سيظنُّ رامز جلال أنّ النقد المُوجَّه إليه من ضرورات الشهرة، وسيشطح أكثر في الاعتقاد أنه “ضريبة النجاح”، وقد يردِّد ذلك التعبير حول “الشجرة المثمرة التي تُرشَق”.
مهرِّجٌ يُثبِت تقدّماً في تسطيح التلفزيون وتحويله إلى مستوعب. نَشَط عبر شاشة “أم بي سي” اسمٌ “يبتدع” في كلّ موسمٍ رمضاني برنامجَ مقالب تافهاً. “رامز واكل الجو” يختزل زمن هستيرية الإنسان الفارغ. ساديٌّ يستلذّ بـ”ضحاياه”، ويغتبط بينما الكون يمتلئ زعيقاً. ما أهناه!
هذا الرامز الحَبّوب دُرّة الشهر الرمضاني وأبهى إنجازاته. يطلّ علينا من الجَوّ، مقدِّماً إثباتاً آخر على عَظَمة الخيال حين يُبدِع. يوهِم الضيف بأنّ الموت يقترب، والطائرة ستقع، ليبدأ حفل التنكُّر.
صراخٌ وعويلٌ وضرورات المشهد: الغثيان وفقدان الوعي! الموعد ثابتٌ مع المهزلة ومراقبة الأرقام ترتفع. نُشاهد كيف انهارت عبير صبري وكيف زَعَق عاصي الحلاني وكيف تبدّل طبع نيشان الهادئ. رائعٌ هذا الرامز! ينبغي الاعتراف بأنّ رمضان من دونه ضجر لا تسدّه ضوضاء المسلسلات ولا الموت اليومي في نشرات الأخبار. رامز جلال لا يُعوَّض. لا تهريج كتهريجه، ولا ثرثرة كثرثرته ولا صبيانية كالتي بها يتفضَّل.
نحن سعداء، لكنّ رامز يتكرَّم علينا بمزيدٍ من السعادة. بذكاءٍ يُشكَر عليه، وفطنةٍ نادرة، يحار “واكل الجو” ماذا يفعل ليحرِّك سكينة المنطقة ويُنقذ أبناءها من العزلة. فكَّرَ ملياً بمزحة الطائرة، ولعلّه قال: كيف ذلك، فالشعب لم يعتد. أعاد التفكير: جمهورٌ لم تُحشَ آذانه بصراخ الخائفين، حتى إنه لم يُشاهد- إلا ما نَدر- إنساناً يصرخ في مقابل أحد يضحك على صراخه، فكيف أشاركُ في صدمته؟ ثم ارتأى المغامرة، توكَّل على الله، وقرر أن يمازح الجمهور العربي بما يظنه اختراع العصر.
في أوطان الرفاهية والوعي الجماعي، سيخاطر رامز بسُمعته، لكنه من فَرْط الشجاعة جَرَّب. طَمُوح هذا الرجل، دَرَس بسيكولولجيا الجماهير بعمق، وراح يطبِّق. تملّ الناس يومياتٍ لا حادث فيها ولا ضربة كفّ.
روتينٌ قاتلٌ هي بلاد العرب. مرَّ على رامز دهرٌ منذ بَلَغَه أنّ إنساناً أُصيب بالهلع وتطلَّبت حاله استدعاءَ الإسعاف فوراً. معذورٌ إذ لم يخطر في باله أنّ الإنسان مشاعر. وإنما يُرجى التمهُّل، فرامز ليس من إفرازات هذا الزمن السافل. يُبدي الرجل العطف حيال الضيف المرعوب، وإن استدعى المُزاح إسعافاً طارئاً لهشام عباس مثلاً، لازمه رامز للاطمئنان إلى صحته. الأخلاق أقوى من اللعبة. مَن يُشكِّك في ذلك؟
لا أحد بالطبع، فإنسانية رامز لا تُقاس بالسخرية من دَمع ولا بالثرثرة فوق أجساد منهارة. الإنسانية تُقاس بنسب المُشاهدة وقدرة البرنامج على تحطيم الرقم. ويُقاس النجاح بعدد حالات الإغماء، وما هو دليل الصدقية القاطع: الضرب والشتيمة الموجّهان إلى فخامة رامز.
أما الدليل إلى زيف المقالب، فليس من شأن أحد إشهاره. يُسَرّ “النجوم” بكمية الشهرة التي تتحقق، وتبتهج جيوبهم (أو حسابهم المصرفي) بتدفّق بدل أتعاب المشاركة. ثم يقولون: لعنكَ الله يا رامز، أوقفتَ قلبي! وإن أتى موعد الحلقة، سخروا من أنفسهم كما يسخر منهم المُشاهد، وراحوا يقهقون ويستعيدون فرادة اللحظة.
تحوم حول البرنامج جماهير لا تكترث لما يُحكَى عن فبركات، طالما أنّ الضحكة تتصدّر كلّ مشهد تافه. فيريال يوسف مُنهارة؟ إذاً هيا نضحك! هاهاهاها، يا له من عرض! لكنّ البرنامج لا يكتفي بانهيارات وجوه مصر وصراخ الحناجر العربية.
توسَّع وراح يُمازح باريس هيلتون بالموت رغم اضطرابها العاطفي. كبيرٌ من وطني العربي، مثل رامز جلال، لن تؤثر فيه دعوى قضائية أو مجموعة دعاوٍ. الرجل اعتاد منذ سنوات على تَسرُّع الضيف بردّ الفعل، ثم تقبُّل المقلب بدمٍ بارد. وحدهم الحسّاد يتحدّثون عن وثائق تثبت أكذوبة المقالب. مساكين هؤلاء، لن يصدّقهم أحد. عذراً هاني رمزي، فـ”رامز واكل الجوّ” البرنامج الأول في مصر!