ازاميل/ متابعة: نعيد أدناه نشر قراءة مهمة للكاتب الإسلامي غالب الشابندر لواقعنا المضطرب بشكل شبه دائم تقريبا.
ستفاجأ في هذا القراءة اللافتة للنظر بأسئلة مختلفة كثيرا بل و”خارجة عن السياق” المعتاد، على الرغم من أنها بقيت ملتزمة بالافق المذهبي-الديني ذاته، ولم تغامر بالخروج عليه.
ونحن إذ نتوقع غضبا ورفضا جاهزا لافكار مختلفة كهذه تحاول مراجعة الأسس والمسلمات المتوارثة، نرى انها مبادرة مهمة جدا في حد ذاتها، بغض النظر عن مقدار توافقنا او اعتراضنا على ما جاء فيها.
ونظرا لأن العالم من حولنا بات يتغير بسرعة غير معهودة، فما عاد من الممكن “منطقيا” وواقعيا أن يبقى اي حال على ما هو عليه، شئنا ام أبينا.
أما من يرفض مراجعة أسسه الفكرية والعقائدية اليوم أو غدا، فسوف لن يكون أمامه إلا طريقان إما أن يراجع “متأخرا” مسلماته مرغما، او أن يتحول إلى قطعة أثرية مهملة في متحف التاريخ.
وبالطبع نحن في “أزاميل” لا نتبنى كل ماجاء في هذا المقال من آراء بقدر تبنينا للرأي الجديد والمجدد الذي يفتح أبوابا أخرى للنقاش وإثارة الأسئلة التي يطرحها علينا الواقع كل يوم بشكل مخيف،
ليس بهدف طرح الأسئلة فحسب بل من أجل اكتشاف المزيد من الحلول لاختناقاتنا الفكرية والانسانية التي باتت واضحة جليا في كل جزء من اجزاء حياتنا..سواء على مستوى المذاهب الدينية شيعية كانت أو سنية، او على مستوى المستقبل و”سياسته” التي يفترض أن تكون مرنة و”حكيمة”.
أفول نجم الشيعة في العالم
غالب حسن الشابندر
-5-
الجسم الشيعي يعمل ضد نفسه!
من خلال تتبعي لنظمِ الشيعة في العالم او للوضع الشيعي بحد ذاته كعقائد بشكل عام وجغرافية وكثافة سكانية وتشكيلات منظمة وقيادات سياسية وفكرية وروحية ومناسبات طقوسية واعراف روحية فوجدت ان الشيعة في العالم يملكون كل اعضاء الجسم الكامل.
لا توجد قيادة روحية مثل المرجعية الدينية الشيعية، تُطاع ايمانا وصدقا وحبا وتفانيا، وليس مثل مناسبات عاشوراء وغيرها من مناسبات قادرة على تجميع ملايين الناس باتجاه واحد، وروح واحدة، وربما حتى خطاب واحد.
وليس مثل ضريبة الخمس الشرعية من ضريبة في العالم، تؤدَّى طوعا، وعن ايمان وحب وقناعة، وتعالج كثيرا من مشاكل الشيعة الاقتصادية بشكل عام، وليس مثل التاريخ الشيعي شهادة حية على حب السلام والامان والناس بصرف النظر عن التفاصيل والاستثناءات.
وليس مثل اصول الفقه الشيعي علم قادر على تجديد الفقه الاسلامي واحيائه فيما تعرض للجفاف، وليس مثل التجربة الشيعية النضالية سواء بهوية اسلامية او هوية وطنية، وليس مثل المنبر الحسيني جريدة سارية في الآفاق، مسموعة، محبوبة، تستجلب الملايين، ليس سماعا وحسب، بل تعاطفا وتعاطيا وتواصلا وبذلا.
ولا يمكن ان نتغافل او نغفل التنظيمات الحزبية والحركية الشيعية، فقد اكتسبت تجارب فذة في العمل السياسي والعسكري والاعلامي، وقبل هذا وذاك كانت هناك وما تزال الجغرافية الشيعية المتناغمة من طهران حتى لبنان عبر بغداد وسوريا استطرادا.
المفارقة هنا، بل المفارقات حقا، ان هذه المصفوفة من الامكانات راحت تعمل ضد نفسها، مما حولها الى امكانات تنفي نفسها بنفسها، ولكن كيف؟
اولا: تحولت المرجعية الدينية في قسط وافر من الحقيقة الى هياكل مجردة من الروح الحيوية، وهو الامر الذي كان يشير اليه السيد الامام الخميني الكبير والشيهدان الصدر الاول والثاني، وافتقدت الحضور القائد، البنّاء، واكتفت بالحضور القدسي الطهري.
ثانيا: اختطت بعض المرجعيات الشيعية منهج الثورة والانقلابية وهو طريق او منهج محفوف بالاخطار، وبالفعل، لقد كلف الشيعة كثيرا، دما ووطنا ومالا وحضورا.
ثالثا: تحول الخمس الى مادة صراع وتنافس واتهامات مؤلمة موجعة، كما انه تحول في قسم من حقيقته الى منابع امتلاك شخصي وعائلي مخيف.
رابعا: الحركات الاسلامية الشيعية تحولت في قسم كبير من الحقيقة ايضا الى موجهات بين رموز وقيادات، وتشرذمت الى هياكل وكيانات، ووصل في بعض الاحيان الصراع بينها الى حد الدم والعياذ بالله.
خامسا: تحولت المناسبات الطقوسية الى فوضى نظمية وهتافية، ومناسبات للتحدي غير المدروس، وطريقة بدائية لاثبات الذات.
سادسا: لم يكن هناك فهم دقيق وواعي لأهمية الجغرافية الشيعية وكيفية الاستفادة من هذا الممكن الحيوي الجبار، وقد بذلت وما تزال تُبذَل جهود لاختصارها بمركز روحي معين، وبصراحة طهران!
سابعا: المنبر الحسيني الشيعي لم يعد جريدة شيعية بل تحول الى مادة تهريج طائفي وفكري بغيض ومفاهيم بالية وغذاء اسطوري للمخيال الشيعي. فالجسم الشيعي يعمل ضد نفسه، يقتل نفسه، يمزق وجوده، ومما يزيد في مأساة هذه المفارقة، انه جسم يريد ان يقاتل كل العالم…
فكان الطوفان…
ولكن من هو المسؤول الاول عن كل هذه المفارقات التي يشيب لها الوليد، والتي آلت بالشيعة الى ان يتحولوا الى مقابر جماعية، سواء على يد الحكومات او الجماعات الاخرى المخالفة لهم بالدين او المذهب؟
هذا السؤال لم يُطرَح للاسف الشديد، وعندما يُطرح يقاومه الانسان الشيعي بالاهمال، سواء كان عالما او غير عالم، والسبب في هذا الاهمال في تصوري، لان الشيعي يحب الجواب السهل الجاهز.
ان الشيعي يخاف ان تطرح مصيره المخيف بين يديه، ويحاول جهد الامكان ان يمنِّي نفسه بالاحلام، ثم، لا ننسى (ان السيد موجود)، اي المرجع!
وكان الطوفان اكثر طغيانا وعواء…
يتبع
المصدر: المدى العراقية