الرباط – «القدس العربي»/ فاطمة بوغنبور:
سيل من التعليقات ومقالات الرأي وحبر غزير أساله ولا زال الفيلم المثير للجدل «الزين اللي فيك» للمخرج نبيل عيوش. النقاش المحتدم لم يوقفه بلاغ وزارة الاتصال المغربي الذي أعلنت فيه منع عرض الفيلم حيث جاء في البلاغ بأنه عند مشاهدة فريق من المركز السينمائي المغربي لعرض الفيلم في أحد المهرجانات الدولية، فإن السلطات المغربية المختصة قررت عدم السماح بالترخيص بعرض هذا الفيلم بالمغرب، نظرا لما تضمنه من إساءة أخلاقية جسيمة للقيم وللمرأة المغربية ومس صريح بصورة المغرب”
البداية كانت بتسريب مقاطع لم يتجاوز مجموعها الخمس دقائق شكلت صدمة عنيفة لكل من شاهدها وحطمت أرقاما قياسية في نسبة المشاهدة على الموقع العالمي «يوتيوب» لجرأة اللغة المستعملة وقاموس لم يصل له مخرج عربي قبل في تاريخ السينما العربية كلها بشهادة جميع النقاد والمهتمين بالشأن السينمائي الذين شاهدوا المقاطع، ما تسرب من دقائق معدودة كان كفيلا بخلق زوبعة وصلت حد المطالبة بإسقاط الجنسية وبإعدام المخرج نبيل عيوش وبطلة الفيلم الممثلة لبنى ابيدار. ويتحدث الفيلم عن مسار أربع فتيات ساقتهم الظروف إلى امتهان الدعارة مع الخليجيين خصوصا من جنسية سعودية في مدينة مراكش. في أحد المشاهد يقدم المخرج وصلة رقص بإيحاءات جنسية مباشرة لعاهرات الفيلم أمام سياح سعوديين. في مشهد آخر اعتبره رواد فيسبوك الأكثر جرأة وفظاعة تكلم بطلة الفيلم «نهى» أو لبنى ابيدار زميلاتها من داخل سيارة أجرة وهن في طريقهن إلى حفل بعبارات جنسية مباشرة وصادمة باللهجة الدارجة المغربية. في لقطة أخرى تجالس بطلات الفيلم مثلي جنس وتحضر اللغة ذاتها والأسلوب نفسه ف»الشاذ» جنسيا يزاحم العاهرات على رزقهن ويتأسف على ازدياد رغبة الزبناء في المثليين من صغار السن في إشارة واضحة للبيدوفيليا. في مقطع أخر تبدو إحدى عاهرات الفيلم متعاطفة مع الفلسطينيين المغتصبة أرضهم كما تقول وينبغي مد يد المساعدة إليهم لا أن نشمت فيهم فيرد زبونها السعودي ساخرا منها «واش دراك أنت في السياسة»… وصل عدد المقاطع المسربة الى خمسة أقصرها لا يتجاوز 9 ثوان تم تداولها ومشاركتها بشكل جعل كل جدارات الفيسبوك المغربي تتكلم عن الفيلم وهو ما عبر عنه المخرج والناقد المغربي عبد الإله الجوهري ب»جنون الزين اللي فيك» الذي ضرب المغرب على غرار جنون البقر.
انقسمت الآراء بين من يمنح نبيل عيوش الحق في كشف الحقائق بالشكل الذي يريد باسم حرية الإبداع والتعبير ونبذ محاكم التفتيش وعدم الانسياق في الطريق التي سلكها الحجر على الأعمال الفنية في مصر وبين من يرفض جملة وتفصيلا ما أسموه بالانحطاط والعفن الفني والبذاءة اللغوية المخالفة للذوق السليم قبل مخالفتها لقيم المجتمع التي تمتح من المرجعية الإسلامية خصائصها، الصراع بلغ أحد أوجه ذروته تظاهر شبيبة حزب الاستقلال المعارض أمام البرلمان وسط العاصمة الرباط تنديدا بالفيلم وبمخرجه حيث رفعت شعارات تدين عيوش حد التجريم وقد قال عمر العباسي للقدس العربي أثناء الوقفة بأنهم يحملون الحكومة المغربية مسؤولية تصوير مثل هذه الأعمال وعرضها والتي تستهدف منظومة القيم والأخلاق ولا تعكس الصورة الحقيقية للبلاد وللمرأة المغربية». صدور قرار المنع تزامن مع الوقفة الاحتجاجية لتنقسم الآراء مرة أخرى بعد ذلك بين من يساند المنع ومن يقف ضده حتى بين من استهجن جرأة الفيلم، فكتب الصحافي المغربي أنس عياش في تدوينة على فايسبوك: «أتخيل عيوش سعيدا منتشيا بهذا الغباء الكبير الذي يعم البلاد، حيث يمنع فيلمه وتكتب الصحافة وتتناقل الخبر وكالات اﻷنباء وقنوات التلفزيون… ويصير عيوش في المحافل الدولية بطلا محررا لمجتمع يخشى رؤية وجهه في المرآة!!».
وفي تصريح يرفض المنع ويمنح السينما الحق في نبش كل الظواهر المجتمعية دون قيود أو اعتبارات قال المخرج والناقد عبدالاله الجوهري: بأن من احتج هم فقط أشخاص لهم أهداف سياسوية ضيقة على حساب الإبداع و الخلق لقد استطاع هؤلاء بانتهازيتهم المكشوفة وحملاتهم المشبوهة وشعبويتهم الفاقعة، في تجييش الشارع ودفع كل من هب ودب لإبداء الرأي وأن يصبح ناقدا، وأضاف بأن المشهد السينمائي المغربي باتت تكتنفه غيوم الحقد والكراهية و سيادة الخطابات الهلامية لرجال السياسة والدين، بل وتحقيقها لمكاسب واضحة أكدت أن معسكر الحداثة في غيبوبة والأحزاب اليسارية معدومة، ستجعل سينمانا المغربية تؤدي الثمن الباهظ من حيث خلق جو من الاحتقان و الكراهية تجاهها وبالتالي الدعوة لمزيد من الوصاية على الإبداع و الحجر على السينمائيين ورؤاهم الفنية المبنية على قناعات فكرية و ثقافية شخصية» .
ويشاطر عبدالاله الجوهري في الرأي حالد أشيبان عن حزب الأصالة والمعاصرة المعارض حيث نشر سلسلة تدوينات على الفايسبوك منذ اندلاع الجدل يقول: « نبيل عيوش أرانا وجهنا في المرآة .. يصعب رؤية الوجه المشوه على المرآة» قال أيضا: من منعوا فيلم عيوش اليوم، هم أنفسهم من حاكموا عادل إمام في مصر، وهم أنفسهم من قتلوا شكري بلعيد في تونس، وغدا ستقولون «أكلنا يوم أكل الثور الأبيض» قبل أن يضيف أيضا: منعوا الفيلم وتركوا الدعارة… منعوا الفيلم والفساد والفقر والبطالة … حجبوا الفيلم وعروا أنفسهم» وذلك في إشارة إلى قرار المانع الصادر عن حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي.
ومباشرة بعد قرار المنع صرح وزير الاتصال المغربي لموقع «اليوم 24» قائلا بأن المنع هو قرار سيادي وإنه مُتتبع جيد لكل ما يقع على شبكات التواصل الاجتماعي، مضيفا بأنه «فوجئ بالتأييد الكاسح” لقرار المنع» ومن جهة أخرى تناسلت أيضا الآراء المستهجنة والرافضة والتي تعد بمئات التدوينات والمقالات التي تظهر على الفايسبوك على مدار اليوم. حيث قال لـ «القدس العربي» رئيس منتدى الشباب المغربي للتبادل الثقافي والبحث العلمي توفيق البوزيري بأن الفلم مستفز ويضرب في العمق كرامة المواطن المغربي ويكرس صورة نمطية حول المغرب مع العلم أن دول عديدة تعرف تفشي الظاهرة بشكل أكبر بكثير من المغرب. ومبرر تسليط الضوء على الظاهرة من أجل معالجتها هو مبرر واه، باعتبار أن أهل التخصص هم فقط القادرون على التشخيص الدقيق وطرح حلول ناجعة وهم علماء الاجتماع. فللأسف الشديد أصبحنا نشهد في السنوات الأخيرة في المغرب نوع دخيل من السينما التي تعتمد على الجنس، واللقطات الساخنة من أجل جذب المشاهد والرفع من الإيرادات، وهي في الحقيقة سينما تجارية وبعيدة كل البعد عن السينما الإبداعية التي يتطلع إليها المتتبع المغربي. فالإرتقاء بالسينما يكون في الأساس عبر احترام الذوق العام وخصوصية الجمهور الثقافية والدينية، وخير مثال هي السينما الإيرانية التي فرضت نفسها على العالمية بطريقتها الخاصة.
ووسط هذا الجدل المستمر يتوقع إقبال كثيف على الفيلم في حال نزوله لسوق القرصنة أو كما تداولت أخبار تصريحات نسبت للمخرج نبيل عيوش مفاده بأنه سيسلم الفيلم يدا بيد لسوق «درب غلف» في الدار البيضاء وهو سوق للأجهزة الالكترونية والبرمجيات فاقت شهرته كل الآفاق لأنه يشكل بعبعا حقيقيا لكبار مخرجي العالم ويقض مضجع عتاة شركات الإنتاج الفنية لتوفره على شباب عباقرة في القرصنة والمعلوميات ونجح في فك قرصنة أفلام عالمية حتى قبل نزولها لقاعات السينما. وفي هذا يقول بسخرية فايسبوكي مغربي: منعوا الفيلم فهل سيمنعون «الغول البيضاوي» من تقديمه للمغاربة نسبة لمدينة الدار البيضاء درب غلف؟
فاطمة بوغنبور