ذكرت دراسة حديثة أن التباعد الاجتماعي لا يساعد في الحد من خطر انتشار فيروس كورونا وحسب؛ بل يمكن أن يجعل أعراض الناس أكثر اعتدالاً إذا ما أصيبوا بالمرض، إذ تبين أن كمية فيروس كورونا عند بداية الإصابة تتحكم في الأعراض فتجعلها خفيفة كنزلة البرد، أو شديدة فتصبح قاتلة.
إذن فالتباعد الاجتماعي يصبُّ في خانة تقليل كمية الحِمل الفيروسي للمريض؛ أي عدد جزيئات الفيروس التي يصاب بها في البداية.
فوجود حمولة فيروسية عالية يعطي الفيروس “انطلاقة سريعة” ويزيد من خطر أن يصبح الجهاز المناعي للمريض مثقلاً ومتعباً في معركته ضد فيروس كورونا المستجد أو COVID-19.
ويقول الخبراء وفق الدراسة الحديثة، إن الشخص المصاب بشكل غير مباشر عن طريق لمس مقبض الباب مثلاً، يمكن أن يصاب بأعراضٍ أكثر اعتدالاً من شخص استنشق سعال شخص مصاب.
يكمن السبب في أن الجهاز المناعي يملك عندها مزيداً من الوقت للتعامل مع العدوى قبل أن تغمره الفيروسات بهجوم مباغت وتبدأ الأعراض في الظهور.
ولعل هذا هو السبب الذي يفسر شدة إصابة الأطباء والممرضات.
فالأطباء الذين يتواصلون وجهاً لوجه مع المرضى، أكثر عرضة للإصابة بالعوارض الشديدة، لأنهم يتعرضون لكميات أعلى من الفيروس عن طريق تنفس المصاب في وجوههم.
ومن المعرَّضين لخطر الإصابة بأعراض شديدةٍ رجال الدين، إذ عادةً ما يكونون كباراً في السن أولاً، وعلى احتكاك قريب بالآخرين.
وحتى الآن توفي 60 كاهناً و60 طبيباً من بين آلاف ضحايا بإيطاليا، كما توفي طبيبان على الأقل في بريطانيا. بدورها أوضحت خبيرة الأمراض المعدية في جامعة امبريال كوليدج لندن، البروفيسورة ويندي باركلي: ” بشكل عام ومع فيروسات الجهاز التنفسي، يمكن تحديد نتيجة العدوى -سواء أصبت بمرض شديد أو مجرد نزلة برد خفيفة- في بعض الأحيان، من خلال كمية الفيروس التي دخلت جسمك بالفعل”. وأوضحت باركلي لصحيفة Daily Mail: “إن الأمر برمَّته يتعلق بحجم الجيوش على جانبي المعركة، حيث يصعب على جيش نظام المناعة لدينا مواجهة جيش كبير من الفيروسات”. |
علماء طب صينيون حققوا بموت مصابين بكورونا المستجد، كما وبمتعافين، ووجدوا أن كمية ما كان من فيروسات بجسم الواحد منهم، هي التي حددت حجم مرضه ونتيجة علاجه، بحسب دراسة نشرتها مجلة طبية شهيرة، لخصت فحوصات أجروها على 76 معتلاً بالفيروس، عالجتهم مستشفيات في مدينة Nanchang عاصمة مقاطعة “جيانغشي” بالجنوب الشرقي الصيني، فتوفي بعضهم، وخرج آخرون متعافين، تماماً كما خرج ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز، متعافياً أمس بعد أسبوع من إعلانه الإصابة بفيروس، لم يطلب من أي مستشفى العلاج منه فيه.
ذكرت الدراسة المنشورة بعنوان Viral dynamics in Mild and severe case of Covid-19 في عدد هذا الأسبوع من مجلة The Lancet البريطانية، أن كمية فيروسات الحالات المستفحلة والخطيرة “كانت 60 مرة أكبر من الحمل الفيروسي الخفيف، مما يشير إلى ارتباط الكمية بالنتائج السريرية الخطيرة” وفقاً للدراسة التي قادها الدكتور Wei Zhang الخبير الصيني بالفيروسات.
الدراسة أعادت الذاكرة إلى أن كمية “الحمل الفيروسي” كما يسميه العلماء، زادت سابقاً من استفحال ما سببه فيروس تفشى في 2002 شبيه بكورونا الحالي، وهو SARS الشهير.
كما تعزز “العربية.نت” ما قرأته في موقع المجلة عن الدراسة فيديو من أهم الفيديوهات الشارحة عملية التسرب التي يتسلل بها المستجد إلى أصحاء من حول المصاب، بالعطس أو السعال، وهو ما أشار إليه أيضاً البروفيسور البريطاني Jonathan Ball الخبير بالفيروسات، حين ذكر لصحيفة “التلغراف” البريطانية الأحد الماضي، أن كمية ما يخرج بالعطسة من المعتل بكورونا “توثر في مدى انتقالها للآخر، فكلما زادت، يزيد معها مقدار العدوى لديه” كما قال.
وكتب العلماء المعدون للدراسة، أن هذا الاكتشاف الخاص بكورونا “يشير إلى أن الحمل الفيروسي هو علامة مهمة لتقييم شدة المرض وتشخيصه” وهو أن 80% على الأقل من المعتلين بالفيروس يعانون من مرض خفيف كالبرد وما شابه، أو حتى من انفلونزا مقبولة، فيشفون منها بأيام معدودات، بينما يواجه آخرون مشاكل بالتنفس خطيرة، وكله طبقاً لكمية ما انتقل إليهم من فيروسات الوباء الذي اكتسح العالم بغزو لم تشهد الأرض مثله في تاريخها الحديث.
موقف لحظة
ونجد، لهذا السبب، ثغرة كبيرة في ما تبثه الوكالات ووسائل الإعلام يومياً من أخبار الإصابات “الكورونية” والوفيات، فيرد فيها مثلاً أن الإصابات في دولة ما، بلغت 20 ألفاً، توفي 2000 وتم شفاء 3000 آخرين، لكنها لا تذكر ما حل بالبقية، وهم 15 ألف مصاب، ولا سلطات الدولة نفسها تذكر عنهم شيئاً، بينما هم في الحقيقة من أصحاب “حمل فيروسي” خفيف، سبب للواحد منهم نزلة برد أو انفلونزا عادية فقط، إلا أنهم ظنوها من أعراض المستجد “الكوروني” القاتل، فتم نقلهم إلى مستشفيات اتضح فيها خلوهم من الخطر.