ازاميل/ متابعة:
يقدم الفيلم الوثائقي الذي يحمل عنوان (بين المؤمنين) Among the Believers صورة مدهشة من وراء الكواليس للمسجد الأحمر الواقع في العاصمة الباكستانية إسلام أباد، والذي يعد الأطفال الصغار من أجل الجهاد.
يستهل (بين المؤمنين) وهو فيلم وثائقي جديد مخيف عرض أول مرة في مهرجان تريبيكا السينمائي، بمشهد صبي لطيف للغاية يبلغ من العمر 5 سنوات، وكان والد الصبي تخلى لتوه عن أمه، تاركاً إياه وحيداً في هذا العالم، وبالتالي لجأ إلى عبد العزيز غازي، المعروف لدى معاونيه باسم مولانا غازي.
يسأل رجل الدين الصبي قائلاً: “ماذا تريد أن تكون عندما تكبر؟”، فيجيب الصبي: “مجاهد”، رد رجل الدين: “هل تذكر الخطب التي علمناك إياها؟”، ينهض الطفل واقفاً على قديمه ويفتر ثغره عن ابتسامة عريضة.
ويردد الطفل: “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم، انظروا إلى تضحيات شهداء المسجد الأحمر”. يتحول سلوكه الهادئ إلى العنف فيما يبدأ في الصياح بأعلى صوته هازّاً قبضته الصغيرة في الهواء، “سنقضي عليكم لو هاجمتمونا!، لا يمكنكم الدخول إلى هنا!، لا يمكنكم غزونا، لا يمكنكم، ولو تجرأتم على الدخول إلى هنا، سنقضي عليكم باسم الجهاد!”.
وحين يقول الطفل الصغير ما قال، يبتسم ويتوجه إلى رجل الدين طلباً للرضا الأبويّ، الذي يختم المحديث بقوله:”أحسنت”.
المسجد الأحمر
يؤرخ وثائقي (بين المؤمنين)، الذي أخرجته هيمال تريفيدي، وهي هندوسية من الهند، بمشاركة محمد علي النقاوي، وهو مسلم باكستاني، خمس سنوات وراء جدران (لال مسجد)، (ويعني بالعربية المسجد الأحمر)، وهو مدرسة دينية مثار جدل في العاصمة الباكستانية إسلام أباد، الذي يعد الأطفال المسلمين من سن صغيرة جداً، تصل إلى 5 سنوات من أجل الجهاد، ويمثل قاعدة (شبكة مدارس المسجد الأحمر) التي تضم 30 مدرسة، وجيشاً قوامه 10 آلاف تلميذ منتشرين في كل أنحاء باكستان.
وتصدر المسجد الأحمر، الذي أقامته الحكومة في 1956 وسمّي بالأحمر نسبةً إلى لونه من الداخل، عناوين الأخبار عندما دارت معركة دموية في 3 يوليو (تموز) 2007 بين الطلاب المتمترسين داخل المسجد، وبين الشرطة الباكستانية، التي اتهمت أعضاء المسجد باقتراف كل شيء بداية من الخطف والقتل، ووصولاً إلى الإرهاب، ثم نشب تبادل لإطلاق النار أدى إلى مقتل 20 شخصاً.
وفي خضم هذه المذبحة، ألقت السلطات الباكستانية القبض على مولانا عزيز، فيما كان يحاول الفرار من مسرح الأحداث مرتديا برقعاً، وبعد ذلك فوراً، وفي لحظة سريالية بحق، جرى استعراضه أمام الكاميرات التلفزيونية التي تبث على الهواء مباشرةً، وأجبروه على خلع البرقع أمام جمهور تلفزيوني في كل أرجاء البلد.
وتقول المخرجة المشاركة هيمال: “لقد فقد مصداقية، لكنه اكتسب أيضاً مصداقية، فعندما ينظر الآخرون إلى الطريقة التي أهين بها، وتعرضه للإذلال على الملأ، سيقولون: انظروا إلى ما جرى له! لو سلّمنا أنفسنا سنتعرض نحن أيضا للإهانة والإذلال”.
وفي 10 يوليو (تموز)، قامت قوة مؤلفة من 164 فرداً من الجيش الباكستاني باقتحام المسجد الأحمر، فقتلت ما يقدر بخمسين جهادياً، لكن هذا التدخل الحكومي لم يسفر على ما يبدو إلا عن تقوية الدعم الجماهيرية لقضيتهم، حيث نشر أيمن الظواهري- الذي حمل فيما سبق لقب الرجل الثاني في تنظيم القاعدة لفترة طويلة وزعيم التنظيم منذ موت أسامة بن لادن- شريط فيديو حول هذه المداهمات قال فيه: “لا خلاص لكم إلا بالجهاد”.
مكتبة بن لادن
كما سمى المسجد الأحمر مكتبته المركزية تيمناً ببن لادن، وفي 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 نشرت طالبات مدرسة جامع حفصة للبنات التابعة لشبكة المسجد الأحمر شريط فيديو دعماً لتنظيم داعش في العراق والشام، حضضن فيه الجهاديين الباكستانيين كافة على مؤازرة التنظيم الإرهابي، ورفض مولانا عزيز إدانة شريط الفيديو، وعلق بدلاً من ذلك عليه بقوله: “لا أدري لماذا يأبى هؤلاء الصبيان أن يقولوا إننا نؤيد التنظيم الذي يريد تطبيق النظام الإسلامي”.
وفي 16 ديسمبر (كانون الأول) 2014، هاجم سبعة أعضاء باكستانيين في حركة طالبان مدرسة عامة يديرها الجيش في مدينة بيشاور الباكستانية، مما أدى إلى مقتل 132 تلميذاً في واقعة تظل الهجوم الإرهابي الأشد فتكاً في تاريخ باكستان، ورفض مولانا عزيز أيضاً إدانة الهجوم، مما أدى إلى نشوب احتجاجات واسعة ضد المسجد الأحمر.
ويقول محمد: “لم تبدأ موجة المد في الانحسار إلا بعد هجوم بيشاور، حيث أدانت الغالبية العظمى في باكستان تلك الهجمات البشعة، وأدانت معها المسجد الأحمر لعدم إدانته إياها”.
وفي 2009 بدأت هيمال التصوير لوثائقي (بين المؤمنين)، الذي استوحت فكرته من الهجمات الإرهابية التي وقعت في مومباي على أيدي مسلمين باكستانيين مسلحين، والتي أودت بحياة واحدة من أعز صديقاتها، وبما أنها امرأة هندية فذهبت إلى المدرسة منتحلة شخصية مسلمة باكستانية من دبي تسمى (هانا خان).
وقالت إنها “حصلت على إذن بالتصوير هناك عدة مرات، لكن سرعان ما جاءها من يحذرها سراً من أنها (تحت المراقبة)، كانت بحاجة إلى مسلم باكستاني كي يستطيع الدخول إلى المدرسة، وهكذا انضم الصديق المشترك محمد إلى المشهد”.
ووفقاً لمحمد، حصل الطاقم على إذن بالدخول لإجراء حوار مع مولانا عزيز وتعقب تحركاته في المدرسة عن طريق المنتج المشارك للفيلم سيد مشرف شاه، الذي ينتمي إلى خلفية مسلمة باكستانية محافظة وتربطه علاقات فضفاضة بالمسجد الأحمر، احتاج صناع الفيلم إلى وقت كي يحوزوا ثقة مولانا عزيز، وبالتالي فإن معظم التصوير الذي جرى داخل المسجد جرى في 2013 و2014. غير أنه لم يُسمح لهم بتصوير أي عضوة من عضوات المسجد الأحمر.
نرجسية مولانا عزيز
يقول محمد متحدثاً عن مولانا عزيز: “شخصيته نرجسية نوعاً ما، إذا نظرت إلى حواراته فسوف تجدها خطباً متماثلة، لكننا أردنا التعرف على صورة حقيقية لما يجري داخل المسجد”.
ويقضي الفيلم معظم مدته متعقباً فتاة وصبيّاً عمرهما 12 سنة، وأما الفتاة فاسمها زارينا، وقد فرت من المسجد الأحمر بالقفز من فوق جدار حجري، تاركة برقعها من ورائها، وقالت إن الفتيات يطعَمن “شريحة واحدة من الخبز يومياً”، ويتعرضن للضرب إذا وطأن بأقدامهن خارج المسجد.
وتقول زارينا: “أنا خائفة، ماذا لو أتوا إلى هنا؟ إنهم لا يريدون السلام، كل ما يريدونه هو قتلنا، لن يسمحوا لأحد بأن يعيش في سلام، إنهم ليسوا بمسلمين، إنهم كفار”.
وعادت زارينا بعد فرارها لتعيش مع أسرتها في إحدى القرى المحرومة الواقعة على مشارف إسلام أباد، وكانت مسرورة لارتيادها مدرسة تقدمية ممولة من قبل منظمة غير حكومية أمريكية، تتألف من باكستانيين في المهجر، لكن على خلاف المسجد الأحمر بفخامته الظاهرة، واجهت المدرسة مشكلات في التمويل واضطرت إلى إغلاق أبوابها، ولما لم يجد والدا زارينا أي خيار آخر، اضطرا إلى تزويجها، وهي في الرابعة عشر من عمرها.
عقول الأطفال
تقول هيمال: “باكستان بلد شديد الانقسام. هناك أقلية هامشية من المتطرفين تهيمن على الأغلبية التي تضم الباكستانيين المعتدلين، وطريقة الحياة الباكستانية عرضة للتهديد، أكبر ساحة معركة في باكستان هي في مجال التعليم، إنها معركة تدور للاستيلاء على عقول الأطفال”.
والطفل الآخر هو طلحة، الذي يوجد على الطرف المقابل من الطيف، فهو يصير لديه اهتمام شديد بالمسجد الأحمر، على نحو أثار رعب والديه اللذين أرادا باستماتة منه الرحيل عنه، خشية أن يفرط في تطرفه ويصير ذا نظرة ضيقة في معتقداته، يقول طلحة: “أذهب إلى البيت مرة في السنة، يوقظوننا قبل طلوع الفجر بنصف ساعة، ثم نظل نحفظ القرآن حتى نأوي إلى الفراش في التاسعة مساء، كل هذا العمل الجاد سنثاب عليه بعد الموت، سندخل الجنة ونلبس تاجاً مميزاً”.
وعلى الرغم من تطرف التعاليم الواردة في هذا الفيلم، فإنه يقدم صورة متوازنة قدر الإمكان لمولانا عزيز، منحياً باللائمة على المشكلات النُّظمية الأكبر داخل الاقتصاد الباكستاني والحكومة الباكستانية – التي خذلت شعبها إلى حد كبير- في خلق الفراغ الذي يشغله رجال الدين الراديكاليون.
ويقول محمد: “أردنا أن ننصفه، لو أردت أن تشن هجوماً على الإسلام وتُظهر رجلاً ملتحياً مجنوناً يرغي ويزبد ويعلن الجهاد في كل مكان، يمكنك الذهاب إلى قناة فوكس نيوز وسترى ذلك”.
المصدر: 24- طارق عليان