في الوقت الذي بلغت فيه “ميشيل جاكسون” 34 عاما، كانت متهيأة لتشتري أول بيت لها، ولكنها لم تود أن تنفق ثروة كبيرة على ذلك البيت.
اشترت جاكسون شقة بغرفة نوم واحدة في ولاية كولورادو بالولايات المتحدة الأمريكية. كانت الشقة في الطابق الأرضي، وبلغت مساحتها (46 متراً مربعاً). وقد أزعجها أصدقاؤها كثيراً بسبب هذا الاختيار.
تقول جاكسون، التي تبلغ الآن 42 عاما: “كانوا يثيرون غضبي كثيراً لأنني اقتصدت بشراء تلك الشقة. لم يفهم بعض أصدقائي لماذا أردت منزلاً صغيراً كذاك. واجهت ضغوطاً من بعض أقراني بشكل لم أكن أتوقعه.”
إلا أن منزلاً أصغر ـ بما يتضمنه من خدمات واحتياجات أقل ـ وفّر لها حرية أكثر، وتقول: “لأن منزلي غير مكلف أبداً، فقد أحسست براحة أكبر لترك وظيفتي، التي مكثت فيها لعشر سنوات. فأنا أعمل الآن عملاً حراً. أشعر بالامتنان كل يوم عندما أتأمل الحياة التي أعيشها الآن نتيجة إختياري ذاك.”
ربما يبدو اختيار منزل أصغر وكأنه نزعة غريبة، فمتوسط مساحة بيوت العائلات الجديدة التي تباع في الولايات المتحدة الأمريكية هو 233 مترا مربعا.
أما في أستراليا، فمعدل مساحة البيوت الجديدة القائمة بذاتها هو 243 مترا مربعا. وفي الدانمارك، يبلغ معدل مساحة البيوت 137 متراً مربعاً. إن معظم الناس يشترون بيوتاً أرحب، وليس أصغر.
لكن توجهاً نحو البساطة في العيش قد بدأ يزداد قوة في الفترة الأخيرة. فالعيش في مساحة صغيرة تقل عن 46 مترا مربعا، أو في منزل قد تبلغ مساحته 33 مترا مربعا، أصبح اتجاها يجذب اهتمام الكثيرين إليه.
في منزل نموذجي صغير، يتمتع صاحبه بمساحة عيش ضيقة، أشبه ما تكون بـبيت متنقل (كرفان). وقد يشمل قاعة جلوس صغيرة، ومطبخ، وحمام في الطابق الأول. أما الطابق العلوي فيستخدم كغرفة نوم يتم الوصول إليه عبر سلم أو مدرج ضيق.
من المؤكد أن هناك منافع أخرى: مثل النفقات المنخفضة، والتأثير الأقل سلبية على البيئة، وقلة أعمال التنظيف والصيانة. إلا أن هناك أمور يجب أخذها في الاعتبار قبل إقحام نفسك بالعيش في منزل بسيط.
المتطلبات: بالنسبة للمبتدئين، ستحتاج إلى دراسة القيود المفروضة على المنازل الصغيرة جداً، والاستفسار عن أعمال التعمير الخاصة بتحويل مسكن ما ليكون أصغر بكثير من المعتاد. ثم، عليك التخلص من كثير من ممتلكاتك الشخصية.
إن الجانب السلبي للتنازل والحصول على عقار أصغر حجما، هو قلة المجال المتوفر لتخزين الأغراض المختلفة. وإذا لم تكن تعيش بمفردك، فذلك يعني أيضا قلة أوقاتك الخاصة.
كم تحتاج من الوقت لتتهيأ: غالباً ما يعني العيش في منزل بسيط أن يتم الانتهاء من تشييده. قد يستغرق ذلك ثلاثة أشهر إذا استخدمت بنّائين، أو عدة سنين إذا كنت ستبنيه بنفسك. أما إذا كنت ستشتري منزلاً أو شقة بسيطةً، فربما ستحتاج إلى ستة أشهر لتقليص ممتلكاتك كي تناسب المجال الأصغر المتاح.
ما عليك أن تقوم به الآن: حدد إذا كان الأمر ملائماً لك. إن نمط العيش في منزل بسيط لا يلائم الجميع. يقول مارك بيرتن، صاحب شركة “تايني هاوس يو.كيه” التي تصمم وتبني المنازل الصغيرة جداً: “قبل أن تعيش في منزل صغير، ينبغي عليك أن تدرك ما هو المهم بالنسبة لك ونمط حياتك.”
أما إذا كان مهماً لديك أن تدعو الأصدقاء إلى منزلك، وتنشر أغراض البيت هنا وهناك، فربما لن يناسبك العيش في منزل صغير.
تقول إلين ووكر، وهي من المتحمسات للعيش في منزل صغير، ومؤسسة موقع “تايني هاوس كوميونيتي” على الإنترنت: “أعتقد أنها تلائم بشكل مثالي أبناء جيل الألفية الذين بدأوا للتو حياتهم المهنية، ممن يعيشون على إنفراد أو كزوجين، أو للمتقاعدين. أعرف بعض الأسر التي تعيش في منازل بسيطة، غير أنها تبدو لي ضيقة نوعاً ما. أتصور أن العائلات تحتاج إلى مجال أرحب من ذلك.”
جرّب الأمر: تتيح شركة “إيربي.إن. بي.” المكوث في منازل بسيطة في الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، والنمسا، وإيطاليا، وجنوب أفريقيا، والسويد وحتى في تايلاند. كما أن هناك فندق “تايني هاوس” في ولاية أوريغون بالولايات المتحدة الأمريكية.
تقول إلين: “إنها وسيلة رائعة لضمان عدم إصابتك بصدمة. إن مجرد المرور بتجربة العيش في منزل صغير يمكن أن يساعد في إتخاذك قرار بما يعجبك وما لا يعجبك. جرّبه قبل أن تعاهد نفسك تماماً.”
راجع السلطات المحلية. إذا كنت تفكر في بناء منزل بمساحة قليلة جداً، وقبل الشروع في البناء، عليك التأكد من عدم مخالفتك لأنظمة تقسيم المناطق وقوانين البناء المحلية.
في العديد من الأحياء، يعتبر أي منزل صغير وحدة سكنية ملحقة بالبيت الأصلي، ولا يمكن بناؤه على أرض صاحبها أو أرض أخرى دون تحقيق متطلبات خاصة.
يقول بيرتن: “لا تندرج المنازل البسيطة ضمن أية فئة محددة، لأنها جديدة جداً في المملكة المتحدة. الطريقة الوحيدة للعيش في بيت بسيط، بقدر ما يمكنني القول، هو بناء واحد منها في حديقة منزل سكني، أو في عقار يخص الوالدين، واستعمال المنزل الصغير كملحق. ليس الأمر مستحيلاً طالما كنت تطبق القواعد المتبعة.”
هناك منازل بسيطة تقام فوق أربع عجلات (حيث يكثر تصميم أمثالها لكي يسهل نقلها). في بعض مناطق الولايات المتحدة الأمريكية، يمكن وضع هذه المنازل المتنقلة في مواقف السيارات الترفيهية فقط.
تقول ووكر: “إنها تعتبر من وسائل إقامة المخيمات، ولا يُسمح عادة بأن تقف هذه الوسائل على أراضٍ ذات ملكية خاصة. إذا ما رغبت في وضع أساسات لمثل هذه المنازل على أرض ما، ستحتاج عندها إلى إيجاد منطقة لا توجد فيها منازل ذات مساحات صغيرة، أو يوجد القليل جداً منها.”
على سبيل المثال، قد تطلب إحدى البلديات تشييد منازل جديدة بمساحة لا تزيد عن 93 مترا مربعا. غالباً ما يكون السبب هو الحفاظ على طابع المنطقة أو مظهرها.
تأمل ملياً في تصميم منزلك. بما أن المنازل الصغيرة تصمم (وحتى تُبنى) من قبل المالك، لذا يمكنك أن تفعل ما تريده في المجال القليل المتاح في منزلك البسيط.
إنها فرصتك لتبني منزلك الذي تحلم به، وبشكل مبسط. تقول ووكر: “إذا كنت تمارس هواية ما، عليك ببناء منزلك في المنطقة التي تمارس فيها هوايتك. من المهم أن تفكر في نشاطاتك المفضلة. يبني البعض خزانة للأحذية أو تكون لديهم خزائن خفية للأشياء التي يعتزون بها. عليك أن تحدد ما تريد أن تحتفظ به حقا.”
هناك العديد من التصاميم المتنوعة المتوفرة للمنازل البسيطة على مواقع الإنترنت، ويمكن تحويرها لتلائم المواصفات التي تريدها. كما يمكنك استشارة مهندس معماري أو مصمم خبير بالمنازل الصغيرة، هذا إذا لم تستطع أن تجد المخطط الذي تحبه.
ما عليك أن تقوم به لاحقاً: ضع خططاً كبرى. إحدى المنافع الكبيرة للعيش في منزل بمساحة صغيرة هو التحرر المالي الذي يرافق رهناً عقارياً بسيطاً، أو ربما لا شيء على الإطلاق، إذ تكلف البيوت البسيطة المشيدة بأيادي المحترفين ما بين 30 ألف إلى 50 ألف دولار أمريكي، حسب موقع “تايني هاوس كوميونيتي”. أما إذا بنيته بنفسك فقد يكلفك مبلغ 25 ألف دولار أمريكي أو أقل.
سيكون منزلك البسيط حافزاً قوياً لكي تتوقف عن قضاء أوقات طويلة في البيت. تقول ووكر: “ستود أن تصبح إجتماعياً أكثر.”
انجز الأمر ببراعة: كن على استعداد لتصبح متميزاً. “لا أظن أنها تلائم الأشخاص المهمومين بأمور الانسجام أو ممن يحبون إثارة المتاعب”، حسب قول ووكر.
وتضيف: “إنه شيء جديد نوعاً ما. الأنظمة واللوائح تتغير، وعليك أن تكون على استعداد للتكيف، وأن تكون من الرواد الذين يرتاحون (مع ذلك التوجه الجديد).”
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Capital.