مع اقتراب العالم من الحصول على لقاح كورونا، يتساءل كثيرون متى وكيف يمكن أن تعود حياتهم إلى “طبيعتها”، أي أن يخلعوا الكمامات ويتوقفوا عن العمل من المنزل ويزيلوا حواجز التباعد الاجتماعي، وبمعنى آخر إعلان نهاية الوباء الذي أنهك البشرية.
وأصبح القضاء على فيروس كورونا يتوقف إلى حد كبير على توفر لقاح آمن، فيما يعتقد الخبراء أنه سيكون جاهزا بحلول أوائل العام المقبل،
بعد تجارب واعدة في أكثر من مكان في العالم. لكن الحصول على لقاح ما هو إلا الخطوة الأولى في طريق العودة إلى الحياة الطبيعية،
إذ يجب أن يكون اللقاح فعالا بنسبة عالية لدى عدد كبير من السكان، للتأكد من أن الجائحة آخذة في الانحسار فعلا. ولمعرفة مدى فعالية أي لقاح في القضاء على وباء كورونا وصولا إلى الإصابة رقم صفر في العالم، استخدم باحثون أميركيون نموذجا حسابيا لمحاكاة سيناريوهات مختلفة في هذا الصدد، وفق ما ذكرت شبكة “سي إن بي سي” الإخبارية الأميركية.
وأظهرت نتائج المحاكاة أنه إذا حصل 75 بالمئة من السكان على لقاح كوفيد-19، فيجب أن يكون فعالاً بنسبة 80 بالمئة على الأقل لإنهاء الوباء بشكل كامل من دون أي تدابير أخرى.
ولفهم هذه النتيجة أكثر، نأخذ مثلا دور اللقاح في التقليل من الإصابة بالإنفلونزا العادية التي تصيب ملايين البشر في العالم سنويا، لا سيما في فصل الشتاء.
وتقول المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية، في هذا الصدد، إن التطعيم ضد الإنفلونزا يقلل من خطر الإصابة بالمرض بنسبة تتراوح بين 40 و60 بالمئة، وها نحن نتعايش معها. لكن الأرقام التي طرحها الباحثون بشأن فعالية أي لقاح قادم ضد فيروس كورونا، لا تبدو منطقية بالنسبة إلى أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في الولايات المتحدة. فقد أعرب الرجل عن أمله في الحصول على لقاح فعال بنسبة 75 بالمئة في أحسن الأحوال،
على الرغم من أن إدارة الغذاء والدواء الأميركية قالت في يوليو الماضي إنها ستسمح بلقاح حتى لو كانت فعاليته لا تتجاوز 50 بالمئة.
وقال مؤلفو الدراسة المبنية على المحاكاة، إن الخبر السار هو أن لقاحا بنسبة فعالية تتراوح بين 60 و80 بالمئة يمكن أن يبقى له تأثير على الوباء، مما يقلل الحاجة إلى تدابير وقائية.
فاوتشي يحذر من “سلبية” التعجيل باستخدام لقاح لكوفيد-19
حذر كبير خبراء الأمراض المعدية في الولايات المتحدة من أن توزيع لقاح كوفيد-19 بموجب إرشادات الاستخدام الطارئ الخاصة قبل ثبوت أنه آمن وفعال في تجارب كبرى فكرة سيئة قد يكون لها تأثير شديد على اختبار اللقاحات الأخرى.
ويخشى خبراء اللقاحات أن يمارس ترامب ضغوطا على إدارة الغذاء والدواء لطرح لقاح عبر ترخيص الاستخدام الطارئ قبل أن يتم اختباره بالكامل، وهو مسار لم يتم استخدامه مطلقا للموافقة على لقاح مخصص للاستخدام على نطاق واسع.
فبينما عبر علماء وخبراء في مجال الصحة عن قلقهم من أن الرئيس ترامب سيضغط على إدارة الغذاء والدواء الأميركية لطرح لقاح قبل نوفمبر لتعزيز فرص إعادة انتخابه،
امتنع مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، فاوتشي عن التعليق على ذلك، لكنه قال إن ثمة مخاطر للتعجيل بطرح لقاح رغم الحاجة الملحة.
وقال فاوتشي لرويترز في مقابلة عبر الهاتف “الشيء الوحيد الذي لا ترغب في رؤيته هو حصول لقاح على ترخيص الاستخدام الطارئ قبل أن يكون لديك إشارة على الكفاءة”.
كيف تعمل اللقاحات وما سبب احتمالية فشل لقاح كورونا؟
المشروع العراقي للترجمة
تتزايدُ التوقعاتُ بشأن إيجاد لقاحًا لكوفيد-19 في الوقت الذي يتسابق فيه العلماء في جميع أنحاء العالم لإيجادهِ، وحسب البيانات الأولية فقد أظهرت بعض اللقاحات نتائج واعدة، اللقاح هو عقِارٌ شديد التعقيد يعمل على الجهاز المناعي لجسم الإنسان، ومن خلال الفقرات الآتية سنوضح آلية عمل العِقار في جسم الإنسان وعن سبب احتمالية فشل لقاح كوفيد-19.
ما هو الجهاز المناعي؟
نظامٌ مُعقدٌ مِن الخلايا والأعضاء والعمليات يتعرفُ على الأجسام الغريبة الداخلة للجسم بما في ذلك البكتيريا والفيروسات والطفيليات والأعضاء المزروعة، ويَعتمدُ عليه جسمُ الإنسان في تحديد تلك الأجسام الغريبة والتعرف عليها ليشكل طبقات من الخلايا للقضاء عليها.
كيف يعمل الجهاز المناعي؟
تتكاثرُ الجراثيمُ، مثل البكتيريا أو الفيروسات، لمّا أَنْ تغزو جسم الإنسان مُسببة عدوى أو لربما مرضًا، إلا إن الجسم قادرٌ على أن يستجيب من خلال المناعة الطبيعية ليقضي على تلك الأجسام الداخلة بغضون ساعات من عُمر العدوى، والعدوى التي يقضي عليها الجهاز المناعي الطبيعي بسرعة ربما لا تُظهر أي أعراض على الإنسان، لكن إذا فشل الجهاز المناعي الطبيعي في السيطرة على العدوى فإن الجهاز المناعي المُكتسب يأخذه دوره عادة بعد أيام لمحاربة الغزو الجرثومي بمساعد خلايا الدم البيض بنوعيها: الخلايا التائية والبائية.
تتعرف بعض الخلايا التائية على الخلايا المصابة وتقتلها، وبعض الخلايا البائية المساعدة تصنع أجسامًا مُضادة “نوع من البروتين”. وثمة نوع مُحدد من الأجسام المضادة تُعرف بـ «الأجسام المُضادة المُعدلة»، فهي تحتفظُ بشفرة مُسبب المرض وتمنعه من دخول الخلايا البشرية لإيقاف العدوى والتي تُعرف بـ”التحييد المناعي”.
لا ضير أن ينخفض عدد الأجسام المضادة بعد أن يُشفى الجسمُ مِن المرضِ بفضل الخلايا التائية والبائية، وبإمكان الخلايا التي يُطلق عليها «خلايا الذاكرة البائية والتائية» في الجسم أن تتعرف على العدوى التي واجهها الجهاز المناعي سابقًا وتقف على أهبة الاستعداد لمحاربة غزو جرثومي مماثل في المستقبل.
كيف يعمل اللقاح؟
تُدَربُ اللقاحاتُ الجهازَ المناعي في جسم الإنسان على التعرف على الفيروس عن طريق محاكاة العدوى وتحفيز الجسم لإنتاج خلايا تائية وأجسامًا مُضادة للفيروس، لكن قد تصاحبها ظهور أعراضًا جانبية مثل الحمى. وعندما تنتهي العدوى الوهمية بداخل الجسم، يُترك الجسم مع خلايا الذاكرة التائية والبائية التي يُؤمل منها أن تتعرف على العدوى مُستقبلًا وتشكل دفاعًا فوريًا في مواجهة أيّ تهديد حقيقي.
كيف تعمل لقاحات كوفيد-19؟
يحاولُ العلماءُ في جميعِ أنحاء العالم استخدام مختلف التقنيات لإيجاد لقاحات مضادة لفيروس «سارس-كوفيد2»، الاسم الرسمي لفيروس كورونا المسبب لكوفيد-19، فقد استخدم ثلاثة علماء صينيون الطريقة التقليدية لصنع لقاحات تعتمد على قتل الفيروس، أما بعض اللقاحات الأخرى الُمرشحة مثل (لقاح شركة « كان سينوا» الصينية وجامعة أكسفورد) فهي مُصنعة من فيروسات غُدية مُعدلة وراثيًا “النواقل الُغدية” تعمل على نقل الجين الذي يمنع بروتين “سبايك” الموجود على سطح فيروس «سارس- 2» من دخول خلايا جسم الإنسان، حيث يستخدمه الأخير كوسيلة لغزو تلك الخلايا. وأيضًا ثمّة تقنياتٌ تُسُتخدم في صنع بعض اللقاحات المُرشحة «مثل لقاح موديرنا في أمريكا» لم تُرخص مِن قبل بتاتًا في إنتاج لقاحات حيث تكون آلية عمله باستعمال الحمض النووي ومهاجمة بروتين «أس» أيضًا. في الحقيقة، فإن أكبر مجموعة من اللقاحات الُمرشحة يُستخدم في صنعها بروتينات فيروسية مُحفزة للجهاز المناعي.
هل تعمل لقاحات كوفيد-19 المرشحة؟
لقد أثبت اللقاحاتُ الُمرشحة التي نُشرت بياناتها إنها تُحفز الأجسامَ المضادة المعادلة لبروتين «سبايك»، لكن لا يمكن معرفة فيما إذَا كانت هذه اللقاحاتُ قادرة على توفير وقاية حقيقة إلا بعد أجرى تجارب المرحلة السريرية الثالثة ذات النطاق الواسع التي تختبرُ سلامة اللقاح وفعاليته على نطاق أوسع.
تساءل دكتور فلوريان كرامر، أستاذ علم اللقاحات والتطعيم في كلية الطب في إيكان في ماونت سيناي في نيويورك، عن موضوعٍ أخرٍ مُهم جدًا إلا هو ما نوع الوقاية التي نريد تحقيقها من اللقاح، ثم سأل قائلًا: «هل نريد وقاية من العدوى؟»، وهذا الأمر صعب من وجهة نظره. ثم أضاف سؤالًا ثانيًا: «هل نريد أن نحقق وقاية من مرضٍ أم وقاية من مرض خطير؟» علق ايضًا قائلًا: «أريد أن أوضح ذلك لأن ثمّة الكثير من التوقعات المُختلفة حول هذا الأمر حيث يريدُ كثيرٌ من الناس وقاية من العدوى بيد إنهم لربما لا يُدركون مدى صعوبة ذلك.»
هل ستنتج لقاحات كوفيد-19 مناعة دائمة؟
تُنَتجُ بعض اللقاحات “ذكريات مناعية” تدوم أكثر من غيرها حيث يمكن أن تتلاشى المناعة المكتسبة من اللقاحات بعد سنوات قليلة ويتطلب الأمر جرعات مُعززة لها، أما فيما يتعلق بمدة فعالية لقاحات كوفيد-19 المُرشحة فما زالت غير معروفة إلى حد هذه اللحظة لأنها تتطلب دراسة من خلال تجربة سرية واسعة النطاق.
وعَلَقَ دكتور ناور بار زئيف، أستاذٌ مساعدٌ في كلية “جون هوبكنز بلومبرج” للصحة العامة، عن هذا الموضوع أعلاه قائلًا: «اللقاحاتُ تحتاجُ إلى وقت لمعرفة ما إذا تدوم فعاليتها لمدة زمنية طويلة أم لا، لكن ثمّة دلالات مناعية تشير إلى أن الذاكرة المناعة في الجسم يمكن أن تتطوّر.» وبحسب بار زئيف فإن اللقاحات، على أقل تقدير تلك المُصنعة من فيروسات غُدية مُعدلة وراثيًا، أثبتت استجابة الخلايا التائية، وهذا الأمر مهم لأن الخلايا التائية لا توفر استجابة كبيرة فحسب، بل توفر أيضًا ذاكرة مناعية في الجسم، وسيتعين علينا أيضًا أن نراقب كيف تكون نهاية هذا الأمر، علمًا أنها إشارة تُبشر بالخير.
ماذا تعني مدة المناعة الأقصر لمن يفكر لأخذ لقاح كوفيد-19؟
لربما تدوم فعالية لقاح كوفيد-19 لستة أشهر فقط، علق بار زئيف قائلًا: “ثمّة مسألة أخلاقية حقيقية تتعلق بتوزيع اللقاح ومصادر تصنيعه، وما يتطلبه لتطعيم السكان جميعهم، ثم تطعيمهم مرة ثانية، لكن سيكون من غير الممكن أنجاز هذه المُهمة.” وبحسبه أيضًا فإن إيجاد لقاحًا لكوفيد-19 مُمكن جدًا لكنه سيكون دون المستوى المطلوب.
كم نبعد عن توفر لقاح كوفيد١٩؟
ثمّة ستُ لقاحات مُرشحة في طور المرحلة التجريبية السريرية الثالثة، فبعض من مُصنعي تلك اللقاحات يَعِدّون بتسليمها في نهاية العام الجاري. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن مجموعة تتكون من 26 لقاحٍ تمر بمراحل تجريبية سرسرية مُختلفة، علمًا أن 139 لقاحًا قيد الدراسة ولم تُجرى تجاربٌ سريرية عليها بعد.
هل اللقاح مضمون؟
ذَكَرَ دكتور كرَامر أيضًا إنه لا يزال بحاجة إلى الاطلاع على بيانات من تجارب المرحلة الثالثة السريرية للقاحات، لكنه يرى أن اللقاح الذي يوفر وقاية من المرض سيكون أمره منطقيًا تمامًا. مع ذلك، التأريخ لا يُظهر نقصًا في فعالية لقاحات كانت واعدة حتى فشلت في مراحلها الثالثة من التجارب، أما بالنسبة للقاح كوفيد-19 فإن أي انخفاض في مستوى فعاليته سيؤدي إلى استبعاده من اللقاحات المُرشحة، وأضاف دكتور كرَامر بحسب ظنهِ قائلًا: «لن يُرشح لقاحٌ فعاليته 20%.»
ثمّة أيضًا مشكلة الأعراض الجانبية السريرية التي يمكن أن تظهر عندما يُوسع نطاقُ التجربة السريرية للقاحات من عشرات إلى آلاف الأشخاص. وعَلَقَ دكتور كرَامر قائلًا: «يُمكن أن تقضي المشكلات العصبية أو أمراض المناعة الذاتية وما يشابهها على فرص نجاح اللقاح بسرعة. »
بـقــلـــم: تشوانغ بينغوي كتبتـه لـ: صحيفة جنوب الصين الصباحية
نُـشر بتأريخ: 11آب/أغسطس 2020
ترجـمـة: ورود عـلاق
مراجعة وتدقيق: أحمد خضير عباس
تصميم الصورة: حسن عبدالأمير
رابط المقال باللغة الإنجليزية: هنا