روني جيرار .. صاحب “العنف والمقدس” الذي اهتمّ بالمعتقد
ابتسام وأنس جدير من طنجة
الأحد 15 نونبر 2015 – 02:30
غيب الموت الفيلسوف والأكاديمي الفرنسي روني جيرار عن عمر يناهز (91) سنة. وكان هذا الجامعي الشهير جدا قد عرف باسم “داروين العلوم الإنسانية الجديد”.
“أستاذ ستانفورد الفرنسي، واحد من أٍربعين من الخالدين بالأكاديمية الفرنسية ذائعة الصيت، توفي ببيته بستانفورد بعد صراع طويل مع المرض”، أشار بيان لجامعة ستانفورد، الواقعة بولاية كاليفورنيا، والتي درس بها مدة طويلة.
كتب ترجمت عبر العالم
وترجمت أعمال روني جيرار بشكل واسع، وجلبت الإعجاب خارج حدود فرنسا في الغالب الأعم، في أمريكا مثلا أو إيطاليا، ما ضمن له سمعة علمية ممتدة. وبالرغم من ذلك فهذه الأعمال تبقى غير معروفة بما فيه الكفاية من لدن الجمهور الفرنسي.
وقد صرح الراحل لليومية الفرنسية (لاكروا)، بتاريخ (15) دجنبر (2005)، قائلا يوم استقباله بالأكاديمية الفرنسية: “بالنسبة لكاتب اعتبر لفترة طويلة ضد التيار، وبعيد عن التصنيف، فإن انتخابي عضوا بالأكاديمية هو نوع من الاعتراف”. وأضاف: “يمكن القول من دون مبالغة إن المؤسسة الفرنسية الوحيدة التي أقنعتني أني لست نسيا منسيا في فرنسا، في بلدي فرنسا، طيلة نصف قرن، باعتباري باحثا ومفكرا هي الأكاديمية الفرنسية”.
وإذا كان جيرار قد أُهمل في فرنسا أحيانا، فإن كتبه التي ترجمت في دول العالم كله “قد قدمت رؤية جريئة وواسعة للطبيعة، وللتاريخ ولمصير البشرية”، بحسب جامعة ستانفورد؛ وقد أطلق عليه الفيلسوف، والأكاديمي والأستاذ بجامعة ستانفورد، مشيل سير، “داروين العلوم الإنسانية الجديد”.
كتابات مقدسة وكتاب كلاسيكيون كبار
بدأ روني جيرار عمله كمنظر في مجال الأدب، سحرته كل العلوم الاجتماعية: التاريخ، وعلم الإناسة، وعلم الاجتماع، والفلسفة، والدين، وعلم النفس، واللاهوت. “أثر في كتاب منهم الحاصل على جائزة نوبل (ج.م) كويتزي، والكاتب التشيكي ميلان كونديرا، بالرغم من أنه لم ينعم بصفة أقرانه من البنيويين، وما بعد البنيويين، والتفكيكيين وغيرهم”، يضيف بيان جامعة ستانفورد.
ولد هذا المسيحي يوم عيد الميلاد من سنة (1923) بمدينة أفينيون، وكتب الكثير عن تنوع ووحدة الديانات. وأسس هذا الإنساني، الذي كان والده محافظ مكتبة ومتحف كالفي بافينيون، ثم بقصر البابوات، فكره على الكتابات المقدسة، المقروءة جدا، مثلها مثل كتابات الكتاب الكبار في مجال الأدب (بروست، وستاندال، أو دوستويفسكي)، وعرف من خلال مصطلحه “الرغبة المُحكاتية”، التي يعرفها على النحو التالي: “فبمحاكاة الرغبة عند أمثالي، دائما، أدخل المنافسة في العلاقات الإنسانية، ومن ثمة أدخل العنف أيضا”. وبالنسبة إليه، يعتبر الكتاب المقدس مشروعا لإخراج الإنسان من دائرة العنف.
دكتوراه فخرية
بعد أن عبر مدرسة شارت، وهو المتخصص في المحافظة على الوثائق والعالم المتخصص في قراءة النصوص القديمة، انتقل روني جيرار للإقامة في الولايات المتحدة منذ سنة (1947)، ودرَّس هناك في عدة جامعات، منها جامعة دوك، وجون هوبكنز، وخاصة ستانفورد، حيث ترأس لمدة طويلة شعبة اللغة والأدب والحضارة الفرنسية، ونال الدكتوراه الفخرية من عدة جامعات (منها جامعة أمستردام، وإنسبروك، وأنفيرس، وباردو، ومونتريال، وبالتيمور، ولندن…)، وأنهى عمله الأكاديمي بستانفورد سنة (1995)، حيث ظل يعيش منذ ذلك الوقت، وكتب نصوصا منها “زيف رومانسي وحقيقة روائية”، (1961)، “والعنف والمقدس” (1972)، و”شكسبير ونيران الرغبة”، الذي حاز جائزة مديسيس للبحث لسنة (1990)، و”أرى إبليس يسقط كالوميض” (1999)، و”ذلك الذي يجلب الفضيحة” (2001).
ردود الفعل الفرنسية
توالت ردود الفعل من جهات عدة إثر إعلان وفاة هذا الفيلسوف والمقارن الكبير، مشاركة في هذا المصاب الجلل ومشيدة بالرجل.
وحيا الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، في بيان، هذا “المثقف الكبير الصارم والمتحمس المتقد، المفسر ذي الفضول بغير ضفاف، والمنظِّر اللافت للنظر، وصاحب الفكر المؤسس، والمدرس والباحث غير النمطي الذي يحب أن يسبح ضد التيار. لقد كان روني جيرار رجلا حرا وإنسانيا سيطبع عمله تاريخ الفكر”.
بينما قال عنه الفيلسوف الفرنسي جاك أتالي، في حسابه على تويتر، يجب أن نقرأ “العنف والمقدس” لروني جيرار، الذي رحل، فهو “أداة رائعة لتحليل الطبيعة البشرية”. ففي هذا الكتاب، وهو واحد من أشهر كتب عالم الإناسة، يحاول العودة إلى ينابيع الصرح الثقافي والاجتماعي الذي يحتل قلب الحضارة. وقد استند هذا التحقيق على إعادة قراءة شخصية لنصوص التراجيديا الإغريقية، وعلى دراسة أهم الأنظمة التفسيرية، وخاصة علم النفس، وركز على الدور الأساسي للعنف المؤسس وعلى كبش الفداء.
كما عبر الكاتب الدائم للأكاديمية الفرنسية وكل أعضائها عن حزنهم جراء وفاة زميلهم، الحائز على وسام جوقة الشرف من درجة فارس، وقائد الفنون والآداب، والذي وفاه الأجل المحتوم يوم (4) من شهر نونبر من سنة (2015) بستانفورد (الولايات المتحدة)؛ وهو الذي انتخب عضوا بالأكاديمية الفرنسية يوم (17) مارس من سنة (2005)، واحتل كرسي ر. الأب كاريه، وهو الكرسي (37).
وبالنسبة للأسقف مونسينيور كلود داجنس، زميل روني جيرار بالأكاديمية الفرنسية، فالفيلسوف الراحل “كان جريئا واعتبر في فرنسا “دخيلا”، وأعاد القيمة والاعتبار للدين المسيحي في مجال الفلسفة”. “لقد كان فيلسوفا أصيلا وجريئا لأنه واجه حقيقة لا يقترب منها الفلاسفة في الغالب الأعم، وهي حقيقة وسر الشر”.
ثم أضاف الأسقف مونسينيور داجنس، متحدثا إلى وكالة الأنباء الفرنسية، في اجتماع للأساقفة بمدينة لورد، أن “الراحل أعاد القيمة للعقيدة المسيحية في مجال الفلسفة، وذلك حين أبرز أن حقيقة الشر تولد دوامة من الشعور بالذنب: فإذا كان هناك شر، فهناك مذنبون، وإذا كان هناك مذنبون فيجب البحث عنهم، وإذا بحثنا عنهم فإننا نعثر عليهم، وإذا عثرنا عليهم فإننا نتهمهم”.
وختم مونسينيور حديثه بأن “المسيح عيسى أفلح في القضاء من الداخل على هذه الدوامة المدمرة عبر حبه وصليبه: فهو كبش الفداء الذي أخذ على عاتقه شر العالم وحطم دوامة الشعور بالذنب.”
وبحسب الأسقف أنغوليم، فإن كل كتب روني جيرار، وخاصة “العنف والمقدس” (1972)، “تعزف الموسيقى ذاتها”، وتجعل من “وحي المسيح المصلوب عنصرا مكونا لفهم جديد للعالم، وقد مثل ذلك جرأة كبيرة، ولم يكسبه أصدقاء كثرا في حقل الفلسفة. وفي فرنسا، اعتبر كالدخيل؛ لأنه اهتم، باعتباره فيلسوفا، بما لا يجب أن يعنى به”.
وأشاد وزير الثقافة الفرنسي، فلور بيلوران، بالمفكر الكبير للشأن الديني، إذ قال: “أنا حزين جدا بسماع غياب روني جيرار، المفكر الكبير في الشأن الديني، والتأمل والعنف القائم على المحاكاة”.
وكانت مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث نظمت يوم السبت 27 فبراير، بصالون جدل الثقافي، الكائن بمقر المؤسسة بالرباط، ندوة علمية شارك فيها كل من الدكتور نور الدين الزاهي والباحث عبد الإله سطي، قدم كل منهما ورقة نقدية حول كتاب “.
وتجدر الإشارة إلى أن جيرار أنثروبولوجي فرنسي ، من مواليد 1923م . من بين مؤلفاته :
-1961م “أكذوبة رومانسية و حقيقة روائية ” باريس ، دار النشر ،غراسي .
-1972م”العنف و المقدس ” ، باريس ، دار النشر ،غراسي .
-1978م ” أشياء محتجبة منذ ظهور العالم ،(حوارات ) ،باريس، غراسي .
-1982م “كبش الفداء” ،باريس ، دار النشر غراسي.
وقد منح روني جيرار لكتابه عنوان ” العنف و المقدس” ، محددا بفضل ذلك ، حسب أنه سيبحث في العلاقة القائمة بين العنف و المقدس، وبما أنه أنثروبولوجي فسيكون مجال بحث هذه العلاقة غائرا في نمط العيش الثقافي للجماعات الإنسانية العتيقة، و بحكم ترتيب لفظة العنف قبل لفظة المقدس، سيكون الأمر الأول الذي يجب رفع الغموض عنه، هو لم العنف أولا، و المقدس ثانيا و ليس العكس ؟
وفي إجابته عن هذا السؤال، يرى الزاهي أن المبتغى المؤسس للكتاب هو تبرير هذا الترتيب، و فك لغز التعالق بين العنف، بوصفه الأصل و الأساس (العنف المؤسس) و كيفية نشوء المقدس و في الآن نفسه، تعليل دواعي هاته النشأة وأثرها على حياة الجماعات الإنسانية .
بعد ذلك يجمل الباحث الزاهي الأسئلة الكبرى للكتاب في اثنين :
– من أين ينبع العنف و يتولد و يتوالد في حياة المجتمعات الإنسانية ؟
– لم لم يتمكن هذا العنف من تدمير حياة الناس داخل جماعات إنسانية؟
أما أطروحة الكتاب الكبرى، فيحددها الزاهي في أن العنف يحضر في حياة الجماعات الإنسانية منذ نشوئها الأول بشكل كلي و شامل، من أدق تفاصيل الحياة اليومية إلى أشكال العيش الجماعي المنظم في جماعة قرابية أو قبيلة أو نظام حكم سياسي . أصل هذا الحضور الشامل للعنف يكمن في احتضان الطبيعة البشرية للرغبة التي يحددها روني جيرار بوصفها رغبة في تملك ما يرغب فيه الآخر و يتملكه ، و ليس رغبة في الأشياء في حد ذاتها . وبما أنها كذلك، تصبح كل رغبة محاكاة لرغبة الآخر . الرغبة المحاكاتية تولد العنف ( الصراع والتنافس والاقتتال بين شخصين أو جماعتين حول نفس الرغبة في تملك نفس الشيء) ، وتحوله إلى عنف عام. و بما أن العنف يولد العنف، يصبح العنف المعمم مهددا بدمار و خراب التعايش بين الأشخاص و الجماعات. إنه العنف المدمر، و الذي يضمن تسلسله اللانهائي بفضل آلية الانتقام أو الثأر.
ينطلق بعد ذلك نور الدين الزاهي إلى مقاربة الكيفية التي يجيب بها جيرار عن السؤال: كيف تمكنت المجتمعات الإنسانية من إيجاد الترياق الشافي لسم العنف المدمر؟ ويرى أن جواب روني جيرار عن هذا السؤال هو ما جعله يكشف كيفية نشوء المقدس من داخل سيرورة العنف، لكن لأجل إيقافه و حجزه .البحث عن كبش الفداء تمسح فيه الجماعة كل علل نشوء العنف وتعلق عليه كل النتائج . كبش الفداء هو الضحية التي ستحمل لعنة إيقاد فتيل العنف، و هو ما سيبجل و يقدس بحكم كونه الواحد الأوحد من له إمكانية إيقاف مسلسل العنف المدمر اللانهائي .التضحية حسب روني جرار ليست فعلا دينيا يستهدف إرضاء الآلهة ، بل إنه فعل إنساني . و إذا ما كان الناس يذهبون إلى حد التضحية (قتل) بواحد منهم؛ فذلك لأجل إيقاف نزيف العنف الذي يهدد بخراب الجماعة . ولد المقدس من صلب العنف، و لتمكنه من تهدئة كل جوارح العنف الجامحة ستسن الجماعات سنة الاحتفال و التذكير و التحيين بلحظات انتصارها على القوة المتفجرة للعنف . إنه ميلاد الطقوس و سن قواعد التحريم . بفضل الطقوس تخدع و تخادع الجماعة العنف المدمر عبر إوالية الضحية البديلة .(تعويض و إبدال الضحية الآدمية بالضحية الحيوانية )ضامنة بذلك احتفالها العنيف بالعنف من دون أن تهدد وجود كيانها كجماعة متعايشة. إنها تضمن السلم عبر الاحتفال بالعنف. تلك هي المفارقات المتعايشة التي تمكن روني جيرار من إظهارها ضمن كتابه ” العنف والمقدس “، و هي نفسها التي ستجعله يغير عنوان الكتاب، ليصبح ” العنف أو المقدس ” .
من جهته، يرى الأستاذ عبد الإله السطي أنه لتجاوز نار الفتنة واللعنات التي تصيبها كانت الجماعات القديمة تبحث عن مسبباتها من خلال الإجماع على أحد أفرادها بأنه الشخص الآثم والمذنب؛ فيتم الإقدام على تصفيته جماعيا بدون الخضوع إلى أي شكل من أشكال محاكمته. وحتى إن كان هذا الشخص بريئا، فإن الجماعة تعود إلى الهدوء والسكينة، معتبرة أن نار الفتنة قد تم إخمادها إلى درجة تقديس عملية التضحية هاته، والغالب الأعم في هذه الحالة يتم اختيار الضحية بشكل دقيق من قبل الأشخاص اليتامى الذين لا عائلة لهم ولا من يعود للثأر لهم. من خلال هذه الصورة التي ينقلها عبر رصده الدقيق للأساطير المؤسسة للاجتماع البشري القديم؛ سواء بالشرق أو الغرب أو في إفريقيا أو في آسيا أو أمريكا، يحاول “رينيه جيرار”، حسب السطي، أن يؤسس لظاهرة العنف ومسبباته عند الإنسان القديم ومدى تجليات ذلك عند الإنسان الحديث.
ولفهم هذه الظاهرة جيدا، يعود “جيرارد” لاهتمامات الديانات القديمة وللأساطير المؤسسة لها، حيث لا حظ أن كل هذه الأساطير تقوم بالإشارة لوجود فتنة مجتمعية يتصارع من خلالها الأفراد من أجل الوصول لحل هذه الخلافات. التي يعتبرها الاجتماع البشري وليدة لظواهر خفية؛ وعدوان ناتج عن قوة خارقة للطبيعة أو وباء متفشٍ نتيجة لعنة السماء. وفي آخر المطاف، ينبثق نظام جديد من هاته الفوضى التي يختلط فيها الحابل بالنابل. فيتكون الإجماع على قتل الضحية بدون أية محاكمة أو استحضار الحجة على إدانته. مكونة بذلك شكلا من أشكال الإجماع على الظلم، الذي في نهاية الأمر تقديس للعنف من أجل تخليص المجتمع من الخلل والفتنة التي أصابته من قبل الطبيعة. إنه “كبش الفداء” كما يسميه “جيرار” الذي يتكون الإجماع على التخلص منه والاستغناء عنه، من أجل إحلال السلام وإخماد حالة الانتكاسة التي يجمع الكل أنها السبب الوحيد للكارثة.
فالجماعة تمارس العنف عبر التضحية بشخص؛ يتم اختياره بعناية لما تتأكد أن لا أثر قد يترتب على اغتياله من عدوان مضاد أو انتقام للعشيرة، وفي هذا الصدد يقول “جيرار”: “المجتمع يبحث عن تحويل عنف يهدد المنتمين إليه نحو أضحية هي قليلة الأهمية” والتضحية في هذا الباب “هي عنف هدفه حماية الجماعة من عنف مضاد، إنها خداع العنف” وتلعب التضحية هنا دور الكابح للعنف إنها تساعد البشر في نظره “على “الحد من الانتقام”؛ فوظيفة التضحية “هي المحافظة على السلم العام داخل الجماعة عن طريق توجيه العنف نحو أضحية ملائمة”. فمن أجل وضع حد لعنف آخر يدخل الجماعة في دوامة من الكراهية والضغائن المتفشية بها، لا محيد عن الخلاص من العنف إلا بواسطة العنف ذاته، بواسطة “كبش الفداء” Le Bouc Emissaire الذي بفضله تستطيع الجماعة إحلال السلام وتحقيق وحدتها المشتتة جراء أزمة محاكاة الطبيعة.
وعليه، فالتضحية هنا هي جزء من طقوس وممارسة شعائرية تقوم من خلالها المجموعة بمحاكاة الأزمة الناتجة عن عنف؛ إما طبيعي أو وبائي أو نزعة تفرقة متفشية بين أفراد المجموعة، عبر تفعيل ميكانيزمات محاكاة الأعنف بالعنف عبر تقديم “كبش فداء” لتفادي الخطر وتخليص المجتمع من شروره. لكن ما هي الأسس التي اعتمدها “رينيه جيرار” في تبريره لمنطق الصراع المجتمعي هذا وما يترتب عنه من عنف؟
إن “رينيه جيرار” من خلال صياغته لأطروحته النظرية حول كبش الفداء كمعين لتجاوز حالة العنف النازل بالاجتماع البشري والحيلولة دون تهديده لوحدة المجموعة واستمرارها، قام ببناء نسق سوسيولوجي يتأسس على نظرية “المحاكاة التملكية” التي يعتبرها حجر الزاوية لفهم العلاقة الجدلية التي تربط ما بين المقدس والعنف كأصل للصراع الاجتماعي، والآليات والوسائل التي تلجأ إليها الجماعات القديمة لدرء المخاطر المحدقة بها والمهددة لكيانها.
ومجمل القول مما سبق، حسب السطي، أن “رينيه جيرار” من خلال مفاهيم: الآلهة، والذبيحة، والطقوس والأساطير، والرغبة المحاكاتية…كعناصر تنحت نظريته حول “العنف والمقدس”، يجمعها بعد واحد هو مركزية الأنا في علاقتها بالذات وفي علاقتها بالآخر. بأدوات تكثفها الصرامة المنهجية والعدة الأنثروبولوجية، حفر في إشكالية مركزية حول الرغبة المحاكاتية ونزعتها الذاتية في الإنسان، وما يترتب عنها من أثر عدواني في سلوكه تجاه الآخر لما تصير منافسة ونزاع حول المرغوب في محاكاته. فيكون الملجأ لحل حالة العنف هذه هو ما يمسه بالإبدال الذبائحي كطقس ساد الديانات البدائية ما قبل التوحيدية، وما الإبدال الذبائحي هذا إلا مخرجا لتهدئة “الصراعات الداخلية ومنع نشوب النزاعات المسلحة”.
البحث في الوسم
روني جيرار العنف والمقدس