الغدير ليس عيداً وطنيا … ولا السقيفة
صائب خليل
مرت قبل أيام ذكرى “يوم الغدير” وعطلت المحافظات الشيعية فيه وتم تبادل التهاني، والتي شارك فيها مسؤولون سنة ايضاً، مثل الأستاذ عبد الرحمن اللويزي. وإلى هنا يبدو الأمر إيجابياً، لكن الدعوة لاعتبار المناسبة “عيدا وطنياً” وعطلة شاملة هو أمر يثير علامات استفهام يجب الوقوف عندها، عند كل من يضع مستقبل وطنه امامه كهدف أساسي وكبير، إن لم نقل الأكبر.
كتب بسيم محمد مصطفى متسائلا عن النائب عن “كتلة المواطن”، محمد اللكاش الذي لم يجد موضوعا يثير اهتمامه مما يمر به العراق من اخطار:” قرأت أن هذا الكائن يقوم بجمع التواقيع في البرلمان.. لأجل ماذا يا ترى؟ رفض التقسيم؟ التصدي لقبول قروض صندوق النقد الدولي؟ اتخاذ موقف حكومي رسمي ضد محاولة تركيا حرمان العراق من حقه في المياه بعد تدشين سد أليسو؟.. ليكتشف بسيم أن اللكاش جمع 100 توقيع لاعتبار عيد الغدير عطلة رسمية…
وأشار بسيم إلى دعوة النائبة عن حزب الفضيلة علا عودة الناشي قبل عام لـ “ضرورة اعتبار “عيد الغدير” ضمن الأعياد والمناسبات الوطنية العراقية” ولأهمية الموضوع الحيوية والعاجلة” وإنها “أبدت رفضها لأي “تسويف” في إقرار المشروع!” (1)
العيد الوطني والعطلة الوطنية رمز قبل كل شيء، والرمز ليس لعبة بريئة.
فالتساؤل الذي لا يجب ان يغيب عن البال عند اتخاذنا ورفعنا لأي رمز، هو: ما الذي يوحي به هذا الرمز؟ وما هو تأثيره؟
في الهجوم على الفلوجة اشرت إلى ضرورة الدقة في انتقاء الرمز، ودعوت إلى البحث عن الرموز التي تجمعنا. فانتقدت وضع صورة الشهيد النمر على الآليات العسكرية لأنها لا ترمز إلى شيء سوى إلى ان الهجوم شيعي للانتقام للنمر. وكتبت في وقتها بضرورة رفع صور الشهيدين الذين تم اعدامهما على جسر الفلوجة وكان أحدهما شيعيا والآخر سني. وذهب نصير المهدي ابعد من ذلك فاقترح اقتراحه الرائع بتسمية الجسر: “جسر الشهيدين”، لكن دعوته ذهبت ادراج الرياح، مثل كل الجهود التي تقف بوجه المشروع الإسرائيلي الأمريكي لتمزيق العراق وشعبه.
فما هو “الغدير” وما الذي يرمز اليه، وهل هو رمز وطني يجمع العراقيين تحته أم رمز شقاق يناسب الخندق المتآمر على الشعب؟ وفق الرواية الشيعية فان الرسول محمد قام بالتوصية بالخلافة للإمام علي، ولا تتفق مع ذلك الرواية السنية، وبالتالي فهو رمز خلاف وليس جمع بين الطرفين، ولن يصلح ان يكون رمزاً “وطنياً” وبالتأكيد لن يكون عيداً “وطنيا”.
المشكلة تشمل حتى ذوي المشاعر الطائفية “المعتدلة”. فكتب أحد هؤلاء وهو من أصدقائي على الفيس، يحث طائفته أن يتذكروا بان يوم الغدير هو رمز للصراع على السلطة. وهو لا يكتب ذلك محذراً، بل ليحثهم على ادامة هذا المفهوم وأن يصروا على الصراع السني الشيعي على السلطة، وأن لا يكونوا “ساذجين” تخدعهم “الدعوة الى التشبه بعلي” في تخليه عن تلك السلطة حفاظا على وحدة المسلمين! ولا يقتصر الأمر على هذا الصديق، بل ان هناك مواقع يرتادها الكثيرون، وما هي إلا “مضخات” للطائفية بأبشع صورها، ولا أتصور صاحبي إلا قارئا أوحت له إحدى تلك المنشورات بما كتب.
والمشكلة فيما قال ليست فقط مشكلة وصف من ينتهج او يدعو لاتباع الإمام علي بالسذاجة، متهما عليا بها بشكل غير مباشر، وإنما لأن فيها نقطتا “استغفال” واضحتان ايضاً. أولهما ان السلطة الحالية في العراق بيد “الشيعة” فعلاً، إن اعتبرنا تواجد شيعي على رأسها، سلطة للشيعة. فمن اجل أي شيء يدعو صاحبنا الشيعة ان يتذكروا الصراع على السلطة؟ أليس المتوقع ان يكتب مثل هذا الكلام الغريب، طائفي سني مثلا؟
ونقطة الاستغفال الأخرى هي: ما الذي كسبه الشيعة من وجود شيعي على رأس السلطة؟ من الذي منح الأردن السنية التي تحتقر الشيعة علنا، عقود دعمها النفطية ومن الذي يوقع اليوم عقودا لزيادتها؟ هل هو سني أم شيعي؟ ما الفرق بين اثيل النجيفي السني وعمار الحكيم الشيعي في دعوتهما للتفاوض مع داعش؟ وما الذي فعلته الحكومات المحلية الشيعية في محافظاتها سوى نهبها؟ وما الذي فعلته مثيلاتها السنية في محافظاتها سوى تسليمها لكردستان او داعش؟ فهل حقاً ان موضوعنا هو “صراع على السلطة” بين الشيعة والسنة، ام ان هذه بلاهة تخدم من يستولي فعليا على السلطة؟ أليس العراق أفضل مثال لشرح اكذوبة السلطة الشيعية والسنية؟ اليس العراق إعلان عالمي بان المشكلة ليست بين أبنائه وأن من يستولي على السلطة حقيقة الأمر هو الاحتلال وعملاؤه وهم من يعمل على تدميره بجيوشهم الإرهابية وبعملائهم من السنة والشيعة على السواء؟
يكمل بسيم مقالته، متسائلا عن فائدة الدعوة إلى جعل الغدير عطلة “وطنية” رغم ان المحافظات الشيعية تعتبره حاليا عطلة رسمية، ويستنتج ان من يدعو إلى ذلك إنما يسعى في الحقيقة إلى فرض العطلة على المحافظات السنية فرضاً، في ابتزاز مفضوح!
وتوقع رفض كردستان والأنبار ونينوى وصلاح الدين لذلك، وبما ان النائبة علا خاتون ترى أن ” أي خلل في هذا الموضوع ... يمس عقيدة أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام”! فسوف “يقتنع” العراقيون، شيعتهم وسنتهم باستحالة العيش المشترك في بلد واحد وبينهم خلاف عميق مثل هذا! هل تجهل النائبة المحترمة والنائب المحترم هذا الشيء، أم أنهم ينفذان دوريهما في المخطط المشبوه؟
جوابا على هذا السؤال لنلاحظ ان أكثر كتلتين تضغطان باتجاه هذا الامر هما كتلتي “الفضيلة” و “المواطن” وهما الكتلتان الأكثر اغراقا في الفساد والدعوات للأقاليم الانفصالية في العراق. ويمكننا ان نضيف هنا دعوة النائب الأول لرئيس مجلس النواب عن كتلة “المواطن” لتلك العطلة “الوطنية” مشيرا إلى انها رمز “للتأكيد على وحدة الصف!”. (2)
في الجانب المقابل لهذه الصلافة يتم الحديث في أروقة سنية مشبوهة مماثلة عن ترتيب رد بالدعوة الى اعتبار “السقيفة” عيداً وطنياً ايضاً، وهكذا يتكامل عمل المشبوهين من الجانبين: هذا يدعو لعيد الغدير من جانب وذاك لعيد السقيفة، ليتحطم العراق تحت ضغط تعاونهم وانعدام الرد على مؤامرتهم!
في الجزء التالي من المقالة سوف اطرح رأيي بموضوع الغدير تاريخيا..
(1) بسيم محمد مصطفى عن اللكاش وعيد الغدير
https://www.facebook.com/baseem.mustafa/posts/10154780824289672
(2) عضو هيئة رئاسة مجلس النواب الشيخ د. همام حمودي حول عيد الغدير
http://ar.parliament.iq/LiveWebsites/Arabic/Container.aspx…
ملاجظة: أزاميل لا تتبنى بالضروروة ما جاء في المقال