حرب شوارع معقدة:
جنود من داخل الموصل: نقاتل داعش من بيت إلى بيت
مصطفى حبيب
تحوّلت معركة الموصل إلى حرب شوارع، إذ اختار “داعش” القتال داخل الأحياء السكنية المأهولة بالسكان، والمحصلة دمار كبير وقصص محزنة عن الجنود والسكان الأبرياء والأحياء المدمرة، ويبدو أن المعركة ستأخذ وقتاً طويلاً.
23.11.2016 | بغداد أمن (الصورة: Counter-terrorism corps website) (الصورة: Counter-terrorism corps website)
في احد مستشفيات العاصمة بغداد يرقد الجندي في قوات مكافحة الإرهاب وسام الزبيدي لتلقي العلاج اثر رصاصة أصابت قدمه في معركة حي “المعلمين” شرق الموصل الأسبوع الماضي بكمين نصبه تنظيم “داعش” لوحدته العسكرية، قتل احد رفاقه وأصيب ثلاثة بينهم وسام الذي مازال يتبادل الاتصالات الهاتفية مع باقي وحدته العسكرية هناك للاطمئنان على سلامة رفاقه.
في الليلة التي سبقت إصابة وسام، جاءت الأوامر من القيادة العليا إلى وحدته العسكرية باقتحام منطقة المعلمين فجرا، رسم قائد الوحدة خطة الهجوم وهيأ الجنود أسلحتهم، لكنهم فوجئوا بسيارة مفخخة تنفجر قرب عربات الهمر أعقبها اطلاق رصاص كثيف من كل جانب، أصيبت به قدم وسام الذي يصف المعركة: “نقاتل داعش من بيت الى بيت فالمعركة تحولت الى حرب شوارع”.
يبلغ وسام من العمر (27 عاما) وهو احد فرق الاستطلاع المتقدمة في الجبهات، يقول لـ”نقاش” إن “الخوف ليس من الموت، بل الخوف من ان يموت صديق في المعركة كنا قبل ساعات نحتسي الشاي معه ونتبادل الأحاديث عن حبيباتنا وأهلنا، هكذا خسرت صديقي الذي كان على بعد أمتار عني، نقلونا فورا إلى بغداد عبر طائرة هيلكوبتر، التطلع إلى جثته طول الطريق بحزن عميق زاد من أوجاع إصابتي”.
بعد خمسة اسابيع على انطلاق الحملة العسكرية لاستعادة الموصل تمكن الجيش العراقي والبيشمركة من محاصرة المدينة عند الضواحي، ولكن جهاز مكافحة الإرهاب المحترف كان القوة الوحيدة التي تمكنت من اختراق المدينة في الجانب الشرقي وهي الآن تسيطر على عدد من الأحياء السكنية بصعوبة بالغة.
ويعود تاريخ تأسيس جهاز مكافحة الإرهاب إلى عام 2003، شكلّه الجيش الأميركي ليكون قوات خاصة تساعده في المهام العسكرية، وبينما انهار الجيش العراقي في الموصل والانبار وصلاح الدين خلال ساعات في حزيران (يونيو) 2014، حافظت قوات مكافحة الإرهاب على تماسكها، ليكون لها دور مهم في معارك التحرير لاحقاً.
ويقول وسام ايضا “شاركت في معارك كثيرة قبل شهور في الفلوجة وتكريت والرمادي، بلا شك ان معركة الموصل هي الأصعب، المعركة تحولت الى حرب شوارع وسط آلاف المدنيين الأبرياء، الرصاص من كل جانب بينما يركض نحونا الأطفال والنساء ورجال كبار في السن، إنها معركة معقدة حقا”.
عشرة أحياء شرق الموصل حتى الآن يسيطر عليها الجيش وهي الكرامة، الملايين، الاربجية، القادسية، السماح، الزهراء، الانتصار، كوجلي، المعلمين، المحاربين، وهي عينة صغيرة من المدينة التي تضم أكثر من ستين منطقة.
“بكل تأكيد المعارك داخل الأحياء السكنية معقدة جدا”، يقول النقيب في قوات مكافحة الإرهاب احمد العبيدي لـ “نقاش” “لدينا ثلاثة واجبات في وقت واحد، علينا حماية المدنيين الأبرياء، تحرير المناطق، وحماية أنفسنا من كمائن داعش، بينما لا يكترث المتطرفون بحياة المدنيين وغايتهم تدمير القوات الأمنية بأي ثمن ولهذا المعركة صعبة”.
قبل أيام فوجئت الوحدة العسكرية التي يقودها احمد بقصف صاروخي عشوائي نفذه “داعش” على منطقة القادسية شرق الموصل دون اكتراث بالسكان الأبرياء، قتل وأصيب العشرات، وقامت الوحدة العسكرية التابعة إلى احمد بنقل الجثث وعلاج الجرحى بينهم أطفال.
الأوامر التي تلقاها احمد من القيادة العليا صارمة جدا في شأن حماية السكان، ان “حماية مدني واحد افضل من قتل عشرة متطرفين، هذا ما ابلغني به قائدي الأعلى، ولهذا نتقدم ببطء خوفا على المدنيين ولكننا نخسر العديد من الجنود يوميا”.
ويصف النقيب احمد المعركة الدائرة هناك في الاحياء الشرقية للموصل قائلا “كل شارع أصبح جبهة، والمسافة بين جنودنا والمتطرفين لا تزيد عن 50 مترا في بعض الاحيان، وعلينا استخدام الجرافات لبناء ساتر عند نهاية كل شارع للقتال خلفها ومن ثم إزالتها وبناؤها في الشارع التالي، هكذا تسير المعركة بعدما اختار داعش القتال داخل المدينة”.
وعلى الرغم من دخول الجيش الى بعض احياء المدينة ما زال الرجال من السكان بلحى كثة وطويلة بسبب قوانين “داعش”، ويشعر عناصر الوحدة العسكرية التي يقودها النقيب احمد بالقلق خلال تجولهم راجلين داخل الشوارع، فربما يكون بعض هؤلاء الملتحين متطرفين وانتحاريين يتسللون بين السكان الابرياء.
والمشكلة الاخرى هي العجلات المفخخة التي تنفجر عليهم من كل جانب، وفي بعض الاحيان تتم محاصرة الوحدات العسكرية داخل احد الشوارع من كافة الجوانب لساعات، قبل ان تأتي التعزيزات العسكرية لفك الحصار عنهم.
في حي الزهور المجاور الى حي القادسية، يروي الجندي قصي سلام الايام الثلاثة الصعبة من القتال ضد المتطرفين قبل ان تتمكن وحدته العسكرية في السيطرة على المنطقة، ويقول لـ “نقاش” “كان هناك كمين وضعه داعش عند مدخل المنطقة عبارة عن خمس عبوات ناسفة متراصفة على طول الطريق الرئيسية، ولكننا تمكنا من كشفها وتفجيرها عن بعد”.
بعدها أسرع قصي وزملاؤه بتأمين الطريق وبناء ساتر من الركام وبقايا السيارات المدمرة عند نهاية احد الشوارع لمنع وصول العجلات المفخخة اليهم، وابتعدوا عن الساتر 30 مترا، بعد ساعات من الانتظار والترقب بدأ الجنود يسمعون وقع أقدام وصراخ على الجانب الآخر من الساتر، اعتلى الساتر نساء ورجال يحملون أطفالهم قادمين من الجانب الآخر يركضون نحو الجنود والرعب ماثل على وجوههم.
ومن اشد صعوبات المعركة عدم امتلاك القوات العراقية معلومات استخباراتية دقيقة عن أماكن المتطرفين داخل الأحياء، ويقول قصي “نستعين بالسكان الهاربين من منازلهم للحصول على معلومات عن الشوارع المفخخة والمنازل التي يتحصن فيها مقاتلو داعش، في بعض الأحيان نحصل على معلومات مفيدة ولكن بعض السكان ما زال خائفا من عودة التنظيم مجددا الى المنطقة وقتله بتهمة التعاون مع القوات الأمنية”.
مع اقتراب غروب الشمس في احد الأيام، طرق قائد الوحدة العسكرية التي يعمل فيها قصي احد أبواب المنازل، ويقول “بعدها شاهدنا علماً ابيض يخرج من احد نوافذ المنزل ورجل يصيح بأعلى صوته نحن أبرياء أرجوكم عندي أطفال”.
بعد اطمئنان صاحب المنزل للجنود فتح باب منزله وهو يؤدي التحية العسكرية الرسمية لهم والدموع تنهمر من عينيه، “قال لنا انها دموع الفرح ورحب بنا في منزله ونادى على زوجته لتحضير الشاي، قضينا ساعات الليل في منزله حتى بدأ الفجر بالبزوغ، ودّعنا صاحب المنزل الذي بادر بالقول “حفظكم الله، رجاءً أنقذونا من هؤلاء المجرمين”.