تعرف على ماني والديانة المانوية التي كانت أشد منافسي المسيحية

بقلم مريم عادل في موقع ميدان
في بستان نخيل خصب على ضفاف دجلة، في القرن الثاني بعد الميلاد، نشأ طفل صغير يدعى “ماني” بين مجموعة مسيحية معمدانية متشددة من الرجال الذين أطلقوا على أنفسهم “أصحاب الملابس البيضاء”، لم يكن ماني يعرف أن أحد هؤلاء الرجال ويدعى “باتيغ” هو نفسه والده، وهو الذي أتى به إلى هذا المكان، كان صغيرا جدا عندما انتزعه أصحاب الأردية البيضاء بموافقة والده من حضن أمه مريم عنوة، لكي يبتعد به عن حياة الكفر ويربى بين الجماعة الوحيدة التي كان يعتقد بأنها عرفت الطريق إلى الحق(1).

Advertisements
Advertisements

اعتزل باتيغ مريم وهجرها عندما التقى في واحدة من رحلاته التجارية أحد هؤلاء الرجال، وكان باتيغ صادقا في البحث عن الله وعن الحقيقة، وآمن أن عليه ترك حياته وراءه والذهاب لكي يعيش في بستان النخيل مع الجماعة المؤمنة، ترك زوجته حبلى وتخلى عن تجارته وبيته وحقوله في سبيل معتقده، وعندما وضعت زوجته مولودها ووجده ذكرا، كان عليه بحسب شريعة أصحاب الملابس البيضاء أن يأتي بالطفل إلى البستان لكي ينشأ بعيدا عن الكفر، ولكن يبدو أن هذا البستان لم يكن يسع النساء، “فما هو أنثى محظور وما هو محظور أنثى” فالرجال فقط هم المؤمنون حقا ولا يمكن لامرأة أن تتعبد لرب أصحاب الملابس البيضاء، لهذا أخذ باتيغ الصبي وترك زوجته وراءه إلى الأبد(2).

لوحة جدارية مانوية، تصور العبادة في مملكة النور، من الكهف 38 في كهوف بيزكليك (مواقع التواصل)

هكذا حكى أمين معلوف في روايته “حدائق النور” بداية قصة ماني، ذلك الرجل الطبيب الرسام، والتي بدأت حكايته بعد أقل من قرنين من موت المسيح، والذي يرى معلوف أن رجال محاكم التفتيش في روما وفارس تضافروا على تشويهه وإخماده وطمسه، فهل كان خطرا إلى الحد الذي يوجب مطاردته على هذا النحو حتى في ذاكرتنا؟ يقول معلوف: “إن هذا الكتاب مهدى إلى ماني، وقد سعى إلى سرد حياته. أو ما لا يزال بالإمكان تخمينه منها بعد هذا القدر من عصور الكذب والنسيان”. تشترك حدائق النور مع أعمال أمين معلوف الأخرى بأنها كلها أعمال تستمد موضوعها من التاريخ الموغل في القدم، يحاول معلوف من خلالها أن يعيد للحياة ما كاد يسقط من سطور التاريخ ومن ذاكرة الإنسانية(3).

عزلة وتمرد
“لقد سرت وسط هؤلاء الناس بحكمة وحيلة، محافظا على الراحة، غير مُقترفٍ ظلما، غير مُنزِلٍ أي نوع من العذاب، غير مُتَّبِع شريعتهم، غير خائضٍ في أي حديث على طريقتهم!”

(أمين معلوف، حدائق النور)

Advertisements

نشأ ماني بين مجموعة تحرّم الحياة على نفسها، لا يلبسون سوى أردية باللون الأبيض، ويتبعون أنظمة غذائية شديدة الصرامة، ولا يأكلون إلا ما يزرعونه، ويعتبرون كل ما هو خارج بستانهم دنسا، وكان على الجميع الطاعة والإذعان والجثو لسيتابي، سيد بستان النخيل الذي يناديه الجميع “أبتِي”، ولم يكن ماني يعرف أبا غيره، لقد كان يعيش هو وباتيغ جنبا إلى جنب في نفس البستان كما يتعايش جميع الإخوة وليس كأب وابنه!(4)

لم يشعر ماني في أي وقت أنه ينتمي إليهم، وبعيدا عن أعينهم تمكن من إقامة فضاء عزلة، “مملكة طفل لم تطأها قدم رجل قط”، كان يهرب إليها كلما استطاع، كان وحيدا بينهم، ولم يتمكن أي شخص منهم أن يكون صديقا له، لقد كانوا جميعا في عيني ماني سجانين، غامضين يلبسون ملابس غير بهيجة، ويتفوهون بكلمات فظة، ولم يكن بإمكانه سوى الالتزام بما يقومون به من طقوس، لكي يبدو شبيها بهم، لأنه ذاق العقوبات التي كان ينزلها سيتابي بالجميع من صوم إجباري وجَلد ونقل ماء ببراميل كبيرة، وأصوات تكفير لا تنتهي(5).

شخص واحد فقط استطاع كسر عزلته، إنه مالكوس ذلك الولد المتمرد الذي أتى بصحبة والده الهارب من تجارته الخاسرة وديونه ليقيم في البستان، لكن والده مات وترك مالكوس الذي كان ينتظر دائما الوقت المناسب للهروب من ذلك المكان؛ كان مالكوس يصطحب ماني في رحلاته السرية بالخارج، وفي إحدى المرات رأى ماني لوحة جدارية كبيرة أبهرته، وأحس للمرة الأولى برغبة لا تقاوم في الرسم، وهى رغبة آثمة وكافرة لواحد من أصحاب الملابس البيضاء، يقول معلوف:

Advertisements
Advertisements

“بأية معجزة أمكن أن تتفتح موهبة ماني وأعماله في ذلك المحيط المتمرد على كل جمال وكل لون وكل أناقة تبديها الأشكال، وفي وسط تلك الجماعة التي ترى في أبسط أيقونة معلما من معالم الوثنية، ماني الذي يبدو بمر القرون وكأنه المؤسس الحقيقي للرسم الشرقي، هو الذي سوف تخلق كل ضربة من ضربات ريشته، في فارس والهند وآسيا الوسطى والصين والتبت، ألف موهبة فنية. حتى إنه لا يزال يقال في بعض النواحي عن أحدهم، إنه ماني، عندما يراد القول بعدد من علامات التعجب إنه “رسام حقيقي”(6).

رمم ماني اللوحة الجدارية وأعادها بألوانه لما كانت عليه في السابق، لكنه عندما علم أنها صورة لأحد الآلهة اليونانية، بدأ يشعر بالإثم واللعنة، لطالما حذره أصحاب الملابس البيضاء من اليونانيين؛ ألم يحظروا عليه ألا يأكل خبزهم أو يدخل منازلهم! ترك ماني فرشاته وألوانه وانطلق هاربا يصرخ في البرية “ملعون، ملعون، ملعون” إلى أن وصل إلى ضفة النهر، وأخذ يتأمل صورته، ثم سمع صوتا يأتي من تلك الصورة، وخرجت من فمه كلمات لم تكن صادرة عنه، لكنه كان يتلفظ بها مع ذلك بصوته: “ارسم ما حلا لك يا مانى فالذي أرسلني لا منافس له، وكل جمال يعكس جماله هو”(7).

Advertisements

صاحَب هذا الصوت ماني بقية حياته، وأسماه “التوم” (في النص العربي يسمى التوأم أو القرين)، ذلك الذي كان يوحي إلى ماني من خلاله، كان ماني في ذلك الوقت صغيرا لم يتجاوز الثانية عشر، فقرر أن يحتفظ بالسر لنفسه حتى يكبر ويصبح قادرا على مغادرة بستان النخيل بمفرده، وفي الرابعة والعشرين، تلقى ماني من شفتي توأمه الكلمات التي طالما انتظر سمعاها، “ها قد أزفت الساعة لكي تتجلى لعيون العالم، وتترك بستان النخيل هذا” وكانت هذه بداية على أرض جديدة لا تبعد كثيرا عن بابل، بلاد فارس(8).

رسالة ماني
“إن عالما جديدا سوف يتشكل تحت أبصارنا ومعا، ملك الملوك و”رسول النور”، سوف نذهب إلى أرمينيا وبلاد آرام ومصر وأفريقيا وكابادوسيا ومقدونيا وسوف أقيم في روما وتعلن أنت الدين العالمي الذي يشمل جميع المعتقدات”

(أمين معلوف، حدائق النور)

يقول ماني: “إني أجل جميع المقدسات، وتلك هي جريمتي بالتأكيد في عيون الجميع، فالمسيحيون لا يسمعون ما أقول من خير عن الناصري، ويأخذون علي عدم الكلام بالسوء عن اليهود وزرادشت، ولا يسمعنى المجوس حين أمجد نبيهم، ويريدون أن يسمعوني ألعن المسيح وبوذا؛ ذلك أنهم عندما يجمعون القطيع فإنهم لا يجمعونه على الحب بل على الحقد، ويجدون أنفسهم متضامنين فقط في مواجهة الآخرين، ولا يعترف بعضهم بأخوة بعض إلا في المحظورات وأعمال الحرام، وبدلا من أن أكون أنا “ماني” صديق الجميع لا ألبث أن أرى نفسي عدو الجميع، وجريمتي هي رغبتي في مصالحتهم فيما بينهم، ولسوف أدفع ثمنها، ذلك أنهم سيتحدون للعني، ومع ذلك عندما يمل الناس الطقوس والأساطير والنمائم جميعا، فسوف يتذكرون أنه في يوم من الأيام، في العهد الذي كان يحكم فيه شاهبور العظيم، رَجْعُ كائن بشري متواضع صرخة في أرجاء العالم”(9).

إن جوهر الدين الذي دعى له ماني هو احترام جميع المعتقدات والمقدسات، وعندما سئل عن الوثنيين وعبدة الشمس قال: “أتعتقد بأن يشعر ملك بالحسد إذا أنت قبلت حاشية ثوبه؟ وليست الشمس سوى وشي على رداء الله تعالى، بيد أنه من خلال هذا الوشي المتألق يستطيع الناس أن يتأملوا نوره بشكل أفضل”، وعندما سئل عن الذين لا يعترفون بأي إله قال: “إن من يرفض رؤية “الله” في الصور التي تقدم إليه هو أقرب أحيانا من غيره إلى صورة الله الحقيقية”(10).

تقوم عقيدة ماني على أساس وجود قوتين أساسيتين في الكون لم تخضعا لأي عملية خلق، هما الرب (ملك حدائق النور) والمادة (الظلمات) هذا هو محور نظام ماني الديني، الرب هو مصدر الخير المطلق، أما الشر فمصدره الظلمات، وهذا لا يعنى أن المانويين اعترفوا بوجود إلهين، “لم يكن هناك أبدا اسمان لإلهين في تفسيراتنا، فنحن نعترف بوجود عنصرين رئيسيين؛ نسمي أحدهما الرب والآخر المادة والتي عرفت باسم الشيطان”، ويرى البعض أن هذه الرؤية الثنوية تضع حلا لمعضلة الشر الفلسفية والتي تتلخص في سؤال، كيف يمكن أن يكون الإله كُلّي القدرة والرحمة هو نفسه الذي خلق الشر! (11)

ماني كما رسمه أتباعه (مواقع التواصل)

“في بدء الكون وُجد عالمان منفصلان الواحد عن الآخر: عالم “النور” وعالم “الظلمات”. وفي “حدائق النور” كانت جميع الأشياء المشتهاة، وفي الظلمات كانت تقيم الشهوة، شهوة عارمة ملحّة هدّارة. وبغتة حدثت صدمة عند حدود العالمين، أعنف صدمة عرفها الكون وأشدها هولاً. وعندئذ اختلطت جزئيات “النور” بـ”الظلمات” بألف شكل مختلف، وهكذا ظهرت جميع المخلوقات، الأجرام السماوية والمياه، والطبيعة والإنسان”.

(أمين معلوف، حدائق النور)

وجه ماني (الفنان) المفتون بالجمال
كانت لماني نفس ذات نزعة جمالية، كان يحب الرسم والموسيقى وكان يقول بأن لهما أصلا سماويا، في الحقيقة لم يبقَ من اللوحات التي رسمها ماني الكثير، ولكن إنجازه في الرسم ترك أثرا كبيرا في الأجيال التي تلته، فكان يرسل الرسامين والكتاب مع مبشريه، وكانت كتبه موضحة بالرسوم الجميلة التي تساعد في توضيح الإرشادات والتعاليم للناس، وبذلك تكون رسالته أكثر سهولة وأقرب تناولا للفهم. وتشهد المصادر الشرقية بصحة خبر أن ماني نفسه كان فنانا محترفا، وقد كان يعتبر تدوينه لتعاليمه التي تصاحبها الصور والرسومات ميزة فريدة سما بها دينه عن الأديان السابقة، فكان يقول: “وأما بالنسبة لجميع إخواني من الرسل الذين جاؤوا من قبلي، فإنهم لم يدوّنوا حكمتهم كما دونت حكمتي، ولم يرسموا حكمتهم بالصور كما رسمتها”(13).

صفحات من كتب مانوية، نرى على اليمين أعلى الصفحة مجموعة من الموسيقيين وعلى اليسار منمنمة ربما من القرن الثامن أو التاسع تصور صفين من الرهبان المانويين (مواقع التواصل)

Advertisements

ويروي المؤرخ “ميوخند” حكاية توضح كيف أنجز ماني عمله في كتابة “أرداهانغ” العظيم الموضح بالرسوم، تقول الحكاية أن ماني سافر في تلك الأيام إلى مناطق الشرق باستمرار، ووصل في يوم من الأيام إلى جبل فيه كهف، وجمع أتباعه وتكلم بهذه العبارات “سوف أحمل نفسي إلى السماء وسيدوم مكوثي في القصور السماوية لمدة عام، وسأعود من السماء إلى الأرض عند انتهاء الشهر الثاني عشر، وسأجلب لكم البشائر من الرب”، ثم عاد بعد عام بجوار الكهف وهو يحمل لوحا مليئا بالرسوم الرائعة ومزينا بأشكال متعددة؛ وقال كل من رأى هذا اللوح “رأت الدنيا آلافا من الصور أكبر من هذه، لكن لم تظهر مثل هذه اللوحة بيننا حتى الآن”. قالو هذا ووقفوا بلا حركة مندهشين أمام اللوح، فقال لهم ماني: “أحضرت هذا اللوح من السماء معي حتى يكون بمثابة معجزتي النبوية”(14).

Advertisements

وتميزت الكتب المانوية “بالخط الجميل والتنقيط المشكل بيضاويا وقرمزيا، أو بزهور متعددة الألوان، والاهتمام بالحرف الأول وإعطائه الشكل الفني المميز، واستعمال الورقة الذهبية، وتوزيع الورقة إلى أعمدة، وكتابة العنوان بألوان صارخة، وإخراج النص عن الرتابة في سطور من خلال تعدد الألوان، وإحاطة العنوان برسوم الورد والأزهار، مما يشير بوضوح إلى النزعة الجمالية المصاحبة لأصحاب هذا الكتاب”(15).

Advertisements

ويبدو أن المسلمين عرفوا الكتب المانوية وما تتمتع به من جمال في الصور والإخراج، لذا يقول “بابا دوبولو” إن المؤلفين المسلمين كانوا مجمعين على نبوغه في الرسم، مما جعلهم يقولون عن الرسام الماهر “فرشاته تضاهي فرشاة ماني”، ويروي الجاحظ أن إبراهيم السندي قال له إحدى المرات: “وددت لو أن الزنادقة لم يكونو ميالين كثيرا إلى إنفاق نقود كثيرة على ورقة بيضاء نضيفة، وعلى حبر أسود متلألئ، بالإضافة إلى بذل مثل هذا الجهد لإخراج خط مثل هذا الخط، ذلك أنني لم أرى ورقة قط يمكن مقارنتها مع ورقة من كتبهم، ولا أي خط يمكن مقارنته مع الخطوط الموجودة في كتبهم”، والجاحظ نفسه اعترف بهذا أثناء نقد كتبهم والتي ارتبط اتباعها في ذلك الوقت بالزندقة، يقول الجاحظ: “كانت لهؤلاء الزنادقة كتب أجود ما تكون ورقا يكتب عليه بالحبر الأسود البراق ويستجاد له الخط”(16).

ليس الجاحظ فحسب، هناك مفكرون شرقيون آخرون ذكروا مهارة ماني كرسام وفنان، منهم أبو المعالي، الذي وصفه في كتاب الملل والنحل قائلا: “كان هذا الرجل معلما في فن الرسم حتى ليحكى أنه رسم صورة على الحرير الأبيض، بحيث لم يبق عليها أثر ظاهر للصورة عندما سحبت خيوط القطعة واحدا بعد آخر”، وروى ميرخوند في تاريخ الساسانيين أن ماني “كان رساما لا نظير له، حتى إنه تمكن من أن يرسم بإصبعه دائرة قطرها خمسة أذرع، ولدى تفحص هذه الدائرة لم يلاحظ وجود أي شذوذ أو انحراف في الأجزاء المستقلة من محيطها”(17).

ورقة من كتاب مانوي (مواقع التواصل)

أثر الفن المانوي
أجيال كثيرة من الفنانين التشكيليين العرب نشأت وتشربت الثقافة والفن الغربي، فمعظم فنانينا التشكليين على اطلاع جيد بالفكر الجمالي الغربي وتاريخه، لكنهم لا يعرفون الكثير عن ما في الشرق من حضارة فنية ولا عن مكونات وروافد الفكر الفني الشرقي؛ هناك أعلام في الفن الشرقي شكلوا أثرا حقيقيا على الفن، ليس في الشرق فقطن لكن في العالم الغربي بشكل عام، لكنهم مجهولون في بلادنا ولا يكتشفهم إلا من تغرب؛ منهم “ماني الرسام نبي جنان النور”(18).

يتضح أثر الفن المانوي على الفن المسيحي، عند مقارنة المخطوطة المانوية مع المخطوطات المسيحية، يقول جيووايد نغرين: “على الرغم من أن ما يسمي إنجيل رابولا الذي يعود تاريخه إلى عام 586م يعتبر مثالا بارزا بزخرفته الوفيرة، فإن الكتب المانوية قد فاقت عموما الكتب المسيحية المعاصرة ثم الإسلامية في ذلك المجال”،
ويؤكد السير توماس أرنولد ارتباط الفن الإسلامي بالفن المانوي، فيقول: “يجب البحث عن أصل المنمنمات الإسلامية ذات المواضيع المرتبطة بالعهدين القديم والحديث خارج الفن المسيحي، وذلك عندما تكون معالجة المواضيع غريبة جدا على التقاليد المسيحية، حيث يفترض وجود نقل بواسطة الديانة المانوية” أي إن الفن المانوي كان حلقة وصل بين التقاليد الفنية الباراثية والفن الإسلامي. ويقول ماسينيون:”العامل الذي سمح للمانوية بأن تلعب دور الجسر بين الفكر الإيراني والإسلام، أنها كانت تملك نسقا مساريا سريا، وفيما بعد تطور إلى التبشير عبر المناظرة”(19).

خلال ثلاثين عاما من حكم شاهبور، كان يبدو أن الديانة المانوية على وشك أن تصبح الدين االرسمي للبلاد، إلا أنه وبعد وفاة شاهبور حاك كهنة الزرادشتية الحيل للوقوف أمام ماني، بل سجن الرجل وعذب بالقيود والأغلال حتى الموت، وبعد موته مثل به وصلب. مات ماني رسول جنان النور الذي كان يحلم بدين توافقي يقبل الجميع، مات وكان إلى جواره زراف عازف الملك شاهبور الأثير، جاء بصحبة عوده بوصفه لونا من ألوان الاحتجاج، كان يجلس إلى جوار ماني ويعزف بعض الألحان الشجية، وفي إحدى المرات سمع ماني يقول لاهثا(20):

“اعلم يا زراف أنه في فجر الكون كانت جميع المخلوقات تسبح في نغم علوي، وقد أنسانا إياه سديم الخلق، غير أن عودا مدوزناً مع روح الفنان قادر على بعث تلك النغمات الأصيلة”

(أمين معلوف، حدائق النور)

المصادر
1أمين معلوف، حدائق النور.2المصدر السابق3ماني والمانوية، جيووايد نغرين4أمين معلوف، حدائق النور5المصدر السابق6المصدر السابق7المصدر السابق8النبي الرسام ماني، الحياة التشكيلية9أمين معلوف، حدائق النور10المصدر السابق11ماني والمانوية، جيووايد نغرين12المصدر السابق13المصدر السابق14ماني والمانوية، جيووايد نغرين15النبي الرسام ماني، الحياة التشكيلية16المصدر السابق17ماني والمانوية، جيووايد نغرين18النبي الرسام ماني، الحياة التشكيلية19المصدر السابق20أمين معلوف، حدائق النور

شاهد أيضاً

هل الأخلاق ابتكرها الأقوياء للسيطرة على الضعفاء ام أن العكس صحيح؟ “مع فيديو”

نبيل عمر ينسيمدون مغربي هل الأخلاق من ابتكار الأقوياء أم من صنع الضعفاء؟ Advertisements Advertisements …