…تصدير الثورة أم تصدير السلفية؟……….
كتب: منصور الناصر
ملاحظات ومقدمات أولية
1- بالتأكيد، كانت لحظة “اكتشاف” فكرة الله انعطافا هائلا في تاريخ البشرية، ليس لأهمية الله بل لأهمية الإنسان وإرضاء لغروره وتفوقه على بقية “المخلوقات”،
كان ابتكار الله تجسيدا في حده الأقصى لوعيه المفارق وعقله المبتكر..وقدم فكرة أجابت على معظم الأسئلة الغامضة التي كانت تدور في ذهنه لينطلق عبرها بإعادة ترتيب وتنظيم كل شيء حوله..بغض النظر عن قسوة الطبيعة وايا كانت الظروف من حوله.
كانت فكرة مفارقة صنعت له عالما منفصلا/متصلا آخر يطمح بفعل أدواته الذهنية الجديدة للسيطرة على هذا العالم الذي اصبح أرضيا-مبتذلا أرغم على العيش فيه “مؤقتا”.
من هنا لم تعد مهمة اكتشاف قوانين العالم بالتجربة مهمة، بل بالإيمان فحسب، وكل ماعدا ذلك سفسطة وهرطقة لا مبرر لها، بل وأكثر تحرف الطريق إلى الله و”المثل العليا”.
2 كان الإيمان في المجتمعات القديمة بسلطة علوية مفارقة هي الله وقبله الآلهة، الوسيلة المفضلة والمناسبة للسيطرة على الشعوب والجماعات..فبمجرد إلقاء نظرة على الكلمات-المفاهيم المنتشرة آنذاك ومازالت فاعلة بقوة في مجتمعاتنا “وشبه مفقودة في المجتمعات المتقدمة” مثل الحق الباطل الملائكة الشياطين، الكفر الإيمان التجديف الخير الشر إلخ..
3 اكتشفت مؤخرا وبعد ان عشت لسنوات في الغرب “الكافر-وهذه كلمة غامضة أخرى”، عدم وجود أغلب الكلمات الغامضة التي نستعملها في حديثنا اليومي وخطابنا الإعلامي والسياسي، فلن تجد أحدا يقول لك انت ظالم أو كافر او مؤمن أو جاهل مثلا.. وهي دليل على أن استعمال كلمات “عامة” تحمل وجهات نظر لا تحصى في شرحها و”تأويلها” لم تعد صالحة للتعبير عن حاجات المجتمع، وبات بحاجة لاستعمال مفردات اكثر تحديدا ودقة، وشاهدت مرة موظفا غربيا بسيطا وقد استغرب بشدة وصف أحد اللاجئين الجدد له بأنه ظالم، وعبر عن دهشته البالغة من هذا الاتهام، وأظن انه اعتبرها طرفة تصلح لسردها على أصدقائه لاحقا.
4 قرأت مئات المقالات والكتب وتابعت عشرات الحوارات التلفزيونية، كلها كانت تبحث عن حل ما لمشاكلنا المزمنة، لكنها جميعا تقريبا لم تلتفت إلى خظورة كلماتنا العمومية الهلامية غير المحددة والقابلة للتفسير بألف طريقة وطريقة،
وأكبرها طبعا، (وبغض النظر عن مصداقيتها) ما اسميه الكلمات المطلقة والمؤشرة “لذوات” افتراضية أو متخيلة لا وجود لها على أرض الواقع بشكل ملموس، مثل الله والنبي والولي والفقيه والعالم الديني والشيخ والسيد..وفي الوقت نفسه نجد كلمات مستحدثة وقابلة نسبيا للحصر والتحديد مثل الدستور القانون المدرسة النظام التنظيم الديمقراطية الحرية العنصرية التمييز حقوق الإنسان، تكافح لحجز مكان لها ولاجدوى، بل أكثر أنها تحولت إلى أدوات يستعملها الجميع في إطار مختلف تمام عن الإطار الذي وجدت لأجله..
5- المشكلة تكمن هنا فقط في كلماتنا .. لا نحتاج للبحث عن حل سحري، تغيير نظام أو حكومة ما، طرد وزير وتنصيب آخر..والحل يكمن فقط ليس في تقديم مشاريع محتشدة بكلماتنا الوراثية المعتادة، بل تقديم مشاريع تستعمل كلمات جديدة واضحة الدليل والدلالة والمدلول، كلمات قابلة للحصر والممارسة والتنفيذ، والحرص على رفع كل عبارة عامة من مناهجنا ومؤسساتنا الرسمية.
6- كل قدراتنا تقريبا على تأويل وتفسير الحقائق والوقائع وفهم العالم من حولنا، نابعة من هنا، من هذه الكلمات الضخمة المهيمنة على كل شيء في حياتنا، ومن خلالها يمكن لنا العثور على ما لا يحصى من نقاط الخلل والعوق المرعبة التي تقود حياتنا وأيامنا وكل ما يجري حولنا،
وبالطبع فإن الجانب السلبي لهذه الكلمات موجود بالقدر نفسه، فهي جزء منها وليس مظهرا عرضيا لها، وهي أشبه بالعملة الواحدة ذات وجهين ولا وجود للعملة بدونهما. مثل الشيطان الفساد الشر العنف الجريمة الدينية الكفر الكفار الخ