك أيديولوجيات مختلفة في المنطقة، سيتجنب قادة الدول التحالفات التي تبدو منطقية من وجهة نظر القوة لأنهم يمقتون ويخشون الموقف الأيديولوجي للحليف المحتمل، مثال على ذلك ما حدث في الثلاثينات في أوروبا، حيث لم تكن الديمقراطيات الغربية والاتحاد السوفيتي على استعداد للتحالف لمواجهة القوة المتنامية لألمانيا النازية.
إن نموذج هاس للاستقطاب الأيديولوجي ينطبق على الشرق الأوسط تمامًا، ولا يقتصر الأمر على تقديم الإيرانيين والسعوديين والأتراك نماذج سياسية تتعارض مع بعضها أمام جيرانهم، ولكن تنظيم الدولة الإسلامية تضيف نموذجًا آخرًا للخليط. فهو يقدم نسخة معدلة من السلفية الجهادية التي تتشارك مع السعودية نموذجها للإسلام المتشدد، والرفض الإيراني للنظام الإقليمي القائم وشعبية حزب العدالة والتنمية السني، إلا أنه يمثل تهديدًا مباشرًا للدول الثلاث. وهذا الاستقطاب الأيديولوجي يضع عقبات كبيرة أمام ما تعتبره القوة الطبيعية تحالفات منطقية.
يبدو السعوديون غير متيقنين بشأن من يمثل التهديد الأكبر بالنسبة إليهم، إيران أم الدولة الإسلامية. وما يبدو أنه تحالف سعودي تركي منطقي لمواجهة إيران يعيقه مخاوف السعودية من أن النموذج الديمقراطي التركي سيقوي شوكة الإخوان المسلمين في العالم العربي. وبينما يحاول السعوديون التصدي للنفوذ الإيراني، فقد أعلنوا أيضًا أن جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية. وقد تحالفت تركيا مع قطر، التي هي لاعب آخر في المنطقة راهن على الإخوان المسلمين، لدعم المعارضة الإسلامية في مواجهة الأسد، ولكن يبدو الآن أن هذا التحالف عالق بين مطرقة إزاحة نظام الأسد، وسندان الخوف من أن الدولة الإسلامية غدت تهديدًا أكبر للأمن التركي وأنقرة، التي حافظت على علاقات متوازنة مع إسرائيل، قد اختارت الآن إبعاد نفسها عن القدس لأسباب أيديولوجية وداخلية. ولم يتم الاعتراف برغبات بعض أصدقاء إسرائيل داخل أميركا برعاية حلف سعودي إسرائيلي لمواجهة إيران والدولة الإسلامية، حيث تخشى الرياض من إقامة علاقة مفتوحة مع حكومة نتنياهو بسبب المخاوف من عواقب سياسية داخلية من حلف كهذا.
إن تصورات التهديد الأيديولوجي التي تدعم العقبات التي تقف أمام تشكيل تحالف إقليمي ليست صعبة التغيير، لقد تطلب الأمر بعض الوقت، ولكن في نهاية المطاف تضافرت جهود الديمقراطيات الغربية والاتحاد السوفيتي في مواجهة ألمانيا النازية. ولكن ثمة مؤشرات قليلة على أن هذا التغيير ربما يكون قائمًا على قدم وساق في الشرق الأوسط. فملك السعودية الجديد سلمان يبدو أقل تركيزًا على التهديد السياسي الذي يمثله الإخوان المسلمون تجاه النظام السعودي عن تركيزه على إيران. وربما يشعر الرئيس التركي أردوغان أنه قد بات حاليا في عزلة إقليمية أكثر من ذي قبل. وقد أطلقت زيارته إلى الرياض في فبراير الماضي تكهنات من الجانبين من أن ثمة تغييرًا في النهج المتبع. كما أن السيطرة على إدلب من قبل تحالف من المعارضة السورية الإسلامية نهاية مارس الماضي ربما يشير إلى رغبة جديدة لدى عملاء السعودية وتركيا في سوريا للتعاون. وقد أعلن حزب الإصلاح اليمني، المنبثق عن الإخوان المسلمين في اليمن، مؤخرًا دعمه حملة القصف الجوي السعودي ضد الحوثيين.
تثير تلك الأحداث احتمالية أن يكون الملك السعودي الجديد بصدد إعادة تقييم لتصنيف سلفه للتهديدات التي تواجه إيران، مقللا من شأن تهديد الإخوان المسلمين لأمن النظام السعودي ومنفتحًا على احتمالية تشكيل تحالف تركي سعودي ضد إيران. وقد يثير إبرام اتفاق بين مجموعة 5+1 وإيران حافزًا إضافيًّا لتدشين تحالف ضد الحوثيين. وإذا ما قرر السعوديون والأتراك أن إيران تمثل تهديدًا أكبر لهم أكثر من أي لاعب إقليمي آخر، فقد ينتهي اختلال التوازن تجاه طهران. إلا أن نتيجة محتملة لمثل هذا التحالف ربما تفضي إلى مساحة أكبر للدولة الإسلامية وأتباع القاعدة داخل سوريا والعراق وأماكن أخرى. الأكثر من ذلك، أن الإفراط في المنافسة بين الأيديولوجيات المختلفة في الشرق الأوسط اليوم سيمنع تشكل تحالفات قوية ضد أي قوة إقليمية، وعلى الأرجح سيظل اختلال التوازن قائمًا إلى بعض الوقت.