الصراع “الجهادي”:
Donald Holbrook
الباحث بمركز هاندا لدراسات الإرهاب والعنف السياسي في اسكتلندا
تاريخ: 2015-05-20
إعداد: عبدالغفار الديواني
أثار صعود “داعش” تحدياً كبيراً لتنظيم “القاعدة”، خاصةً بعد إعلان أبوبكر البغدادي قائد “داعش” الخلافة الإسلامية في العراق والشام، وعمله بصورة مستقلة عن “القاعدة”، وهو الأمر الذي تطلب من القيادة في “القاعدة” أن يكون لها رد فعل قوي تجاه ذلك، في إطار الحفاظ على التنظيم “الأم”، كما فرض ذلك على المجتمع الدولي ضرورة وجود استراتيجية لمواجهة الخطر الجهادي بصفة عامة.
في هذا الإطار، صدر عن المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية (IISS)، دراسة تحت عنوان: “القاعدة وصعود داعش” لـ”دونالد هولبروك” (Donald Holbrook) الباحث بمركز “هاندا لدراسات الإرهاب والعنف السياسي” في جامعة سانت أندروز في اسكتلندا. وتتناول الدراسة موقف تنظيم “القاعدة” من الصعود “الداعشي”، وكيف يمكن الاستفادة من ذلك في تقييم وضع التنظيمات المتطرفة ومواجهتها في المستقبل.
موقف “القاعدة” من صعود “داعش”
يشير الباحث إلى أن قيام “أبوبكر البغدادي” بتأسيس “داعش” في أبريل 2013، ثم إعلانه “الخلافة الإسلامية” في العراق في وقت لاحق، كان بمثابة تقديم “بديل” جهادي قوي يحقق نتائج ملموسة على الأرض في فترة قليلة لم يحققها تنظيم “القاعدة” في عقدين، ما أثر بالسلب على وضع التنظيم “الأم” في خريطة الجهاد العالمي. وعلى الرغم من إعلان “الظواهري” أكثر من مرة أن “داعش” هي فرع تابع لتنظيم “القاعدة”، وتلقيه رسائل من “البغدادي” يؤكد فيها ولاءه لقيادة “القاعدة”، بيد أن هذا تنافى مع إعلان “داعش” انفصالها عن “القاعدة”.
ومن ثم، وضع تنظيم “القاعدة” استراتيجية تهدف لمواجهة “داعش”، وتعتمد على عنصرين، هما:
1- تذكير العالم بأهمية “القاعدة” واستمرارها على قمة الجهاد العالمي: وهنا اعتمدت “القاعدة” على مستويين؛ المستوى الحركي، حيث حاول التنظيم التعبير عن وجوده من خلال الإعلان في سبتمبر 2014 عن انتشار نفوذه في جنوب آسيا (ميانمار وبنجلاديش وبعض المحافظات الهندية التي يوجد بها تعداد كبير من المسلمين)، وذلك بهدف التأكيد على وجود “القاعدة” كلاعب عالمي، والتوعية بحاجات المسلمين في هذه المناطق في ظل تهديد العلمانية.
وعلى المستوى الفكري والعقائدي: سلطت قيادة التنظيم الضوء على جوانب نظرة “القاعدة” للعالم وأهدافها، ومن ثم صناعة الفارق بينها وبين “داعش”، وذلك يتضح في الآتي:
- التأكيد على أن “القاعدة” هي “مفهوم” أكثر من كونها “تنظيم”، وهذا المفهوم يؤكد على أن الإيمان والجهاد أهم من الجماعات والأحزاب، وبالتالي يكون “مهمة” لابد لها أن تنتشر.
- التركيز على العنف والوحشية التي يرتكبها تنظيم “داعش”، والسعي إلى تقديم تنظيم “القاعدة” بصورة جديدة تجعله بديلاً أكثر اعتدالاً، وهنا يشير الباحث إلى تطور فكرة العنف في خطابات “القاعدة” من التبرير بقتل المدنيين منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، وصولاً إلى التحذير من كثرة هذه الهجمات وتفسيرها على أنها غير قانونية داخل سياق التنظيم وحلفاؤه، كما أكد على ضرورة تصحيح مفهوم “العمليات الاستشهادية”، بحيث يتم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية الأرواح البريئة.
- التأكيد على الاختلاف في طرق الجهاد عن “داعش”، حيث يُوجه تنظيم “القاعدة” سهامه نحو الولايات المتحدة وحلفائها، كما يؤكد “الظواهري” على أن نهج “القاعدة” يعتمد على “الحفاظ على الدم”؛ بحيث يتم تجنب العمليات التي يتم فيها سفك الدم دون مبرر.
- ضرورة احترام “الرأي العام” لضمان نجاح أي معارضة مسلحة، وبدونه لا يتحقق النصر، فقد حذر “الظواهري” من مخاطر استعداء الجمهور أو العامة، ففي مذاكراته “فرسان تحت راية النبي” والتي صدرت لأول مرة في عام 2001، أشار إلى مقتل الطفلة المصرية “شيماء عبد الحليم (11 عاماً)” في انفجار عبوة ناسفة استهدفت رئيس الوزراء المصري حينذاك، ونتج عن ذلك غضب شعبي تجاه فروع التنظيم الجهادي في مصر.
2- نزع شرعية “داعش” ككيان ممثل للجهاد العالمي: رغم كل الجهود السابقة، فإنها لم تحد من انتشار “داعش”، بل أعلنت جماعات إقليمية نفسها كولايات تابعة لتنظيم “داعش”، ومن ثم كان خروج العديد من المنظرين الجهاديين لمعارضة الطريقة التي تنتهجها “داعش” في الجهاد. وتمثلت سبل نزع شرعية تنظيم “داعش” في الآتي:
- انتقادات “أبي محمد المقدسي” (المنظر الجهادي الأكثر نفوذاً)، فقد أصدر عدة بيانات تدين قادة “داعش” ووحشيتهم والعنف العشوائي، وترددهم في قبول سلطة “الظواهري”، كما اتهم المقدسي “داعش” بالكذب والجهل والاستبداد وتزوير الحقائق.
- الإشارة إلى “الخوارج” كأداة لنزع الشرعية من “داعش”، حيث ذكر “المقدسي” أن ثمة مُمثلين من “داعش” اعترفوا في مراسلاتهم معه بوجود أعضاء في صفوف “داعش”، يمكن أن يوصفوا بأنهم “خوارج”.
- السماح بالتعاون مع المرتدين، من أجل منع الخوارج – أي “داعش” – من التسبب في ضرر، وبرر “المقدسي” ذلك بأن “داعش” تُكفر من يعارضها وتسميهم “غير مؤمنين”.
- تأكيد “الظواهري” في خطاباته ولقاءاته على أن أنصار “داعش” ساعدوا على نشر الفتنة، وساهموا في مقتل المجاهدين، ولهم عقابهم في الدنيا والآخرة، ومصير هؤلاء سيكون مثل “الجماعة الإسلامية في الجزائر” التي توقفت عن عملها بعد وجود تجاوزات كبيرة في فكرها وسلوكها. وعلى النقيض من ذلك، قال الظواهري إن “حركة طالبان انتصرت عندما حصلت على شرعية من النظام القضائي والشعب”.
- التأكيد على أن “الخلافة” المتوخاة من تنظيم “القاعدة” ستكون شاملة وعادلة، تعتمد على جمع الأمة وتوحيدها، وتقوم على التشاور والاتفاق بين المسلمين، وذلك لن يحدث بالاعتماد على الحكم المطلق أو العدوان، ومن ثم كان فشل “داعش” في الاستماع إلى صوت العقل، وهو ما أدى إلى الفتنة الكبرى بين المجاهدين بعد تزايد نفوذهم، وبالتالي يمثل خطر كبير على ضياع ثمار الجهاد قبل أن تنضج.
تقييم موقف “القاعدة” من صعود “داعش”
يشير الكاتب في هذا الصدد إلى أن موقف “القاعدة” من صعود “داعش”، يشوبه نوع من اليأس، حيث أجبر الضعف التنظيمي لـ”القاعدة”، قادتها لتطوير منظورها وفكرها لضمان استمرارها. وهنا يؤكد الباحث على وجود محددات وأهداف لهذا الموقف، منها:
- سعي قيادة تنظيم “القاعدة” إلى الادعاء أنها كيان أكثر لامركزية رداً على صعود “داعش”.
- الحيلولة دون رحيل القادة الحاليين لــ”القاعدة”، والعمل من أجل استمرارهم.
- الحاجة إلى إعادة النظر في الفكر الجهادي ومراجعته بوضع الرأي العام في الاعتبار، على الأقل فيما يتعلق بهؤلاء المتعاطفين مع رؤية “القاعدة” الجديدة فيما يعرف بـ”السلفية الثورية”.
- تحويل الأنظار العالمية نحو جرائم وتجاوزات تنظيم “داعش”، ومن ثم محاولة إبعاد الانتباه عن تجاوزات التنظيم الأم “القاعدة”.
“القاعدة”.. فرص وتحديات الاستمرار
يؤكد الباحث على وجود عدة فرص أمام تنظيم “القاعدة” يحاول اغتنامها لتقديم نفسه على أنه “التيار المعتدل”. ورغم عدم إعلان “القاعدة” الخلافة حتى الآن، فإن ذلك يمثل فرصة وميزة لها، حيث إن إعلان تنظيم “داعش” الخلافة مستغلاً الأزمة في سوريا والحكم الطائفي في العراق، سيفرض على “داعش” تحديات يتعين عليها أن تتعامل معها وكأنها بمثابة نوع من الحكومة تواجه تحديات عملية لم تواجهها “القاعدة”، مثل تقديم تنازلات أو اتخاذ قرارات لا تحظى بشعبية، وهي تحديات أكبر من أي مشاكل تواجه تنظيم “القاعدة” حالياً – على حد وصف الباحث.
كما أشار الكاتب إلى وجود بعض المعوقات قد تحد من بقاء تنظيم “القاعدة”، فبالإضافة إلى وجود انقسامات متواصلة داخل التنظيم، وواضحة في خطاباته الخاصة، ثمة تحديات أخرى تشير إليها الدراسة، وتتمثل في:
- دور القيادة: حيث يؤكد الباحث على أن “الظواهري” كان ملائماً أكثر ليكون الرجل الثاني في قيادة التنظيم، حيث يقدم الآراء الاستراتيجية والأيديولوجية، وذلك بديلاً عن كونه الرجل الأول وواجهة التنظيمات الجهادية في العالم، كما أنه يفتقر إلى كاريزمية “أسامة بن لادن”.
- الثورات العربية منذ نهاية 2010: حيث نجد أن مشاركة الحركات الجهادية في الاضطرابات التي اقترنت بالانتفاضات في مصر وخارجها، وصولاً إلى أن أصبحت تلك الجماعات طرفاً أساسياً في الأزمة السورية، مثلت تحدياً أكبر لقادة التنظيم “الأم”، حيث لم يعد للقيادة المركزية أي سلطة على التنظيمات الجديدة.
من موقف “القاعدة” إلى مواجهة “الخطر الجهادي”
يبدو واضحاً أن صعود “داعش”، ووجود موقف لتنظيم “القاعدة” من ذلك، يثير أسئلة هامة حول مستقبل تيار “الإسلام المتطرف”، والجهود اللازمة لمواجهة هذا الخطر؛ فقد تمثل موقف “القاعدة” من صعود “داعش” في ثلاثة محاور رئيسية؛ وهي: حاجة الجهاديين للحصول على دعم أوسع، ومفهوم الوحدة بين الجهاديين كوسيلة لجذب الأتباع، وأخيراً أهمية نقل رسالة متسقة للأتباع المحتملين.
ويمكن استغلال تلك المحاور في مواجهة الخطر الجهادي العابر للحدود، من خلال ما يلي:
- التعامل مع سُبل جذبها للأتباع، فلا يوجد تنظيم متشدد يمكنه البقاء لفترة طويلة، دون تعبئة المؤيدين المحتملين، فعلى سبيل المثال عند مواجهة “داعش” لابد من أن يكون ذلك مصحوب بمجموعة من التدابير الرامية إلى حماية مصالح السنة المهمشين، حيث كان صعود “داعش” معتمد أيضاً على مخاوف السنة في العراق وسوريا وأماكن أخرى.
- ضرورة الأخذ في الاعتبار المواجهة الفكرية، فكل التنظيمات الجهادية دائماً ما تبرر جهودها بفكرة الدفاع عن الإسلام، كذلك وضع المساعدات الإنسانية كعنصر أساسي في المواجهة.
- وضع خطط محددة الملامح والأهداف للجماهير والشعوب المستهدفة مثلما تفعل التنظيمات المتطرفة.
- استغلال التناقضات الموجودة في رسائل الجهاديين الخاصة، لمواجهتهم بها. فعلى سبيل المثال، هناك موقف “الظواهري” نفسه من “داعش” قبل وبعد صعودها كتنظيم له نفوذ، كذلك الفتنة التي تبعت تغيير النظام في أفغانستان في بداية التسعينيات، وهو ما يشير إلى استنتاج مفاده أن فكرة “الوحدة الجهادية” هو تعبير بلاغي محض، والتي لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع.
وفي نهاية الدراسة، أكد “دونالد هولبروك” أن الجماعات الجهادية يبدو أنها تستغل الزخم الموجود حالياً في سوريا والعراق، ولكنها لاتزال بعيدة عن الاتحاد. وفي الوقت نفسه، لا زالت ثمة خلافات وانقسامات متواصلة داخل تلك التنظيمات، وبالتالي لم يعد الحديث عن وجود خطر لهذه الجماعات كما كان يعتقد العالم في الماضي.
* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: “القاعدة وصعود داعش” والصادرة عن دورية Survival (عدد أبريل ومايو 2015) بالمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية.
المصدر:
Donald Holbrook, Al-Qaeda and the Rise of ISIS, Survival, vol. 57 no.2 (London, The International Institute for Strategic Studies, April – May 2015) pp. 93 -104.