كيف يرى الغرب العرب.. ثقافيا؟
كتاب رابع من سلسلة «معارف» الصادرة عن «مؤسسة الفكر العربي»
يرسم التقرير الصادر عن «مؤسسة الفكر العربي» تحت عنوان «حالة حوار الثقافات» صورة الغرب في الصحافة العربية وصورة العرب في الصحافة الغربية.
هذا التقرير هو الكتاب الرابع في سلسلة «معارف» التي تصدر عن «مؤسسة الفكر العربي»، وقد تعاون على رسم الصورتين الباحثان المختصان في قضايا الإعلام الدكتور محمود خليل أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة، والدكتور عماد بشير أستاذ المعلومات وتكنولوجيا الإعلام في الجامعة اللبنانية، فكانت ثمرة عملهما هذا الكتاب الذي يتكون من قسمين؛ الأول تحت عنوان: «صورة الغرب في الصحافة العربية» (مع عنوان إيضاحي: «تجليات التفاعل بين الأنا والآخر») ويضم جزأين، أولهما: «صورة الغرب في الصحف العربية اليومية»، معتمدا عينات صحافية أساسية منها: «الأهرام» المصرية، و«الحياة» الصادرة في لندن، و«الرياض» السعودية، و«النهار» اللبنانية، و«البيان» الإماراتية، و«الأخبار» الجزائرية. في حين تناول الجزء الثاني من القسم الأول، وهو بعنوان: «صورة الغرب في المجلات الثقافية العربية» (مع عنوان إضافي إيضاحي للقسم نفسه: «مدارات الجدل بين العقل النمطي والعقل النقدي»)، معتمدا العينات التالية: مجلة «العربي» الكويتية، ومجلة «المعرفة» السورية، ومجلة «وجهات نظر» المصرية.
يذهب القسم الثاني من الكتاب في الاتجاه المعاكس، فهو يحمل العنوان التالي: «صورة العرب في الصحافة الغربية» (مع عنوان إضافي إيضاحي: «كيف يرى الغرب العرب من منظور ثقافي؟») ويجيب عن السؤال التالي: إلى أي مدى يسهم الإعلام الغربي من خلال تعامله مع قضايا أبناء الحضارة العربية وأنشطتهم وثقافاتهم ورسم صورة معينة لهم، في دفع الحوار بين الثقافتين الغربية والعربية، أو يسهم خلافا لذلك في كبح هذا الحوار ووضع العراقيل في طريقه؟ وللإجابة عن هذا السؤال على نحو ما تلخصه الفقرة التالية: «تعتمد وسائل الإعلام الغربية قوالب نمطية سلبية جاهزة في تعاملها مع العرب وقضاياهم السياسية والفكرية. وجل هذه القوالب مستحضر من التاريخ السابق على الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001
(…) وعلى الرغم من ذلك، فلا يمكن الاستهانة بالإضافات السلبية على الصورة العربية في الإعلام التقليدي والحديث بعد أحداث سبتمبر 2001، ولا يمكن التغاضي عن الدخول المنظم لجهات أخرى على خط تشويه الصورة العربية واستخدام الإعلام ووسائله»، تلقي هذه الدراسة الضوء على الإنتاج الإعلامي الغربي الخاص بتغطية الأنشطة الثقافية والقضايا الاجتماعية العربية الحاصلة في عام 2009. وهي تركز على القضايا المرتبطة بالمسلمين والمسيحيين العرب والحضارة العربية من دون المسلمين غير العرب، إلا في الحالات التي بدا فيها التداخل وثيقا ويصعب التمييز في محتواها من هذه الناحية؛ فرصد المتغيرات المرتبطة بنوع المطبوعات الغربية. بعض هذه المتغيرات يتصل بوتيرة صدور المطبوعة (يومية – أسبوعية–شهرية) أو بلغتها (الفرنسية – الإنجليزية–والألمانية) أو بتموضع المادة الإعلامية في المطبوعة (صفحة الغلاف–الصفحة الأولى – الملحق–الصفحة الثقافية–الصفحات الداخلية الثانوية.. إلخ)، أو بالتصنيف النوعي للمادة الإعلامية (ملف – مقالة – افتتاحية – مقابلة – تقرير – خبر–مراجعة كتاب–بريد القراء.. إلخ) أو بصفة منتج المادة الإعلامية (مراسل – كاتب–وكالة أنباء.. إلخ) أو بالمكان الذي تصدر عنه المادة الإعلامية.. إلخ،
فبلغ عدد الوسائل الإعلامية التي اعتمدتها الدراسة 9 مطبوعات: صحيفتان يوميتان إحداهما بالإنجليزية «نيويورك تايمز» (New York Times) والأخرى بالفرنسية «لو موند» (Le Monde)، وصحيفة أسبوعية باللغة الألمانية «دي تسايت» (Die Zeit)، وأربع مجلات أسبوعية إحداها بالألمانية «دير شبيغل» (Der Spiegel) والثانية بالإنجليزية «تايم» (Time) واثنتان بالفرنسية هما «لوفيغارو» (Le Figaro) و«لو بوان» (Le Point)، وأخيرا مجلتان شهريتان إحداهما بالإنجليزية «بروسبكت» (Prospect) والأخرى بالألمانية «بلت در ويسنشافت» (Bild Der Wissenschaft).
«حالة حوار الثقافات» (التقرير الأول) هو دراسة مسحية هدفها تتبع الصحافتين العربية والغربية، من طريق اختيار عينات من تلك الصحافة، هي العينات الأكثر تعبيرا ودلالة وتمثيلا لها. ففي القسم الأول من الكتاب يعمد د. خليل إلى «استجلاء خصائص صورة الغرب في الصحف العربية من خلال ما ينسب إليه من أدوار أو صفات أو معان يتم إضفاؤها عليه وتفضي إلى تقديمه على نحو معين إلى القارئ؛ كما تهدف إلى تحليل الكيفية التي تؤثر بها سياقات تقديم صورة الغرب داخل الصحف العربية في خصائص هذه الصورة وسماتها، وإلى تحليل حدود التقاطع أو المفارقة في خصائص تقديم صورة الغرب وأطرها داخل الصحف العربية المنتمية إلى أقطار مختلفة، وكذلك إلى تقييم الدرجة التي تصب فيها المعالجة الصحافية لصورة الغرب في سياق دعم مفهوم حوار الثقافات أو تأكيد مفهوم صراع الثقافات».
وبما أن الحدود الزمانية للدراسة تنحصر في عام 2009، فقد كان من الطبيعي أن تعد هذه الدراسة وتكتب بعد عام 2009، وأن لا تدخل في إطارها مجموعة الأحداث والقضايا الحاصلة بعد ذلك التاريخ على الرغم من وقوعها في صلب اهتمامها. اقتصرت معالجة الموضوع على ما ورد في الصحف المطبوعة المختارة بناء على عدد من العناصر. ولا تهدف الدراسة إلى تعميم نتائجها على الإعلام الغربي كله، على الرغم من القناعات السائدة بأن الإعلام المطبوع ما زال المصدر الرئيسي لاستقاء الأخبار؛ فـ«بحسب دراسة صادرة عن معهد بيو الأميركي، فإن الصحف المطبوعة وتوائمها الإلكترونية تؤمن 61 في المائة من المعلومات التي يتداولها الأفراد»، وإن «وسائل الإعلام الأخرى، وبخاصة التلفزيونات، ومواقعها تستقي 80 في المائة من معلوماتها من الصحف المطبوعة»، كما يقول مؤلفا الكتاب.
ليست الغاية من رسم ملامح الصورتين اللتين ذكرنا تبين صورة كل منا في مرآة الآخر والدخول في متاهة لعبة المرايا التي لا تنتهي، وإنما الغاية هي توظيف تلك الصور في حوار موضوعي مسؤول يضع نصب عينيه تنقية كل من الصورتين من الشوائب التي تلحق بها وإسقاط ما يعتريها من تشويه تفرضه الأفكار المسبقة والنيات الآيديولوجية أو الصور النمطية الموروثة وذلك بقصد الاقتراب قدر الإمكان من وقائع التاريخ الفعلية وقراءة ملامحها في الواقع الثقافي والحضاري بغية الوصول إلى التقريب بين الثقافات انطلاقا من كون الحضارات الإنسانية جميعا هي جوهر واحد مهما تعددت أشكاله وعبر عن نفسه بتجليات مختلفة. فقد أفضت الصورة النمطية التي تكونت في الأذهان عبر التاريخ وعلى جانبي المتوسط إلى رسوخ المقولة الشهيرة الناسفة لجسور علاقات الحوار والتواصل بين الشعوب: «الشرق شرق والغرب غرب ولا يلتقيان»، التي بنيت عليها السياسات الاستعمارية طوال القرنين الماضيين، وهي مقولة نقد مزاعمها المفكر الفرنسي رينيه غينون (Rene Guenon) صاحب مؤلف «الشرق والغرب» وهو المؤرخ الذي نهل من كبار فلاسفة الصوفية في العالم: لاوتسو الصيني، وأفلاطون الإغريقي، وآدي شانكارا الهندي، وابن عربي العربي، والمعلم إيكهارت (Maitre Eckhart) الفرنسي.
تثير الفوارق الثقافية الكثير من التساؤلات وتبعث على القلق والحيرة في غياب الحوار والتفهم. لم يسبق أبدا أن كان الحوار مفيدا وملحا كما هو مفيد وملح اليوم، واليوم بات البحث عن الآخر مطلوبا أكثر من أي وقت مضى بغية معرفته والتعرف إليه. لا بديل البتة للحوار فهو وحده البديل لكل ما تحمله عبارة «صراع الثقافات والحضارات» التي جاء بها صمويل هنتنغتون. ولعل «توحيد الشعوب بتقريب بعضها من بعض عبر التبادل الثقافي هو ما يعلمنا القبول بالفروق القائمة بيننا لكي يتقبل كل منا الآخر»، على حد قول جان بيار فاي (Jean-Pierre FAY)، فمن بحر التنوع الثقافي الهائل الذي تسبح فيه الإنسانية نستمد جميعا الوسائل الضرورية التي تمكننا من مجابهة مخاطر الغد التي تتهدد البشرية جمعاء.