قد تبدو الأرقام التي يوردها هذا التحقيق صادمة، لكن النتائج التي توثقها البيانات وعروض شركات الاتصالات العاملة في كل من العراق والأردن، تثبت أن (24 دولاراً) فقط تتقاضاها شركات الاتصالات في الأردن، تعادل (4230 دولاراً) تتقاضاها شركات الاتصالات في العراق مقابل العدد نفسه من دقائق الاتصال، فيما يعادل كل 70 سنتاً يدفعها الأردني ثمناً لـ (1) غيغابايت من الإنترنت، 7 دولارات يدفعها العراقي للحصول على السعة نفسها.
كما يثبت هذا التحقيق، عبر خبراء، أن الفارق بين أسعار الشركات العراقية والأردنية سيرتفع أكثر إذا ما أصرت الحكومة العراقية على قرارها استيفاء ضريبة مبيعات مقدارها 20 في المئة على أسعار بطاقات «الموبايل»، إذ سيدفع المواطن العراقي هذه الضريبة مرتين، الأولى لمصـــلحة خزينة الدولة، والثانية إلى الشـــركات التي ستـــحرص على تعويض خسائرها من تراجع المبيعات بأكثر من طريقة.
تحليل البيانات
يعتمد هذا التحقيق الذي أنجز وفق صحافة البيانات، في شكل أساس، على تحليل الأرقام والمعلومات الواردة في بيانات شـــركات الاتــصال العاملة في العراق (زين العراق، آسيا سيل، كورك تليـكوم)، والأردن (زين الأردن، أورانج الأردن، أمنية) وعروضها المقدمة في مكاتبها في العاصمتين، العراقية بغداد، والأردنية عمان، إضافة إلى البيانات والعروض المقدمة في مواقعها الإلكترونية على شبكة الإنترنت.
28400 = 5076000
هذه المعادلة صحيحة تماماً، وفقاً لما تثبته عروض شركات أورانج الأردن، وأمنية، وزين والأردن، وزين العراق، وآسيا سيل، وكورك تليكوم، وبواقع ثلاثة عروض لكل شركة.
فوفقاً لهذه العروض، يدفع المواطن الأردني أقل من 29 ألف دينار عراقي (17 دينار أردني = 24 دولاراً) للحصول على 47 ألف دقيقة اتصال، موزعة بواقع (30 ألف دقيقة) من شركة أورانج بسعر 8.4 دولار، و (12 ألف دقيقة) بسعر 8.4 دولار من شركة زين الأردن، و (5 آلاف دقيقة) بسعر (7) دولارات من شركة أمنية.
فيما يدفع المواطن العراقي 5.02 مليون دينار عراقي (4230 دولاراً) لشركات آسيا سيل، زين العراق وكورك تليكوم، للحصول على العدد نفسه من الدقائق، وفقاً لنظام التعريفة مقابل الدقيقة، وهو الخيار الوحيد المتاح أمام المشتركين في العراق.
لا معالجات
يؤكد خبراء اقتصاد وقانونيون، أن السبب الرئيسي في هذا الفرق الشاسع في الأسعار بين الشركات العراقية ونظيرتها الأردنية، يكمن في جملة عوامل من المرجح أنها ستستمر لوقت ليس بالقصير، وأبرز هذه العومل: انعدام المنافسة بين الشركات العراقية بسبب احتكارها لقطاع الاتصالات وفقاً للعقد الاحتكاري الذي وقعته هذه الشركات مع الحكومة العراقية عام 2007، وسيظل نافذاً حتى 2022، غياب الرقابة الفاعلة على عمل الشركات، عجز الحكومة عن ضمان حق المستهلك العراقي، عدم وجود شركة وطنية للاتصالات يمكن أن تنافس شركات الاتصالات من خلال تقديم أسعار أرخص، فضلاً عن توقف خدمة الهاتف الأرضي منذ عام 2003.
ففي الأردن، كما يقول الخبير الاقتصادي الأردني جواد عباسي، هناك رقابة فاعلة من جانب هيئة الاتصالات الأردنية تضمن حقوق المستهلك الأردني وحقوق الدولة الأردنية في الوقت ذاته، وهو ما يساهم في نشوء منافسة حقيقية لتقديم خدمات أفضل، تساعد الشركات في الحصول على أرباح تناسب وضعها في السوق الأردنية.
ويعتقد جميل أن احتكار العمل من جانب شركتين أو ثلاث، يتيح لها التحكم بالأسعار من خلال بروتوكولات تفاهم بينية، وهو ما يظهر جلياً من خلال التقارب والتطابق أحياناً في سعر التعرفة داخل العراق، خصوصاً أسعار شركتي زين العراق وآسيا سيل اللتين تستحوذان على ما نسبته 86 في المئة من المشتركين وبمجموع 27.5 مليون مشترك تقريباً.
ويتفق الخبير الاقتصادي العراقي باسم أنطوان مع جميل، فهو يعتقد أن لدى شركتي آسيا وزين العراق بروتوكول تفاهم ينص على تحديد الأسعار بالاتفاق، وهو أمر شائع بين الشركات التي تحتكر قطاعاً معيناً وتفضل عدم الدخول في منافسة شرسة في ما بينها قد تضر بأرباحها لمصلحة المستهلكين.
ويؤكد الخبير القانوني علي التميمي أن وفق القاعدة القانونية التي تنص على أن العقد هو شريعة المتعاقدين، وفي ظل عدم وجود بند ينص على حق الحكومة العراقية في فسخ العقد من طرف واحد، ستبقى هذه الشركات متحكمة بقطاع الاتصالات في العراق بالطريقة التي تخدم مصالحها، إذ لا يمكن الحكومة إلغاء هذه العقود مهما أوغلت الشركات في غبن حق المواطن، لأن هذا سيعرضها للمساءلة والمطالبة بالتعويض من جانب الشركات.
> أنجز هذا التحقيق بدعم من شبكة الصحافة الاستقصائية العراقية (تقصي)، وهو عمل مشترك مع النقابة الوطنية للصحافيين في العراق، وبإشراف محمد الربيعي.
للإطلاع على التقرير كاملا في جريدة الحياة اضغط هنا