قراءة في كتاب “كيف نفكر” للفيلسوف جون ديوي
تقديم:ماريا بوبوفا، ترجمها بتصرف: رعد طالب، تدقيق: ريام عيسى
———————-
لكي تحصل على فضول مثمر و تكون متمرساً على فن التفكير يجب عليك الحفاظ على حالة دائمة من الشك، وعلى الإستمرار في تحقيق منظم ومطوّل، وهذه هي أبسط أساسيات التفكير.
————————–
منذ عقود وقبل أن يضع الاسطورة كارل ساغان عُدته لكشف الزيف وطُرق التفكير النقدي، كان هناك الفيلسوف العظيم وعالم النفس والمصلح في قضايا التعليم جون ديوي قد كتب أطروحة رائعة حول هذا الموضوع. فموضوع التفكير النقدي يهم الجميع ونحتاجه بشكل عاجل، في عصرنا عصر الاحكام المفاجئة والآراء الفورية. في تحفته الصادرة عام 1910 “كيف نفكّر””يقوم ديوي بدراسة مفصلة للتفكير، حيث يرى ديوي أن التفكير سمة الانسان الاساسية وهذا أمر بديهي مفروغ منه، ولكن يلزمنا الكثير من التدريب على إتقان فن التفكير، وكيف يمكن توجيه الفضول الطبيعي لدينا بطريقة منتجة عندما نواجه فيض من المعلومات.
يبدأ ديوي من تأسيس الفكر المثمر، فالعقل الخلاّق المبدع هو: العقل المفكر الذي لا ينطوي على مجرد تسلسل للافكار، بل هو ترتيب يساهم فيه كل جيل في تعزيزه بالنتائج السليمة. إنه يُشبّه الامر بتيار او قطار او سلسلة يعتمد بعض اجزاء الفكر على بعضه الآخر.
من جانب آخر يُلاحظ ديوي السمات الفكرية “للإيمان المسبق” ويُعرّفها:
“المعرفة الحقيقية او المفترضة التي تتجاوز ما هو موجود مباشرة والتي تتسم بقبول او رفض شيء معقول ومُحتمل أو غير محتمل، وأن عملية القبول أو الرفض تتم دون النظر الى الإتجاهات الفكرية المُعاكسة والتي هي واحدة من أكثر العيوب الجوهرية للبشرية.
إن ميلنا الى بناء معتقداتنا على أساس عدم كفاية المعرفة والفهم ثم التمسك بها بصورة عمياء ورفض جميع الأدلة المعاكسة، والتأثّر بالصور النمطية والأحكام المسبقة هي من منتجات هذا التفكير الإيماني-العقائدي. إن هذا الفكر لا يقدم انعكاساً حقيقياً للمعرفة بل يقوم على اختصارات معرفية تعوق عملية التفكير غالباً، بل تعوق عمليات التفكير الخاصة بكل فرد. إن مثل هذه الأفكار تكبر دون وعي ودون فكر تحقيقي للوصول الى المعرفة الحقيقية.
إن المعرفة الملتقطة من مصادر غامضة لا يمكن التحقق من صحتها، في حالة قبولها دون تحقيق تُصبح جزءاً من الأثاث العقلي لدينا، تدخل في التقاليد والتعليم والمحاكاة، وتصبح سلطة حاكمة علينا بشكل من الاشكال، وبالأخص إن كانت عاطفة قوية هي المسؤولة عنها. إن هذه الافكار المسبقة والاحكام المسبقة ستكون مسؤولة عن محو الأدلة حتى لو وجدت امام اعيننا.
للتفكير الصحيح، يدعونا ديوي الى النظر في أصل معتقداتنا بل وكيفية تأثيرها في أفعالنا وتصرفاتنا، والتي تؤثر بالفعل دون شك. إن التفكير في أفضل معانيه، هو ما يترتب عليه الكثير من العواقب والمعتقدات، فالتفكير بأن الارض مسطحة وأن هذا الامر حقيقة وليست خيالا، هذا الاستنتاج، سيقود المرء الى الاعتقاد بأفكار خاطئة عن الاجرام السماوية الاخرى وحدود الكرة الارضية وإمكانية التنقل على الارض إنه سيبني تصوره وفقاً لهذه الاشياء وذلك المعتقد.
إن عملية التفكير التأملي هي أقوى ترياق لدينا للمعتقدات الخاطئة. إن التفكير التأملي هو ببساطة إحتضان اللا يقين وتسخير قوة “اللاعلم” للوصول للمعرفة الحقيقية، فالتفكير تبعاً لذلك هي العملية التي تقوم على إستخدام المعطيات الراهنة للوصول الى حقائق اخرى بناء على الأدلة الجديدة، او بإختصار نلّخص الطريقة للوصول الى حقيقة جديدة بِ:
1-حالة من الحيرة والتردد والشك.
2-عملية البحث او التحقيق الموجه لمزيد من تسليط الضوء الذي يعمل على تأكيد او إبطال الفكرة او الاعتقاد المقترح.
يُجادل ديوي، أن التخبط في التفكير قد يساعدنا في إيجاد أنفسنا وأنه قد يشعل شرارة التفكير لدينا ويجعلنا ساعين لطلب العلم. إنه نوع من الارق النفسي القادم من الغموض ومحاولة فكّ هذا الغموض. إن هذا الامر هو ما يسميه الشاعر جون كيتس ب”القدرة السلبية” وهي تلك القدرة التي تترسب حول جهودنا لحل المشكلة والقلق الناتج عنها. في اجواء الحيرة تلك، يصبح فن التفكير النقدي حاسماً، أن تتحمل مسؤولية الشك الكبير الذي يعتريك.
إن واحدة من اهم مزايا التفكير النقدي أن تبقى في حالة الشك وعدم التأكد وأن لا تُرحّب كيفما كان في أية معلومة جديدة، وأن لا تضع هدفاً مسبقاً للافكار التي تُريد الوصول اليها. في حالة قبول الاقتراحات دفعة واحدة دون تمحيص وبالحد الادنى من التفكير، يُفقدنا ذلك مزايا عديدة، فهو يُفقدنا البحث عن أدلة أضافية على البيانات الجديدة ويُفقدنا أية اقتراحات لتطوير الفكرة أو رفضها.
فأسهل طريقة تبعث الارتياح النفسي هي قبول الاقتراحات التي تبدو معقولة دون إعمال التفكير النقدي التأملّي، فالتفكير التأملي هو أكثر ازعاجاً لأنها تنطوي على محاولات التغلب على الجمود وعدم قبول الاقتراحات مباشرة دون إحاطتها بسيل من التساؤلات والتشكيك، بل أنها قد تنطوي على نوع من الاضطراب العقلي، فالتفكير التأملي هو تعليق إصدار الحكم للمزيد من الاستفسار والذي ربما يكون مؤلماً بعض الشيء، الحفاظ على تلك الحالة من الشك والاستمرار في التحقيق المنهجي طويل الامد، ولكن رغم تلك الاضطرابات فإن ذلك هو من اساسيات التفكير.
يقول ديوي: إن الاشخاص الاكثر ذكاءاً هم أولئك الاكثر مهارة في ترشيد معتقداتهم وسلوكياتهم الخاطئة الناتجة عن تلك المعتقدات. فالذكاء الطبيعي ليس عائقاً امام انتشار الخطأ، فالعقول غير المدربة على التفكير النقدي والتي لا تمتلك خبرة فكرية كبيرة تؤدي الى تراكم المعتقدات الخاطئة ، والاخطاء ستدعم بعضها بعضاً بشكل متبادل وسيصبح نسيجاً من الخطأ ونمطاً ثابتا من سوء الفهم.
يرى ديوي أن أعظم هدية نمتلكها هو أن نتخيّل أشياء لم نراها او نواجهها حتى الان، بل نبني تصورنا عن ذلك الشيء الغائب او المستقبلي بناءاً على معرفتنا في الوقت الحاضر وذلك ما يهبنا “الإبصار المنهجي” والذي يجعلنا نبني على أساس الغائب والمستقبل، هذا الخيال قد يكون من أخطر المزالق وقد يكون أعظم امكانية في تعلّم فن التفكير النقدي التأملي فهو سلاح ذو حديّن.
تتعرض عملية التواصل بين الغائب والحاضر الى مجموعة من الاخطاء الغريبة، فهي عرضة للتأثّر بعدد من الاسباب اللامرئية واللامدروسة، كالتجارب السابقة والعقائد الثابتة، والتحريك من مصلحة ذاتية، وإثارة العواطف والكسل العقلي المحض، ويجمع ذلك بيئة اجتماعية غارقة في التقاليد المتحيزة والتي تتحرك بتوقعات كاذبة، وهلم جرا.
ممارسة الفكر هي بالمعنى الحرفي لكلمة ممارسة الاستدلال، أن تزدحم الأدلة، والايمانات وأشياء أخرى في بالنا حول موضوع معين، إنه ينطوي على ممارسة القفزات، قفزة قفزة، ليتم تجاوز المعارف المؤكدة لدينا الى شيء ما يُبنى عليه. في خلال ذلك، يجب الانتباه الى الظروف التي تحدث فيها تلك القفزات نحو المجهول، فهناك خطرٌ من الخطوات الخاطئة التي لا تُرسيك على فكرة صحيحة. لذلك يجب الاهتمام بالسياق الذي حدثت فيه الفكرة والظروف التي تمنحها المصداقية، يقول ديوي: أن الانتباه الى هذا الامر هي وظيفة التفكير النقدي. إن الشيء الذي يخرج من اختبار ومحاكمة التفكير النقدي، بلا ذرائع او ممارسة الخداع، هو الذي يحمل أوراق إعتماده معه، وتتم الموافقة عليه لانه عندذاك تم اثباته..
لذلك يجب التمييز بين المعتقدات والافكار التي ترتكز على دليل اختبار وبين تلك التي لا تمتلك ذلك، إن الموافقة على فكرة ما يتطلب معرفة وخبرة كبيرتين تختبر تلك الفكرة قبل الايمان بها.
المصدر:
http://on.iqtp.org/06327ac
حياته
ولد في أمريكا في ولايةفرمونت ( ( Vermontفي مدينة برلنغتون, كان أبوه في حالة اقتصادية جيدة وأمه من أسرة مثقفة وثرية. ساهمت والدته في حثه على المثابرة في طلب العلم وحريصة على تعليمه,كان ديوي منذ صغره محبا للقراءة والإطلاع ، قضى معظم وقت فراغه بالمكتبات وعندما تزوج “أليس” أثرت فيه تأثيرا عظيما ودفعته إلى الاهتمام بمشاكل الحياة المعاصرة ، ومما يروى عن فرط محبته لأبنائه وبناته أنه ألف كتابه الديمقراطية والتربية “وهو يحمل طفله على إحدى ركبتيه ويضع الورق الذي يكتب فيه على الأخرى” . حصل على درجة الدكتوراه من جامعة جون هوبكنر (1884 م) وعمل في التدريس وأثناء ذلك قام مع زوجته “أليس” ببناء مدرسة تجريبية ليطبق مشاريعه في الميدان ، لقد أتيحت الفرصة لديوي فزار الكثير من دول العالم وحاضر فيها ونشر أفكاره وفي منتصف الخمسينات من القرن العشرين أصبحت فلسفة التربية البراغماتية من أشهر الفلسفات وقد لاقت رواجاً حتى في العالم العربي ، قام ديوي بتأليف عدة كتب وهي تدل على سعة اهتماماته ، وتركزت كتبه على التربية وعلم الأخلاق والفلسفة وعلم النفس وكثيراً ما تكررت كلمة خبرة Experience في محتويات كتبه ورسائله ، من أهم كتب جون ديوي: المدرسة والمجتمع The school and Society ، الديمقراطية والتربية Democracy and Education ، الخبرة والتربية Experience and Education . كيف نفكر How We Think ، الحرية والثقافة Freedom and Culture ، تأثر ديوي فكرياً بدراسات هيجل الفلسفية وفروبل النفسية ودارون التطورية وكان امتدادا لبيرس ووليم جيمس في فلسفتهما البراغماتية القائمة على المنفعة والعائد الملموس أو الذي يمكن أن يلاحظ بالقياس. حرص ديوي على التأكيد على غرس مبدأ تربية المتعلم على إتباع منهج علمي في حل مشكلاته الحاضرة من خلال دراسة المشكلة وفرض الفروض وتجريبها. نجح ديوي في هجومه على فلسفة التعليم النمطية التقليدية وساهم في دفع عجلة التعليم إلى مسار مغاير له حيث نادى بأهمية الخبرة في التعليم وانتقد أسلوب التلقين (Rote learning) وأنكر الاعتماد الكلي على الكتاب المدرسي والمعلم كما شن هجومه على النظام التعليمي الصارم المبني على الطاعة التامة للوائح الإدارية الجامدة. توجه ديوي إلى جعل المدرسة بيئة ثرية بالخبرات حافلة بحركة المتعلمين من أجل تكوين عقلية علمية راشدة تستطيع حل المشكلات بأسلوب منهجي. من القواعد التي جاهد ديوي من أجل ترسيخها أن الطفل شمس التربية ونقطة ارتكازية في العملية التعليمية وأنَّه لن يتعلم بشكل أمثل إلا من خلال الخبرات الحياتية فإنَّ تعلم السباحة مثلا لا يمكن أن يتحقق من دون أن يمارس المتعلم عملية السباحة داخل الماء وكذلك شأن سائر المهارات العقلية والاجتماعية. ومن خلال تجاربه ودراساته شدد على أهمية ربط المدرسة بالمجتمع ونادى بالحياة الديمقراطية وبما أنه من أبرزعلماء الفلسفة التقدمية والبراجماتية فإنه حصر التربية بالمنفعة والمصلحة وأن التعليم يجب أن يخدم الأغراض العلمية والأهداف الواقعية التي تنفع الفرد الحر والمجتمع الديمقراطي. عمل ديوي في التدريس في كل من جامعة “متشغن” و”منيسوتا” وفي جامعة “إلينويز” وبدأ أعماله التجريبية قي مدرسته الخاصة بأفكاره ولعل الاتجاه التقليدي القديم العقيم لم يوافق على توجهات ديوي فاستقال في عام 1904م والتحق بجامعة كولومبيا في نيويورك إلى أن تقاعد في عام 1930م. ولم تكن جهود ديوي منحصرة في الولايات المتحدة فلقد دعته تركيا في العشرينات من القرن الماضي ليضع لها أسس تربية تقدمية ، وإذا كانت أفكار ديوي عموماً قد ساهمت في بناء الفكر التربوي المعاصر إيجابياً فإن عددا من الباحثين الغربيين يرون أنَّ الانهيار الأخلاقي الذي وصل إلى هاوية سحيقة لأسباب كثيرة منها مساهمة العلوم الاجتماعية الإنسانية في تقويض القيم الروحية والأخلاقية ، لقد آمن جون ديوي بنسبية الأخلاق وأنها متغيرة فخسر العمق الروحي التربوي عندما أبعد ترسيخ مفهوم الإيمان بالله في تربية الفرد والمجتمع بشكل متكامل.
الأفكار التربوية التربية كما يتصورها ديوي
“تعني مجموعة العمليات التي يستطيع بها المجتمع أو زمرة اجتماعية كبرت أو صغرت أن تنقل سلطانها أو أهدافها المكتسبة، بغية تأمين وجودها الخاص ونموها المستمر، إن التربية هي الحياة” وبهذا حدد ديوي غرض التربية كحركة تخدم المتعلم في يومه قبل غده مع التأكيد على أنها عملية مجتمعية ديمقراطية إذ أن قوة المجتمع هي التي تصبغ الأفراد وتصيغ الأهداف فالعلاقة بين التربية والمجتمع علاقة وطيدة منذ القِدم. فالفلسفة عند ديوي ترسم مسارات التعليم ولا يمكن الفصل بين الفلسفة والتربية فالأول يقدم التصورات الضرورية والثاني يمثل التطبيق العملي لتلك التصورات ، إنَّ إسهامات ديوي يمكن تصنيفها تحت العلوم التربوية والفلسفية والنفسية والسياسية. إذا أردنا أن نوجز فلسفة وعقيدة ديوي التربوية فإن التعليم الأمثل عنده هو الذي يغرس مهارات ولا يكدس معلومات، وهو الذي يلامس متطلبات الواقع، ولا ينغمس في تقديس الماضي. ومما يترتب على الرؤية الفلسفية السابقة جملة من التطبيقات التربوية منها أن التربية تقوم على مبدأ تفاعل المتعلم مع البيئة المحيطة به والمجتمع الذي يعيش فيه ولذلك فإنه يحتاج إلى تنمية مهاراته الفكرية والعملية دائماً ليقوم بحل المشكلات بشكل راشد وأسس علمية ، استناداً لهذه الرؤية فإن العلوم النظرية وتشعيباتها الكثيرة ليست ذات أهمية في المنهج التعليمي طالما أنها لا تخدم المتعلم في تصريف شئون حياته. قام ديوي بتحويل عملية تهذيب الإنسان من العناية بالمُثل العقلية المجردة إلى الاهتمام بالنتائج المادية الملموسة ، في ظل هذه الفلسفة التي عُرفت باسم البراغماتية والأداتية والوظيفية فإن البحث العلمي لحل المشكلات الواقعية أهم أداة في الحياة لمعرفة الحقائق ولتربية الفرد ولتكوين المجتمع الديمقراطي. يرى ديوي أن أسلوب المحاضرة من الطرائق القاصرة في التعليم ومنافعها محدودة لأنها لا تتيح الفرصة للمتعلم كي يستكشف الواقع، ويجمع المعلومات، ويقيس الأمور، ويبحث عن الحلول, لهذا فإن أسلوب السعي في حل المشكلات القائم على حرية المتعلم أكثر إيجابية وخير من الدروس التقليدية القائمة على محاضرات المعلم التلقينية. وهكذا فإن ديوي لا يتفق مع طريقة جون فريدريك هربرت في توصيل المعلومات عبر خطوات منهجية في عرض الدرس لأن الطالب سيكون سلبيا فالمعلومات تأتي إليه في الفصل ولا ينجذب إليها. من أفكار ديوي التربوية طريقة المشروع “project method” ويقصد بها أنَّ يقوم المتعلمون باختيار موضوع واحد ودراسته من عدة جوانب كأن يذهب المتعلمون إلى مزرعة وفيها يتعلمون كيفية الزراعة ويستمعون إلى تاريخ الزراعة في تلك المنطقة ويتعاون كل فرد من المجموعة بعمل جزء من المشروع ، في عملية تنفيذ المشروع يقوم الطالب بجمع البيانات المطلوبة من المكتبة أو مقابلة الأساتذة. من أهم سمات طريقة المشروع كنشاط شامل: -أن المتعلم عادة سيتفاعل معه لأنه قد يكون شارك في اختيار الموضوع. -طريقة المشروع تشبع حاجة المتعلم النفسية لأنها تراعي الفروق الفردية، وتدفعه إلى التعلم الجماعي، وتحرره من قيود الكتاب المدرسي. -لم يوضح ديوي تفاصيل طريقة المشروع في التدريس ولكن تلميذه كلباترك قام بوضع التفاصيل. -من أهم خطوات طريقة المشروع للفرد أو للمجموعة: 1-وجود الغرض. 2-رسم الخطة. 3-تنفيذ الخطة. 4-تقويم الخطة . و يُعرِّف جون ديوي الديمقراطية التربوية بأنها طريقة شخصية للحياة، وهي بالتالي ليست مجرد شيء خارجي يحيط بنا فهي جملة من الاتجاهات والمواقف التي تشكل السمات الشخصية للفرد والتي تحدد ميوله وأهدافه في مجال علاقاته الوجودية ، ويترتب على هذا التصور ضرورة المشاركة في إبداء الرأي وصنع القرار، وتأسيس الحياة المدرسية والأسرية على هذه المضامين الديمقراطية لتنظيم الحياة . في ظل هذه المنظومة نرى أن الديمقراطية في الحقل التربوي تعني ممارسات اجتماعية تؤكد قيمة الفرد وكرامته، وتجسد شخصيته الإنسانية، وتقوم على أساس مشاركة أعضاء الأسرة والجماعات في إدارة شئوونها ديمقراطياً . من الواضح أن كتابات ديوي تحمل في طياتها نقداً لاذعاً للتربية التقليدية السائدة في عصره وعلى مر العصور, انتقد التربية التي تعتمد على حفظ المعلومات عن ظهر قلب، وإعداد المتعلم للمستقبل مع تجاهل الحاضر وتهميش المرحلة التي يعيشها المتعلم ، كانت القاعدة هي أن المعلم هو أساس العملية التربوية وجاء ديوي ليقلب الموازين وينقل الفكر التربوي إلى شمس التربية أي إلى المتعلم واحتياجاته ، كانت كتابات ديوي دعوة قوية حطمت سيادة الأسلوب التقليدي الذي ساد التاريخ الإنساني لفترات طويلة وفي مقابل ذلك جاء المذهب البراغماتي ليؤكد على دور كل من الأسرة والمدرسة والمجتمع في تنمية المتعلم ليعيش حراً مفكراً منتجاً ، التربية عند ديوي هي الحياة في حاضرها أولاً ثم تهتم بالمستقبل.
جون ديوي والحضارة الإسلامية
من معاينة الدراسات الغربية تدل على أن الغربيين في معظمهم ينكرون فضل الحضارة الإسلامية وأثرها في النهضة الغربية إلا أن ديوي في محاضراته كان يؤكد على أن الغرب لا يذكر فضل الحضارة الإسلامية فقال: إننا عادة نغض الطرف عن الاعتراف بفضل الحضارة المحمدية وأثرها في الحضارة النصرانية فلقد كانت الحضارة الإسلامية متقدمة بشكل كبير. هذا كان صحيحا في ميدان الفلسفة وأيضا في الميادين الأخرى” .(Dewey 1993, p.105) .
دور الإقناع العقلي في غرس القيم والأخلاق
في كتابه نظرية الحياة الأخلاقية تحدث ديوي عن دور الإقناع العقلي في غرس القيم والأخلاق إذ يرى أنه لا يكفي المدح والذم، والثواب والعقاب، والتحليل والتحريم. أساس الأخلاق ومضمونه هو معرفة أسباب العادات التي نقوم بها لنتأكد من المعايير التي تضمن أنها عادلة ، الذين يضعون القانون ويشاركون في إيجاد العادات المفترض أن تكون لديهم رؤية ثاقبة لحقيقة تلك الأسس وإلا فإنَّ الأعمى سيقود الأعمى.
في كتابه الحرية والثقافة Freedom and Culture يناقش الماركسية كفلسفة سياسية واقتصادية ويخالفها من حيث حرية الفرد ويؤكد على أن البيت أول مكان يتعلم فيه الفرد الديمقراطية ويعتبرها منهج حياة ثم في نهاية الكتاب يتحدث عن أمريكا كنموذج عالمي يقوم على البحث العلمي والتجربة والإيمان بالتعددية الثقافية.
من خلال مراجعة كتابات جون ديوي يمكن استخلاص فلسفته التربوية في ضوء النقاط الآتية :
في ميدان العقيدة التربوية لجون ديوي
1- كل تربية فاعلة تقوم على مشاركة الفرد في الوعي الاجتماعي للجنس البشري. 2- المدرسة مؤسسة اجتماعية بالدرجة الأولى وينبغي أن تعكس صورة الحياة الجماعية: “I believe that the school is primarily a social institution.” 3- الحياة الاجتماعية للطفل هي الأساس لجميع الأنشطة التعليمية. 4- نمط التعلم يجب أن يعتمد على طبيعة نمو قوى الطفل واهتماماته. 5- التربية هي الطريقة الأساسية للتقدم والإصلاح الاجتماعي. كذلك أعلى ديوي من شأن الخبرة الإنسانية واعتبرها مصدر العلوم والقيم وبخلاف المدرسة المثالية فإنه يرى أن المعرفة والقيم نسبية غير ثابتة فالعقل البشري هو الحاكم الذي يقرر الصواب والخطأ.
أهم وظائف المدرسة
1- تبسيط وترتيب عناصر ميول الطفل التي يراد إنماؤها. 2- تطهير المتعلم من العادات الاجتماعية المذمومة وتهذيبه. 3- تحقيق الانفتاح المتوازن للناشئين كي يعيشوا في بيئة مصغرة فيها مشاركة وتآلف وتكاتف ،المدرسة عند ديوي بيئة ديمقراطية تسعى لإيجاد المواطن الديمقراطي والتربية عملية دائمة للفرد ليساهم في بناء المجتمع مع مراعاة الفروق الفردية في التدريس ووضع المنهج الدراسي.
جوانب تساهم في التقليل من دور التربية المنظمة
1- تكوين العادات اللغوية فإن “التعليم المقصود في المدارس قد يصلح من هذه العادات اللغوية أو يبدلها، ولكن ما أن يتهيج الأفراد حتى تغيب عنهم في كثير من الأحيان الأساليب الحديثة التي تعلموها عن عمد، ويرتدون إلى لغتهم الأصلية الحقيقية”. 2- القدوة أشد فعلاً في النفس من النصيحة “فالتعليم المقصود لا يكاد يكون قوي الأثر إلا على قدر مطابقته السيرة” للأفراد الذين يكونون في بيئة الطفل الاجتماعية. 3- ينمو الجانب الجمالي والذوقي حسب البيئة المحيطة والتعليم المقصود والمباشر يستطيع أن يقدم معلومات لا خبرات.
أسس التفكير العلمي
1- وجود خبرة تهم الطالب. 2- ظهور مشكلة وعند المتعلم الحافز لحلها من خلال عملية التفكير. 3- ملاحظة المشكلة وربطها بالمعلومات السابقة عند المتعلم. 4- وضع الفروض والاحتمالات لحلها. 5- اختبار الفروض واقعياً ليتحقق المتعلم من صدقها ، فقائد السيارة مثلا إذا توقفت سيارته ولم يعرف السبب فإن هذه المشكلة تُعتبر خبرة حية وموقف يدفعه إلى التفكير في سبب المشكلة وهذا يدعوه إلى استرجاع معلوماته عند سبب توقف السيارات عموماً ، حرص السائق على تصليح العطل وعلاج الخلل أيضاً يدفعه إلى وضع احتمالات وفروض مثل (نفاذ الوقود- عطل في البطارية…). كيف يعمل هذا؟ كيف يصلح هذا هنا … هذه الأسئلة التجريبية هي أساس فلسفة ديوي الذي لم يتّبع الأسئلة
النظرية التجريدية
يرى ديوي أن التفكير العلمي المبني على القدرة على الفهم والتحليل وحل المشكلات العملية أفضل من حشو أذهان المتعلم بحشد من المعلومات فالأصل في التعليم غرس المنهج العلمي في التفكير. الفن خبرة لدى جون ديوي :
لقد كتب”جون ديوى” – في كتابة “الفن خبرة” محاولا الوصول إلى أعماق التعبيرExpression والأصل الذي انبثقت منه الكلمة: “ولو أننا رجعنا إلى الأصل الاشتقاقي لكلمة تعبير في اللغة الإنجليزية، لوجدنا أن لفظ Expression يشير في الأصل إلى عملية عصر أو ضغط، فالعصر إنما يستخرج Express أو يعتصر وحتى في أكثـر وسائل العصر التعبير Expression آلية، لابد من وجود (تفاعل) يترتب عليه حدوث تحول في المواد الأولية. وهى تلك العناصر التي تعدّ بمثابة المادة الخام في العمل الفني، فيظهر تغيرّ في صميم تلك المواد بالقياس إلـى ما يعتصر بالفعل. وإذن فلابد من توافر بيئة وموضوعات مقاومة من جهة، ودوافع انفعال باطني من جهة أخرى، حتى يتكون التعبير عن الانفعال” فالتعبير تغير في المواد المعبر بها ، وقد تقاوم المادة الخام – (كالحجر أو الرخـام) أو غيرها من المواد – فعل التعبير الذي يقوم به الإنسان، وتكون مهمة الفنان هي تنظيم وتطويع المادة لتكون تعبيراً عن الانفعال ، وهـذه المواد لابد أن تخضع لعملية تغيير، “فالرخام لابد أن يقدّ، والألوان لا بد أن تنسكب على القماش ، والألفاظ لابد من أن يؤلف بين بعضها البعض.. والدافع الذي يثور في النفس محدثا لديها نوعا من الاضطراب الذي يتطلب التعبير أو النطق إنما هو في حاجة أيضا إلى أن يخضع لعملية تنظيم وافٍ دقيق، حتى يلقى البيان الفصيح الذى يظهره إلى الوجود، مثله في ذلك كمثل الرخام أو الأصباغ اللونية أو الألوان أو الأصوات ، بل ربما كان الأدنى إلى الصواب أن يقال اننا هنا لسنا بإزاء عمليتين مختلفتين تجرى إحداهما على المادة الخارجية، وتجرى الأخرى على المادة الداخلية أو العناصر الذهنية ، ولا يكون العمل فنيا إلا بقدر ما تتحد فيه عمليتا التحول ، لكى تتكون منهما عملية واحدة”من التضافر بين العمليتين عملية تطويع المواد الخام، والانفعال، يأتى التعبير الذى يوّحد العمليتين، ويربطهما برباط وثيق لا يمكن أن ينفصم، ويقدم العمل الفنى الذى هو تعبير بالدرجة الأولى، ويقوم هيكله على المواد الخام ، والتعبير عن الجمال، ينتج العمل الفنى، وإذا نظرنا في وسائل التعبير هذه وجدنا أن التعبير يتم على أنحاء كثيرة تبعا لمادة التعبير، “فإذا كان الحجر هو الوسيلة كان التعبير بالمعمار، وإذا كانت اللغة كان التعبير بالشعر، وإذا كانت النغمة كان التعبير بالموسيقى، وإذا كان اللون أو كان التعبير عن الشكل الإنسـانى كان ذلك من فنون التجسيم”على حد تعبير “شوبنهاور” الذى رأى أن ادنى درجات التعبير تكون في المعمار، وأسماها في الشعر إذْ “يرتفع إلى أعلى درجة من درجات التحقق الموضوعى للإرادة، وذلك بالتعبير عن الإنسان في نوازعه المستمرة وأفعاله المتصلة” .
واقعية جون ديوي المعرفة بالتجربة والخبرة و التعبير في الفن
جون ديوي فليسوف العلم اتخذ الأسلوب العلمي في الفلسفة وهو يعد من أكبر الفلاسفة الأمريكيين كما انه مؤسس المدارس الارتقائية الجديدة التى دعا فيها إلى ان تكون المدرسة مجتمعا صغيرا يمثل المجتمع الذى سيعيش فيه التلميذ أو الطالب بعد ذلك وفلسفته عن التعليم تندمج في فلسفته عن الحياة . يعد – جون ديوي- واحداً من دعاة البراغماتية الحديثة الذين ظهروا إلى الوسط الفلسفي الاميركي في بدايات القرن الماضي. وربما ترجع نزعته البراغماتية النفعية إلى اشتغاله بتدريس الفلسفة في مدينة شيكاغو الاميركية, حيث وجد ان الناس هناك لا يؤمنون بالنظريات غير المجدية وانما بالعمل والسعي ، الذي من شأنه ان يؤدي وحده إلى تحقيق رفاهية الانسان واشباع حاجاته. ونظراً لإدراك – جون ديوي- طبيعة المجتمع الذي يعمل به, كان لزاماً عليه ان يجمع بين الفكر والعمل, ومن ثم دعا إلى إحداث أي تغييرات تساعد على تحقيق الاصلاح الاجتماعي وتحقيق الحياة الكريمة للأفراد, حيث وان كانت هذه التغييرات مرتبطة بقواعد الأخلاق أو النظم السياسية والاقتصادية السائدة في المجتمع, شريطة ان تحقق هذه التغييرات المواءمة بين الانسان ومتطلبات العصر ، وبالتالي تصل إلى الهدف المنشود, ألا وهو تقدم الفرد والمجتمع, ولذلك قال ديوي :إن أي فكر لا يؤدي إلى نتيجة منشودة فهو فكر أجوف, وان اهمية الفكر لا تكمن في طبيعة عملية الفكر نفسها, وإنما تستمد من النتائج الملموسة التي نتحصل عليها من عملية الفكر تلك ، او بعبارة أخرى, يجب ان يكون الفكر قادراً على مواجهة المشكلات التي تقابل البشر وايجاد الحلول لها ، وقال ديوي إن عملية الفكر يجب ان تكون مرنة ومتطورة. وتتلاءم مع طبيعة التطورات التي تحدث في مسيرة الحياة البشرية. وعندما يقول ديوي ذلك فهو ينتقد بشدة ما جاء به أوغست كنط الذي جعل الفكر هو المحور الذي تدور حوله معارف الانسان متعللاً بأن العقل البشري مزود بمقولات أولية تطبع المعرفة بطابعها, أي أن المعرفة موجودة في عقل الانسان مقدماً وتستمد وجودها منه بالفطرة. لقد عارض ديوي هذا الكلام, ورأى ان المعرفة لا تتأتى إلا بالتجربة والخبرة, ولذا فهو ينادي بتطبيق المنهج التجريبي على كافة مناحي الحياة, حتى على أمور الدين والاخلاق والمجتمعات على ان يكون هذا التطبيق موجهاً بالمعرفة والذكاء, حتى لا يؤدي إلى التخبط والعشوائية وتطبيقاً لمنهج ديوي العملي النفعي, نادى بأن يكون الغرض من العلم هو اكتشاف العلاقة الثابتة بين المتغيرات بدلاً من الاهتمام بالعلل الغائبة, البعيدة عن الادراك ، وان المعرفة تستمد أهميتها من البحث في العالم الذي نعيش فيه ، بدلا من الهرب عن طريق العقل إلى عالم أعلى ولذلك اعتبر ديوي أن البحث العلمي من أهم محفزات الفكر الموضوعي, لأنه يرتبط بمواجهة قضايا ومشكلات محددة نعيشها على أرض الواقع, ومن خلال البحث العلمي, وباستخدام المنهج التجريبي-المؤطر بالمعرفة والفكر – يمكن التوفيق بين الفلسفة والعلم, بما يؤدي إلى ارتقاء الحياة الإنسانية. وفى نفس الوقت أكد “جون ديوى” على أن الفن تعبير عن انفعال وليس محاكاة وأن التعبير عملية معقدة، “فلو كان التعبير مجرد عملية نقش أو نسخ، أو كان شعوذة يراد من ورائها أخراج أرنب من مخبئه، لكان التعبير الفنى أمرا بسيطا يهون أمره، ولكن ثمة فترة طويلة من الحمل تكمن بين لحظة (الحمل) ولحظة ظهور الوليد إلى عالم النوّر. وخلال هذه الفترة قد لا يقل التحوّل الذى تخضع له المادة الباطنة للانفعال والفكر بسبب تأثيرها وتأثرهـا بالمادة الموضوعية، عن ذلك التحوّل الذى تعانيه المادة الموضوعية بسبب استحالتها إلى واسطة تعبير, وهذا التحول على وجه التحديد – إنما هو الذى يغيـر طابع الانفعال الأصلي مُدخلا على كيفيته من التعديل ما يجعله ذا طبيعة جمالية متمايزة، ولو أننا التزمنا التعريف الشكلى، لكان في وسعنا أن نقول إن الانفعال يكون جماليا حينما يتقيد بموضوع عمل على تكوينه فعل تعبيرى” . عملية التعبير إذن ليست عملية بسيطة، بل إن الفنان الذى يقع تحت تاثير الانفعال (الجمالى) لا يقوم بمجرد النقل أو النسخ للعمل، سواء كان ذلك النسـخ يتصـل بالطبيعة أو من مخزون أفكاره، بل يعيش عملية حمل معقدـة، يتم فيها الحـوار بين المواد المسخدمة، وبين الانفعال، فيحدث التعـديل – ليس في المادة فحسب، بل وفى الانفعال أيضا، حتى يصير الانفعال جماليا، أى يرتبط بموضع عمل (مُبدع) يكون هو نتيجة هذه العملية المعقدة. وإذا كان التعبير يمرّ بهذه العملية المعقدة – كما يرى “جون ديوى” – فإنه أيضا – بالإضافة إلى أنه يختلف جوهريا عن المحاكاة، فإنه في نفس الوقت يتميز عن الزخرفة (التزيين) كما رأى “أوجين فيرون” إذ رأى أن “التعبيـر يعـد خاصية للفن، ولا نحكم عليه (أى على الفن) بواسطة قدرته على بث البهجة والسرور، بل بقدرته على التعبير, والقول بأن الفن رمز انفعالى Emotive Symbol يجعل في إمكانه أن يطور التكامل الفنى الأسلوب الفنى ، فالتكامل يقتضى أن يعبر إنسان ما عما لديه من انفعال، وليس ما يجب أن يشعـر بـه هذا الإنسان، أو الذى يرغب في الحصول عليه ، والأسلوب هو السبيل الذى على أساسه يحدد الإنسان الطريقة التى يقدم بها تعبيره عن الانفعال” . وإذا كان التعبير ليس محاكاة، أو زخرفة، أو وصفا، فما هى طبيعته إذن؟ يقول “جون ديوى”: “لقد ظهرت نظريتان متعارضتان في تصوّر طبيعة التعبير، وكل نظرية منهما قد جانبت الصواب كالأخرى سواء بسواء, والنظرية الأولى تقرر أن الطابع التعبيرى (الجمالى) يرجع إلى الكيفيات الحسّيّة المباشرة، وأن كل ما يتخلف عن طريق الإيحاء إنما تقتصر مهمته على جعل الموضوع أكثر تشويقاً، دون أن يصبح جزءًا لا يتجزأ من صميم وجوده الجمالى. أما النظرية الثانية فهى تتخذ موقفا معارضاً تماماً للنظرية الأولى، لأنها تنسب القوة التعبيرية برمتها إلى العناصر المرتبطة بالموضوع” . ويوضح “ديوى” أنه بالنسبة للنظرية الأولى، إذا كان في امكاننا أن ننظر إلى (الخطوط) سواء كانت دائرية أو منحنية أو متعرجة، أفقية أم رأسيـة، الخ – على أنها كيفيات جمالية مباشرة، إلا أن هذه النظرية – الأولى – تـزعم أن القوة التعبيرية الخاصة التى تتميز بها هذه الخطوط يمكن تفسيرها دون أدنى إشارة إلى أى شئ يتجاوز الحسّ المتضمن فيها مباشرة ، وكون بعض الخطوط في علاقتها بالعين – على حد زعم أصحاب هـذه النظرة – تكون سارة أو غير مسارة، فإن هذا في رأى – “ديوى” – في الحقيقة – لا يكاد يمس من قريب او بعيد الطابع التعبيرى أو القوة التعبيرية . أما النظرية الثانية، فإنها تفصل الحس عن العلاقات، والمضمون أو الموضوع عن الصورة، والجانب الفاعل عن الجانب القابل، فتعزل مراحل التجـربة بعضها عن بعض، وتقدم لنا تقريرا منطقيا عما يحدث عندما تتم هذه العملية الانفعالية, ولكـن “ديوى” يرى أن – النظرية الأولى تكمل الثانية، ولكن لا سبيل إلى بلوغ الحقيقة في مضمار النظرية الجمالية عن طريق إضافة نضم فيها إحدى النظريتين للأخرى . و”ديوى” بعد نقده لهاتين النظريتين، يرى أن “القوة التعبيرية التى يمتاز بها الموضوع الفنى إنما ترجع إلى أنه ينطوى على تداخل كامل تام للمواد المتقبلة والمواد الفاعلة ، وهذه الأخيرة تضمن إعادة لتنظيم المادة المحصلـة من الخبرة الماضية ، والملاحظ في عملية التداخل أن هذه العناصر ليست مضافة عن طريق الارتباط الخارجى ، كما أنها ليست مجرد طبقة سطحية توضع فوق الكيفيات الحسّيّة وإنما تتمثل القوة التعبيرية للموضوع كحصيلة أو ثمرة للامتزاج التام الذى يتم بين ما نتقبله، ونعانيه من جهـة، وما يجلبه نشاط إدراكنا المنتبه إلى ما يرد إلينا عن طريق الحواس من جهة أخرى”. إن التعبير في العمل الفنى إنما ينجم عن مجمل العمل الفنى، لا عن أحد العناصر، وهو ينتج عبر علاقة جدلية عميقة بين العناصر الحسية والعنـاصر المعنوية ، فالعمل الفنى حين نتلقاه، لا يكون هذا التلقى منصبًّا على عنصـر دون آخر، بل إن هذه العناصر لا يمكن أن توجد منفردة في ما يمكـن تسميته بعمل فنى ذى قيمة ، فالوحدة التى تجمع كل هذه العناصر، “هى التى تكون الجمال الفنى في التعبير الكامل” وإن أى اهتمام بعنصر دون آخر إنما يكون على حساب العمل الفنى، ويجلب له الضرر. “جون ديوى” هنا يعلق على رأى “صمويل الكسندر”، ويقدم عدة ملاحظـات بهذا الشاعر: “الأولى: وهى أن العمل الفني الحقيقي هو بمثابة بناء أو تركيـب لخبرة متكاملة، بالاستناد إلى التفاعل الذى يتم بين ظروف الكائن العضوي وطاقته من جهة، وظروف البيئة وطاقاتها من جهة أخرى. أما الملاحظة الثانية: فهى تقرر أن الشئ المعبر عنه إنما يعتصر من المنتـج تحت تأثير الضغط الواقع من قبل الموضوعات الخارجية عن الدوافع والميول بحيث يبـدو التعبير بعيدا كل البعد عن أن يكون مجرد صدور مباشر أو انبثـاق خالـص عن تلك الدوافع أو الميول، وهنا نجد أنفسنا إزاء نقطة ثالثة وهى أن فعل التعبير الذى يكوّن العمل الفنّى هو بناء في الزمان لا مجـرد صدور آلى. أما الملاحظة الأخيرة: فهى أنه إذا تهيأ للاستثارة المتعلقة بالموضـوع أن تمضى إلى الأعماق، فإنها لابد هنا أن تهيج المعانى المختزنة والمواقف المدخرة، مما ينحدر إلى خبرات سابقة” . إن مجموعة من الظروف الداخلية والخارجية تتضافر معا لكى تستثير الفنان، ففعل التعبير لا يصدر عن الفنان بشكل آلى، بل تتم عملية استثارة معقدة، بوسعها أن تجعل الأفكار أو المعانى المختزنة لدى الفنان تخرج إلى الوجود في إطار فنى مكتمل متى كان الفنان عارفاً بأسرار فنه، وجمالياته. ولكن هل الدافع، أى دافع، يمكن أن يكون سببا في التعبير؟.
يرى “ديوى” أنه ليس في وسع أي دافع أن ينصهر إلى تعبير، اللهمّ إلا إذا انصهر في بوتقة الاضطراب الانفعالى، والتهيج النفسى.. فالاضطراب النفسى إنما يحدد الموضـع الذى يتلاقى عنده الدافع الباطنى مع الاحتكاك بالبيئة، سواء كان ذلك في الواقع أو في الذهن. فينشأ من تلاقيهما ضرب من الهياج أو الغليان. وأنه لكى تتولد الاستثارة اللازمة فلا بد من أن تكون هنــاك مخاطرة. كأن تحوط الأمر (المعركة مثلا) الرِّيب والشكوك أو يكون هناك أمر صعب التنبؤبه. أما حيـن يكون الشئ يقينا أكيدا، فإنه لا يمكن قط أن يستثيرنا انفعاليا ، وتبعا لذلك فإن التعبير لا يكون عن الاستثارة المحضة، بل عن استثارة خاصة بموضوع معين . وهنا يمكن أن يطرح سؤال: هل يوجد ما يمكن أن نطلق عليه الانفعال الاستاطيقى؟ يرى “جون ديوى” أن الانفعال الاستاطبقى “ظاهرة نوعية متمايزة، ولكنها ليست مفصوله بهوة سحيقة عمـا عداها من الخبرات الطبيعية كما وقع في ظن بعض الباحثين الذين جاهدوا في سبيل تقرير وجودها كظاهرة منفصلة ، فمن ناحية نرى قوما يؤكدون أن هناك على الأقل لدى بعض الأشخاص الموهوبين انفعالا يعتبر منذ البداية جماليا، وأن الإنتاج والتقدير الفنيين إنما هو مظهران من مظاهر هذا الانفعال، ومثل هذا الرأى إنما هو الـرأى المقابل بطريقة منطقية حتمية لتلك الاتجاهات التى تجعل من الفن شيئـا سريا خفياً، والتى تُقصى الفنون الجميلة في عالم ناء تفصله عن خبرات الحياة العادية هوّة غير معبورة. ومن جهة أخرى نجد أن ثمة رد فعل سليما في اتجاهه العام نشأ ضد التصور السابق، ولكنه قد تطرف في الرأى فذهب إلى أنه ليس ثمة شئ يمكن اعتباره انفعالا جماليا متمايزا” . وقد رأى “جون ديوى” أن “التعبير إنما هو تصفية الانفعال المكدّر، ولا تعـرف شهواتنا ذاتها إلا حينما تنعكس على صفحة مرآة الفن ، وهى حين تعرف ذاتها في الوقت نفسه تتحول وتكتسب صورة جديدة. وعندئذ يظهـر الانفعال الجمالى بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة ، وليس هذا الانفعال مجـرد صورة لعاطفة متمايزة توجد منذ البداية مستقلة قائمة بذاتها ، وإنما هو انفعال يعمل على إنتاجه مادة ذات صبغة تعبيرية ، ونظرا لأنه ينشا ويرتبط بتلك المادة فإنه يكون بمثابة مجموعة من الانفعالات التى خضعت لضرب من التعديل والتحوير” . و”جون ديوى” بهذا يستعيد بشكل أو بأخر، نظرية “أرسطو” في التطهير, وفى نفس الوقت يؤكد على وجود، ما يسمى، بالانفعال الجمالى الذى ينشأ مرتبطا بمادة ذات صبغة تعبيرية.
تعريف فلسفة (البراغماتية) Pragmatism
(من اليونانية pragma فعل ،نشاط، عمل): تيار مثالي ذاتي في الفلسفة البرجوازية ، يرى في المنفعة العملية للمعارف مصدراً لها ومعياراً رئيسياً لصحتها ،وكانت المبادئ الأساسية لهذه الفلسفة قد صيغت في سبعينات القرن التاسع عشر على يدي شارلس بيرس 1839_1914 ، الذي طرح الموضوعة الشهيرة 🙁 وجود الشئ يعني كونه نافعاً) ، وقد صادفت البراغماتية منذ مطلع القرن الحالي رواجاً واسعاً في اوساط الأنتلجنسيا الأمريكية والأنكليزية بفضل اعمال وليم جيمس (1842_1910) .وبين الوان البراغماتية تأتي (ألأداتية instrumentalism جون ديوي) و(العملياتية operationalism بريجمان) و(الأنسانية شيلر) ،وفيما يخص ألأداتية عند ديوي فهو يعتبر أن المعرفة هي الأداة الوحيدة في تطور المجتمع والمدرسة. وفي هذه الأيام يجري الحديث عن عالم روسي تربوي وعن نظرياته المهمة في مجال التربية والتعليم وهو الفيلسوف ليف فيكوتسكي . لقد توفي هذا العالم عام 1936 وبسبب الظروف السياسية لم تنتشر أفكاره في السويد حينذاك إلا على نطاق ضيق ، أما مجال اهتمامه الرئيسي فهو ألإبداع والخيال في مرحلة الطفولة ،ومن المحتمل أن تُسْتَعاض عن بعض افكار جون ديوي بأفكار فيكوتسكي في المستقبل.
معالم فكر جون ديوي
الطبيعة البشرية والتجربة
يرى جون ديوي تعذر الفصل بين الطبيعة البشرية والتجربة، فالتجربة جانب مهم من جوانب الطبيعة البشرية، أما الطبيعة فهي مصدر معرفتنا والأساس الذي تصدر عنه تصرفاتنا وتجاربنا، لذلك ألح على ضرورة اهتمام الفلسفة بمشكلات الإنسان في عالم يتغير باستمرار، واعتبر الأفكار أدوات لحل المشكلات الإنسانية، ووصف خمس مراحل لحل المشكلة، وهي: – الإحساس بمشكلة تستحق الدراسة. – تحديد المشكلة وتعريفها. – صياغة عدد من الفرضيات كحلول مؤقتة لها. – استنباط النتائج الممكنة فكرياً. – التحقق من التجربة من أجل تأكيدها أو رفضها.
المنطق
أطلق ديوي على منطقه اسم ( نظرية البحث) وبها يعارض سائر النظريات المنطقية قديمها وحديثها، معتبراً أن أساس العلم في عصره قد تغير عما كان عليه سابقاً، فالعلم القديم كان يقوم على أساس الصفات الكيفية لا على أساس المقادير الكمية، والعلم الحديث يهتم بالعلاقات القائمة بين الظواهر المختلفة، وينظر إلى الحركة على أنها ظاهرة متجانسة بشتى صورها وأشكالها.
الوظيفية
نعت ديوي مذهبه بالوظيفي لاعتباره أن المعرفة آلة ينبغي توظيفها في خدمة متطلبات الحياة، وأن أهم ما يميز الخبرة اتصالها واستمراريتها، فتيارها متصل، يفضي كل جزء منها إلى الجزء الذي يليه.
الطريقة
آمن ديوي بالطريقة أكثر من الاهتمام بالإجابات المجردة، وقال: يجب عدم توقع إجابات نهائية وثابتة، والأفضل التعامل مع كل مشكلة إنسانية وقت ظهورها، لكي تطرح الحلول الممكنة في ظل مواقف الحياة الفعلية. وهو يرى أن معيار صحة الفكرة أو خطئها يكمن في فاعليتها ونتائجها في النشاط الإنساني، أي اختبارها في الواقع، وأن وظيفة البحث ليست الوصف، بل التغيير لخدمة الأغراض الإنسانية.
الديمقراطية
في كتابه ( الديمقراطية والتربية) لم ينقد ديوي النظرية الفردية، كما عبر عنها ( روسو) في كتابه ( إيميل)، كما أنه لم يقم بنقد ( النظرية الاجتماعية) كما جاءت عند (هيجل)، ولكنه دافع عن مجتمع ديمقراطي تتوازن فيه قيمة الفرد وقيمة الجماعة، والجماعة النموذجية هي التي تتصف بالمرونة التي تساعد على نمو شامل للفرد لا رضوخه لسلطة مطلقة، باسم مصلحة المؤسسة تارة أو باسم السياسة العليا تارة أخرى، وقال: إنه لا تتم تغذية القدرات الاجتماعية والفردية عند الأطفال إلا في ظل مجتمع ديمقراطي، واعتبر أن المجتمع الديمقراطي لا يمكن أن يتحقق في ظل أديان تمارس التمييز والتفرقة بين الناس.
التربية
اهتم ديوي بالتربية اهتماماً كبيراً في فكره وممارساته، وقال:إن الحياة تسعى إلى دوام وجودها عن طريق التجدد المستمر، والتربية أداة لنقل أهداف المجتمع ومعارفه من جيل إلى جيل، فهي التجدد المستمر بعينه، وهي عملية نمو لا هدف لها إلا المزيد من النمو، بل إنها الحياة نفسها . لقد صور ديوي تطور تفكيره في أربعة أمور هي : – الاهتمام بالعملية التربوية نظرياً وتطبيقياً، لأن التربية تشكل جوهر اهتمامات الإنسانية جمعاء. – إخراج منطق واقعي لا صوري، يلغي الثنائية الموجودة بين منهج العلوم ومنهج الأخلاق، فالعلم هو التفكير النظري والأخلاق هي السلوك العملي في الحياة . – تخليص علم النفس مما علق به من أفكار ميتافيزيقية، والتركيز على الشعور والوعي وتطبيق علوم الحياة على نفسية البشر. – تطبيق مبادئ العلم الحديث ومناهجه وطرقه على العلوم الإنسانية. لقد كان ديوي قوي التأثير، لإيمانه بأهمية الفكر وفاعليته، وبالروح الديمقراطية. وقد نجحت البراجماتية في أمريكا لأنها كانت بمثابة جدل قائم بين المثالية الأمريكية والوضعية الفرنسية والتطورية البريطانية ، وكانت تحاول التقاط الأيدلوجية المبعثرة التي بشر بها مفكرو ما قبل الداروينية، رافضة كل أنواع اليوتوبيا والحقائق النهائية المطلقة، مؤكدة على المجتمع التعددي والذكاء الذرائعي، وقرنت الفلسفة بالحياة واعتبرتها أسلوباً لحل المشكلات الإنسانية، واعتبرت أن الإنسان بمقدوره تطويع الواقع وفقاً لأهدافه وحاجاته، وشجعت البراجماتية تبرير المواقف بذريعة أنها تأتي بالمنفعة على صاحبها. ويرى جون ديوي أن الفنون الجميلة فنون نافعة ، ولا يريد أن يفصل الجميل عن النافع لأنه يلاحظ أن الحياة الحضارية هي التي تتكفل بإظهار ما بين الفنون الجميلة و الفنون النفعية من علاقة وثيقة ، ولو فهمنا المنفعة بشكل واسع لكان في وسعنا أن نقول إن الفنون الجميلة فنون نافعة ، ثم يدلل على أن لممارسة الفنون الجميلة بطريقة معتدلة قيمة عملية لا تُجحد لما لها من أثر تربوي عظيم الشأن على النفس ، وأن الخبرة الجمالية تؤهلنا للقيام بألوان جديدة من الإدراك ، معنى ذلك أن للفنون الجميلة قيمة عملية لا تقل أهمية عن قيمة بعض الصناعات التكنولوجية ، ويقرر ديوي أن الفنون الصناعية قد تنطوي على صبغة جمالية حين تجيء صورها متلائمة مع استعمالاتها الخاصة ، وبهذا المعنى يمكن اعتبار السجاجيد و الأواني الخزفية و الأدوات المنزلية موضوعات فنية بشرط أن يكون لموادها الأولية من التنظيم و الشكل ما يؤدي بطريقة مباشرة إلى إثراء تجربة الشخص الذي يتأملها بعناية . وينادي ديوي فكرة تداخل الفنون الجميلة و الفنون النافعة دون أن يفصل النشاط الفني عن النشاط الصناعي ، ويأتي حرص ديوي على ربط الفن بالتجربة على انه هو الذي أملى عليه توثيق الصلة بين الفن الجميل و الفن النافع باعتبارهما مظهرين لنشاط بشري واحد في صميمه . فالمنفعة التي يقصدها ديوي صناعية استهلاكية ، ثم يفصل في ذكر الأسباب التي جعلت البعض يعزل الفن الجميل عن المنفعة والتي يعيدها إلى عوامل تاريخية في مقدمتها بعض العوامل الاقتصادية و الصناعية و الحربية .
العوامل الحربية
وحسبنا أن نلقي نظرة على متاحفنا ومعارضنا الحديثة التي اعتدنا أن نخزن فيها شتى الآثار الفنية لكي نقف على العلل التي عملت على عزل الفن بدلا من ربطه بالحياة الاجتماعية ، و الواقع أن الغالبية العظمى من متاحف أوروبا في جانب منها آثار تذكارية لقيام القومية و التوسع الاستعماري ، و آية ذلك أن كل عاصمة من عواصم أوروبا تحرص أن يكون لها متحفها القومي الخاص في النحت و التصوير وخلافه ، و أصبحت تهتم بإبراز نواحي عظمتها الفنية الماضية مع العناية بعرض الأسلاب التي جمعها حكامها أثناء غزوهم للشعوب الأخرى كمجموعات الغنائم بمتحف اللوفر من أسلاب نابليون ، وتشهد هذه المجموعات الفنية بوجود علاقة وثيقة بين ظاهرة عزل الفن في العصرالحديث ، وبين ظاهرتي القومية و الروح العسكرية .
العوامل الاقتصادية
جاء نمو الرأسمالية كعامل قومي في نشوء المتحف باعتباره المقر الطبيعي للأعمال الفنية ، وفي رواج الفكرة القائلة أن هذه الأعمال قائمة بذاتها في استقلال تام عن الحياة العامة ، وقد أوجد هذا النظام طبقة الأثرياء الجدد ، فصار الرأسمالي النموذجي حريص على اقتناء الأعمال الفنية النفيسة من كل نادر باهظ الثمن ، و أصبح الهاوي الثري يجمع اللوحات و التماثيل و الحلي الجميلة حتى يدعم مركزه في مضمار الثقافة الرفيعة ، ولم يقتصر الأمر على الأفراد بل أصبحت الجماعات والشعوب تحرص على إظهار حسن ذوقها الثقافي ببناء دار الأوبرا ، وتشييد المتاحف ، و إقامة المعارض ، لرعاية الفن وتشجيع ذويه للتباهي بالمقتنيات الفنية و التفاخر بمركزها الثقافي الممتاز ، نظرا لما طرأ على الأحوال الصناعية من تغيرات فقد دفع الفنان إلى هامش المجتمع بعيدا عن التيارات الأساسية للنشاط الإيجابي الفعال .
العوامل الصناعية في عزل الفن عن الحياة
نظر الفنان إلى ميكانيكية الصناعة فوجد أنه لا يستطيع العمل بطريقة آلية لمجاراة الإنتاج الصناعي الكبير ، فظن أن نشاطه فردي صرف ، وليس عليه سوى أداء عمله كما لو كان مجرد وسيلة منفصلة للتعبير عن الذات ، وبالغ بعض الفنانين في تأكيد هذه النزعة الانفصالية في الخروج على المألوف ، فأصبحت للمنتجات الفنية طابع الأشياء المستقلة أو الموضوعات الخفية المستورة ، وقد أرادوا بذلك أن لا يضعوا إنتاجهم في خدمة أي قوة من القوى المادية و الاقتصادية ، وقد امتدت هذه العدوى إلى النقد الفني فأصبح الناس يهللون لغرائب التقدير وروائع الجمال الفني المتعالي أو الفائق للعقل خصوصا ذلك الفن الذي ينهمك فيه أصحابه دون اهتمام منهم بالقدرة على الإدراك الجمالي في مضمار الواقع الحسي الملموس .
تعليق على أفكار جون ديوي
– يقوم التفكير العلمي كنشاط إنساني على مبدأ الإيمان بقدرة الحواس والعقل والبرهان من أجل الوصول للحقائق بصورة موضوعية تعتمد على إجراء التجارب، واثبات النتائج تحت مجهر الاختبار. وهو المنهج الذي ينادي به الإسلام وهو يعمل على كسر احتكار العلم على فئة ما كما يعمل على نبذ الأوهام والغيبيات التي لا سند لها. – جاء جون ديوي ليركز على الحواس وكل ما يمكن قياسه مادياً وبذلك أخذ جانباً من المنهج العلمي السليم في حين أنه فرَّط في قدرة العقل على الاستنباط والاستدلال فما يتصل بأمر الدين فأخل ديوي بالمنهج العلمي الشامل للتفكير من المنظور الإسلامي. – إن أسلوب حل المشكلات الحاضرة خير مهارة يتعلمها الإنسان لمستقبله ولمواجهة تغيرات الحياة والتغلب على مشكلاتها. – يجمع الباحثون على أن فكر ديوي مازال يلعب دورا حيوياً وعلمياً وعملياً في الميدان التربوي المعاصر رغم الانتقادات الموجهة والتحديات المتزايدة. الكثير من أعلام الفكر التربوي العربي المعاصر لا يثيرون نقطة جوهرية هامة عند حديثهم عن فلسفة ديوي وهي أنه غرس في أعماق التربية فلسفته الإلحادية(Atheistic Philosophy) حيث أصبحت القيم نسبية. هذه التحديات لا تقلل من قيمة هذه الطريقة فلكل وسيلة تربوية نقاط ايجابية وأخرى سلبية ولا تسلم أي نظرية من التحديات وهذه طبيعة الحياة التربوية ، إننا نتوقع نمو متزايد لأفكار ديوي لأن التكنولوجيا الحديثة ستفتح المزيد من آفاق البحث الحر والمشاريع الإبداعية والانفتاح الثقافي. كما أن سقوط الشيوعية أنعش الديمقراطية مما يدل على أن أفكار ديوي ستكون أكثر قبولا على المستوى العالمي. تعلم ديوي من إسهامات الفلسفة الكلاسيكية ثم رسم مدرسته الحديثة على أسس نفسية واجتماعية مختلفة. وقدأخذ من سقراط صفة الصبر، ومن أفلاطون عمق التأمل، ومن أرسطو فكرة الواقعية ثم قدم لنا – مع غيره – الفلسفة البراجماتية بغية تكوين الفرد الليبرالي والمجتمع الديمقراطي ، ربط ديوي الفلسفة بالتربية ثم ربط التربية بالحياة العملية ومشكلاتها وتحدياتها بشبكة فكرية ذات نزعة عملية ، هذه الشبكة هي نظرياته الشاملة التي تعتبر من أبرز نظريات التربية الحديثة القائمة على مبدأ البحث الحر المستمر عن المعرفة النابعة من الخبرة المباشرة والنشاط الذاتي.
المصدر: موقع المعرفة