عن حروب المنطقة القادمة كتب الإعلامي والشاعر شعلان شريف
بعض الليبراليين متفائل بصعود “الشاب” محمد بن سلمان إلى العرش السعودي. يشاع أنه سيقلّم مخالب المؤسسة الدينية الوهابية، وسيحقق انفتاحاً اجتماعياً، ويخفف القيود على المرأة والشباب…. الخ.
أنا أيضاً لا استبعد ذلك، بل أشاركهم هذه التوقعات. لكن المشكلة عندي هي أن الليبراليين العرب، مقتنعون قناعة مطلقة بأن مشاكل “السعودية” والمنطقة عموماً تنحصر فقط في الجانب الديني، وأنه إذا ما ضـُربت السلطة الدينية وتحققت بعض الحريات الفردية، في الملبس والمأكل والمشرب، وتم “تخفيف” الدين في مناهج التعليم، فإن الإرهاب والعنف والتخلف والحروب الطائفية وغير ذلك ستنتهي ولو تدريجياً.
يتجاهل الليبراليون أن الخراب الحالي الذي تعيشه منطقتنا، تسببت به أنظمة لم تكن تمنع المرأة من قيادة السيارة، ولم تكن تمنع الحفلات الغنائية، والعروض السينمائية ولم تغلق النوادي الليلية والحانات. لكنها أنظمة شنتّ حروباً عبثية، ونكلت بشعوبها أبشع تنكيل، ومارست الاغتيالات والتعذيب والقتل الجماعيّ وتكميم الأفواه، وميزت فئات وهمشت فئات، فزرعت الكراهية والفتن.
أتوقع أن ملك السعودية القادم سيشبه الحكام العرب “الجمهوريين” من الجيل السابق، وأظنّ أنّ النموذج الأقرب إلى ما سيكون عليه الملك السعودي الجديد، هو صدّام حسين في العشر الأوائل من رئاسته: سيزيد الملك الجديد من درجة القمع والتنكيل ضدّ اي نوع من المعارضة في السعودية، وسيزيد من الاضطهاد والتمييز بحق الطوائف غير المرغوب بها. وسيورط بلاده في حروب، نيابة عن إسرائيل وأمريكا، حروب ستنهك اقتصاد بلاده وتفتك بشبابها وتخلق منبعاً جديداً للعنف والتطرف. الفرق بينه وبين صدّام حسين، هي أنه مهمته ستكون أسهل نسبياً من مهمة صدّام، فأموال السعودية أكثر، وشعبها أقل تنوعاً وميلاً للتمرد، والدعم الأمريكي والإسرائيلي سيكون أكثر بكثير مما كان مخصصاً لصدّام الذي دعمه الأمريكان على مضض في حربه على إيران ثم سرعان ما قلبوا له ظهر المجن، حتى أوردوه التهلكة. هذا يعني أن ابن سلمان سيستمر بغلوائه التخريبية فترة أطول من صدّام، وهذا يعني أن المنطقة ستكون لزمن طويل وقوداً لحروب قادمة، وموجات تنكيل طائفي، وقد نشهد مذابح جماعية في السعودية وموجات لاجئين…. وفي الوقت نفسه سيحتفل العالم، ومعه الليبراليون العرب، بالسماح للنساء السعوديات بسياقة السيارات.
الحرب الوحيدة التي أسمح لنفسي بتأييدها هي الحرب الاضطرارية التي لا بدّ منها ولا مناص، للدفاع عن النفس (النفس بمعناها الأوسع). لا أؤيد أي حرب لأهداف سياسية أو “وطنية”، أو عقائدية أو من أجل “العدالة” و “الحرية”، فجميع هذه الأهداف يمكن تحقيقها بالأساليب السلمية، ولا ضرورة للحرب من أجلها، إلا أن المغامرين وتجار الحروب يزعمون دائماً أن الحرب هي الخيار الوحيد.
الحرب التي خاضها العراقيون ضدّ المؤامرة الدولية المسماة “داعش”، وهم الآن على وشك إعلان الانتصار فيها، كانت بالفعل حرباً اضطرارية لا بدّ منها، لذلك تطوع لخوضها شباب وشيوخ لا ينتظرون جزاءً ولا شكورا، لأنهم ببساطة يدافعون عن أنفسهم. نعم، دخل على خطها الكثير من التجار والمغامرين، أفراداً ودولاً، لكن هذا لا ينفي أنها حرب لم يكن هناك بدّ من خوضها، دفاعاً عن النفس والأرض وكرامة العراقيين والعراقيات، وغسلاً لعار الساسة السفلة من الشيعة والسنة والكرد، وردّاً على مؤامرة الغرف السرية القذرة في العواصم القريبة والبعيدة.