قراءة في كتاب :زيجمونت بومان Zygmunt Bauman
ترجمة الاستاذ :احمد بلشهاب
————————
قد انتهى الوقت الذي كان من الممكن أن نميز فيه نخبة مثقفة، حيث كان ميراثها “الفن الرفيع”، وعادتها النظر بازدراء إلى المشترك العابر، بدء من أغاني البوب حتى الإشهار التجاري في التلفزيون.
وانتهى أيضا الوقت الذي كان فيه الذوق الرفيع أو المألوف علامة دالة على فئة اجتماعية معينة.
هذه هي الخلاصة التي سعى” زيجمونت بومان” إلى بسطها والتوسع فيها في كتابه الثقافة في عالم سيولة الحداثة .
هذا لا يعني أن لا وجود اليوم لنخبة مثقفة، بل على العكس، هي اليوم أكثر حيوية ونشاطا من أي وقت مضى، لكنها مشغولة جدا بمتابعة النجاحات الفنية والفعاليات الثقافية الشهيرة، بحيث لم يبق لديها الوقت لصياغة نماذج (مثالية) للاعتقاد، أو لتغيير أخرى. لم يعد هناك مثقفون متخصصون في مجالات تحتاج إلى بذل الجهد. بل ثمة مثقفون يلتهمون كل شيء (Omnivoros)، يستهلكون كل من الأوبرا، والموضوعات الدسمة، والقضايا المبتذلة وحتى السخيفة.
لم تعد الثقافة علامة على النمو، والترقي ، والمعرفة، والتفنن. أي أن الثقافة، باعتبارها وسيلة التقدم، تخلت عن أن تكون خطابا تتحدث عن تحسين حياة الجميع، لتتحول إلى خطاب من أجل البقاء على قيد الحياة الخاصة، ولم يعد حاملوها يفكرون في التقدم من أجل الرفع من وضعنا Estatus ، بل في كيفية تجنب الفشل. فالوقت يمر بسرعة، والسر يكمن في أن نتبع إيقاعه. فإذا كنا لا نريد الغرق علينا أن نستمر راكبين الأمواج، أي علينا أن نستمر نغير بكثرة، كلما كان ذلك ممكنا، خزانة الملابس، والأثاث، وورق الجدران، والسيارات، والمظهر، وحتى أنفسنا.
وهذه النزعة الاستهلاكية تجعل الثقافة لا تدرك كوسيلة لتلبية احتياجات، بل لخلق احتياجات جديدة، مع إبقاء عدم الرضا الدائم بالحاجيات المحصل عليها فعلا.
يقارن بومان » يوتوبيا » (UTOPIA) الماضي ويوتوبيا (UTOPIA) عالم سيولة الحداثة. فهذه اليوتوبيا الجديدة تدور حول الجري وراء الموضة، البعيدة المنال، التي لا تعطي الحياة أي معنى، سواء حقيقيا أم خاطئا.
فهي بالكاد تساعد على إبعاد مشكلة معنى الحياة عن عقولنا. عندما تحولت رحلة الحياة إلى سلسلة لا نهاية لها من التدابير الأنانية، حيث أصبحت كل حلقة معاشة مدخلا الى حلقة أخرى من السلسلة، كانت هذه اليوتوبيا غير قادرة على أن تقدم فرصة للنظر في معنى واتجاه الحياة نفسها.
للأسف، تنشأ الفرصة للقيام بذلك عندما يتقاعد الشخص أو يتم إقصاؤه من أسلوب حياة الصيادين. وفي هذه الحال يكون فات الأوان لأن يمارس تفكير الشخص التأثير في اتجاه الحياة الخاصة، وحياة الذين هم من حوله. ويكون فات الأوان للاعتراض على حالة الحياة الخاصة القائمة، والأكثر أن تكون لبعض الأسئلة نتائج عملية.
هناك، من جهة، طرح فاعلين في الثقافة، أمثال أندي وارهول Andy Warhol، يعلن «إن الجيد للصفقات التجارية هو أروع فن، وإن كسب المال فن، والعمل فن، والأعمال التجارية هي أفضل فن»
وهناك، من جهة أخرى، تأثيرات، من مثل ما تذهب إليه حنة أرندت Hannah Arendt «هدف الثقافي أن يطول في ديمومته، فالطابع الدائم يعارض الجانب الوظيفي الذي يجعل الثقافي يختفي من العالم بفعل الاستعمال والتآكل.
تكون الثقافة مهددة عندما تكون كل أشياء العالم التي يتم إنتاجها، في الحاضر والمستقبل، مكرسة فقط لخدمة عمليات الحياة الاجتماعية، كما لو لم يكن لديها سبب آخر للوجود غير تلبية بعض الحاجيات، ولا يهم إن كانت تلك الحاجيات ثانوية أو أساسية».
المصدر: أبعاد جمالية
ترجمة الاستاذ :احمد بلشهاب
————————
قد انتهى الوقت الذي كان من الممكن أن نميز فيه نخبة مثقفة، حيث كان ميراثها “الفن الرفيع”، وعادتها النظر بازدراء إلى المشترك العابر، بدء من أغاني البوب حتى الإشهار التجاري في التلفزيون.
وانتهى أيضا الوقت الذي كان فيه الذوق الرفيع أو المألوف علامة دالة على فئة اجتماعية معينة.
هذه هي الخلاصة التي سعى” زيجمونت بومان” إلى بسطها والتوسع فيها في كتابه الثقافة في عالم سيولة الحداثة .
هذا لا يعني أن لا وجود اليوم لنخبة مثقفة، بل على العكس، هي اليوم أكثر حيوية ونشاطا من أي وقت مضى، لكنها مشغولة جدا بمتابعة النجاحات الفنية والفعاليات الثقافية الشهيرة، بحيث لم يبق لديها الوقت لصياغة نماذج (مثالية) للاعتقاد، أو لتغيير أخرى. لم يعد هناك مثقفون متخصصون في مجالات تحتاج إلى بذل الجهد. بل ثمة مثقفون يلتهمون كل شيء (Omnivoros)، يستهلكون كل من الأوبرا، والموضوعات الدسمة، والقضايا المبتذلة وحتى السخيفة.
لم تعد الثقافة علامة على النمو، والترقي ، والمعرفة، والتفنن. أي أن الثقافة، باعتبارها وسيلة التقدم، تخلت عن أن تكون خطابا تتحدث عن تحسين حياة الجميع، لتتحول إلى خطاب من أجل البقاء على قيد الحياة الخاصة، ولم يعد حاملوها يفكرون في التقدم من أجل الرفع من وضعنا Estatus ، بل في كيفية تجنب الفشل. فالوقت يمر بسرعة، والسر يكمن في أن نتبع إيقاعه. فإذا كنا لا نريد الغرق علينا أن نستمر راكبين الأمواج، أي علينا أن نستمر نغير بكثرة، كلما كان ذلك ممكنا، خزانة الملابس، والأثاث، وورق الجدران، والسيارات، والمظهر، وحتى أنفسنا.
وهذه النزعة الاستهلاكية تجعل الثقافة لا تدرك كوسيلة لتلبية احتياجات، بل لخلق احتياجات جديدة، مع إبقاء عدم الرضا الدائم بالحاجيات المحصل عليها فعلا.
يقارن بومان » يوتوبيا » (UTOPIA) الماضي ويوتوبيا (UTOPIA) عالم سيولة الحداثة. فهذه اليوتوبيا الجديدة تدور حول الجري وراء الموضة، البعيدة المنال، التي لا تعطي الحياة أي معنى، سواء حقيقيا أم خاطئا.
فهي بالكاد تساعد على إبعاد مشكلة معنى الحياة عن عقولنا. عندما تحولت رحلة الحياة إلى سلسلة لا نهاية لها من التدابير الأنانية، حيث أصبحت كل حلقة معاشة مدخلا الى حلقة أخرى من السلسلة، كانت هذه اليوتوبيا غير قادرة على أن تقدم فرصة للنظر في معنى واتجاه الحياة نفسها.
للأسف، تنشأ الفرصة للقيام بذلك عندما يتقاعد الشخص أو يتم إقصاؤه من أسلوب حياة الصيادين. وفي هذه الحال يكون فات الأوان لأن يمارس تفكير الشخص التأثير في اتجاه الحياة الخاصة، وحياة الذين هم من حوله. ويكون فات الأوان للاعتراض على حالة الحياة الخاصة القائمة، والأكثر أن تكون لبعض الأسئلة نتائج عملية.
هناك، من جهة، طرح فاعلين في الثقافة، أمثال أندي وارهول Andy Warhol، يعلن «إن الجيد للصفقات التجارية هو أروع فن، وإن كسب المال فن، والعمل فن، والأعمال التجارية هي أفضل فن»
وهناك، من جهة أخرى، تأثيرات، من مثل ما تذهب إليه حنة أرندت Hannah Arendt «هدف الثقافي أن يطول في ديمومته، فالطابع الدائم يعارض الجانب الوظيفي الذي يجعل الثقافي يختفي من العالم بفعل الاستعمال والتآكل.
تكون الثقافة مهددة عندما تكون كل أشياء العالم التي يتم إنتاجها، في الحاضر والمستقبل، مكرسة فقط لخدمة عمليات الحياة الاجتماعية، كما لو لم يكن لديها سبب آخر للوجود غير تلبية بعض الحاجيات، ولا يهم إن كانت تلك الحاجيات ثانوية أو أساسية».
المصدر: أبعاد جمالية