من جهتها، تعبّر سلوى غزال (30 عاماً) عن استيائها من الواقع، إذ “ما من أفق واضح للمستقبل”. تقول: “بدأ الأمر بالبحث عن فرص عمل على الشبكة، قبل أن أجد نفسي وقد تعلّقت بها. البطالة هي وراء إدمان الإنترنت، الذي قد يكون وسيلة للهروب”.
وإدمان الإنترنت كأي شكل آخر من أشكال الإدمان، له أعراضه المتعددة وهو قد يدفع إلى العزلة وتغيّر في المزاج وتفكك في العلاقات الأسريّة، لذا وصّفه الأطباء المتخصصون في الأمراض النفسية والعصبية، بأنه مرض خطير لا بدّ من تشخيصه ومعالجته مبكراً.
سلطة وهميّة
يشرح الطبيب المتخصّص في الأمراض النفسية والعصبية، الدكتور دوري هاشم، أن “من أبرز سلبيات إدمان الإنترنت، ممارسة الإنسان سلطته الوهمية في عالم التواصل الاجتماعي. أي أنه بات بإمكانه التحكم في مجريات الأمور بعكس ما هي الحال في العالم الخارجي الواقعي. الأخير يتطلب كثيراً من الجهد للتواصل وليظهر المرء محاسنه حتى يتقبله الآخر”. يضيف: “إلى ذلك، يصبح طموحه في الحياة محدوداً، إذ يضيّع معظم وقته من دون فائدة على الشبكة، قبل أن يكتشف لاحقاً أنه إما يعاني من الوحدة إلى حدّ العزلة الاجتماعية، وإما من البدانة المستجدّة لاإرادياً، إلى جانب الشعور بالتعب من جهة وبالأنانية من جهة أخرى. هو يبحث عن أكبر عدد من المعجبين، في حين قد يرفضهم ساعة ما يشاء”.
ويتابع هاشم: “صحيح أن ثمّة إيجابيّة تكمن في تعزيز التواصل ما بين الناس، إلا أن الأنانية تبقى هي المسيطرة عند المدمن، قبل أن يصل به الأمر إلى الانهيار النفسي مع مرور الوقت وغياب أي تحفيز اجتماعي في الحياة اليومية. هو غارق في التركيز والتعلق بعالم من الخيال، إذ إن العالم الواقعي يزعجه نظراً لكثرة القيود الاجتماعية”. ويتخوّف هاشم من “ذوبان القيم الاجتماعية وسط الانحطاط الأخلاقي الذي وللأسف إلى تزايد”.
العائلة مهدّدة
من جهتها، تلفت الاختصاصية في علم النفس الدكتورة سمر حنا إلى أنه “بالرغم من إيجابيات الإنترنت وسرعة التواصل مع العالم الخارجي، إلا أننا نجد على سبيل المثال المرأة المتأهلة اليوم تترك أولادها وتتفرّغ للشبكة، بدلاً من الاهتمام بهم والعناية بشؤونهم”. تضيف أن “الأمر ذاته بالنسبة إلى الرجل شريكها في الحياة الزوجية، الذي ما إن يعود إلى المنزل بعد يوم عمل، حتى ينكبّ على تصفّح الإنترنت”. تضيف: “هكذا تتعطل لغة الحوار كلياً بين الشريكين وكذلك بين أفراد الأسرة ككلّ، بالتالي يصبح مصير العائلة مهدداً مع مرور الوقت، واختفاء الخصوصية أكثر فأكثر، وتدهور العلاقات الاجتماعية الواقعية، ومع تفضيل عالم الخيال الذي يودي ولا شكّ إلى العزلة والاكتئاب”.
وتؤكّد حنا على أن “كلّ شيء زاد بالمعنى نقص، فالتواصل الاجتماعي مهمّ عبر الإنترنت شرط ألا يصل إلى حد الإدمان وتهديد مجتمع بأكمله بأزمات نفسية معقدة”.