أزاميل/ متابعة وتعليق: نشر الشاعر والإعلامي منصور الناصر مقالا أشار فيه وبشكل غير مسبوق على حد علمنا، إلى وجود عقلين يحكمان ويشرفان على الأفق الذهني والثقافي لشعوينا العربية والإسلامية، هما الأفقان الشيعي والسني، وان هذين العقلين مختلفان بشكل حاد، ويحفران مساراتهما الفكرية بشكل جوهري وأساسي في كل تفصيل من تفاصيل حياتنا وطرق تلقينا واستجابتنا للأحداث والأفكار وعلى جميع المستويات.
المهم في هذه القراءة أنها تريد إثبات ان هذين العقلين، إذا صحت التسمية، هما نهران يشكلان الإطار الشامل لرؤيتنا للعالم من حولنا بغض النظر عن الاختلافات الشخصية بين فرد وآخر.
أي انهما بمثابة “بيئتنا الثقافية” أو التراب الذي تتغذى منه جذوع وأغصان وأوراق مجتمعنا ولا يوجد لنا خيار بقبول نوعية هذا التراب أو رفضه لأننا لا نراه أصلا لأنه تربتنا التي تتغذى منه كل أجزائنا.
..وهذا يعني أن جميع “السنّة” يشتركون بهذا التراب “السنّي” سواء كان بينهم من هو متدين او ملحد..مؤمن او كافر، فقير وضيع جاهل أو غني رفيع متعلم..
والامر نفسه ينطبق على الذين يتغذون على التراب الآخر “الشيعي”.
بمعنى آخر انها “الأسس” التي تحدث عنها ديكارت، أو “الأنساق” التي كتب عنها ميشيل فوكو معظم أعماله، وغير بعدها الفكر الغربي برمته.
وبالطبع فان أسس وانساق مجتمعاتنا العربية-الإسلامية مازالت غير مكتشفة فكريا “وبشكل موضوعي”، حتى الآن، ونجد ان تقسيما كهذا قد يكون منطلقا لدراسات وأبحاث مهمة مستقبلا.
المشكلة وما فيها: أن ما فيها..هو المشكلة!
نعيش في زمن اضمحال العقول الاخرى
وبات واضحا ان هناك عقلين فقط يتحكمان بكل شيء
الاول هو العقل “السنّي”.. والثاني هو العقل “الشيعي”
وان هذين العقلين لا يلتقيان..
وان لامجال لأي منا ان ينسب نفسه لعقل آخر ..
لم تعد تقسيمات وتوصيفات ومفاهيم اخرى مثل الدولة والوطن والديمقراطية والليبرالية لها الأهمية نفسها التي ينطوي عليها هذا التقسيم..
كل هذه “الكلمات” كانت مجرد محاولة “مستوردة” من الداخل أو مصدرة من الخارج لتحجيم او طمر تقيحات هذين العقلين وخرافاتهما..ومنع انتشارهما “المبارك” في طول وعرض ارضنا وتاريخنا باكمله
..والمحاولة فشلت.
ولانهما عقلان لا يلتقيان بات الحوار بين الطرفين أفرادا وجماعات وفي نسبته العظمى..حوار طرشان بغض النظر عن مدى “ثقافة” كل طرف على حدة وتحرره الفكري او الديني.
المعضلة الكبرى هي ان المتهم الاكبر في هذه الحالة، مازال غير مرئي حتى الآن من قبل غالبية أفراد هذه “الأمة”
..الكل يندلق طوعا او كرها، في بحر من الكراهية “الوراثية” ويطوف في أرجائه حاملا سيفه او قلمه ويضرب هنا وهناك..
والمسعى الوحيد والشاغل الوحيد لكل “بحر” من هذه البحار الوهمية اللا مرئية هو طعن “أتباع” البحر الآخر المرفوض والمكفر والمشنع عليه سلفا بالف طريقة وطريقة.
هكذا تحولت ايامنا وساحاتنا إلى أشبه بلعبة كرة قدم بين فريقين ولكل فريق مشجعيه المتحمسين والعدوانيين الذين يجيزون ويتجاوزون كل “قواعد اللعب” من اجل “تحميس” أو “نصرة” هذا الطرف أو “دعش” الطرف الآخر من “احزاب الله”..
لا أحد يلتفت تقريبا من الفريقين إلى الأرض التي تغور تحت اقدامهما ولا عدد الذين يتساقطون “شهداء” في هذه اللعبة الدموية..الكل مندفع في حالة هياج مرضي للنيل من الآخر.. أيا كان ..لا حلول وسط ..إما أو !
الحياة باكملها باتت مرفوضة إن لم يتحقق الانتصار الحاسم والكاسح على الآخر..
أما النصوص “المقدسة” فهي جاهزة ومهيأة مقدما لتبرير وتمرير أي شيء..
قل فقط ما تريد وستناله بصرف النظر عن “شرف” الوسيلة والطريقة !
احتلت داعش الرمادي؟ ..حسنا هذا فريق كان يلعب معنا ضد الخصم الاكبر..غضوا النظر عنه شنعوا عليه فقط ..ولكن لا تؤذوه كثيرا..نستطيع معالجة امره على أية حال فيما بعد.
“لغمطوا” الحقيقة شتتوا الانتباه ولا تقولوا كان معنا وانقلب علينا بل قولوا: لديه مع الخصم اتفاقات وتوافقات غريبة..حافظوا دائما على تشتيت انتباه جمهورنا “وتجهيله” قدر ما تستطيعون ولا تغفلوا عن التشنيع باستمرار على الخصم الاكبر..وربط كل سيء به مهما كان غير منطقي أو معقول.
وعلى الطرف الآخر “اي الخصم الاكبر” يتردد السؤال نفسه ..احتلت داعش الرمادي؟..حسنا اذهبوا إلى الأب الأكبر قولوا له ماذا نفعل؟ وسوف تجدون الجواب..لديه دفتر يضم بين دفتيه جوابا لكل شيء..لا تقلقوا..
الخلاصة نحن شعوب لا ترى
..تنساب سكرى بعسل الكلمات والمقدسات في تيار صاخب لا هي تستطيع الخروج من النهر لترى اين موضعها فيه،
ولا هي بقادرة على رؤية الامواج التي تضرب جسدها المهترئ وتقودها إلى المنحدر الاخير الذي ستموت وتتبدد فيه..
الخلاصة مرة أخرى: نحن شعوب لا تريد ان تكون شعوبا..بل أحجارا تتطاير في هاوية كلمات.
——————–
المصدر: الجوار المتمدن