مفهوم التخلف الاجتماعي
بتاريخ : 2016-02-09 الكاتب : أ.معاذ عليوي
برز مصطلح التخلف بعد الحرب العالمية الثانية مع حصول عددٍ كبير من البلدان المستعمرة على الاستقلال.
إلا أن المفهوم ذاع صيته وكثرت حوله الكتابات منذ خمسينيات القرن الماضي حيثُ تجمعت خلال تلك الفترة ما يقارب آلاف المقالات والأبحاث حول موضوع التخلف>
وذهب كل منها في كل اتجاه ومنطلقة من محطاتٍ مختلفةٍ ومنظوراتٍ متنوعة ومتعددة حسب الرؤى الفكرية والبيئية لكل مفكرٍ وباحثٍ في إطار الوصول إلى التفسيرات العلمية والاجتماعية و النفسانية والاقتصادية للمفهوم.
إلا أن ما يهمُني في هذا المقال التعريف بالمنظور الاجتماعي للتخلف، لكن قبل البدء بالتعريف لابد من توضيح الفرق بين المفهومين( التخلف والتخلف الاجتماعي).
أولاً:- مفهوم التخلف
يعدّ التخلف النقيض الأساسي لمفهوم التنمية، حيثُ أن الدول العربية مجتمعةً خاصةً التي نالت استقالاً بعد الحرب العالمية الثانية لم تنجح في أن تبرز مفهوماً رئيسياً للتنمية تستطيع من خلاله تحسين الواقع الاجتماعي والاقتصادي لشعوبها.
فما هو السبب؟ إنها قامت على ما يسمى بنظرية الإحلال إلا وهي إحلال النظريات الغربية داخل البنى والبيئات العربية آملاً في تحسين الواقع الاقتصادي والاجتماعي وتطبيق مفاهيم تنموية ترغبُ من وراء ذلك تحقيق إنعاشٍ اقتصادي ينعكسُ بدوره على المواطن العربي.
وأمام هذا الفشل الذي مُنيت به النخب والقيادات العربية في تحسين الواقع الاجتماعي والاقتصادي لإفرادها، فكان لابد لهذا المفهوم أن يبقى مهيمناً على الساحة العربية إلى يومنا هذا بدون وجود أيّ استراتيجيات أو حلول منطقيةٍ نابعةٍ من الداخل، تحاول أن تفككك هذا المفهوم وتجد البدائل ذات الصيغ العملية في الإرتقاء بالواقع الاجتماعي والاقتصادي إلى الأفضل.
مفهوم التخلف:- وهو حالة سكون وبطئ تصاحبُ عمليات التنمية نتيجة لعدم قدرة النخب والقيادات السياسية والاقتصادية مجتمعةً في صياغة نظرياتٍ ومفاهيم ذات رؤى علمية وعملية في تحسين الواقع العربي إلى الأفضل.
حيثُ أن توفر الإمكانيات والموارد المالية إلى جانب الوسائل الفنية والبشرية بدون استحالة تطبيقها على آرض الواقع لن يجدي شيئاً في تحسين البنى الاقتصادية والاجتماعية للإفراد القاطنين في تلك البلاد.
ثانياً:- التخلف الاجتماعي
بعد فشل النظريات الاقتصادية في الإرتقاء بالواقع الاقتصادي والاجتماعي إلى أفضل المستويات، نشأ علم اجتماع التخلف ليبحث في طبيعة النظام الطبقي الجامد، ودور الفرد في ذلك النظام الطبقي الذي اعتمد على تفضيلات ومميزات خاصةً به استبعدت من خلاله دور الفرد وأحلت محله النخبة السياسية الموروثة التي تحتلُ مكانة سياسية داخل النظام السياسي ليكون لها الأولوية في توزيع أي تركةٍ لها على أفرادها معللةً ذلك من منطلق الشرعية الثورية التي جاءت بها إلى الحكم ليكون نتائجها وخيمة على الأفراد والجماعات وباقي أفراد المجتمع الواحد.
فضلاً عن انتشار الإفكار السلبية والعادات والتقاليد ذات البعد الرجعي التي آثرت بشكلٍ سلبي على المنظومة الاجتماعية والاقتصادية معاً، كان نتائجها انتشار الفقر، وارتفاع في منسوب البطالة، وهجرة إلى خارج الوطن بحثاً عن وظيفة أو عمل.
وعمليات الاستيراد المستمرة من الخارج والتي أوقعت الدولة في حبال المديونية الغارقة والتي عرفت فيما بعد تحت مسميات عديدة التبعية الاقتصادية للطرف الآخر بشكل مطلق، وامتدت عبر السنين لنكون تابعين لهم اجتماعياً في آدق التفاصيل خاصة في المظهر الشخصي.
وطريقة اللباس، والكلام وغيرهما من المشكلات الاجتماعية نتيجة للإنبهار المطلق بثقافاتهم وانماط اقتصادياتهم دون التفكير السوي هل يناسبنا استجلاب تلك الإنماط أوذاك إلى واقعنا العربيّ أم لا؟
مفهوم التخلف الاقتصادي
إن تعريفنا للتخلف الاجتماعي لن يكون بمعزل عن النظرة لمفهوم التخلف الاقتصادي، حيثُ أن أن تخلف الشعوب والأمم وسيرها في طريق مخالفٍ للطريق الذي سارت به الدول والبلدان المتقدمة نتاجاً أساسياً لفشل النظريات الاقتصادية في العالم العربي والاسلامي مجتمعة وإن توافر عالم الشخوص.
إلا أن عالم الإفكار غير موجود مهمش لا يلتفت إليه أحد من هنا ينشأ الجهل، والفقر، والبطالة، والأمية، والانفجارُ السكاني الهائل في أوساط ابناء المجتمع العربي والإنتقال آفراداً أفراداً للعيش في المدن على حساب العيش في الآرياف فيما تعرف بالهجرة الداخلية.
ثالثاً:- المنظور الاجتماعي للتخلف
خلاصة لما سبق أن تعقد المشكلات الاجتماعية داخل البيئة العربية وتفاقمها طيلة السنوات التي مضت بفعل المحكات الاقتصادية التي خلفتها الأنظمة العربية الحاكمة ولعل أهمها: تبديد الثروات وسوء استغلالها، سوء استغلال الطاقة العاملة المتوافرة،اختلال البنى الاقتصادية، التبعية الاقتصادية).
ساهمت هذه المحكات بصورةٍ أو بأخرى في تردي الوضع المعيشي وانتشار الفقر والبطالة، والتزايد الهائل في أعداد السكان مما اثر على مستواهم الفكري والثقافي فأصبح جلّ همهم تحصيل لقمة العيش وبناء مسكنٍ يأويهم، فضلاً عن انتشار الأوبئة والأمراض المعدية بفعل غياب العدالة الصحية وتأمين حياة صحية سليمة لكل أفراد المجتمع الواحد.
أما على صعيد البنية الاجتماعية للتخلف، هناك من عددّ بعض المحكات إنطلاقاً من الربط بين التخلف والمجتمع التقليدي ولعل أهمها: ستكاتيكية العلوم يعني جموديتها وبقاؤها على حالها بدون أي تغيير يطرأ عليها، نمطية العادات والتقاليد وتحكمها بالسلوك لا بالقانون، نظام اجتماعي جامد تحكمه الولاءات الحزبية، الإنتقاص من المكانة الاجتماعية للإفراد واستثناء مبدأ الكفاءة الانتاجية في تحديد المكانة، انتاجية منخفضة جداً.
وآخيراً لا يمكن لنا قراءة المفهوم الاجتماعي للتخلف بعيداً عن القراءة الموضوعية والدقيقة لمفهوم التنمية الاقتصادية، أيّ أن المفهومين يتقاطعان مع بعضهما البعض فهما عناصر تكميلية لا يمكن لأي عنصرٍ أن يستغني عن الآخر.
ولهذا يجب أن يكون هناك إجراءت عملية للتخفيف من ظاهرة التخلف الاجتماعي في الواقع العربي حتى يتمكن من خلالها الأفراد بشنى تخصصاتهم وعلومهم وآفكارهم من تحقيق نهضة فكرية وعلمية تنهض بالواقع المجتمعي إلى آفضل المستويات منها:-
– النهوض بالواقع الاقتصادي على أساس استثمار الموارد والامكانيات وتوظيفها في خلق بنية اقتصادية يكون عنوانها العمل، وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
– احترام الفرد والعمل دوماً على تسهيل كافة الفرص والامكانيات والوسائل ليكون عاملاً مبدعاً منتجاً قادراً على خلق المزيد من الثقافات والعلوم التي تسعى إلى احداث تغييرا ثقافيا بديلاً عن العادات والتقاليد السلبية.
– إنشاء العديد من البرامج التوعوية حول أهمية تنظيم النسل، وأن قيمة الإنسان ليست في كثرة إنتاجه الجنسي بقدر قدرته على الاهتمام بهم وتوفير عناصر السلامة والعيش الرغيد كتوفير التعليم والقدرة على علاجهم الصحي.
– استبدال العادات والتقاليد السلبية الموروثة بالعلوم الصحيحة والتي تنشئ الأفراد على أساليب جديدة في التفكير والسلوك.
أسباب التخلف في الدول العربية والإسلامية
هنالك أسباب داخلية تتمثل في عدم كفاية رؤوس الأموال، والمشكلة السكانية، بسبب زيادة السكان التي لا تتناسب مع زيادة الدخل. وانتشار الأمية، والقيم السلبية في المجتمع، نظراً إلى طبيعة البنية الاجتماعية بالبلد النامي تكون هناك سلبيات تعرقل التقدم، وسلبية المثقفين وانعزالهم في المجتمعات النامية عن مشكلات المجتمع بسبب اختلال التوازن وعلاج هذه الظاهرة بإزالة أسبابها من قلوب وعقول المثقفين ليتفاعلوا مع برامج التنمية ويسهموا بالتقدم.
ومن الأسباب أيضاً عدم تحديد الأهداف ووضوح الرؤية تجاه المشكلات وغياب التخطيط الاستراتيجي وعدم وضع الخطط طويلة الأجل .
وهناك أسباب خارجية تتمثل في سيطرة الدول المتقدمة، نتيجة الاستعمار الذي أخضع غالبية البلدان في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية فتكونت التبعية للدول المستعمرة اقتصادياً وثقافياً وسياسياً.
وتتخصص البلدان النامية في تصدير المواد الخام الزراعية أو الاستخراجية ويعتمد معظمها على عدد محدود من المنتجات تصل في حالات كثيرة إلى سلعة واحدة مثل القطن أو النفط.
وتمثل حصيلة هذه الصادرات الجانب الأعظم من موازناتها ومدخولها، وهو ما يترتب عليه تشويه البنية الاقتصادية فيها وعرقلة النمو الاقتصادي، وعدم توافر خطط إدارية عليا ناجحة مع غياب توافر الخطط الاستراتيجية بعيدة المدى للدول والأفراد والحكومات والمؤسسات.
وهناك أسلوبان لتحقيق التنمية الاقتصادية والنمو السريع هما الأسلوب التلقائي في التنمية (أسلوب الاقتصاد الحر)، لأن الدولة لا تتدخل في تحقيق التنمية بل رجال الأعمال والمنظمون الباحثون عن الربح فقاموا بتوسيع نشاطهم الاقتصادي، وهو ما زاد قاعدتهم الإنتاجية في الاقتصاد والدخل القومي.
وأسلوب التخطيط الاقتصادي، لأن الأسلوب الحر يحتاج إلى وقت طويل وليس قصيراً للاقتصاد لذا فضلت الكثير من الدول اتباع التخطيط للتنمية لبلوغ الهدف بأمان، بعيداً عن المخاطر.
ويساعد التخطيط على وضع أهداف واضحة للعمل، وتحديد الهدف هو أول خطوة في التخطيط حتى ترشدهم إلى المسار الصحيح أثناء العمل وتعتبر مقياساً لنجاح العمل. ويضمن التخطيط الارتباط المنطقي بين القرارات.
ويحدد التخطيط مراحل العمل والخطوات التي تتبع والطريق الذي يسلكه العاملون، وهو بذلك يساعد على تحقيق الأهداف. ويعمل التخطيط على تحقيق التناسق بين الأهداف، كي لا تتعارض بعضها مع بعض. ويساعد التخطيط في التعرف على مشكلات المستقبل ودرسها وإيجاد الحلول لها.
كما أن التنمية غير المخططة نتائجها غير مؤكدة. وتُفضي إلى الضياع الاقتصادي. ولا تحقق النمو للتوازن الاقتصادي القومي. وتعزف عن بعض مشاريع التنمية الأساسية. ولا تضمن اختيار مشاريع التنمية.
ونختم هذه الدراسة بنصائح لمن يريد أن يكون استراتيجياً:
شارك الآخرين من حولك في صياغة الرسالة والرؤية والأهداف المستقبلية لمنظمتك. أطلق العنان للمفكرين والمبدعين ليخرجوا المارد من داخلهم واحرص على الإشادة بنجاحاتهم.
عوّد نفسك على الاستماع والإنصات، فكثيرا ما تكون أفكار الآخرين فرصة ذهبية للتقدم. أبعد الخوف من أجواء العمل.
ازرع الثقة لكسب قلوب وعقول الآخرين. اسمح للرأي الآخر بالتعبير عن وجهات النظر المختلفة، فالاستراتيجيات تتطلب النظر إلى الأمور من زوايا متعددة.
(كاتب وباحث).