مقابلة مع أدونيس :على العرب إعادة التفكير في الإسلام.
من طرف احمد بلشهاب · 3 فبراير,2015
أدونيس، الشاعر السوري، يعرف الشعر بأنه “المباين للدين” وينتقد كل ديانة “بلا ثقافة” .
كان مرشحا لجائزة نوبل، أصدر كتابا عن المكسيك و أعاد إصدار ” قبر من أجل نيويورك”.
————————————————
JAVIER RODRÍGUEZ MARCOS París 27 SEP 2014 –
صحيفة الباييس الاسبانية 2014-9-27
—————————————————
أدونيس غير مؤمن ،إلا أنه يعيش قريبا من السماء، في البرج المكون من37 طابقا. في حي لاديفانس la défense، حي الأعمال المالية في باريس. لا تبدو البيئة نموذجية للشاعر “قبل أن أستقر في هذه الشقة مررت بكل المقاطعات تقريبا” يشرح مشيرا، من النافذة، إلى المدينة التي يعيش فيها منذ نحو ثلاثة عقود “هنا ضوء أكثر، وتلوث أقل.. يشبه((= الحي) منهاتن Manhattan ، أليس كذلك؟” تماما، الشاعر السوري البالغ من العمر 84 سنة أعاد إصدار “قبر من أجل نيويورك” Epitafio para NuevaYork مؤخرا في إسبانيا، ترجمة فدريكو أربوس . Federico Arbos الكتاب نشر أصلا في عام1971وهو واحد من أشهر مؤلفات كاتب ترجم إلى عشرات اللغات، ويعتبره الكثيرون أعظم شاعر عربي على قيد الحياة، ينتقد الرأسمالية الخالية من الطابع الإنساني، ويحترم لوركاLorca و والت ويتمان Walt Whitman.
في ذلك الكتاب يتحدث عن أن أبراج نيويورك ستسقط في يوم ما. ويذكر أدونيس أن ناقدا اتهمه بعد 11 سبتمبر بأنه ألهم بن لادن، “هذا مضحك” قطع مبتسما.
كتابه الأخير “زوكالو zocalo “، الذي نشره بالفرنسية قبل أن ينشره بالعربية، سيظهر في غضون أيام باللغة الاسبانية، ترجمة كلارا خانس Clara janés . ولد هذا النثر الشعري في رحلة إلى المكسيك خلال فصل الربيع قبل عامين. لكن من الصعب قراءة صفحات مملوءة بالآلهة والتضحيات والدم من دون التفكير في ربيع آخر، ربيع العرب. ذلك الدومينو من الثورات التي بدأت، مثيرة إعجاب العالم، في تونس في أواخر 2010 حيث الثورة هناك تجاوزها التطرف، وانتهت مرعبة في العراق وسوريا على يد ما يسمى بالدولة الإسلامية.
في ذلك الوقت فعل أدونيس شيئين اكسباه وابلا من الانتقادات: الدفاع عن أن الربيع العربي لم يكن ثورة، وكتابة رسالة مفتوحة إلى الرئيس السوري بشار الأسد، طالبا منه أن يحاور المعارضة. كان ألطف ما قيل فيه إنه “بارد”. وفي وقت لاحق كتب مطالبا بشار أن يستقيل للقمع الذي أطلق عنانه تحت قيادته “ما قصدته من تلك الرسالة ” يشرح الكاتب”كان لمنع تدمير البلاد وتغيير نظام شيد بانقلاب عسكري ونظام الحزب الواحد. للأسف، السياسيون لا يستمتعون إلى الشعراء”.
“.
————————-نص الحوار————————
- لماذا لم يكن الربيع العربي ثورة؟
– لأن الثورة يجب أن يكون لها خطاب. وهذا لم يكن، المعارضون لم يتكلموا أبدا عن العلمانية، وتحرير المرأة، وتغيير القانون القرآني .أي ثورة هذه؟.أرادوا فقط تغيير النظام، وتغيير النظام لا جدوى منه عندما تستمر العقلية نفسها. على العرب القيام بثورتهم الداخلية، أي إعادة التفكير في الدين في ضوء الحداثة، وفصل الديني عن الثقافي والسياسي والاجتماعي كي يتحول إلى اعتقاد فردي. في أوربا وقعت تلك الثورة وفصلت الدولة عن الكنيسة التي كانت في العصور الوسطى أسوء من المسلمين اليوم. ليس لدي أي شيء ضد الدين كاعتقاد فردي، لكني ضد كل دين مؤسسي مفروض على المجتمع بأكمله. ينبغي إلغاء الفوارق بين الطوائف. التحدي هو ،على سبيل المثال، أن يكون للأقباط في مصر الحقوق نفسها التي لدى المسلمين.
-هل نحن أفضل أو أسوء من ذي قبل؟
-تونس ليس سيئا، البلد متجانس أكثر، وبدون أقليات.هناك بعض الحوار. لكن دولا بأكملها دمرت : ليبيا، سوريا، العراق. لماذا؟ لأجل لا شيء، لإحياء المفاهيم الدينية القديمة.عادوا إلى استخدام كلمات ما قبل خمسة عشر قرنا، لقد وقع تراجع مخجل ومهين. الإسلام اليوم دين بلا ثقافة. لا يوجد أكثر من الطقوس والقوانين. لا يوجد مفكر واحد. وعندما يظهر أحد، يرفض.
يقول أدونيس ليس لديه ثقة في أي ثورة تخرج من مسجد ببيانات سياسية، لكن عدم ثقته تتعدى مداها الحلول الصادرة عن مكاتب الولايات المتحدة أو أوربا. لماذا لم يهتم الغرب بالمعارضة العلمانية.يجيب: ” السياسيون الغربيون، وليس الغرب حتى لا أعمم” :
“للأسف، السياسيون لا يهتمون جديا بالعرب، يرونهم كمصدر للثروة- البترول- وفضاء استراتيجي. لا يهتمون بالقوى التقدمية رغم أنها، من غير ريب، قليلة. ما تفعله التدخلات الأجنبية هو أنها تحيي القوى الظلامية في العالم العربي، تسمم الكل. عندما يشتري أحد سلاحا ويسلح مقاتلين مشتبه بهم ومعارضة مزعومة، فهو يختلق جيشا من المرتزقة .
الدولة الإسلامية هي من صنع العربية السعودية والولايات المتحدة ، الآن عليهم محاربة أولئك الذين سلحوهم بأنفسهم”.
كما هو حال مصر، يقول مستسلما، في سوريا وجب اختيار الشر الأهون ومحاربة الدولة الإسلامية. وباعتباره مؤيدا قويا للعلمانية، أبدى أكثر من مرة شكوكه تجاه ذلك الذي يسمى الإسلام المعتدل ” لا يوجد إسلام معتدل ، هو تعبير سياسي. ما يوجد هم المسلمون المعتدلون، وهم قلة. هناك إسلام وتفسير إيديولوجي. هو في ذلك مثل الديانات التوحيدية الأخرى. ثمة نبي هو آخر الأنبياء، ينقل حقائق أخيرة. فالله قال كل شيء وعلى الإنسان الطاعة. في التوحيد، الآخر غير موجود، لا يعترف به كطرف في البحث عن الحقيقة، لأن الحقيقة موجودة عند الله . أساس مشاكلنا ليس الإسلام بوصفه دينا، بل في النظرة التوحيدية للعالم، لذلك من الضروري فصل الدين عن الدولة.
ولن تكون هناك ديمقراطية طالما ذلك لم يتغير. لا أتكلم عن ديمقراطية مثالية،بل عن ديمقراطية تعترف بالآخر. والاعتراف ليس بمعنى التسامح . لأن التسامح يخفي جانبا عنصريا، أنا أتسامح معك لأني أمتلك الحقيقة فأتركك تتكلم . الإنسان يطالب بالمساواة . والتوحيد ضد الديمقراطية”.
إلى جانب أنه مؤلف لحوالي عشرين كتابا في القصائد والمقالات العديدة عن الأدب والسياسية، فلدى أدونيس إيمان بالشعر أكبر من إيمانه بالدين. يقول مرارا وتكرارا أنهما على طرفي نقيض لأن ” الشعر العظيم علماني دوما . الشعر هو التعدد، والوحدة بين الأضداد، هو المعاكس للدين حتى من الناحية التاريخية: في تاريخنا الإسلامي لم يوجد ولا شاعر كبير واحد كان مؤمنا”. حتى الصوفية؟ “هم حالة منفصلة” يرد المؤلف الذي كرس لبحث العلاقة بين الصوفيه والسرياليه عملا أدبيا غدا مرجعا. ” لقد غيروا مفهوم الحقيقة والله، لذلك رفضوا، بالنسبة إلى التوحيد، الله قوة تدبر العالم من الخارج.وبالنسبة إلى الصوفية هو محايث ، يشكل جزءا من العالم، الله هو العالم”.
-هل تؤمن ؟
– لا، أعتقد أن في العالم شيئا ملغزا. وعلينا أن نكون منتبهين لذلك اللغز، من هنا يجب مناقشة الأشياء. سم ذلك ما تريد، لكني لست متدينا، الدين إيديولوجية، وكل إيديولوجية حقيقة زائفة.
-أتذكر عندما كنت مؤمنا؟
– نعم. والدي كان مؤمنا، كان فلاحا، ولكن كان يعرف جيدا الثقافة الكلاسيكية. لم يقل لي أبدا افعل هذا أو لا تفعل هذا. كان يقول لي دوما: أن تقرر، يا ولدي، أمر سهل. كل ما أريده منك أن تفكر جيدا، أن تعيد التفكير جيدا تم تقرر.
– ووالدتك ؟
– كانت أمية، طبيعة خالصة، كشجرة، كينبوع، كنجمة.
-في البيت، هل كنتم تتبعون الشريعة الإسلامية ؟
– لا، كان القانون موجودا، أنا ولدت في طائفة شيعية وليس في طائفة سنية. كانت الطائفة الشيعية أكثر انفتاحا . كان للفهم الفردي مكان. لم تكن النساء، على سبيل المثال، ترتدين الحجاب.
– هل أنت ضد الحجاب ؟
– كليا
– أهو فرض أم حق ؟
– لا يتعلق الأمر بالدفاع عن أمر أو آخر . وإنما بالدفاع عن المبادئ. يمكن للمرء الدفاع حتى عن الشر.
إذا أصرت امرأة على ارتداء الحجاب فلها أن ترتديه. لكن ينبغي أن نقول إنه خطأ.
إن جمال الإنسان لا ينبغي حجبه.
يحكي أدونيس أن حتى والدته كانت تناديه هكذا: أدونيس. اسمه المدني ( أي في دفتر الحالة المدنية ) هو علي أحمد سعيد إسبر Esber لم يعدم من قال إنه اختار اسما “مجدفا” وثنيا- للاستفزاز- ” هناك جهال في كل مكان ” ، لكن الحقيقة هي أنه كان قد قرأ تلك الأسطورة اليونانية عندما كان يبحث عن اسم شهير لتقبل قصائده في مجلة كانت ترفضها دوما، فأفلح. ولد في عام 1930 في القصابين، إحدى قرى شمال سوريا. ويبدو أن الجرأة طبعت حياته ، إذ في الثالثة عشرة من عمره أنشد قصيدة من إنتاجه أمام رئيس الدولة الذي كان يقوم بجولة في المنطقة ، وعندما عرض عليه هذا الأخير مكافأة، أجاب ” أن أذهب إلى المدرسة “. بعد سبعة عقود، يحكي الكاتب هذه الحكاية كما لو أنها حدثت لشخص آخر ، ويذكر بإعجاب الذاكرة الجيدة لذلك الطفل.”كنت أعرف الشعر الجاهلي كاملا، والقرآن، وكل الأشياء، الآن ؟ بدأت أنسى، ينبغي أن ننسى كي نبدع، إن إحدى مشاكل العرب أنهم يعيشون في ذاكرتهم وليس في الحياة”.
وفاء لطبيعته الفضولية ، ينتهز الكاتب أي فرصة لانتقاد علل شعبه، على الرغم من أن مفهوم الشعب نفسه يرعبه . ” إنه فكرة سياسية، هناك ضمن شعب واحد آلاف الشعوب، إن أي شعب لا يستمر موجدا إلا بأفكار سطحية “. والهوية ؟ ” حسب المفهوم المستخدم ، الهوية انتماء حيث الماضي عنصر مركزي: ماضي الأسرة، والعرق، والشعب. بالنسبة إلي، الأساسي هو الفرد على الرغم من أن الفرد لا يمكن فهمه من دون الآخر، لا يمكننا أن نتصور كائنا يولد وحيدا ويعيش وحيدا. الهوية خلق مستمر، انفتاح وليست اكتسابا. لا تورث لأن الإنسان هو إسقاط نحو المستقبل ، يخلق هويته في عمله”.
يؤكد أدونيس، من دون تردد، أنه لا يخشى أن يقول ما يقول، لكنه يعترف بأنه شعر بالخوف . لذلك غادر سوريا في سنة 1956 بعد أن قضى سنة في السجن لانتقاده النظام “كان الأمر كما في الديانة التوحيدية: حزب واحد ( البعث) بإيديولوجية علمانية، لكن عنصرية. بموجب الدستور، رئيس الجمهورية السورية يجب أن يكون مسلما. إن حزبا علمانيا حقا يجب ألا يمارس أمرا مثل هذا”.
لما خرج من السجن، ذهب إلى لبنان. ولعدم توفره على أوراق الإقامة أصبح بلا جنسية. كان يوجد في البلد المجاور فرع من عائلته، ولم يكن صعبا أن يحصل على الجنسية اللبنانية التي مازال يحتفظ بها. مرت عشرون سنة من دون أن يستطيع العودة إلى قريته. لذلك يقول أنه ولد ثلاث مرات: في القصابين، وفي بيروت، وفي باريس. في لبنان ولدت بنتاه ، وأصبح أحد التحدثيين للشعر العربي بجعله ينفتح على الطليعة العالمية وعلى أشكال جديدة ، مثل قصيدة النثر والشعر الحر. بعد نشره عناوين مثل، أغاني” مهيار الدمشقي” وكتاب” التحولات والهجرة في أقاليم النهار والليل”، أعطى الاجتياح الإسرائيلي ” كتاب الحصار”. في عام 1985 ذهب إلى فرنسا . “لم يبق ما يمكن فعله في بيروث .دمر كل شيء بما في ذلك الجامعة” التي عمل بها أستاذا للأدب. في فرنسا استمر في كتابة قصائد تعد كلاسيكية في الأدب المعاصر، مثل الكتاب- إليادة العرب حسب البعض – أو تاريخ يتمزق في جسد امرأة . هو رواية شعرية شهوانية نقدية لأسطورة هاجر،محظية إبراهيم وأم إسماعيل ،الوالد الأسطوري للمسلمين، ” نعم، إنها رواية ضد الدين” يعترف أدونيس. “نبي يهجر( بتشديد الجيم وكسرها) زوجته وولده، ويهجرهما(بضم ا لجيم) في الصحراء، نبي!..لا أحد يسأل لماذا ”
يطالب الأصوليون مرارا بحرق كتبه، آخر مرة كانت منذ شهور في الجزائر. هو يعلم ذلك ، لكنه لا يصمت “اعتقد أنني لا أظلم أحدا. أعبر عن أفكاري، وإلا أشعر أني غير موجود”.
لا يتردد حتى لو تم تذكيره بأنه شرع في حرق الكتب،وسينتهي الأمر بحرق الكتاب أو بمحاولة حرقهم،ويكفي التفكير في الفتوى ضد سلمان رشدي “ما يتعلق برشدي، كان الأمر سياسيا أكثر منه دينيا. سببه انتقاد رشدي للخميني .كتابه يكرر ما قيل، والكثير من الناس تكلموا بصوت أكثر جذرية منه ولم يحدث أي شيء. كون معظم الذين يريدون قتله لم يقرؤوه ذلك هو الجهل، لذلك أقول إن الإسلام اليوم دين بلا ثقافة. كان لرشدي الحق في فعل ما فعل” ورسامو الكاريكاتير الذين رسموا محمدا؟ “لهم الحق أيضا .لكن يجب أن تعلم مع من أنت تناقش، لا يتحدث إلى طفل مثلما يتحدث إلى أستاذ. للصحفيين الحق في رسم ما يريدون، لكن ينبغي ألا يحاولوا إهانة الناس. إذا سعى شخص إلى الحقيقة يجب أن يكون في مستوى علوها. من السهل أن تهين، لكن ذلك لا جدوى منه”.
يرد اسم أدونيس في جميع البيانات عن المرشحين لجائزة نوفل منذ سنوات، لكنه يقول كما كان متوقعا، أنه لا يفكر في ذلك. ففيم يفكر ؟.
في ” كيف أكتب الشعر، كيف أشعرن poetizar العالم، لذلك أصنع ملصقات تصويرية لأطيل شعرنة العالم. من دون الشعر، العالم سيموت من البرد ، من الظلام.إن ركائز الكون الثلاثة هي: الحب، والصداقة، والشعر. والباقي تجارة”، يعلم أدونيس عن ماذا يتكلم : يعيش محاطا بالشركات المتعددة الجنسيات.يعجبه الحي ، لكن العالم بقدر اقل.
المصدر: ابعاد جمالية