………….داعش لا تمثل الإسلام السياسي..بل الإسلام الشائع نفسه …………
منصور الناصر
تشاع كذبة كبيرة منذ فترة بوجود “إسلام سياسي” وان كل ما يجري هو بسبب الأحزاب التي تحمل لواء هذا الإسلام
والحقيقة حسب رأيي أنها عبارة مطاطة وضعت خصيصا لتسويف الحقيقة وتأجيل الكشف عنها لصالح كرادلة الإسلام الرسمي “العاقل، المتزن جدا” والذي نعمنا بخيره طوال قرون!
كلنا نعرف دجل ولا عقلانية هذا الإدعاء.. كلنا نعرف بأن كلمة الاسلام وحدها كافية وحدها للتعبير عن جوهره السياسي، حتى يكاد يكون الإسلام مبنى ومعنى بعيدا عن “فكرة” الدين نفسه، لافتقاره بشدة للجانب الروحي الضروري لوجود أي دين، “وهو جانب وجد في الفترة المكية لنزول الوحي واعتاشت عليه تيارات مختلفة بينها الصوفية، ونقضته كليا آية السيف”
ويمكن القول إن الإسلام السياسي مصطلح “سياسي-إعلامي” وضع خصيصا مثل كلمتي داعش والقاعدة.. لانقاذ ما يمكن انقاذه من سمعة الدين “الحق” ولصالح جهات حاكمة مهيمنة و”عريقة”.
لنتحدث بصراحة وكفى هربا من مواجهة الحقائق الصارخة….
100 % من مشاكلنا كمجتمعات ودول وشعوب مصدرها وأفقها ديني-عقائدي.
هل هنالك من يستطيع نفي هذه الحقيقة؟
لا فرق بين داعش وأي تطرف إسلامي آخر شيعي او سنّي أو وهابي او او الخ
والسؤال: ماذا فعلنا على المستوى الفردي على الأقل..في طرق تربيتنا لأبنائنا لبناتنا..في سلوكنا وردود أفعالنا سوى الاستجابة بخضوع شبه كامل لأحكام هذا الإسلام القاهرة ؟
لا شيء !
بل على العكس مضينا في طريق الهاوية سعداء غالبا بالسير بدروبها المدماة ونيل شرف “الشهادة” وفقا لتعاليم هذا الدجال المنتفخ الاوداج او ذاك.
كفانا اوهاما..لصقا وترتيقا بشظايا أدياننا “أوهامنا الكبرى” التي يسعى “المؤمنون” بها لفرضها بالقوة والغصب والقهر علينا
ولو كان هذا الدين يمتلك جانبا واحدا من الحقيقة لما اضطر كهنته لفرضه بالقوة دائما على الجميع وإرغامهم على التصديق بكل ما جاء فيه.
كفانا اوهاما..إسلامنا واحد لا فرق بين أتباع هذا الفصيل أو ذاك إلا في التفاصيل
وأعداد المشجعين و”المعجبين” !
الدين هو السياسة “وفقا للواقع والتاريخ لا أقوال كتاب الإنشاء”
فكيف يدعو الكثيرون ومازالوا لفصل الدين عن السياسة؟ ..المهم هذا بحث آخر، لنا قول فيه لاحقا.
لابد من التذكير أننا لا نعني الإسلام كفركرة ورسالة دينية إلهية.. نحن نعني الإسلام الموروث الذي وضعه الفقهاء الأساسيين وشكلوه لنا وبات أساسا لجميع المذاهب الموجودة حاليا.
الخلاصة هي ان داعش يمثل الإسلام الحقيقي الصافي المصفى، على طريقة الفقهاء. وهو لا يختلف عن أي فصيل إسلامي آخر، إلا في وضوحه الشديد وتطرفه المعلن.. وعدم تسويفه للحقائق ومداراتها بل تطبيقها حرفيا.
أليس كذلك ؟
قد يحتج أحدنا ويقول أختلف معك في النسبه التي وضعتها وقلت ان 100% من مشاكلنا اساسها ديني..فهذه مغاﻻة لأن مشاكلنا أكثر تعقيدا ولها أسباب عديدة منها الدين والجغرافيا والعوامل الاقتصادية والتاريخية وغيرها. كما أن الدين الآن ليس نفسه قبل عشرين عام ولا مائة عام.
وأقول هذا صحيح لكني أقصد أن 100% من مشاكلنا الثقافية-المعرفية سببها الدين، فالنص الديني هو المرجع الوحيد بيننا لكل شيء، وهو الأساس بدليل عدم وجود اساس غيره..
اما الجغرافيا فهي ايضا دينية فلا توجد دولة مسيحية جوارنا .جميعها مسلمة “والحمد لله” ! ..
ووجود مشروع دولة مدنية قبل عقود كان مشروعا وبقي مشروعا عليلا ولم يتحول إلى حقيقة راسخة قادرة على احداث قطيعة شاملة مع تاريخنا الديني..بدليل ان أغلب المنتمين لهذا المشروع عاد من بقي منهم إلى أصوله الدينية-المذهبية، وكان شيئا لم يكن!
.
الامر يتعلق أيضا حين نتحدث عن حقوق المرأة والظلم الذي يقع عليها بسبب النصوص الدينية والتي تعتمد عليها القوانين في الدول العربية, وقضايا مثل تعدد الزوجات وقوامة الرجل وضرب الزوجة وهجرها والنظرة الدونية لها ومشاكل الارث والشهادة .. كل ذلك يثير تقاطعات ومشاكل جوهرية في حياتنا. فماذا نفعل ؟ نحن نؤجل مناقشتها، والسبب ثقافة الاجتناب!
التي علمنا عليها رجال الدين! فيكون الرد عنيفا ضد كل من يطرح هذه القضايا، ليس لأنه اختلف في الرأي، بل لأنها طرحت للنقاش أصلا! فتتعالى الاصوات لاسكاتنا أو تحاشينا.. لكي يتجاوزا المأزق …
من يسيطر على المرأة وعقلها يسيطر على النشئ والاجيال القادمة.. والرجل أيضا.. وهذا ما حصل طوال التاريخ، فعلا!
لأن الموضوع يشمل كل شيء المراة والرجل والأفكار ..الخ … هناك من يتحجج حجة عدم تطبيق الإسلام وهي حجة لئيمة..
حسنا لنطبق الإسلام ..فأين هو ؟ ..أي إسلام نطبق؟
..وقبل هذا كله الأمر الأهم وهو ان نصوص الإسلام نصوص لغوية وشبه ادبية لا تصلح بطبيعتها لأي تطبيق، فهي ليست معادلة آينشتاين او نيوتن ولا دستورا وضعيا دقيقا لكي يتم تطبيقه.
القضية باختصار: الدين علاج نفسي -فردي لكل منا حرية ان يلجأ إليه او العكس.. وهذا هو الحل الوحيد.
نقطة أخرى مهمة، ليس هناك اسلام سياسي واخر غير سياسي.. الإسلام هو دين سياسي لأن هدفه ومشروعه الوصول الى الحكم.
نعم الإسلام الموجود هو الإسلام الذي يمثل السلطة، فيما يمثل الشيعة وداعش والاخوان وغيرهم المعارضة..
هذا هو مختصر النظام السياسي العربي -الإسلامي المعتمد والمتواصل منذ مقتل عثمان وحتى اليوم، وهو يناظر”شكليا” النظم السياسية الأخرى..ومن يعترض على هذه القراءة غالبا ما يكون احد المتعاطفين مع قطب من اقطاب هذا النظام الرئيسية، التي ترفض الآخر أيا كان، او من المنتفعين منها.
الإسلام سياسي في غاياته أليس حلم الشيعة قيام دولة المهدي وحلم السنة قيام دولة الخلافة على منهاج النبوة كما يدعون؟
هناك أيضا الكثير من المثقفين الذين يروجون لمصطلح الاسلام السياسي ويضعونه شماعة لكل الجرائم الفكرية والجسدية التي ترتكبها داعش وكأن داعش والقاعدة والنصرة .. جاءت من عالم آخر.
هؤلاء مشتركون في المؤامرة ويتبعون الخط السياسي “المدفوع” ثمنه الذي يحاول تحسين سمعة الإسلام الشائع.
وهذه المصطلحات نحن وضعناها في عصرنا الحالي مثل أسلام سياسي وأسلام عقائدي ويمين ويسار ومتطرف ومعتدل حيث لا وجود لها في الأزمنة الغابرة
سيرد البعض ويقول لا يمكن مقارنة كبار الصحابة بمن جاء بعدهم من حكام أمويين وعباسيين وعثمانيين، شوهوا الأسلام وأصبح يقال لهم مسلمين.
فأقول أنا لا أتحدث إلا عن نظرة كلية وانطلاقا من التاريخ المدون والمعمومل به فقط ..دون أن أقحم نفسي بقوة في تأويل الأحداث أو تبريرها. فهي حقائق ووقائع معروفة.
- هناك من يستخدم مغالطة معروفة ويروح يتحدث عن إرهاب غربي: فنقول له هذا موضوع آخر..لأن ما تسميه الإرهاب الغربي يبقى إرهابا بشريا قابلا للفهم ..ويتعكز على أسباب وصولية اقتصادية-سياسية، وليس مثل إرهابنا مقدس ومتوهم وعبثي.
- قد يقال ينبغي الا نتخذ من جرائم داعش وسيلة للطعن بالاسلام، حتى لو كان المتعصب يفترض ان إسلامه هو الصحيح. وأقول لا وجود لطعن في الإسلام. لأننا جميع غير راضين عن الإسلام الشائع
أما الإسلام الذي نطمح له فما زال غير موجود ..المشكلة أننا لا نبحث عن هذا الدين الصحيح، ولا نطالب به! وكأننا نعترف بعجزنا عن العثور عليه! بل وعدم تصديقنا أو إيماننا بما نقول! إنما هي حجة تلقى فحسب، للخروج من المأزق الفكري.
من هنا ..لا يتعلق الامر بالطعن أصلا..لأننا نتحدث عن الإسلام كما نعرفه ..دون تعسف او إضافات أو حتى ترقيعات إعلامية-وفقهية..وكل ما نقوله ان داعش تمثل الإسلام الحقيقي الذي أخرجه لنا فقهاء العصور الغابرة.. فإما ان نقبله منها او نرفضه.. ونصنع ديننا الجديد بطريقة جديدة كليا، تناسب واقعنا.
- هناك من يحتج بأن المشكلة ليست في الدين إنما العقلية العربية وهي تضع الكل في خانة واحدة وتفكر فقط باجتثاث الاخر . هناك سياسة تشويه من قبل الجميع رافقت التاريخ الاسلامي،
فاقول إن المشكلة في الدين، ذلم إن العقلية العربية لم تكن لتوجد اصلا لولا الدين والقرآن والإسلام..يجب أن أذكر: أنا لا أتناول أمر ما قامت به داعش او لم تقم، وكذلك الشيعة أو السنة وغيرهم، أنا اشرت إلى الأصول الفكرية والفقهية والعقائدية للدين..وهي متشابهة بين جميع المذاهب.
وأعتقد ان في التخلي عن قيم الإسلام الشائع الرجراجة التي تقول الشيء وخلافه كل الخير ..سننعم بالسلام وستنتشر قيم المحبة والتسامح والتعايش وهذه كلها لا تنسجم قلبا وقالبا مع الإسلام كما نعرفه.
بالمناسبة أنا اتحدث عن الإسلام كما نعرفه ..وليس كما يتمنى الأصدقاء..مع تقديري لمحاولاتهم التي لا نهاية لها، لترويض وحش الدين الإسلامي الشائع منذ ألف عام.
- مجتمعاتنا مشاكلها ليست ثقافية بل دينية، وأهمها هو التعصب الشديد للرأي، فنحن لم نتعود أخلاق الاستماع للأخر ونرفض الرأي المخالف لمجرد أنه مخالف بصرف النظر عن صحته من عدمها. دون وجود ثقافة الحوار سنبقى نعانى من التخلف الثقافي يتبعه بالضرورة تخلف حضاري ! ما زلنا شعوبا سماعية شفاهية لا تقرأ لكي تفهم بل لكي تردد،
المسيحية كدين أيضا كان لها نفس التأثير السلبى على شعوبها وكان لها ضحاياها
لكنهم عالجوا مشاكلهم سبقونا واستطاعوا حبس الدين داخل معابده وأكاديمياته. من هنا فإن مشكلتنا ليست مع الدين كفكرة إنما مع المتعاطين له،
.فهم يعتمدون منطقا دينيا غيبيا قائما على أسس وأعمدة دينية بالكامل.. وهي أسس ثقافية طاردة ومازالت قروسطية..
بدليل عدم وجود اية ثقافة أخرى متميزة داخل مجتمعاتنا حتى الآن..
على الانسان المسلم عموما والعربى خصوصا أن يفهم أن الدين يشغل حيزا من حياته وليس كل حياته.
وهذه ثقافة لم يعتد عليها بعد،
فنحن تربينا على أن نعيش فى خدمة الدين لا أن يكون الدين فى خدمتنا ! - رأيي ان محمد ابن عصره وزمانه والأفق الثقافي الذي نشأ فيه..وقد أجاد قراءته واستثماره لا أكثر.. كل ما تلا ذلك وحتى الآن والمستقبل القريب مجرد محاولات لاستثمار هذا النجاح والتبجح باسمه..الحقيقة الصارخة هي يجب أن نخرج من ثنائيات الإلحاد /الإيمان..الله/الشيطان، الأرض/السماء، الجنة/النار، الحق/الباطل..هذه كلها لم تعد تنتسب للعصر وتجاوزتها الأمم والحضارات المعاصرة.