عرضت قناة ألمانية ساخرة نشرة أخبار افتراضية لعام 2018 يقدّمها سلفيّ متشدد، في محاولة للتعبير عن الجدل الدائر حول اللاجئين والهجرة إلى أوروبا
ثمن اللامبالاة تجاه مصير اللاجئين…تهاوي تراث أوروبا الإنساني
يبدو أن المناقشة بشأن الهجرة في أوروبا اتخذت منعطفاً مزعجاً للغاية. وقد بدأ الأمر بإنشاء المفهوم العام الشامل (الانفلات القانوني) للمهاجر، والذي يحجب الفارق، الذي يشكل أهمية مركزية في نظر القانون، بين الهجرة الاقتصادية والسياسية، وبين الأشخاص الفارين من الفقر وأولئك الذين أخرجتهم الحروب من ديارهم. وعلى العكس من المهاجرين الاقتصاديين، يتمتع أولئك الذين يفرون من القمع والإرهاب والمذابح بحق اللجوء غير القابل للتصرف، والذي ينطوي على التزام غير مشروط من المجتمع الدولي بتوفير المأوى.
وحتى عندما يتم الاعتراف بالفارق، فإن هذا يكون غالباً جزءاً من حيلة أخرى من حيل خفة اليد، في محاولة لإقناع أصحاب العقول الساذجة بأن الرجال والنساء والأطفال الذين دفعوا آلاف الدولارات للسفر على متن قوارب متهالكة تتحطم على شواطئ جزيرة لامبيدوسا أو جزيرة كوس هم مهاجرون اقتصاديون. ولكن الحقيقة هي أن 80 % من هؤلاء الناس لاجئين، يحاولون الفرار من الطغيان، والإرهاب، والتطرف الديني في بلدان مثل سورية، وأريتريا، وأفغانستان. ولهذا السبب يشترط القانون الدولي فحص حالات طالبي اللجوء بشكل فردي وليس في مجموعات.
وحتى عندما يكون ذلك مقبولاً، عندما يصبح من المستحيل بسبب العدد الهائل من الناس الذين يتكالبون على الوصول إلى شواطئ أوروبا إنكار الهمجية التي دفعتهم إلى الفرار، نجد ستارة دخان ثالثة ترتفع. فيزعم البعض، بما في ذلك وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، أن الصراعات التي تعمل على توليد المهاجرين تستعر فقط في البلدان العربية التي يقصفها الغرب.
هنا أيضاً الأرقام لا تكذب. فسورية هي المصدر الأكبر للاجئين، حيث رفض المجتمع الدولي إجراء ذلك النوع من العمليات العسكرية التي يتطلبها مبدأ “المسؤولية عن الحماية” -حتى بالرغم من أن القانون الدولي يجعل التدخل إلزامياً عندما يتعهد طاغية، قتل 240 ألف مواطن من شعبه، بإخلاء بلده. والغرب أيضاً لا يقصف أريتريا، وهي مصدر رئيسي آخر للاجئين
أساطير “أوروبا الحصينة”
وهناك أيضاً أسطورة أخرى ضارة، تديمها الصور الصادمة المروعة للاجئين وهم يحتشدون عبر السياج الحدودي أو يحاولون التسلق إلى القطارات في كاليه، ومفادها أن “أوروبا الحصينة” تتعرض للهجوم من قِبَل موجات من البرابرة المتوحشين. وهذا غير صحيح على مستويين.
فأولاً، أوروبا ليست المقصد الأول للمهاجرين. فما يقرب من مليوني لاجئ من سورية وحدها توجهوا إلى تركيا، وفر مليون منهم إلى لبنان الذي لا يتجاوز عدد سكانه 3.5 مليون نسمة، واستقبلت الأردن التي يبلغ عدد سكانها 6.5 مليون نسمة ما يقرب من 700 ألف لاجئ سوري. ومن ناحية أخرى، بادرت أوروبا، في استعراض لأنانية موحدة، إلى سلق خطة لإعادة توطين 40 ألفاً من طالبي اللجوء من المدن التي لجأوا إليها في إيطاليا واليونان.
ثانياً، من الواضح أن الأقلية الذين اختاروا ألمانيا، أو فرنسا، و/أو الدول الاسكندنافية، أو المملكة المتحدة، أو المجر ليسوا أعداءً جاءوا لتدميرنا أو حتى سرقة دافعي الضرائب الأوروبيين. إنهم متقدمون بطلباتهم للحصول على الحرية، إنهم عشاء أرضنا الموعودة، ونموذجنا الاجتماعي، وقيمنا.
إنهم أناس يصرخون “أوروبا! أوروبا!”، مثلهم كمثل ملايين الأوروبيين الذين وصلوا قبل قرن من الزمان إلى جزيرة إيليس، وتعلموا كيف ينشدون أغنية “أميركا الجميلة“.
ثم هناك الشائعة القبيحة التي تزعم أن هذا الاعتداء الوهمي تم تدبيره سراً من قِبَل المنظرين الاستراتيجيين لما يسمى “الإحلال العظيم”، حيث يحل أجانب محل الأوروبيين الأصليين، أو ما هو أسوأ من ذلك، من قِبَل عملاء الجهاد الدولي، حيث يتحول مهاجرو اليوم إلى إرهابيي الغد على القطارات فائقة السرعة. وغني عن القول إن كل هذا ليس أكثر من هراء:
المصدر :قنطرة