نيتشه: محاضرة للكاتب منصور الناصر بعنوان: ستة دروس من نيتشه كيف نكتشف أنفسنا.. ونعثر على قيمنا.. ونرفع من قيمتها؟
كيف نبتكر معنى للحياة أو على الأقل.. نجد فيها ما يروق لنا.. ويسعدنا؟
للإجابة.. سنأخذ جولة على كبار الفلاسفة والمفكرين
ولنبدأ بأغربهم وأكثرهم إثارة و صراحة !
ولد نيتشه في 1844 من عائلة بروتستانتية متدينة أبا عن جد.
اشتهر بآرائه الحادة في الأخلاق والدين
وقدم افكارا عميقة جدا غير مسبوقة .. ناقش فيها قيما أخلاقية، كانت تعتبر من البديهيات
قدم رؤى جديدة تماما، أرغمت الجميع على تأملها، بغض النظر عن موافقتهم أو اعتراضهم. لأنها توغلت عميقا داخل مجاهل النفس البشرية، وموروثها الأخلاقي والديني.
دعا كل إنسان إلى تحمل مسؤولية إنسانيته وابتكار هويته الخاصة.
دعا إلى أن يتغلب كل إنسان على نفسه، لأنها ليست نفسه! لأنها خصمه الأكبر.. الذي جرى تصنيعه بإشراف جيوش من الكهنة والذين هم حسب نيتشه من أشد الأعداء.
فهم من أكثر الناس عجزا، وما يتولد عن ذلك من حقد وكراهية وسموم روحية.
كتب العديد من الكتب التي أصبحت من أبرز الكتب مبيعا وأكثرها تأثيرا.. ليس على القراء العاديين، بل كبار الفلاسفة والمفكرين والباحثين.
عثور الإنسان على ذاته، واكتشافها، تتطلب اكتشاف العديد من الدروس والوصايا التي تركها لنا نيتشه.
ولكن ما هي هذه الدروس؟ ذهبنا في جولة في غابات نيتشه الوعرة تأويليا وفلسفيا، وعدنا لكم بهذه المجموعة من الدروس
الدرس الأول
لا تتبع عقلية القطيع
يقول نيتشه أن الحقيقة مجرد اسطورة.. أما ما نسميه قيم عليا فهي مجرد رؤى وآراء شخصية لا تعبر إلا عمن ابتكرها، وروج لها.
إنها قيم وعبر قرون، أصبحت تحضى بالقبول على حساب عشرات غيرها.. بالضبط كما يحصل مع المنشورات الرائجة في السوشيال ميديا.
يرى نيتشه أن قوانين المجتمع وعاداته تخلق ما يسميه عقلية القطيع
ويقصد أن أفراد المجتمع يصبحون كحيوانات المزرعة، التي تميل إلى أن تجتمع معا حيث تجد:
- دفء الحضيرة 2- الغذاء الوفير. 3- الإحساس بالأمان43- التماثل والتشابه 5- المصير المشترك.
من هنا ابتكر القائمون على الأمر.. القانون الأخلاقي الذي يحكم العلاقات داخل القطيع. وبهدف السيطرة على السلوك البشري، والتحكم به.
لكن هذه الطريقة وإن كانت تسيطر على النزعات البشرية السيئة، غير إنها تقتل الفرادة والإبداع البشريين.
كما أنها قد تدفع بعض الأفراد إلى التمرد ومعاداة المجتمع وتفريق أمر الجماعة.
فكلما ازدادت هيمنة ودكتاتورية ولاة الأمر على المجتمع، ازدادت نسب الجهل من جهة، وفرص التمرد التي قد تسفر عن ردات فعل مدمرة، من جهة اخرى.
وهذا معناه ان القانون الاخلاقي يجب ان يكون مرنا.. مع تقبل الآراء التي تطالب بالتغيير.
لكن ما الذي كان يحصل غالبا؟
أن معظم مؤسسات المجتمعات الدينية والسياسية والتعليمية عبر التاريخ كانت متشددة في قوانينها.
بل أن هناك ما هو أسوأ، وهو أن يصبح التشدد عادة! فيتطبع المجتمع أكثر من اللازم ويرفض أي تغيير.. تصبح عقلية القطيع هي المهيمنة، ما يؤدي لأن يخشى أفراده الخروج عليه، خشية طردهم من الحضيرة الدافئة، والضياع في بحار المجهول.
لهذا يتطير الأفراد من العامة من بروز أي شخصيات مستقلة ومبدعة بينهم، فهي تمثل بنظرهم، تهديدا وخطرا كبيرا على وحدتهم، وراحة بالهم.
هذه الظاهرة ليست قديمة ولا جديدة، بل موجودة في جميع المجتمعات لمجرد كونها مجتمعات.
قصص العباقرة والمتميزين ومعاناتهم مع محيطهم، أو من سلطات بلدانهم تملأ التاريخ ..
والأمثلة كثيرة تبدأ بالمصلحين والمفكرين ولا تنتهي بالعلماء ابن الهيثم وابن سينا وابن رشد ولا تنتهي ببرونو وغاليلو وداروين.
مم يتألف القطيع؟
ولكن مم يتألف القطيع؟ يتألف من مجموعة من الأفراد الذين تخلوا عن ذاتهم، لصالح الجماعة.
سحقوا شخصيتهم، واعتبروا أنها أمارة بالسوء، جاذبة الفتنة، ففضلوا الانسياق مع التيار العام.. فارتاحوا ولكن لم يريحوا! ..
في الحقيقة، إن موقف هؤلاء عمليا صحيح جزئيا، وبدونه ما كان من الممكن أن تتشكل الدول وتظهر الأديان، ولا المؤسسات المختلفة.
لكن مشكلة هؤلاء أنهم يتطيرون من اي تغيير، يحكمهم إيقاع العادة، والتكرار، ويخشون من الاعتراف بذلك، فيتحججون بالعادات والتقاليد والأحكام الدينية الخ
لذا هم يشعرون بالخطر من اي شخص بينهم او في الجوار يظهر هذه الصفات الشخصية.
الشخص المبدع يفترض به أن لا يخاف من ردة فعل مجتمعه ضده،
بدلا من هذا عليه أن يسير بعيدا عن خطى القطيع يتركه خلفه، ويشعل ضوءا جديدا أينما ذهب.. وهو كفيل بلفت انظار القطيع. وقد تشجع هذه الإشراقات بعض أفراده على مراجعة مواقفه.
لهذا علينا جميعا مراجعة ما تعلمناه في الطفولة، وأصبح جزءا من شخصيتنا.. ففي جميع أنواع التعليم والتلقين، يوجد ما هو مريب، وغير نزيه، الغاية منه المحافظة علينا ضمن القطيع، ويستخدم المعلم أو رجل الدين أو حتى الأهل، كل الطرق لضمان إيماننا بأقوالهم وادعاءاتهم.
يقول ”إن أضمن طريقة لفساد الشباب هي أن تخبرهم بأن يحافظوا على تقدير أعلى لأولئك الذين يفكرون بالطريقة نفسها، من أولئك الذين يفكرون بشكل مختلف“
الدرس الثاني
لا تتردد في دفع ثمن اكتشاف نفسك.. فمهما كان باهضا فسيبقى أقل قيمة بكثير من نفسك
هذا الدرس صعب.. ولكن لابد من النجاح فيه..
نحن ننفر غريزيا من مواجهة المواقف الصعبة والمؤلمة.. لا نرغب بتكبد مشقة أي شيء.. والمعاناة في سبيل إنجاز ما نرغب بإنجازه..
ما يجعل هذا الدرس اصعب: هو عالمنا المعاصر الذي جعل كل شيء سهلا.. ليس على مستوى الأجهزة والتقنيات الكثيرة التي تجعلنا راكدين وخاملين، بل أن إنه راح يستثمر في وقتنا، وتفرض وسائل الإعلام حضورها علينا، حتى في أكثر لحظاتنا خصوصية.
ظاهرة الإعجاب بنيتشه ولغته الحادة وآرائه بالغة التحدي والمغايرة والمبالغة، ترجع إلى أنه يحفزنا على تحدي ذاتنا وكل شيء حولنا.. إنه يعيد الروح للإنسان المتعالي الكامن داخلنا والذي أهملنا تغذيته ورحنا نضحي به، من أجل قضايا لا تمت له بصلة.
المجتمع أداة غايتها الارتقاء بأفراده، أما وحدة الجماعة فليست هي الغاية.
نحن جميعا بحاجة لأن نكون رجالا ونساء أقوياء وشجعان، ولا نهاب التحديات والمواقف الخطرة..
على الإنسان ان يرتفع فوق الخير والشر، أن يكون شجاعا لا صالحا أو خيرا. عليه قبل هذا أن لا يتعلم أخلاق التقشف والزهد واحتقار الجسد.
على الإنسان في مدرسة نيتشه أن يتدرب على تحمل المسؤوليات وتحمل الآلام في صمت، وتولي مهام القيادة، وفي هذه المدرسة، يجب أن يتعلم الجميع الضحك أيضا، ولن يتخرج منها الفلاسفة إلا إذا أثبتوا مقرتهم على الضحك من أعماق قلوبهم. لأن من يبلغ ذرى القوة يجيد الضحك من مآسي الحياة.
هذه الدروس النيتشوية هي ما يثير داخلنا الحماس ويلهمنا.. وإن بالغ نيتشه في الأمر.. وطالب بأن نكون اكثر قسوة وشرا!
وادعى أن هذه القسوة ميزة الأقوياء.. أما الأخلاق وقيم مثل الزهد والشفقة فسلاح الضعفاء.. وهذا غير صحيح، لأن الأقوياء يستعملون نفوذهم وقوتهم أكثر من استعمالهم لأخلاقهم.
باختصار يرى نيتشه أن الحيوية والشجاعة والعقل وعزة النفس، هي التي تصنع الإنسان الأعلى. على أن تجد هذه القيم والعواطف الانسجام فيما بينها، ومن أجل تحقيق هدف عظيم، قادر على أن يحقق الشخصية القوية..
فويل للمفكر الذي يصبح ارضا لأفكاره، لا بستانيا منظما ومشذبا لها، ولأغصانها المتشابكة.
فمن ينساق لعواطفه وغرائزه هو الضعيف.. ناقص القدرة على قول “لا” حين يستدعي الأمر.
فمن يريد أن لا يكون فردا عاديا في مجتمعه، يجب أن لا يتساهل مع نفسه أبدا.
الإنسان الأعلى هو الهدف وهو المكافأة الكبرى لأتعابنا.
ولن نصل إليه دون خوض أصعب التحديات.
الدرس الثالث: حطم الأصنام
الانسانية قد عاشت، حتى الآن، على عبادة الأصنام: أصنام في الاخلاق، وأصنام في السياسة وأصنام في الفلسفة.
لهذا لا تتردد في تحطيم الأصنام الفكرية: هاجم افلاطون واعتبر أن سقراط كان مفسدا حقا، وانه يكره العالم الواقعي، واعتبر أن كل رأي سائد، بل كل كلمة هي حكم مسبق! ..هاجم المناهج الفلسفية والعلمية وانتقدها بأقسى ما يستطيع.. قال إنها قيود وتسلك بطريقة تدل على انها تخشى مواجهة الحقيقة.. فلا حاجة لتقديم اي عزاء أمام الحقيقة، ولو كانت قاسية ومخيفة.
قال إن تلك المناهج كانت تمنع التفكير في طرق لحل مشاكل عصره الكبيرة. وأن الحداثة الأوروبية تسير لطريق مسدود
كان لا يبالي بأن يكون مزعجا، ويضرب بمطرقته أي شيء أو فكرة يشاء.
قال إننا نجري عملية تزييف للواقع باستمرار. ( وهذا رأيي أيضا.. لأننا في حاجة بيولوجية/عقلية إلزامية لتثبيت الواقع، فنتوهم أن ما نقوم به هو الحل الوحيد الصحيح. لكننا، وبحكم “طبيعيتها”، لا نكتشف هذه الآلية الفسيولوجية-الإرادية على طريقة شوبنهور، فنصدق مواقفنا، ونحولها إلى مقدسات، طوطمية أو صنمية أو إلهية أو أرضية الخ.. وبدلا من التأسيس على قيم مرنة.. نضطر للتأسيس على قواعد أخلاقية وسلوكية، متكلسة وصلبة.
والمبرر موجود. فنحن كقياديين مبتكرين للقيم، ومراقبين لها، لا نستطيع الإعلان عن أي مرونة في هذا المجال. التشدد الصارم، ليس خيارا هنا، إنما.. حل أخير.. أصله، شرطنا الإنساني الذي يجعلنا كائنات اجتماعية، لا خيار أمامها إلا المقامرة، على ثابت ما، في لعبة القمار الوجودية حولنا.
نحن لسنا أكثر من أحجار زهر على طاولة العالم. وعلينا أن نجيد اللعب مع آلهته وشياطينه.
علينا أيضا أن نجيد بلا رحمة، ما هو أسوأ، ببتر وإقصاء من لا يجيد اللعب بطريقتنا من اعضاء “نادينا” البشري.
صيغة الجمع هنا “نا” تثير مشكلة أكبر.. فمن “نحن”؟ ولماذا أفترض أنني واحد من “النحن”، وفي الوقت نفسه أتحدث باسمهم؟ من أين امتلكت هذا الحق؟ ولماذا أعتبره امرا مسلما به؟
لا يوجد إنسان واحد لا يتحدث بصيغة النحن!
اللافت انه يتحدث وكأنه يعرف ما نحتاجه “نحن” الذين معه. كل منا ايضا لديه هذه الإحساس.. وهو ما يجعلنا في حالة صراع لا نهائية، لتحقيق “نحن..نا”، الخاص أي الفردي الذي لا علاقة له بالـ”نحن” الذي نفترضه!
كل الأشياء خاضعة للتأويل، وأيا كان التأويل فهو عمل القوة لا الحقيقة.
الدرس الرابع: ابق وحيدا ولا تصدق حكايات تطوير الذات
هذا ليس سهلا.. ولكن يجب ان ندفع ثمن الفوز بأنفسنا، وامتلاكها. بدلا من ترك الآخرين أو الجماعة يغمروننا بروحهم القطيعية.
يجب أن تجد طريقك الخاص.. ابتعد عن الطرق السهلة..ربما وجدت لكي تشتت أنظارك عن الهدف الكبير وهو الفوز بنفسك، وحريتك،
احذر أيضا من حاجاتك الجسدية والنفسية، لا تدعها تقودك .. بل بادر واجعلها هي التي تخدمك وليس العكس.
معلمو هذا الزمان يغمروننا بنصائحهم بتطوير الذات وطرق النجاح وتحقيق المال والمناصب الدنيوية..
لكن نيتشه يذهب بنا أعمق بكثير.. لأن معركتنا ليست مع العالم الخارجي ولا حاجاتنا الجسدية.. إنما من أجل تحقيق أنفسنا وشخصيتنا والأهم إنسانيتنا المتعالية.. وهذه تتطلب الكثير من التضحيات.
مثال على هذا: هناك معلم يحفزنا على الثقة بأنفسنا واكتشاف قدراتنا على تحقيق نجاح اجتماعي وماليا، وإعلاميا.
نيتشه يطالبنا بأن نكتشف أنفسنا قبل الثقة بها، وعلينا قبل هذا أن نحلل ونفكك سبب رغبتنا بامتلاك هذه الثقة.
معلم كهذا يريدنا أن نجيد إقناع الآخرين بشخصيتنا.. وهذا هرب من ذاتنا وتزييف لها، وليس اكتشافا لها.
إنه بعبارة مختصرة تنازل عن أنفسنا.. ولصالح القوى نفسها التي تخطط لجعلها جزءا مطيعا من القطيع.
على العكس، الاكتشاف الحقيقي لأنفسنا، سيغير نمط حياتنا، وقد يجعلنا نصطدم بأقرب الناس لنا، وغالبا ما يجعلنا وحيدين ومنعزلين.
عدم تنازل كل منا عن ذاته أو عمن يكون.. لن يكون إلا ضد مصالح من كان، ويريد أن على حسابنا أن يكون.
نيتشه يدعوننا لمواجهة شياطيننا، ولكن لا حاجة لرميهم بعيدا، يجب اكتشاف المعنى العميق لوجودهم معنا.
يقول: لا تمشِ في طريق من طرق الحياة إلا ومعك سوط عزيمتك وإرادتك لتلهب به كل عقبة تعترض طريقك.
نحن نحتاج للخروج إلى العالم، تجربة أحاسيس جديدة، تحديات وتجارب جديدة، مغرية.. مبادرات تجعلنا نشعر بفرادتنا وقوتنا وقدراتنا الواعية وحاضرة الذهن.. والأهم شعور كل منا بثرائه الداخلي وقدرته على مواجهة العالم لوحده وتحديه.
اما من لا يفعل ذلك.. فلا حق له بأن يقول إنه قد عاش حياته حقا!
يقول في “العلم المرح ” إن السر لحصاد أعظم، وإثمار أكبر قدر من الاستمتاع في الوجود هو بالعيش بشكل خطير!
ابن مدنك على سفوح جبل فيزوف”.
ابحث عن المعنى ولا تتورط بحروب المعاني القديمة
قديما كان المعنى من حصة الله وكل المعاني مرتبطة به.
زمن نيتشه كان زمنا علميا وعلمانيا .. ولم يعد الدين قادرا على تقديم معنى مقنع للحياة للإنسان الحديث.
وهذا أدى لإحساس الإنسان بالعدمية واللاجدوى..
ويقول: إن كل الوسائل التي كانت ستجعل الإنسانية أخلاقية قد كانت حتى الآن لا أخلاقية للغاية.
وهنا، يقدم لنا نيتشه ثلاثة بدائل للدين، قد تساعدنا في العثور على المعنى..
الاول باللجوء إلى الفلسفة المسرح، ألأدب والفن والموسيقى..وباقي العلوم الإنسانية فهي ستساعدنا على اكتشاف واقعنا الإنساني، وتزيد من إحساسنا بالمشاركة في المعاناة وحل المشاكل والصعوبات بشكل مشترك
أن نقرأ التاريخ ليس لكي نعرف الحقائق، بل ما تعبر عنه هذه الحقائق والوقائع وبما يساعدنا على بناء ذواتنا.
الحل الثاني: إن كنا غير مهتمين بالأدب والإنسانيات فالحل هو في ما يسميه نيتشه الإنسان الأعلى
وهو الذي يصنع المعاني والقيم بدون تأثير من الخارج.. وهذه الطريقة في بناء الشخصية.. سيتخلص هذا الإنسان من البحث عن معنى الحياة.. وعن طريق صناعة معانيه الخاصة فقط.. وتحمل مسؤوليته الكاملة عنها.
وحسب نيتشه.. قليلون تمكنوا من هذا.. منهم قيصر ونابليون وبوذا وغوته
في التمعن داخل ذواتنا يمكن لنا أن نجد المعنى،
إنني آتٍ إليكم بنبأ الإنسان المتفوّق , فما الإنسان العاديّ إلّا كائن يجب أن نفوقه , فماذا أعددتم للتفوّق عليه؟
الانسان الأسمى هو من يمتلك تحمّل الجمال ، وعزم وجرأة الأسود ، وبراءة الأطفال.
عليك أن تجد المعنى ولو بأن تحب حياتك، أيا كان حالها. يدعو نيتشه كلا منا لأن نتقبل قدرنا، جيدا كان او سيئا ..لأنها تنتسب لك في تلك اللحظة،
تخلى عن إيمان الجماعة .. اعثر على قيمك الحقيقية
مهمة خلق ذاتك..صعبة وستقودك حتما لمواجهة الفشل وخيبات الأمل.. لكنها قد تحمل داخلها معنى الحياة.. وإن كانت لحظات قاسية.
فماذا لو عرفت أنك لم تكن تفعل سوى ما يرى القطيع إنه صحيح؟
إن عرفت أنك ستكرر ما ستفعله في حياة أخرى تماما.. فهذا سيعطيك حافزا على أن تفعل ما تراه أنت فقط، لا ما يقوله ويؤمن به القطيع.
تخيل أنك لم تبتكر قيمك الخاصة وساهم الجميع في تشويه نفسك، واختراع هوية مزيفة لك ولا تمثلك.. تخيل أنك ستبقى حاملا لهذه الهوية، في حياة اخرى، عبدا تابعا ينفذ فقط أوامر القطيع ..حينها ستدرك أهمية ان تكون انت الذي هو انت لا أنت الذي تصنعه قيم القطيع، وبصفته أحد أفرادها.
ستسعى للتوقف عن تكرار أخطاء الماضي.. التي تلقيتها من القطيع.. العود الأبدي فكرة.. تجعلك تسأل نفسك في كل فعل ..هل أن ما تفعله مفيد حقا لك؟ أم أنه مفيد للقطيع؟
إن وجدت أنك لا تطيق فكرة تكرار ما أنت عليه.. فهذا معناه أنك ما زلت مقصرا مع نفسك.. ولم تشكل قيمك الخاصة بعد..
هذا دليل باختصار على أنك ما زلت عبدا .. خاضعا لأصنام القطيع.. بل ولأصنام نفسك أيضا.
توقف عن تكرار الأخطاء ..وهذا يحصل عندما تراجع كل القيم الأخلاقية التي فرضها عليك ثقافة القطيع وقيمه التي لا تخصك.
عندما تحقق هذه المراجعة ..بالإمكان أن تقول أنك صرت أقرب إلى الإنسان الأعلى.
كم مرة هاجمك بعضهم وتحاشيتهم لأنك لا تريد مواجهتهم؟ .. فقط لأنك تحاول أن تكون إنسانا جيدا وفقا لمعايير المجتمع لا معاييرك أنت؟
نيتشه هنا يسألك هل ترغب بأن تم بهذه التجربة مرة أخرى وأخرى؟ إن قلت لا فهذا معناه أن عليك أن تغير نفسك وقيمك .
أغلبنا يعيش خلف قضبان سجن فرضه على نفسه بنفسه. والحجة هي السيطرة على الوحشية البشرية وتحجيمها. هذا لسجن يسميه رجال الدين.. أحيانا حضيرة الدين. فيما يسميه رجال العقائد بأسماء أخرى.
هذه الحضيرة نعتاد عليها.. وعلى دفئها حتى تصبح إدمانا وعادة يصعب التخلص منها. نيتشه يقول هذا ممكن عبر مراجعة جميع قيمنا وإعادة تقييمها وفقا لحاجاتنا الشخصية والمعنى الذي نمنحه لحياتنا.
يجب أن تتمرد .. تشعر بلذة هذا التمرد ليس على المجتمع، بل على نفسك أيضا.. كن شجاعا واكسر تقاليد وعادات الدين والمجتمع..
لا حاجة لأن يكون هذا التمرد عنيفا ومفاجئا.. يكفي أن يكون ذكيا.. وهادئا ..لكنه حاسم ونهائي.
من الممكن أن تعد قائمة بكل القيم والعادات وحتى الأشخاص الذين يسرقون حياتك يحدون منها ويسممونها ..
المهم في النهاية أن تهرب م هذا السجن الذي يحاول الجميع إبقاءك مقيما فيه وإلى الأبد.
الدرس الخامس
اكتشف عبقريتك!
ولكن كيف؟ اتبع طريقا لم يسر فيه أحد قبلك.. واكتشف ما كان على وشك أن يضيع عليك.
أنت تعرف أنك كائن فريد من نوعه، ولن يتكرر.. ولن يسير أحد غيرك في هذا الطريق.. كن قويا وجريئا إذن واكتشفه بنفسك!
”يوجد في العالم سبيل واحد لا يمكن لأحد غيرك أن يسلكه، إلى أين يؤدي ذلك؟ لا تسأل، اسلكه فقط“ —سلسلة تأملات في غير أوانها، مؤلف شوبنهاور مربيا، الجزء 3.1
لذا سارع باكتشاف نفسك.. وستكتشف أين تكمن عبقريتك في الوقت نفسه.. وفرادتك.
ستبتكر قيما جديدة وعادات جديدة، سيكون حضورك في أي مكان.. وزمان حضورا، له طعمه، وميزته الخاصة.
ستكتشف كل الأشياء التي تحب حقا، وستتذوق سحر اكتشافك لذاتك، ونشر عبقها الذي يمثلك تماما، أينما حللت.
في سلسلة تأملات في غير أوانها، شوبنهاور مربيا،
يقول نيتشه: يوجد في العالم سبيل واحد لا يمكن لأحد غيرك أن يسلكه، إلى أين يؤدي ذلك؟ لا تسأل، اسلكه فقط!!
وفي هكذا تكلم زرادشت يقول: كن من أنت عليه.
الدرس السادس وهو درس نيتشه الأكبر: اهجر القيم البالية واخلق قيما جديدة!
لأن جميع قيمنا قديمة وباطلة.. وعلينا بالتالي إعادة تقييم جميع القيم وخلق قيم جديدة!
كل فلسفة نيتشه يمكن وصفها بأنها محاولة من أجل إعادة تقييم القيم، قلب سؤال الوجود، ومشكلته الميتافزيقية وحتى الدينية واستبدله بمشكلة القيمة.
لهذا يبقى نيتشه مثيرا لنا، ويستطيع البقاء بيننا حاضرا مهما تغير الزمن .. فقد جعل من حروب البشرية على المعنى، أضحوكة وراح يحلل ويفكك معنى المعنى، هكذا أصبح السؤال: أي معنى يستحق بذل الجهد من اجله؟ وليس أي معنى هو الصحيح أو الاصدق!
هو حول البحث من أجل تحويل البحث في الوجود إلى البحث في القيمة والتقييم.
كان مشروعه قلب الميتافيزيقا الغربية واعتبر أن حقيقتها تكمن في أنها مجرد أخلاق وهذا ما ترك تأثيرا كبيرا جدا على جميع الفلاسفة الكبار بعده مثل فوكو دولوز ودريدا وفلاسفة فرانكفورت وكذلك فلاسفة الوجودية مثل ياسبرز وهيدجر.
يقول نيتشه في إرادة القوة (الحكمة رقم 493) “إن الحقيقة هي ذلك النوع من الخطأ الذي لا يستطيع نوع معين من الكائنات الحية أن يعيش بدونه. إن قيمة الحياة هي الشئ الحاسم في نهاية الأمر.
قراءة نيتشه رغم طابعها الحاد والمتطرف أحيانا تدعونا لاكتشاف أخلاق جديدة.. وتشجعنا على الهبوط إلى الأعماق، وتهديم أسس البناء الأخلاقي لواقعنا، وتهز ثقتنا بها؛ وبسببه أصبحت قيما مثل الفضيلة، الشفقة، حب القريب، التواضع، احتقار الجسد، الخير والشر، قيما غامضة في عين جميع المفكرين .. بعد أن كانت من المسلمات وفي غاية الوضوح!
لماذا؟
من اقوال نيتشه
الجواب سنجده عند نيتشه نفسه حين يقول: أن يقاضي الإنسان نفسه بنفسه فتلك لحظته الأرقى
.. ليس هناك ما يكفي من الحبّ والخير في هذا العالم لنسمح بالتخلّي عن أيّ قدرٍ منهما لكائناتٍ وهميّة...
فهناك أوثان في هذا العالم أكثر من الحقائق.