تتنامى في الفترة الأخيرة حالات الاعتداء على الأطباء في العديد من المدن العراقية. ويصل الأمر إلى تطبيق العرف العشائري “الديّة” على الأطباء في العديد من الحالات التي تصل فيها حالة المرضى إلى الوفاة. وهو ما يدفع الأطباء إلى اللجوء للقضاء لردّ ما يسمّونه بـ “الانتهازية” عنهم.
ويقول طبيب الأسنان عبد الرحمن الهاشمي لـ “العربي الجديد” إنّ الفوضى العارمة التي تعيشها البلاد، جعلت الأطباء عرضة لاعتداءات متكررة من قبل بعض المرضى الذين لا يأبهون بالقوانين. ويؤكد أنّ جميع الأطباء أعربوا عن استيائهم من هذه الظاهرة المتكررة التي لا يجدون لها حلولاً حقيقية. وينوّه إلى أنّ “مثل هذه الاعتداءات تجبرنا على مغادرة العراق أو السفر الى كردستان للعمل والإقامة هناك”. ويوضح أنّ وزارة الصحة تستهين بالطبيب وتتعامل معه بالانتقاص من قدره من خلال الرواتب غير المجزية، بالإضافة الى عدم دفع بعض المخصصات.
ويتابع الهاشمي أنّ زملاء له تعرضوا الى مثل هذه المضايقات والتهديدات من قبل بعض المرضى من أصحاب النفوذ في الدولة. كذلك فقد خطفت المليشيات المسلحة وقتلت الكثير من الأطباء. ويؤكد أنّ الأطباء يواجهون في مختلف مناطق العراق مطالبات مالية ضخمة عند وفاة المرضى يجري التعريف عنها باسم الديّة. فأهل المريض المتوفي غالباً ما يلقون باللوم على الأطباء في وفاته. ليجري من بعدها حلّ المسألة عشائرياً من خلال دفع مبالغ مالية ضخمة. ويشير إلى أنّ هذه “الظاهرة” انتشرت أخيراً إلى درجة دفعت بعض الأطباء إلى جمع مبالغ مالية في صندوق خاص بالديّات تلك.
من جهتها، أعلنت المحكمة المتخصصة بدعاوى الاعتداء على الأطباء عن تزايد أعداد مراجعيها. وأرجعت ذلك إلى ثقة الأوساط الطبية بما تصدره من قرارات. كما دعت وزارة الصحة العراقية في وقت سابقاً السلطة القضائية الاتحادية إلى توسيع مهام المحكمة لتشمل مختلف أصحاب المهن الطبية.
وقال قاضي دعاوى الأطباء حسام السوداني إنّ “القضاء العراقي ارتقى بمهنة الطب من خلال تشكيل محكمة تحقيق متخصصة بدعاوى التهديد والاعتداء على الأطباء”. وأضاف أنّ “استحداث هذه المحكمة جاء حماية لهذه الشريحة من الاعتداءات، لا سيما ذات الطابع العشائري بوصفها أفعالاً لا تتفق مع القانون”.
كما أوضع أنّ “القرار جاء بناء على ما عرضته وزارة الصحة استنادا إلى أحكام المادة 35 من قانون التنظيم القضائي 160 لسنة 1979، وبدلالة أحكام القسم السابع من الأمر رقم 12 لسنة 2014”.
وأضاف أنّ “محكمة الأطباء تشجع الطواقم الطبية المهاجرة خارج البلاد، على العودة إلى العراق من أجل ممارسة عملهم وتوفير الضمانة لنجاح مهامهم”. وفيما شدد على أنّ “محكمة تحقيق الأطباء تختص بالنظر في ملفات الاعتداء على الأطباء حصراً أثناء تأدية مهامهم”، ذكر أنّ “دعاوى الأخطاء الطبية والأدوية الفاسدة وغيرها من الملفات تدخل ضمن اختصاص المحاكم الأخرى”.
بدورها، اعتبرت وزيرة الصحة العراقية عديلة حمود وجود قضاء متخصص للأطباء “حالة جيدة بعد أن خسرت المستشفيات العديد من الأطباء وذوي الخبرات العالية بسبب الاعتداء عليهم”. وأضافت أنّ القرار تمّ وفق المطالبات المستمرة لوزارة الصحة بضرورة إيجاد ما يعزز دور هذه الشريحة وقيامها بأداء واجبها الإنساني تجاه المواطنين”.
ولفتت حمود إلى “نيّة الوزارة مفاتحة السلطة القضائية بتوسيع مهام عمل المحكمة لتشمل ذوي المهن الطبية لأنهم يتعرضون الى المخاطر نفسها التي يتعرض لها الأطباء من اعتداءات مختلفة”.
كما أعربت عن أملها في أن “يتحلى المواطن بالمسؤولية عند مراجعته الدوائر الطبية، ومساندة الأطباء في عملهم والابتعاد عمّا يشكل مخالفة قانونية”.
يغادرون إلى كردستان
تؤكد نقابة الأطباء في ديالى (شرق العراق) أنّ أكثر من 140 طبيباً رحلوا عن المحافظة خلال الأعوام الماضية، بسبب استمرار التجاوزات والاعتداءات التي يتعرضون لها إلى جانب الأعراف والحرمان من الحقوق. كما تشير مصادر في مستشفى بعقوبة العام في ديالى إلى أنّ عدداً من أطباء الاختصاص غادروا باتجاه إقليم كردستان. كما ينوي آخرون المغادرة إذا استمر الوضع على ما هو عليه