كم أفلحت وكم أخفقت الأديان في تنزيه الله؟
هذه هي الحلقة الحادية والعشرون من مختارات من مقالات كتبي الخمسة في نقد الدين، حيث سنكون مع مقالات الكتاب الثاني «لاهوت التنزيه العقيدة الثالثة».
عقيدة التنزيه ومراتب التنزيه في الأديان
نشرت باسمي المستعار (تنزيه العقيلي)، وهي تعبر عن مرحلة ما بين نهايات اعتمادي للمذهب الظني وبدايات تحولي إلى عقيدة التزيه.
من التأويل العقلي للدين في ضوء المذهب الظني، أي تبني الإيمان اليقيني بالله، والإيمان الظني بالدين، والذي يُبقي الباب مفتوحا أمام الإمكان العقلي للتفكيك بين الإيمان والدين، بحكم التفكيك بين العقل والنص؛ من كل هذا تتشكل عقيدة التنزيه، بمعنى تنزيه الله سبحانه عن المقولات الدينية المتعارضة مع ضرورات العقل، ومع عدم إمكان أو عدم قبول تأويلها تأويلا عقليا. فالمذهب الظني والتأويل العقلي والتفكيك، أي نفي وجوب التلازم – مع الإبقاء على إمكانه – بين الدين والإيمان، هذا هو مذهب وعقيدة ودين وفلسفة التنزيه. فإذا كان الإيمان بالخالق وحده لم يؤد إلى توحيده، فجاءت الرسالات التوحيدية لتُخرج الناس من الإيمان الشركي إلى الإيمان التوحيدي، بقيت هناك حاجة لانبعاث عقيدة تنزيهية حقيقية، تنزهه تعالى عما تأباه العقول السوية، وتنفر منه النفوس القويمة؛ قلنا بقيت مع انبعاث عقائد التوحيد الحاجة لانبعاث عقيدة تنزيه حقيقية، لكنها تبقى ظنية ونسبية فيما تتوصل إليه، لأن الحقيقة النهائية المطلقة تبقى في علم علاّم الغيوب سبحانه وتعالى عن فهمنا البشري القاصر.
بدايات تشكل عقيدة التنزيه
في أول تشكل عقيدة التنزيه لديّ قلت إنها تتشكل من التأويل العقلي للدين في ضوء المذهب الظني، أي تبني الإيمان اليقيني بالله، والإيمان الظني بالدين، والذي يُبقي الباب مفتوحا أمام الإمكان العقلي للتفكيك بين الإيمان والدين، بحكم التفكيك بين العقل والنص؛ واعتبرت عقيدة التنزيه تنزيها لله سبحانه عن المقولات الدينية المتعارضة مع ضرورات العقل، ومع عدم إمكان أو عدم قبول تأويلها تأويلا عقليا. واعتبرت أن المذهب الظني والتأويل العقلي والتفكيك، أي نفي وجوب التلازم – مع الإبقاء على إمكانه – بين الدين والإيمان، هو مذهب وعقيدة ودين وفلسفة التنزيه. وقلت إذا كان الإيمان بالخالق وحده لم يؤد إلى توحيده، فجاءت الرسالات التوحيدية لتُخرج الناس من الإيمان الشركي إلى الإيمان التوحيدي، بقيت هناك حاجة لانبعاث عقيدة تنزيهية حقيقية، تنزهه تعالى عما تأباه العقول السوية وتنفر منه النفوس القويمة؛ قلنا بقيت مع انبعاث عقائد التوحيد الحاجة لانبعاث عقيدة تنزيه حقيقية، لكنها تبقى ظنية ونسبية فيما تتوصل إليه، لأن الحقيقة النهائية المطلقة تبقى في علم علام الغيوب سبحانه وتعالى عن فهمنا البشري القاصر. ولكني بعد حين توصلت إلى أن عقيدة التنزيه لا يمكن لها أن تنزه الله تمام تنزيهه، ما لم تنزهه عن الدين، عن كل الأديان بلا استثناء، لأن الإيمان العقلي الفلسفي، وبالتالي الإيمان اللاديني، هو الأرقى مرتبة إيمانية من كل الإيمانات الأديانية. وهذا ما أوضحه في ملامح عقيدة التنزيه وما يتبعها.
ملامح عقيدة التنزيه
هذا موجز لعقيدة التنزيه، والتي ملخصها هو (الإيمان بالله)، مع (الإيمان بعدم الدين)، والذي يمثل خطوة متقدمة في الحسم من مجرد (عدم الإيمان بالدين)، أو بتعبير آخر – بعد تجريد مفردة الكفر من معناها السلبي، نقول ملخص عقيدة التنزيه هو (الإيمان بالله والكفر بالدين)، عملا بالنص القرآني، «فَمَن يَّكفُر بِالطّاغوتِ وَيُؤمِن بِاللهِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقى لَا انفِصامَ لَها وَاللهُ سَميعٌ عَليمٌ». فإذا ما افترضنا أنه ثبت لمن ثبت له أن الدين هو مصداق للطاغوت، كما هو مصداق للصدّ عن سبيل الله؛ هذا إذا علمنا أن الطاغوت يعني كل ما طغى، أي تجاوز حده، واستحال نِدّاً لله، وعامِلَ صَدٍّ عن سبيل الله [فيما هو الجوهر لا الشكل]، مما يجعل أحد تفسيرات النص القرآني أعلاه على ضوء التفسير المصداقي، أو التفسير بالمصداق أي بالمثال، هو «فَمَن يَّكفُر بِالدّينِ وَيُؤمِنم بِاللهِ فَقَدِ استَمسَكَ بالعُروَةِ الوُثقى لَا انفِصامَ لَها وَاللهُ سَميعٌ عَليمٌ». وهذا ما جعلني أقول بأن قول ماركس بأن كل شيء يحمل نقيضه، يصدق هنا على أقل تقدير. ويجدر الإشارة بأن الاعتقاد بكون القرآن نتاجا بشريا وليس وحيا إلهيا لا يمنع من الاستشهاد ببعض نصوصه، كما يجوز الاستشهاد بأي نص يقره العقل على نحو ما.
مراتب الإيمان بالله
التنزيه هو أعلى مراتب الإيمان بالله، أو بثمة إله من مجموع تسع مراتب على وفق تقسيمنا أدناه، والذي نبدأه من أدنى المراتب وننتهي بأعلاها:
1. المرتبة التاسعة (مرتبة الإيمان بألوهية غير الله):
وهي مرتبة تأليه إله أو أكثر من إله، من غير أن يكون الله خالق الوجود مشمولا بالألوهيه والربوبية.
2. المرتبة الثامنة (مرتبة تعدد الآلهة التكافؤي):
هي المرتبة الدنيا من الإيمان بالله، إذا استثنينا المرتبة التاسعة أعلاه، والتي تعتمد الاعتقاد بأكثر من إله؛ بإلهين أو بأكثر من الآلهة أو الإلهات أو الآلهة والإلهات، وهي مرتبة التعددية الإلهية، والمعتقدون بأكثر من إله أو إلهة على نحو التكافؤ يمكن أن ننعتهم بالإلهيين التعدديين أو المُعدِّدين، ويكون الله عندهم هو أحد آلهتهم أو إلهَيهِم، إن كانو ثنويين.
3. المرتبة السابعة (مرتبة الشرك بالله):
المشركون هم أعلى مرتبة من التعدديين التكافئيين أو الإلهيين المعدِّدين. فذوو المرتبة الإيمانية السابعة هؤلاء أي المشركون يمكن نعتهم بالموحدين المشركين، لأنهم وإن كانوا يشركون بالله، أي يجعلون له شريكا أو شركاء في الألوهية، ولكنهم الأقرب إلى الموحدين من غيرهم من التعدديين أو المعددين، لأنهم يؤمنون بالله بوصفه الإله الأعلى، أي رب الأرباب وإله الآلهة. بينما المعددون المساوون بين الآلهة يجعلون كل الآلهة متكافئين، أي متساوين في مرتبة الألوهية والربوبية، ولذا يمكن أن نعد إيمان المشرك يمثل مرتبة أرقى من الفريق القائل بتعدد الآلهة على نحو التكافؤ. وبما أن الموحدين المشركين أو المشركين الموحدين يعتقدون بعقيدة تختزن التوحيد والشرك في آن واحد، فإن هؤلاء يتفاوت مدى اقترابهم من كل من قطبي التوحيد والشرك، فكلما اقتربوا أكثر من أحد القطبين وابتعدوا بنفس المقدار حُسِبوا على هذا أو ذاك الفريق. إذن في الوقت الذي يمثل فيه المعددون الإلهيون أدنى مراتب الإيمان بالله، يليهم بمرتبة أعلى منهم المشركون المؤمنون بعُلوية ألوهية الله على بقية الآلهة هؤلاء.
4. المرتبة السادسة (مرتبة التوحيد العددي):
وأتباع هذه المرتبة الراقية نسبيا أي الموحدون العدديون، أي المؤمنون بالله إلها واحدا لا شريك له في الألوهية، صحيح إنهم وحدوا الله، ولكنهم يقتصرون على التوحيد العددي، إذا صح التعبير، وهذا لا يرتقي إلى مرتبة التنزيه، أو التوحيد التنزيهي، وإن كان أصحابها قد نزهوا الله تنزيها جزئيا، وذلك بتنزيهه عن الكثرة والتعدد. [ومثال هذا هو التوحيد حسب الديانة اليهودية.]
5. المرتبة الخامسة (مرتبة توحيد الإسلام النصي):
وهذه المرتبة أعلى نسبيا في التنزيه، ويمكن أن نسمي أصحاب هذه المرتبة ب(المسلمين النصيين) نسبة إلى الدين الإسلامي، أو (المنزهين الدينيين)، ووصفهم بالدينيين أو النصيين أو النقليين أو الوحيانيين، لتعويلهم بدرجة أساسية على النص (المقدس) وعلى النقل، أو على ما يعتقدونه وحيا. فالمسلمون عموما لم يقتصروا على توحيد الله بالقول بواحديته، بل ذهبوا إلى أبعد من الواحدية بقرنها بالوحدوية، أي أنه ليس واحدا لا يتعدد، بل وحدوي [أو متوحِّد] لا يتجزأ، أو وحدة لا تتجزأ، ولكن النصيين هؤلاء يقعون في الكثير من الأحيان في مطب الابتعاد عن التنزيه، لتعويلهم على النص، أو لنقل ظاهر النص، إن كانت هناك تأويلات خارج المعنى الموحي به ظاهر النص، ويستبعدون العقل في تأويل النص. [وهم ينزهون الله من حيث العناوين الكبيرة، مثل «لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ»، و«إِنَّ اللهَ لا يَظلِمُ مِثقالَ ذَرَّةٍ»، ولكن هذه العناوين التنزيهية، سرعان ما تنقض عبر التفاصيل الناقضة للعدل الإلهي والحكمة الإلهية، وهذا ما سيقدم هذا الكتاب بحوثا تفصيلية فيه، على ضوء الأدلة العقلية، والبحوث القرآنية.]
6. المرتبة الرابعة (مرتبة توحيد الإسلام العقلي):
المسلمون العقليون يمثلون المرتبة الأشد تنزيها لله من النصيين أو النقليين. وذهب بالأخص العقليون منهم إلى أبعد من ذلك في التنزيه، فنزهوه عن أن تكون هناك ثغرة مهما بلغت من الضآلة في أي من صفات كماله، أي في علمه، في قدرته، في حكمته، في عدله، وركزوا على العدل بوصفه من الواجبات العقلية، فإن أرقى مراتب الإيمان بالله عند المسلمين هي مرتبة العدليين الذين هم عقليون بالضرورة، ذلك في مقابل النقليين أو الوحيويين، ولو إنهم عقليون نسبيون، لأنهم لم يبلغوا أعلى مراتب العقلية، فبقي تنزيههم لله سواء عند النصيين، أو حتى عند العقليين تنزيها ناقصا، وإن كان العقليون (النسبيون) قد أسسو لنظرية الحسن والقبح العقليين، بدلا من الحسن والقبح النقليين حصرا، والقائل بهما النصيون، الذين يستبعدون العقل في فهم الدين. وبسبب مراوحة حتى العقليين من المسلمين بين العقلية والنصية، غالبا ما وقعوا في التبريرية. ولذا كانت مرتبة التنزيه هي المرتبة العليا (الأولى) من هذه المراتب، كما سيأتي ذكره، لأن أصحابها أصّلوا مرجعية العقل، كما سنرى، ولذا استحقوا أن يُنعَتوا بالمنزهين أو التنزيهيين، لأنهم حاولوا وبدرجات متفاوتة، ولكن في كل الأحوال أعلى مما بلغه المسلمون، بما فيهم العقليون، أن يسدوا الثغرة في تنزيه العقليين النسبيين أو العدليين النسبيين.
7. المرتبة الثالثة (مرتبة التأويل العقلي):
وهذه أدنى مراتب المنزهين المتحررين من الجمود على النص بنسب متفاوتة، وهي مرتبة الدينيين العقليين التأويليين، فهؤلاء الذين هم أصحاب المرتبة الثالثة يؤمنون بالدين، ولكن يسعون لفهم العقيدة على ضوء العقل، ويؤوّلون مقولاتها تأويلا عقليا، فمهما ابتعد النص أو ظاهر النص الديني الذي يواجهونه عن الضرورات العقلية، بذلوا أقصى الجهد ولو بتكلّف إلى تأويله تأويلا عقليا، وقد يكونون مضطرين لتكلف التأويل العقلي، خشية الارتداد عن الدين، الذي – صحيح – أنهم يبقون منتمين إليه، إلا أنه في واقع الحال قد يكون غير دين أتباع الدين، أو مبتعدا بدرجة تجعله يكاد يكون دينا آخر غير ذلك الدين، أو لنقل على وجه الخصوص إسلاما آخر مغايرا لكل إسلامات كل فرق المسلمين.
8. المرتبة الثالثة (مرتبة المذهب الظني):
المرتبة الأعلى تنزيها أي الثانية هي مرتبة الظنيين، أي الذين يؤمنون بالدين على نحو الظن (أو الاحتمال)، ويُقصرون اليقين على الإيمان بالله، فهؤلاء تجاوزوا التأويلية، لأنهم رأوا أنهم لا يملكون اليقين بصدق تأويلاتهم، أي تأويل النصوص الدينية إلى ما ينسجم مع العقل ومع لاهوت التنزيه، ولكونهم أرادوا أن ينأَوا بأنفسهم عن التبريرية بحجة التأويلية، اختاروا أن يكونوا ظنيين فيما يتعلق الأمر بالإيمان بالدين، يقينيين فيما يتعلق بالإيمان بالله، لأنهم رأَوا أن الظنية الدينية قرينة اليقينية الإلهية، ولذا فإنهم خطَوا خطوة متقدمة على التأويليين غير الظنيين في العقلية والتنزيهية. من هنا اعتمدوا التفكيكية، وقالوا بالتفكيك بين الإيمان والدين، والإيمان هو ما ينعته العقليون التأويليون الظنيون بجوهر الدين، تمييزا عن الدين في فهم عامة الدينيين. وهؤلاء لم يبلغوا مع هذا أقصى درجات التنزيه، لأنهم اقتصروا على القول بالتفكيك بين الإيمان والدين على نحو الإمكان، دون حسمهم لوجوب التفكيك.
9. المرتبة الأولى (مرتبة التنزيه أو الإيمان العقلي المحض):
أصحاب هذه المرتبة سعوا ليكونوا عقليين إلى أقصى حد ممكن، مع إقرارهم بالقصور عن بلوغ المرتبة المطلقة، لأن المطلق عندهم هو الله وحده، باعتبار أن النسبية كمنهج فكري ملازمة للتنزيهية والعقلية، ومن هنا نزّهوه سبحانه عما نسبت إليه الأديان، وعدّوا العقل وحده، أي العقل الفلسفي والعقل الأخلاقي هو المرجع في فهم عقيدة الإيمان التنزيهية. وحيث بيّنّا أن المنزهين هم الآخرون مراتب متفاوتة، يبقى أعلاهم مرتبة التفكيكيون القائلون بوجوب التفكيك، ليس من حيث الوجوب الفلسفي المجرد، بل الوجوب الواقعي على ضوء واقع الأديان غير المنزِّهة لله حق تنزيهه، أو لا أقل على نحو الاحتمال الراجح أو ما يسمى بالظن المتاخم أي المقارب لليقين، فكانوا أعلى كل تلك الفرق مرتبة في تنزيه الله، إذ نزهوه عن كل مقولات الأديان التي لا تنسجم مع ضرورات العقل ومبدأ التنزيه الكامل، وإن كان كمال التنزيه هو كمال مطلق في حقيقته المجردة التي لعلها لا تُدرَك، إلا أنه كمال نسبي في إدراك العقل الإنساني في الواقع، لا العقل المجرد المفترض. فهؤلاء قد اقتربوا من التنزيه الكامل ربما بنسبة 75 إلى 99%. فالمنزهون بالدرجة العليا هذه لا يحتاجون إلى التأويل، لأنهم يستغنون أصلا عن النص الديني، وبالتالي يكون تأويل النص منتفيا بانتفاء موضوعه. وبالتالي فإنهم حسموا خيارهم باستبدالهم الإيمان الديني بالإيمان العقلي. نعم هم لا يرفضون كل النصوص الدينية، كما إنهم لا يرفضون كل نصوص أي رؤية فلسفية لا يتطابقون معها، فيأخذون من ذا وذا، بمقدار ما يتفق مع منهجهم العقلي ومع عقيدتهم التنزيهية، أو لنقل بتعبير أدق بدلا من (يأخذون) إنهم يلتقون بنسبة ما مع كل رؤية كونية أو فلسفة أو عقيدة بمقدار ما يلتقون معها، ليس بالضرورة اقتباسا، بل اقتناعا ذاتيا في ضوء قواعد العقل. وعندما نقول إنهم لا يرفضون كل النصوص الدينية، فإنهم في نفس الوقت يرفضون نسبة هذه النصوص إلى الله، بل يعتبرون النصوص الدينية نتاجا بشريا، وكأي نتاج بشري فهو يتضمن على نسبة من الصواب وأخرى من الخطأ. وهؤلاء يعتقدون أن الملحدين العقلانيين والإنسانيين هم إلهيون – وإن أنكروا الله – أكثر من الإلهيين غير المنزهين له سبحانه، أو المنزهين غير الإنسانيين.
هذه باختصار عقيدة التنزيه التي كانت الولادة الأخيرة بعد مخاضات العقلية التأويلية، ثم العقلية التأويلية المقترنة بالظنية، ثم التفكيكية الاحتمالية، ثم التفكيكية الجزمية، أي التنزيهية.
ويبقى الإلحاد بين هذه المراتب من غير شك أرقى مرتبة من المراتب الخرافية التاسعة والثامنة والسابعة والسادسة، بل أرقى من المرتبة الخامسة، بل ربما أرقى من كل المراتب الدينية، لأن الإلحاد ينزه الله أكثر من أتباع تلك المراتب، ولو بنفي النقص عنه بنفيه سبحانه، جل وتنزه وتعالى عن وصف الدينيين وإنكار اللاإلهيين.
كتبت لأول مرة في 31/08/2008 | ثم روجعت في 04/10/2008 | ثم في 27/04/2011
المشترك بين لاهوت التنزيه وما يغايره من الفلسفات
[فكرة جاءت متأخرة، أوحتها إلي مشاهدتي لبرنامج تلفزيوني يتناول رؤى الأديان المختلفة حول الموت والمعاد والحياة الأخرى والجزاء، وإلى غير ذلك، وجدت أن يكون مكان إدراجها هنا.]
لاهوت التنزيه، عقيدة التنزيه، فلسفة التنزيه، والتي أسميها بالألمانية ب „Vertadellosungstheologie“، يلتقي على ثمة مساحة مشتركة، مع كلّ أو لا أقل مع جُلّ ما يغايره، سواء المغايَرة على نحو التضادّ، أو المناوأة، أو التناغم، على نحو البعد النسبي، أو على نحو القرب النسبي، من الفلسفات، واللاهوتات، والعقائد. فلطالما أكتشف، غالبا عن طريق الصدفة ثمة مساحة مشتركة. نعم، هناك مساحة مشتركة حتى بين لاهوت التنزيه وبين الإسلام، بوصفه المصداق الأبرز للدين الذي يتنزه الله عنه، حسب لاهوت التنزيه، أو لنقل بينه وبين بعض صور الاجتهاد والفهم والتأويل للإسلام، وهكذا هو الحال فيما يتعلق الأمر ما بينه وبين المسيحية، ما بينه وبين التصوف، ما بينه وبين عقيدة المعتزلة، ما بينه وبين معتقدات إخوان الصفا، ما بينه وبين البهائية، وحتى أو من قبيل الأولى ما بينه وبين الإلحاد، ما بينه وبين فلسفات العديد من الفلاسفة، سواء تلك الفلسفات التي اطلع عليها صاحب لاهوت التنزيه، أو تلك التي لم يعرف عنها شيئا، وهو الذي لم يطلع حتى على ما اطلع عليه، إلا بمقدار اللمم الضئيل المتناثر.
10/11/2013 – هامبُرغ Hamburg
ضياء الشكرجي
[email protected]