أول الجسد آخر الحب..أدونيس بصوت سائد دزدار “فيديو”

(( أول الجسد آخر البحر ))

(1)

Advertisements
Advertisements

خَرَجَ الوردُ منْ حوضِه
لملاقاتها،
كانتِ الشمسُ عُريانةً
في الخريفِ ، سِوَى خَيْطِ غيمٍ على خَصْرها .
هكذا يُولدُ الحبُّ
في القريةِ التي جئتُ مِنْها.

(2)

نهضتُ أسْألُ عَنْكِ الفجْرَ : هَلْ نَهضَتْ ؟
رأيتُ وجهَكِ حولَ البيتِ مرِتَسمًا
في كلِّ غصْنٍ . رميْتُ الفجرَ عن كَتِفي:
جاءَتْ
أمِ الحلمُ أغواني ؟ سألتُ ندىً
على الغصوِنِ ، سألتُ الشمسَ هَلْ قَرأتْ
خُطاكِ ؟ أينَ لمستِ البابَ؟
كيفَ مَشى
إلى جواركِ وردُ البيت والشجرُ ؟
أكادُ أشطرُ أيّامي وأْنشَطِرُ :
دَمي هناكَ وجسمي هَاهُنا – ورق ٌ
يجرُّهُ في هَشيمِ العالَمِ الشررُ.

(3)

صامتٌ ليلُنا .
مِنْ هُنا زهرٌ ينحني
مِنْ هنالك ما يُشبه التـَّـلَعُثمَ
لا رَجًّةٌ. لا افْتِتانْ .
ليلُنا يتنهّد في رئتَيْنا
والنوافذ تُطبِق أهدابَها .
تقرأين ؟
ضع الشايَ . ضوءٌ
يتسرّبُ مِنْ جسدينا إلى جسدينا
ويغيّر وجْهَ المكانْ .

Advertisements

(4)

هكذا في عناق الطّبيعةِ والطَّبعِ ، نعصفُ أو نَهْدأ
لا قرارٌ ، ولا خِطةٌ، عفوَ أعضائِنا ،
ننتهي ، نَبْدأ
جسدانا
كوكبٌ واحدٌ .
نتبادل أحزاننا
نتبادَلُ أحشاءَنا
جسدانا دَمٌ واحدٌ.
نحن صِنْوانِ في الجرحِ ، مفتاحُ أيّامِنا
ومِفتاحُ أفراحِنا وأحزانِنا ،
جسدانا .

(5)

Advertisements

فكِّتِ الأرضُ أزْرارَها ، وسارَتْ
حُرةً في خُطانَا ،
عندما سألَتْنا وقلنا :
نعرف الحبَّ يا أرضَنا ، جَبَلْنا
طيننا من هَباءِ مسافاتِهِ ، وجَبَلْنَا
فتنةَ القمر المتشرّد في طَمثةِ بأوجاعِنا
ورسَمْنا
كلَّ ما لا يُرى من تقاطيعهِ ،
بتقاطيعنا
هي ذي أرضُنا،-
نتوقّعُ أن يعشقَ الحبَُ أسماءَه
كيفما دُوِّ نَتْ
في الدفاتر أيّامِها.

(6)

Advertisements

نَهَرٌ – مِنْجَمٌ
نهر غامر
يتلبس أعضاءنا
ويسافر فيها –
يدخلُ البحر فيه
تخرج الأرض منه
والبقية لا تُفهم .
لا أحددُ لا أرسمُ
الدخول إلى ليل حبي مضيء
والخروج هو المعتم.

(7)

علمتني مرارات أيامي الرائية :
ليس للحب إلا طريق عمودية
لا تسمى
وإن قيل عنها
لغة في الهبوط إلى آخر الليل ،
في ناره العالية.

(8)

كيف لي أن أسمي ما بيننا ماضيًا ؟
“ليس ما بيننا قصةً ،
ليس تُفاح إنس وجِن
أو دليلاً إلى موسم ،
أو مكان
ليس شيئًا يؤرخ “: هذا
ما تقول تصاريف أحشائنا .
كيف لي أن أقول ، إذًا ، حبنا
أخذته إليها تجاعيد هذا الزمان ؟

(9)

تركتِ في جسدي وردًا ، تركتِ ندىً
تركتِ غابة ألوان ، تراهُ غدي
يُضيئها ؟ أم ترى أمسي يُضيعها ؟
أفي عروقي ورد آخر ؟ شهقتْ
إلى ترابكِ أعضائي – نمازجه
نفيض فيه ، ونستقصي ، ونبتكر
دمٌ هوىً لهبٌ ماءٌ مدىً – أبدٌ
لا بالحياة ولا بالموت يُختَصر .

(10)

ربما
ليس في الأرض حب
غير هذا الذي نتخيل أنّا
سنحظى به، ذات يوم .
لا تقف
تابع الرقص يا أيها الحبُ ، يا أيها الشعر ،
حتى ولو كان موتًا .

(11)

لا أحبُ الرسائل ، كلاَّ
لا أريد لحبي هذا الأرق
لا أريد له أن يجرجر في كلمات ٍ.
لا أحبٌ الرسائل ، كلاَّ
لا أريد لأعضائنا
أن تسافر في مركبٍ من ورق

Advertisements

(12)

آهٍ ، كلاًّ
لا أريد لعينيّ أن تسبحا في فضاءٍ
غير عينيه. كلاَّ
لا أريد لحبي وأشيائه وضوحًا
لا أريد انتماءً ولا نسبًا أو هويةْ .
لا أريد سوى أن نكون لغاتٍ
للجموح ، وأعضاؤنا أبجديةْ.

(13)

لا تقل ، لا تُسمِّ :
الخليقة يا حب ، أشياؤها وأعمالها
صورٌ في كتاب من الظن . خذني
أعطني أن أسافر في الوهم ،
في ما تخيلتُ أو أتخيل –
أن أتمادى
وأُشَهّي شكي بنفسي
وبتمزيق ما تنسج الكلمات وما أتقرّاهُ فيها ،
وما أشتهيهِ
وأنذر جسمي لمعراجه .
أعطني أن تكون حياتي طريقًا إلى لا قرار.

(14)

جالسٌ قربها
والستار الذي نسجته تباريحنا مُسدلٌ.
قامةُ الأفق مكسورة ُ الخصر،
والشمس تمضي إلى نومها .
مِشطها ، قلمُ الحبر ، كرسيُّها ، الفراشُ
على الأرض ، أكداس أوراقها –
كتبًا ودفاتر ، بستان وردٍ
تتناثر أكمامه ُ.
أتذكر حتى كأني أرى الآن : ها بيتها
يتنهد ، ها شرفات النوافذ تُسلم أحضانها
للمُريدِ المولَّه ،
والشمس في أول الليل ،
تخلع آخر قمصانها .

(15)

لا الزمان ُ سريرٌ ولا الأرض نومٌ،
شجر الحب عارٍ
والمكان الذي شاءه الحب دون غطاءٍ .
أتُرى ، أيقظ الليل أحلامه ُ
وهي الآن تركض في شارع من الشمس ؟ ظني
أن هذه الشموس التي تتثاءب
في فلك الحب
ليست على الأرض إلا جراحًا .
سأغني لهذا المكان المُضاء
ليس هذا الوجود سوى فُسحةٍ للغناء.

(16)

يدها في يدي
وكلانا غريبٌ
وكلانا غدا ميتٌ
في فراش بعيدٍ
سربلينا بأوهامنا
وبأشباحنا ،
يا أساطير أيامنا ،
واضطرب واقترب
أيهذا البعيد الجميل الأحد
أيهذا الجسد .

(17)

Advertisements

غالبًا أتفقد بيتي في الليل أشعل ضوء المصابيح ،
لكنها لا تُضيء \ النوافذ؟ أبدأ فتح
النوافذ لكنها لا تُضيء \ لعلي في الباب
ألقى ضياءً ، أقول لنفسي ،
وأُسرع للباب أرجوه ُ ،
لكنه لا يُضيء \ الظلام هنا مثل جرح
يظل ، على برئه ، نازفًا،
يقول لي الحب –
يا حب من أين يأتي الضياء
والسماء تخون السماء؟

(18)

ها هو السهر المر يأتي ويشعل قناديله
هل أُعيدُ رسائل حبي إلى حبرها ؟
هل أمزق تلك الصور؟
أقرأ الآن جسمي ،
وأملأ بالحزن قنديل هذا السهر .

(19)

أفتحُ الباب ، يأتي الهواء يزور الرسوم التي تتدلى
ويداعب أطرافها .
بغتةٌ ، يتثاءب ، يمضي حانيًا ظهره .
لم يكن حُبنا هنالك ، أطيافه ُ
حملت كل ما رسمتهُ
في السرير ، وفوق الوسائد ، في قبضة الباب،
في قُفلِهِ وغابت .
أتخيل؟ لكن
كل هذا تؤكدهُ غيمةً –
غيمةٌ تعبر الآن ، غابت .
لا هواءٌ يزور ، ولا من يقول لتلك الرسوم
كيف تروي أساطيرنا
كيف يُكتبُ تاريخ هذي الغيوم.

(20)

ما الذي سوف يبقى
ويشعل للعاشقين قناديل أيامنا ؟
ما الكلام الذي سوف يبقى
من معاجم أحشائنا وأعضائنا
من أساطيرنا البعيدة؟
ما الذي سوف يبقى
غير ما قاله قاتلونا :
كتبنا بحبر مراراتنا هوانا
وعشنا بلا حكمة ٍ
وسكنّا قصيدة .

(21)

سأزور المكان الذي كان صيفًا لنا
بعد ترحالنا
بين شطآن يوليس ، في ليل دلفي ،
وفي شمس هيدرا.
وسأمشي مثلما كنتُ أمشي
هائمًا بين أشجاره .
وسأذكر أزهاره ورياحينه
بأريج لقاءاتنا .
وأكيد ستسألني عنكِ : ما صرتِ ؟
أين تكونين ؟ ما وجهكِ الآن ؟ لكن
ما تُراني أقول؟
والفصول محتها الفصول؟

ــــــــــــــ

أدونيس

Advertisements

25/ 9 /2003

شاهد أيضاً

كتاب جديد عن رؤية أدونيس للعنف الإسلامي بأنه أساس الدولة والمجتمع الإسلامي الأول

“صندوقُ باندورا”: قراءة نقدية في رؤية أدونيس للعنف والإسلام Advertisements Advertisements حميد عبد القادر يقدم …

أزاميل
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.