هناك احداث لا يمكن اعتبارها أمرا عابرا أنما امرا خلف قطيعة كاملة مع كل ما سبق. ومن هذه خمسة أحداث غيرت تاريخ البشرية..وأدت إلى هز أركان الدين ورفع راية العلمانية.
كتب المفكر والشاعر منصور الناصر مقالا أكد فيه أن هناك احداث محددة هي التي سمحت بالفصل بين العالم القديم والحديث. وأدت بالنتيجة إلى مقاومة عنيفة من قبل أسياد العالم القديم من رجال دين وسلطة، وظهور الحداثة و العلمانية في نهاية المطاف.
وقدم الناصر جردا موجزا بهذه الاحداث مع تعرف خاص به للعلمانية ووصفها بأنها التحاق الفكر بالواقع وبما يمنع قلب الأدوار إلا بشروط صعبة جدا.
خمسة أحداث غيرت التاريخ
كل المآسي التي نمر بها حاليا هي نتيجة لقصة بدأت عام 1492 من خلال خمسة أحداث غيرت تاريخ البشرية كليا
ولم نستطع حتى الآن مناقشتها واكتشاف أبعادها الخطيرة على واقعنا وما سببته من قضايا ومشاكل. نعجز كل مرة عن فهمها ولسبب بسيط وهو أننا لا ندرك عمقها ومصدرها!
أولها دق كنائس أوروبا جميعا لأجراسها احتفالا بسقوط آخر منارة إسلامية في أوروبا
وثانيها توقيع قرار بطرد يهود إسبانيا و تخييرهم بين الطرد أو التنصر. قرر آلاف اليهود التنصر لحبهم لإسبانيا. فيما قرر 80 ألفا المغادرة نحو البرتغال أما 50 ألفا فقرروا الهروب إلى الدولة العثمانية الجديدة و لاقوا ترحيبا حارا .
وثالثها قيام شاب قيل إنه من أسرة يهودية تحولت إلى المسيحية، وكان ممن حضر مشهد تسليم غرناطة، بالسفر إلى الهند فاكتشف قارتين كاملتين سميتا أميركا ! وهو كولومبوس
في عام واحد كانت الآفاق تتسع إلى حد لا سابق له في تاريخ البشرية
رافق ذلك
حدث رابع مهم جدا. وهو اكتشاف غوتنبرغ للطباعة
وسقوط القسطنطينية على يد محمد الفاتح.
هذا كله أنتج دولا أصبحت تدعى حديثة اكتشف لاحقا أنها كانت تخرج من عالم قديم يهيمن عليه الدين معرفيا إلى عالم يهيمن عليه ما سمي بالحداثة لاحقا والعلمانية أخيرا. وهو ما ادى إلى ظهور ردات فعل أصولية و متطرفة .
القصة ضخمة جدا.
ولكن سابدأ من اسم أطلق لاحقا عليها وهو العلمانية.
أولا ما هي العلمانية؟
الجواب هي مصطلح ظهر منذ قرن ونصف يصف نهجا فكريا، قديما قدم البشرية، ولا علاقة له بديمقراطية ولا دكتاتورية ولا أصولية ولا أديان مباشرة، كما أوضحت في سلسلة العلمانية وأكثر من فيديو سابق. إنما في أمر نمارسه جميعا و بطبيعتنا في آي وقت حاضرا أو ماضيا أو مستقبلا.
وتعريفي ببساطة شديدة للعلمانية بأنها التحاق الفكر بالواقع ومنع قلب الأدوار إلا بشروط صعبة جدا
المشكلة أن هذا الأمر جديد كليا على الكائن البشري.
فقد كان هناك دائما فكر حالم يعاند الواقع. ويطالبه بأن يلتحق هو به وليس العكس.
وهنا بدأت معالم القصة التي لا نظير لها سابقا بالاتضاح
وتبين ان هذا التغيير الجذري ليس لعبة تنقضي بين ليلة ويوم. إنما يتطلب لإنجازها مواجهة طبقات متسلطة كانت تحكم مصير البشر جميعا تقريبا.
عندها تعقد الموقف
وظهرت ممانعات كالممانعة التي نسمع عنها منذ سنوات. فكانت عودة اللوغوس على حساب الميثوس أمرا مشؤوما على زعماء الطوائف الدينية.
لكن انتصاراته لم تعد أمرا مخفيا.
هنا بدأت المعركة البشرية الكبرى والتي ما زلنا نشهد فصولها في بلداننا والتي يمكن اعتبارها آخر الخطوط الدفاعية المتبقة في مواجهة خطاب الحداثة.
ولأسباب سياسية-دينية وتعتمده طبقة مهمة داخل المجتمع ونافذة
هذه الطبقة كانت تتحكم بشؤون القضاء والتربية والتعليم .. وحين تغير الواقع رفضت هي التغيير!
هذه كل القصة!
فلا تصدقوا الحديث عن الدين والحق والباطل والرحمن والشيطان.. كلها محاججات واساطير تقف خلفها مصالح ومطالح!
طبعا هناك من يقول أن هذه الطبقة كانت تتحكم وتوجه السلوك الأخلاقي للمؤمنين. وهذا غير صحيح. أنها كانت تتحجج بذلك . مثلما تتحجج بالعلم والمعرفة والطب وغيرها.
كلنا نعرف مدى الانفتاح الاجتماعي للمجتمعات العربية في المدن الكبرى. من يقرأ تاريخ بغداد من أيام هارون الرشيد حتى السبعينيات سيكتشف ذلك.
الدين برجاله كان نوعا من الوجاهة الاجتماعية والنخبوية. وأغلب رجاله كانوا لا يختلطون بالعامة إلا في مظهر وأسلوب فيه تعالي واضح بات مقبولا من الناس.
ما جرى هو ان الطبقة الدينية همشت من جميع اختصاصاتها القضائية والتربوية. وأصبحت طبقة صغيرة مهمشة لا وظيفة حقيقية لها. فماذا فعلت؟
صور نفسه بطريقة مختلفة. وادعى انه مصدر المعرفة والثقافة والعلم وان على الجميع اتباعه وتقليده!.. هكذا ابتلعت هذه الطبقة الجميع مع الوقت!
فماذا فعلوا؟
القرآن الصالح لكل زمان ومكان
ادعوا ان القران صالح لكل زمان ومكان. وأن لا حاجة للعلوم الحديثة والقوانين. ولا حقوق الإنسان.
اما الدولة فإن الإسلام هو دين ودولة. وهذا ما فعله سيد قطب والخميني والمودودي والألباني.. وادعوا إمكانية وضع نظام سياسي كامل من القرآن والحديث.
وهذا الأمر جاء بسبب انتشار فكرة بروتستانتية. هي أن نص الإنجيل يمكن من خلاله اتباعه حرفيا استنباط كل شيء. هذه الاعتقاد انتشر عالميا. فقال شيوخ الإسلام نحن بهذا أولى. قرآننا يحوي كل شيء! وكذلك الهنود .
أصبح القرآن يقرأ كاملا .. بعد أن كان يقرأ لأغراض تعبدية طقسية. وعلى أجزاء. وعلى مدى 1400 عام فيما عدا الخمسين عاما الأخيرة.
أي أن اعتبار الدين منظومة كاملة مكملة لكل شيء جديدة كليا .. ولم يفكر أحد قبلها بالحديث عن ذلك.
والعملية سهلة.
افتح كتب الماضي وقل هذا دليل على كلامي وذاك ايضا.. وذاك وذاك .. ومنذ الوقت انتشرت هذه القناعة التي لم يكن هناك أحد يتخيل وجودها!
أصبح الدين قالب صالح لأن يستوعب كل شيء. اجتماعيا أو سياسيا أو حكوميا أو تربويا وحتى علميا وطبيا!
هنا أصبح ما هو واقعي مشكلة!
وكأن رجال الدين قالوا للجميع.. تريدون تهميش دورنا؟ انتظروا وراح تشوفون شنو نقدر نعمل!
فماذا فعلوا جعلوا من كل شيء في حياة الناس.. مشكلة يجب حلها!
ولم يكتفوا بذلك بل قالوا أن الحل موجود لديهم وحدهم ! وكشفوا سرا أنه موجود في كتاب الله! ولا أحد غيرهم يجيد فهمه وتطبيقه!
وهذا بالضبط ما خرجت به المرجعيات الشيعية بدءا من الخميني ومحسن الحكيم وانتهاء بالصدر الأول والثاني.
بالإضافة إلى المرجعيات الأزهرية التي رفضت ما جرى. لأنها قررت الدفاع عن الكهنوت الديني وخاصة من قبل رشيد رضا تلميذ محمد عبده واستاذ البنا.
بالمناسبة مفهوم الكهنوت أطلقه محمد عبده. واضطر لإنكاره الجميع. ومن بينهم تلميذه! وادعى عدم وجود وسيط بين المؤمن وربه!
وهذا ما رقص على إيقاعه الجميع بعده. وهو كما نعرف جميعا كاذب وسخيف ويستغفل الجميع علنا وبلا حياء.
أمر مهم آخر وهو ان القرآن لم يكن مصدرا لاستنباط الاحكام والقوانين ونظم الحكم والسلوك والأخلاق.
كان مصدرا فقط للتوثيق وليس الاستنباط والاستقراء واستخلاص الأحكام والنظم الأخلاقية والسياسية والاقتصادية.
اي افعل شيئا ثم تعكز على آية من القرآن. وليس ان تفعل شيئا لأنك استنطقت ما تشاء من القرآن!
هذا فرق هائل يجب أن يلتفت الجميع لجدته وعدم وجود ما يماثله قديما كسياق عام.
تهميش الديني ثمنه باهض ويجب دفعه!
المهم ما جرى هو ليس انتفاضة دينية ضد العلمانية تحديدا. إنما ضد تهميش الديني إلى حد أوشك على إلغاء حضوره من الحياة العامة تقريبا.
هنا وبعد أن شاهدوا ما حصل في دول أوروبا الغربية، سارع رجال الدين في استغلال رصيدهم المتبقي داخل مجتمعاتهم. وقرروا وضع الحواجز الذهنية بين أتباعهم وتأثيرات التطورات الحديثة.
ووجدوا عدوهم الأكبر وقالوا إنه العلمانية والحداثة وخاصة نظرية التطور والفلسفات المادية والوضعية التي قدمت قصص نجاح بالغة القوة والإقناع.
هذا الأمر جرى ليس بين المسلمين. بل على مستوى جميع الأديان الكبرى. أرمسترونغ لديها بحث رائع حول ذلك. وفيه أرخت لتاريخ ظهور الأصوليات الحديثة.
وهنا تظافرت عوامل عديدة ساعدت على نجاح هذه الاصوليات. وهي أن التيارات الفكرية الحديثة أو العلمانية أفرزت عقائد متصلبة ومتعصبة بدأت بالقومية والوطنية وانتهت بالفاشية والنازية والشيوعية.
وهذا ما اضطر الغرب الرأسمالي لدعم الحركات الدينية لكي يوازن بين خلافه مع هذه التوجهات الدوغمائية ويجد لها مناظرا عقائديا صلبا قادر على التأثير فيها.
وهذا ما حصل فعلا!!
والآن لماذا أقول كل هذا؟
أقوله فقط لكي نعرف أن كل ما نحن عليه مرسوم ومخطط له مسبقا.
ثانيا وهو الأهم. إن على كل واحد منا أن يعرف أن كل كلمة أو جملة تخرج من فمه أو تظهر فجاة في رأسه. هي موضع شك. والسبب هو اننا ضحايا تاريخ من الأكاذيب والدعايات الموجهة حكوميا ودينيا. والمتعاملين معهم.
مع هذا اختم كلامي وأقول.
لا حاجة للتشكيك بكل شيء.. ولكن يجب التشكيك .. فقط بكل ما نضع أمامنا ونقول هذا أمر قابل للتشكيك مطلقا !!
والسبب أن كلمة مطلق لا وجود لها مطلقا !
أكرر مطلقا !!