هل تعتقد اننا سنقضي على الفساد، في يوم ما؟ أم أنه هو الذي سيقضي علينا !؟
..
محاولة لا نلزم بها أحدا للإجابة:
قبل كل شيء، سنسأل أولا: هل لدينا الرغبة، أصلا، بالقضاء على الفساد؟
وأيهما أكبر رغبتنا بالقضاء على الدولة، أم القضاء على الفساد المنتشر فيها؟
وإلا فما هو سر انتشاره بيننا، أفرادا وجماعات، ومؤسسات؟
.
جوابنا في شقين: الأول يتعلق بثقافة الفساد، والثاني يتعلق باقتصاد وسياسة الفساد، وسنحاول الإجابة على الثاني الآن
وعليه نقول،
أننا في ظل الواقع السياسي والاقتصادي الحالي، و”إنجازاته التاريخية” فأن القضاء على الفساد غير ممكن نهائيا!
بل أن العكس هو الصحيح، وهو أنه سيواصل التقدم وتحقيق “النجاحات”، شئنا أم أبينا !!
والسبب هو أن كل الثروة المتوفرة داخل البلد تأتي من مصدر رئيسي واحد هو النفط،
وأن أموال النفط هذه بيد الدولة
والدولة واقعة تحت هيمنة الحيتان وقادة الكتل، وهؤلاء همهم الوحيد الحصول على أكبر قدر ممكن من الأموال التي تحصل عليها الدولة، وكل الخلافات فيما بينهم، قائمة على قوانين هذا الصراع. وهذا هو مصدر الفساد الأكبر..
.
أما الشعب بأكمله فيحصل على المال بعدة طرق منها
أولا: موظفين في الدولة، التي جرى توزيع مؤسساتها كحصص لقادة الكتل، واصبحوا بالتالي تابعين لقادة الكتل وحاشيتهم، وليس للدولة مباشرة.
ثاينا: تجار جملة ومفرد ومقاولين وشركات مصدر أموالهم يعتمد على عقود ومشاريع الدولة
ثالثا: مواطنين غير محسوبين على الدولة ومصدر رزقهم يعتمد على رواتب الموظفين.
.
والصورة إجمالا ..
هناك عين واحدة تنبع منها الثروة هي خزينة الدولة، وهي ثروة محدودة، والشاطر هو الذي يستطيع ان يقبض على اكبر حصة من هذه العين، وبأي طريقة.
والطريقة الأفضل التي تسهل “سرقة” واقتناص الثروة، هي برفع لافتة الطائفية، بحجة الدفاع عن الحقوق الطائفية.
نخرج مما سبق إلى نتيجتين تتعلقان بطفي المعادلة الحيتان من جهة، والشعب من جهة أخرى
..
الأولى أن: مبدأ تفتيت سلطة الدولة، وإضعافها، أصبح هو الهدف الوحيد المفضل لجميع الحيتان،
وهذا ما نستطيع اكتشافه بسهولة حولنا، فكل شيء تقريبا، يقف على شفا جرف هار، وعلى وشك الانهيار.
والأسوأ، هو أن كل المشتركين في عملية السلب والنهب المنظمة والمتواصلة لأموال الدولة، لا يملكون خيارا آخر، مهما ادعوا غير هذا، لأنها مسألة مصيرية وأي تهاون أو تنازل معناه انهيارهم التام، بل وفنائهم عن بكرة أبيهم!
.
النتيجة الثانية: هي ان أفراد الشعب، بحاجتهم الماسة لأموال الدولة، فقدوا إرادتهم الحرة، في اختيار مرشحيهم في الانتخابات، فهم مضطرون لانتخاب الفاسدين أنفسهم، فلن يستطيع احد منهم مطلقا ما عدا المغامرين وهم قلة، انتخاب فاسد آخر غير فاسدهم المفضل، والذي يتحكم بمصدر رزقهم الوحيد..
صحيح ان الكل يحتج على الفساد والفاسدين، ويملأ الدنيا ضجيجا ضدهم، لكن هذه الصورة يجب أن لا تؤخذ على علاتها، فلو دققنا أكثر، لوجدنا أن كل هذه الاحتجاجات هي إما تعميمية وقيمية مشابهة تماما لكلام الفاسدين انفسهم من جانب،
أو موجهة لجهات محددة تستثني الجهات التي يعمل لصالحها المواطن، ويخشى أن يتعرض لها من جانب آخر.
بناء على ما سبق
الفساد مرتبط عضويا بالاقتصاد الريعي ونظام المحاصصة في الدولة، ولا خلاص منه نهائيا، مهما كبر حجم الادعاءات، إلا بحل واحد هو تنويع مصادر دخل المواطنين، وعدم ربطه بشكل حاسم بأموال الدولة و”فاسديها”.
وهذا لن يتم إلا بوجود اقتصاد حر ومنتج ومنفتح على العالم استيرادا وتصديرا،
وهو امر نشك أن الحيتان ستسمح بظهوره، إنها تعرف جيدا أن في هذا يكمن مقتلها!
ولهذا تجد أن أغلبهم لا يبالي بكثرة العطل والمناسبات الدينية، ولا بمنح الإجازات، للموظفين، فهو يكسب بهذا الأمر عدة عصافير بحجر واحد .. وهو أن يظهر متفضلا أولا، وكريما وعطوفا على موظفيه، وفي الوقت نفسه، يجعلهم مرتبطين ومطيعين له اكثر ثانيا، وغير مستقلين وغير منتجين ثالثا !
.
قرصة إذن أخيرة: حضارة الغرب وتطورهم بأكمله بدأ بهذه الطريقة، وهو الأمر الذي سمح بأن تكون الدولة معتمدة على دأب واجتهاد المواطنين وليس العكس.
.
.. بقلم: منصور الناصر